">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز الخروج على الحاكم الظالم الفاجر؟


 اعلم أخى المسلم أن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أنهم متفقون على أن الحاكم الظالم الفاجر لا يجوز الخروج عليه للأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم التى تمنع صراحة الخروج على الحاكم ولو ظلم وفسق وعصى ،

فقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على قول وفعل كل أحد كائنا من كان ولم تستثن الأحاديث إلا الكفر الصريح؛ أى : كفر ظاهر واضح لا لبس فيه ستجد بيان ذلك فى الحديث رقم (6) . 

فإياك أن تقدم على قول النبي صلى الله عليه وسلم قول أحد فتندم، قال تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

وشرع الله للمؤمنين طاعة ولاة الأمور ولو كانوا فسقة ظلمة لما يترتب على ذلك من المصالح والفوائد العامة والخاصة للأمة من اجتماع الكلمة وتوحيد الصف وأمن الطريق وإقامة الشرع وإظهار الشعائر وتيسير كسب العيش والقيام بمصالح الخلق وغير ذلك .

ولم ينقل عن أحد من السلف المعتبرين لا من الصحابة فمن بعدهم مخالفة هذا الأصل أو القول بعدم لزوم الطاعة وجواز الخروج على الأئمة اللهم إلا خلافا عن بعض التابعين لكن هذا الخلاف وقع في الفتنة قبل أن تدون عقيدة أهل السنة والجماعة ،

ثم لما انكشفت الفتنة واتضحت الأمور تقرر هذا الأصل واستقر الإجماع عليه وبينه أئمة السنة وهو الموافق للنصوص الصريحة من الكتاب والسنة وصار ما حفظ من الخلاف اليسير شاذ لا يلتفت إليه لمخالفته للنصوص ومسلك الجماعة فلا يسوغ لأحد من المتأخرين الإستدلال به .

 ومن المتفَقِ عَليهِ بَيْنَ العُلَماءِ قَاطبَةً الرَّدّ إِلى الله وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ التَّنَازُعِ وأنَّ كُلَّ قَوْلٍ خَالَفَهُما مَرْدُودٌ على صَاحِبهِ كَائِناً مَنْ كَان، لِقَوْلِه تَعَالَى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). وقَوْلِه : [ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ].

 فَوَجَبَ الرَّدُّ إلى الكِتَاب والسُّنّة ومَا أَجْمَعَتْ علَيه الأُمَّة ولاشكَّ أنَّ السُّنَّة المستَفِيضَة عدم الخُروجِ على الحُكَّام الظلَمَة مَا لم نَرَى كُفْراً بَوَاحاً .

قَالَ شَيْخُ الإِسْلام رحمه الله : « وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ». انتهى من ( مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (26/202).).

وَقَالَ الخَطَّابِي رحمه الله : « وَلَيْسَ الاخْتِلاف حُجَّة، وَبَيَانُ السُّنَّةِ حُجَّة عَلَى المُخْتَلِفِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ وَ الآخِرِين ». انتهى من ( أَعْلامُ الحَدِيث لِلْخَطَّابِي (3/292). ).

وإليك بعضا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القطعية الواردة في الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على ظلمهم وجورهم والخروج عليهم ولم تَسْتَثْنِ إلاَّ الكُفْرَ الصَّرِيحَ والتى منها :

1- عن أنس بن مالك رضي الله عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسمعوا و أطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه. (رواه البخاري)

2- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كره من أميره شيئا فليصبر فأنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية. (متفق عليه)وفي رواية : " ألا من وَلِيَ عليه وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شيئا من مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتِي من مَعْصِيَةِ اللَّهِ ولا 
يَنْزِعَنَّ يَدًا من طَاعَةٍ ".([رواه مسلم]).

 فهنا النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأمرين اثنين :

الأول : " فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ".

الثاني : " ولا تَنْزِعُوا يَدًا من طَاعَةٍ ". وهو أمر بلزوم الجماعة.

قال الحافظ ابن حجررحمه الله : قَالَ ابن بَطَّالٍ : فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ جَارَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ ِعَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّب وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ.

قال ابن حجر : وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسَاعِدُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا. أهـ (فتح الباري (ج13/7 )).
  
3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسالون الله الذي لكم. (متفق عليه)

قال ابن تيمية - رحمه الله -: " فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمورًا منكرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم ونسأل الله الحق الذي لنا، ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال ولم يرخص في ترك الحق الذي لهم ". انتهى ([منهاج السنة (3/392)]).

4- عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال سأل سلمة بن سعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم. (رواه مسلم)

قال النووي - رحمه الله -: " أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم، وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال، وسببها اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم ". انتهى ([ شرح مسلم (12/225)]).

5- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون بعدي ائمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال قلت كيف اصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. (رواه مسلم)

قال النووي - رحمه الله -: " وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها". انتهى ([شرح مسلم (12/237).]).

وقال أيضا - رحمه الله -: " وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال، وسببها اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم ". انتهى ([شرح مسلم (12/225).]).

6- وجاء بإسناد صحيح أن عمر بن الخطاب قال لأبي أمية سويد بن غفلة : يا أبا أمية إني لا أدري لعلنا لا نلتقي بعد يومنا هذا [وفي لفظ: بعد عامنا هذا]، اتق الله ربك إلى يوم تلقاه كأنك تراه وأطع الإمام وإن كان عبداً حبشياً مجدعاً، إن ضربك فاصبر، وإن أهانك فاصبر، وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل طاعة دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة. أخرجه ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص279) ومن طريقه أبو عمرو الداني في الفتن (ج2/ص402) من طريق عبد الرحمن بن مهدي وأخرجه حميد ابن زنجويه في الأموال (ج1/ص74) من طريق أبي سعيد خلف بن أيوب العامري البلخي كلاهما عن إسرائيل بن يونس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: فذكره. إسناده صحيح

قال الآجري في الشريعة (ج1/ص380) : 

فإن قال قائل : إيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟ 

قيل له : يحتمل والله أعلم أن نقول : من أمر عليك من عربي أو غيره أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه ،

وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك، أو بضرب من لا يحل ضربه، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه، فلا يسعك أن تطيعه، 

فإن قال لك : لئن لم تفعل ما آمرك به وإلا قتلتك أو ضربتك، فقل : دمي دون ديني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل ولقوله صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة في المعروف هذا والله أعلم . انتهى

7- عن عباده بن الصامت رضي الله عنه قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما اخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان . (متفق عليه)

 دل الحديث على أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا بشروط بينها النبي - صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث وهى:

الشرط الأول : أن تروا بمعنى أن تعلموا علما يقينيا بأن السلطة ارتكبت كفرا عن عمد .

الشرط الثاني : أن يكون الذي ارتكبه السلطة كفرا فأما الفسق فلا يجوز الخروج عليهم بسببه مهما عظم .

الشرط الثالث : بواحا أي معلنا صريحا لا يحتمل التأويل .

الشرط الرابع : عندكم فيه من الله برهان أي مبني على برهان قاطع من دلالة الكتاب والسنة أو إجماع الأمة فهذه أربعة شروط .

والشرط الخامس : يؤخذ من الأصول العامة من الدين الإسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة لأنه إذا لم يكن لديهم قدرة انقلب الأمر عليهم لا لهم فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية حتى تقوى الجبهة الأخرى المطالبة لدين الإسلام .

والقاعدة الشرعية المجمع عليها : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين ، 

فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها ، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين ، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير ، واختلال الأمن ، وظلم الناس ، واغتيال من لا . يستحق الاغتيال . . . إلي غير هذا من الفساد العظيم ، فهذا

لا يجوز ، بل يجب الصبر ، والسمع والطاعة في المعروف ، ومناصحة ولاة الأمور ، والدعوة لهم بالخير ، والاجتهاد في تحفيف الشر وتقليله وتكثير الخير .

هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك ؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة ، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير ، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر . 

8- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض . (متفق عليه)

وهذا أمر بالصبر على الأثرة والظلم وهي نوع من الفتن حتى الممات. قال ابن حجر رحمه الله : قوله : " فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ " أي يوم القيامة. وفي رواية " حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإني عَلَى الْحَوْضِ ". أي اصبروا حتى تموتوا، فإنكم ستجدونني عند الحوض، فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر". انتهى ([فتح الباري (8/52)]).

9- عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه : فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج (أي الحجاج بن يوسف الثقفي) فقال اصبروا فأنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري)

10- قال صلى الله عليه وسلم : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ). متفق عليه. 

 قال ابن بطال في "شرحه للبخاري" (5/ 126) : « قال الرسول : .. (فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ) احتج بهذا الحديث الخوارج ورأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم ». اهـ.

فكما رأيت أخى المسلم فى هذه الأحاديث التى يخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون بعده من فتن شديدة يتعرض لها المسلمون ويجدون من بعض الحكام الأشرار مخالفة صريحة لهديه وسنته فترى منهم أشياء يطبقون الشرع فيها وأشياء يخالفون فيها الشرع فى أنفسهم وفى رعيتهم ،

ورغم ذلك فقد أوصى أصحابه بالصبر والسمع والطاعة لولي الأمر وذلك درءا لمفاسد كبيرة تُسفك فيها الدماء وتُنتهك الحرمات والصبر على هذا البلاء فيه رفع الدرجات حتى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ، أو يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ .

وهذه أيضا كانت نصيحة كبار الصحابة عند اشتدا الظلم من ولاة الأمور ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : شَيَّعْنَا أَبَا مَسْعُودٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَادِسِيَّةِ ، فَقُلْنَا : إِنَّ أَصْحَابَكَ قَدْ ذَهَبُوا ، فَاعْهَدْ إِلَيْنَا شَيْئًا نَأْخُذْ بِهِ . فَقَالَ : " اصْبِروا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ، أو يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلالَةٍ ". (موافقة الخبر الخبر - لابن حجر العسقلاني).

إليك إجْمَاعُ عُلَمَاء الأُمَّة عَلَى حُرْمَةِ الخُرُوج

وَقَدْ نَقَل إِجْماعَ الأُمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ الخُروجِ عَلَى الحَاكِمِ الجَائِر جَمْعٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ المحَقّقِينَ وَإِلَيْكَ أَقْوَالهم مَعْزُوَّةً إِلَى مَضَانّها :

قَالَ الإمَامُ أَحْمَد بنُ حَنْبَل :

 « أَجْمَعَ تسعُونَ رَجُلاً مِن التَّابِعِينَ وأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَأَئِمَّة السَّلَفِ وفُقَهاء الأَمْصَارِ، عَلى أنَّ السُّنّة التي تُوُفّي عَلَيْهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ـ وَذَكَر مِنْهَاـ : والصّبر تحتَ لِوَاء السُّلطان عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَدْلٍ أو جَوْرٍ، ولا نَخرُج عَلَى الأُمرَاء بالسَّيْفِ وَإنْ جَارُوا ». انتهى من (العقيدة للإمام أحمد برواية الخلال (ص 71 ، 72 – دار قتيبة- دمشق)).

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :

 هذا ذكرُ بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين.

وذكر منها : ولا نرى الخروجَ على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعَتَهُم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. أهـ (كتاب تخريج الطحاوية للألباني (ص 1 ، 68 ، 69))

وحكى الإجماع أيضا الإمام البخاري رحمه الله :

 أخرج اللاكائي بسنده إلى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُخَارِيَّ بِالشَّاشِ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَبَغْدَادَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ لَقِيتُهُمْ كَرَّاتٍ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ثُمَّ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ , 

أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً , أَهْلَ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْجَزِيرَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْبَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي سِنِينَ ذَوِي عَدَدٍ بِالْحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ , وَلَا أُحْصِي كَمْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي أَهْلِ خُرَاسَانَ , مِنْهُمُ الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى …….وأخذ يذكر من الأئمة وذكر من أصول السنة،

إلى أن قال : وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ثَلَاثٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ , وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ , وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ , فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ” , ثُمَّ أَكَّدَ فِي قَوْلِهِ : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }. [النساء: 59] . وَأَنْ لَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . انتهى من (شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 193 ،  194 ، 197)) صحح أثر البخارى هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 60) عند شرح الحديث الثامن من كتاب الإيمان من صحيح البخاري.

وقَالَ الإمَام أبُو الحَسَن الأشْعَرِي :

« الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ : وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد ». انتهى من (رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168). ).

وقَال الإمَام المُزَنِي صَاحِب الإمَام الشَّافِعِي :

« وَالطَّاعَة لأُولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عَزَّ وَجل مَرْضِيًّا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا وَتَركُ الْخُرُوج عِنْد تَعَدِّيهِم وَجَوْرِهِمْ وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رَعِيَّتِهِمْ ». انتهى من شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (84).

ثُمَّ قَال بَعْدُ :

« هَذِه مَقَالاتٌ وأَفْعَالٌ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الماضُونَ الْأَوَّلونَ مِن أَئِمَّة الْهدَى وَبِتَوْفِيقِ الله اعْتَصَمَ بهَا التابعون قدْوَة ورِضَى وَجَانَبُوا التَّكَلُّف فِيمَا كفوا فسُدِّدُوا بِعَوْنِ الله وَوُفِّقُوا لم يَرْغَبُوا عَن الِاتِّبَاع فيقَصّرُوا وَلم يُجَاوِزُوهُ تَزَيُّدا فيعتدوا فَنحْن بِالله واثِقُون وَعَلِيهِ مُتَوكِّلُون وَإِلَيْهِ فِي اتِّبَاع آثَارِهِم رَاغِبُونَ ». انتهى من ( شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (89).).

وقَالَ ابْنُ بَطَّة العكبرى رَحِمَه الله :

 « وقَدْ أجْمَعَت العُلماءُ مِن أَهْلِ الفِقْهِ والعِلْم والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد مِن أوَّل هَذِهِ الأُمَّةِ إلى وَقْتِنَا هَذا : أنَّ صلاةَ الجمُعَة وَالعِيدَيْنِ ومِنَى وعَرَفَات وَالغَزْو مَع كلِّ أَميرٍ بَرٍ وفَاجِرٍ... والسَّمْع والطَّاعَة لِمن وَلُّوه وَإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِياً إِلا فِي مَعْصِيةِ الله تَعَالى، فَلَيْسَ لمخْلُوقٍ فِيهَا طَاعَة ». انتهى من ( الإبَانَةُ الصُّغْرَى (ص: 279).).

وقَالَ ابنُ المُنْذِر :

 « كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ ». انتهى من ( فَتْحُ البَارِي لابن حَجَر (5/124)، وسُبُلُ السَّلامِ (2/379).).

وقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِي رحمه الله :

 « أَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ .

 قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ ». انتهى من شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229).).

ثُمَّ نَقَل الإِمَام النَّوَوِي عَن القَاضِي عِيَاض قَوْله :

 « وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ .

 قَالَ الْقَاضِي : وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحُسَين وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأشْعَث وتَأَوَّلَ هَذا القَائِل قَولَه أَنْ لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ،

 قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ». انتهى من ( شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229).).

قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّةَ :

« وَلِهَذَا (اِسْتَقَرَّ) أمْرُ أَهْل السُّنَّة عَلَى تَرْكِ القِتَال في الفِتْنَة للأحَادِيثِ الصَّحِيحَة الثَّابِتَة عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا في عَقَائِدِهِم ويأمرون بالصَّبرِ على جور الأئِمَّة وترك قِتَالهِم وإنْ كَانَ قَد قَاتَلَ في الفِتْنَة خلقٌ كثيرٌ مِن أهل العِلْمِ والدِّينِ ». انتهى من ( مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لابن تَيْمِيَّة (4/ 529) 

وقَالَ الحُسَيْن بْنُ عَبْدِ الله بن مُحَمد الطَيبِي :

 « وأمَّا الخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَتنَازعهِم (هكذا) فَمُحرَّمٌ بِإِجْمَاعِ المسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمينَ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُنَّة عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ لاَ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ؛ لِتَهْيِجِ الفِتَنِ فِي عَزْلِهِ، وَإِرَاقَة الدِّمَاءِ، وَتَفَرُّق ذَاتِ البَيْنِ، فَتَكُونُ المفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ ». انتهى من ( الكَاشِفُ عَنْ حَقَائِقِ السُّنَنِ (7/181 ـ 182).).

وقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في ترجمة : الحَسَن بْن صَالِح بن حَي » :

وقَوْلهم : » وَكَانَ يَرَى السَّيْفَ » يعني أنَّهُ كَانَ يرَى الخرُوجَ بِالسَّيْف عَلى أَئِمَّة الجوْرِ , وَهَذَا مَذْهَبٌ للسَّلَفِ قَدِيمٌ!!. لكنَّ» اسْتَقَرَّ» الأمرُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِما رَأَوْهُ قد أَفْضَى إِلَى أَشَدَّ منه؛ فَفِي وَقْعَةِ الحرّة وَوَقْعَة ابن الأَشْعَث وغيرهما عِظةٌ لمنْ تَدَبَّر! ». انتهى من ( تَهْذِيبُ التَّهْذِيب لابْن حَجَر (1/399).).

قَالَ الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخ في شَرْحِه لِلْعَقِيدَة ِالوَاسِطِيَّةِ (2/609) مُعَلِّقاً عَلَى كَلامِ الحَافِظِ ابْن حَجَر :

» وهَذَا القَوْلُ ـ مِنْ أَنَّه ثَمَّ قَوْلانِ فِيهِ لِلسَّلَفِ ـ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ بَل السَّلف  مُتَتَابِعُون علَى النَّهْيِ عَن الخرُوجِ ، لَكِن فِعْلُ بَعْضِهِم مَا فَعَل مِن الخرُوجِ، وهذا يُنْسَبُ إليه ولا يُعَدُّ قولاً ؛ لأنَّهُ مخالفٌ للنُّصُوصُ الكَثِيرة في ذَلِكَ ،

 كَما أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ نَنْسِبَ إلى مَنْ أَحْدَثَ قَوْلاً فِي العَقَائِد وَلَوْ كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ ، فَكَذَلكَ فِي مَسَائِل الإمَامَةِ لاَ يَسُوغُ أَنْ نَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ؛ 

لأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ القَوْل بِالقَدَر كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ أَحْدَثَ القَوْلَ بِالإِرْجَاء كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ ـ مِنْ جِهَة لُقِيِه للصَّحَابة ـ ، لَكِن رُدَّتْ تِلْكَ الأَقْوَال عَلَيهِ ولم يَسغْ أحَدٌ أَنْ يَقُول : ( كَانَ ثَمَّ قَوْلان لِلسَّلَف فِي مَسْأَلة كَذَا )، 

فَكَذلِكَ مَسَائِل الإِمَامَةِ أَمْرُ السَّلَف فِيهَا وَاحد ومَنْ تَابَعَهُمْ ، وَإنَّما حَصَلَ الاشْتِباَه مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ بَعْضِ الأَفْعَالِ مِن التَّابِعِينَ أَوْ تَبَع التَّابِعِين أَوْ غَيْرِهِم فِي ذَلِكَ ، والنُّصُوصُ مُجتمِعَة علَيهِم لا حَظَّ لَهُمْ مِنْهَا » .انتهى

وَقَالَ ابْنُ القَطَّان الفَاسِي : 

» و أَجْمَعُوا أَنَّ السَّمْعَ والطَّاعَةَ وَاجِبَة لِأَئِمَّة المسْلِمِين، وَأَجْمَعُوا عَلَى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِن أُمُورِهِم عَن رِضَا أَوْ غَلَبةٍ وَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ مِنْ بَرّ وَفَاجِرٍ لاَ يَلْزَمهُم الخُرُوجُ عَلَيْهم بِالسَّيْفِ، جَارُوا أَوْ عَدلُوا ». انتهى من ( الإِقْنَاع فِي مَسَائِل الإِجْمَاعِ لابْن القَطَّان الفَاسِي (1/61). )

قال العلامة الشوكاني رحمه الله :

وقد استدلَّ القائلونَ بوجوبِ الخُروج على الظلمة ومنَابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعُمومَات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ،

ولا شك ولا ريب أن الأحاديثَ التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة...انتهى من (نيل الأوطار (7/201))

قال الحافظ ابن حجر عند حديث (من قتل دون ماله فهو شهيد ) : 

قَالَ ابن الْمُنْذِرِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إِذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنهُ من عُلَمَاء الحَدِيث كالمجمعين عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ . انتهى من (فتح الباري (ج 5/124 – المعرفة – بيروت))

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ :

 كَيْفَ تَنْقُلُونَ الإِجْماعَ، وَقَدْ خَالفَ فِي هَذِهِ المسْأَلَة جَمعٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ!!.

نَقُولُ كَما قَالَ العَلاَّمَة الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخِ فِي تَفْصِيلٍ مَاتعٍ :

« الإِجْماعُ الذِي يُذْكَر فِي العَقائِدِ غَيْر الإِجْماع الذِي يُذْكَرُ فِي الفِقْه

إِجْماعُ أَهْلِ العَقَائِدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذْكرُ غَيرَ هَذَا القَوْل وَيُرَجِّحه، هَذَا مَعْنَاهُ الإجْمَاع ، وَإِذَا خَالَفَ أَحَدٌ ، وَاحِد أَوْ نَحْوهُ فَلاَ يُعَدُّ خِلافًا ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ خَالَفَ الإِجْمَاعَ، فَلاَ يُعَدُّ قَوْلاً آخَرَ، فَنَجِدُ أَنَّهُ مَثَلاً : 

أَنَّهُم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ لَهُ «صُورَة» وَذَلِكَ لأَنَّهُ لاَ خِلافَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّهمْ يُورِدُون ذَلِك ، فَأَتَى «ابْنُ خُزَيْمَة» رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً فَنَفَى حَدِيثَ الصُّورَةِ وَتَأَوَّلَهُ ؛ يَعْنِي حَدِيث الخَاص «أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَن» وحَمَلَ حَدِيثَ «خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» يَعْنِي عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهَذَا عُدَّ مِنْ غَلَطَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلافٌ لِلإجْمَاعِ ، أَوْ إِنَّهُ قَوْلٌ آخَر .

فَإِذَنْ الإِجْماعُ فِي العَقَائِدِ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِ هَذَا بِدُونِ خِلافٍ بَيْنَهُمْ، مِثْل : مَسْأَلة الخرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ، عَلَى وُلاةِ الجَوْرِ مِنَ المسْلِمِينَ، 

هَذَا كَانَ فِيهِ خِلافٌ فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَحَصَلَتْ مِن هَذَا وَقَائِع، وَتَبَعُ التَّابِعِينَ، وَالمسْألَةُ تُذْكَر بِإجْمَاع، يُقَالُ : أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَعَدَم الخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَعَ وُجُودِ الخِلافِ عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَتَبع التَّابِعينَ لَكِنَّ ذَلكَ الخِلاف قَبْلَ أَنْ تقَرّرَ عَقائِد أَهْلِ السَّنةِ وَالجَماعَة، 

وَلَمّا بُيِّنَتْ العَقَائِدُ وَقُرِّرَتْ وَأَوْضَحَها الأَئِمَّة وتَتَبَّعُوا فِيهَا الأَدِلَّة وَقَرَّرُوهَا تَتَابعَ الأئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الحَدِيثِ دُونَ خِلافٍ بَيْنَهُمْ، فَفِي هَذِهِ المسْأَلَة بِخُصُوصِهَا رُدَّ عَلَى مَنْ سَلَكَ ذَلِكَ المسْلَكَ مِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْ تَبَعِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلأدِلَّةِ فَيكُونُ خِلافُهم غَيْرَ مُعْتَبرٍ؛ لأَنَّهُ خِلافٌ لِلدَّلِيلِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ الجمَاعَةِ عَلَى خِلافِ ذَلكَ القَوْل.

إِذَنْ الخُلاصَة : أَنَّ مَسْأَلَةَ الإِجْمَاعِ مَعْنَاهَا أَنْ يَتَتَابعَ العُلَماءُ عَلَى ذِكْرِ المسْأَلَةِ العَقَدِيَّة، إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِهَا بِدُونِ خِلاَفٍ فَيُقَالُ : أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ عَلَى ذَلِكَ ». انتهى من (شَرْحُ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّة، صَالِح آل الشَّيْخ ، الشَّرِيطُ : 05 .).

وَلَوْ تَنَزَّلْنَا جَدَلاً بِأَنَّهُ لاَ إِجْماعَ فِي المسْأَلَةِ، فَإِنَّ الوَاجِبَ المَصِيرَ إِلَى حَدِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيح :« مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً »، فَهُوَ الفَيْصَلُ فِي هَذِهِ المسْأَلَة .

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :

إِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى عَدَمِ الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِقِ، هَلْ الإِجْمَاع ُعَلَى ذَلِكَ؟

فأجاب :

حَدِيثُنَا السَّابِقِ عَن الرَّسُول يَكْفِينَا، وَهُوَ مُقَيَّد أنَّ الخُرُوجَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِشَرْطِ الكُفْرِ الصَّرِيحِ . 

فَشُو مَعْنى حِينَئِذٍ الفَاسِق يَجُوزُ الخُرُوجُ وَلاَّ لا؟!. شُو مَعْنَى إِجْمَاع وَلاَّ مَا إِجْمَاع؟!! أَقُولُ لَكَ : مَا فِيهِ إِجْمَاع!.

طَيِّب : أَيُّ مَسْألَةٍ فِيهَا إجْمَاع ،وَاللهُ يَقُولُ ـ وَأَنْتَ بِتْقُول عَن الرَّجُل : طَالِب عِلْم ـ فَهُوَ يَقْرَأ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .

طَيِّب، اخْتَلَفَ العُلَماءُ فِي مِئَاتِ الأُلُوفِ مِن المَسَائِلِ؛ هَلْ نَخْلُصُ مِن المُشكِلَةِ إنَّه فِيهِ إجْمَاع وَلاَّ مَا فِيهِ إِجْمَاع؟!! فإِذَا كانَ الجوَابُ : مَا فيه إجْماع، خَلَصْنَا؟، وَلاَّ لجَأْنا إلى قَوْلِهِ تَعَالى؟!

إذَنْ : لماذَا يَطْرَح هَذَا السُّؤَال ذَاكَ السَّائِل؟! مَا دَامَ هُو أَمَامَ الحدِيث :« مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ». أَنَا مَا بِيْهِمْنِي كثِيراً فهْمُ المسْأَلة مِنْ جِهَة الإجْمَاع؛ لأنَّ الإجْمَاعَ فِيهِ أَقَاوِيل كثِيرَة وكَثِيرة جِدًّا. مَا هُوَ الإجْماعُ الذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ؟

هَلْ هُو إجْمَاعُ الأُمَّةِ بِكُلِّ طَبَقَاتِها؛ منْ عُلمَاء، مِنْ طُلابِ عِلْمٍ، مِنْ عَامَّة المُسْلِمِين ؟

أَمْ الإجْمَاع : هُو إِجْمَاعُ خَاصَّةِ المُسْلِمينَ وعُلَمَائِهِم؟ أمْ .. أَمْ .. إلخ .. هُو إجْمَاعُ أَهْلِ المَدِينَةِ؟ ولاَّ إِجْمَاعُ أَهْلِ الكُوفَةِ؟ ولاَّ و ... إلخ

اللهُ عزَّ وجلَّ يقُولُ :  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. 

أَنَا أَعْتَقدُ أَنَّ طالِبَ العِلْمِ الذِي يَتَساءَل في أَيِّ مَسْالةٍ عَلَيْهَا إجْمَاعٌ أَمْ لا؟، هَذا مَا قَنَعَ بِدِلالَة ِالآيَةِ المذْكُورةِ ـ آنِفًا : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . لأَنِّي أَنَا سَأَعْكِسُ السُّؤالَ، وَأَجْعَلُهُ عَلَى الصُّورَةِ التَّالِيَةِ :

فَأنَا أَتَسَاءلُ، وَأَقُولُ : هَلْ مِنْ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ أَنَّ رَجُلاً نَصَبَ نَفْسَهُ بِقُوَّةِ السِّلاحِ حَاكِمًا عَلَى المُسْلمِينَ، هَلْ يَجُوزُ الخُرُوجُ علَى هَذَا الخَارِجِ، والذِي نَصَبَ نَفْسَهُ حَاكِمًا عَلَى المُسْلِمِينَ؟.

الذِي نَعْرِفُه فِي كُلِّ هَذِهِ القُرُونِ أّنَّ العُلَمَاءَ يُفْتُونَ بـِ (لا، لاَ يَجُوزُ) لِمَاذَا؟. لِلمُحافَظَةِ عَلَى دِمَاءِ المُسْلِمِينَ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، الذِينَ مَعَ الخَارِجيّ، وَالذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى هّذَا الْخَارِجِيِّ...فَسَبيلُ المُؤْمِنينَ هُوَ عَدَمُ الخُرُوجِ لِلْمُحافَظَةِ عَلَى دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.

ثُمَّ أَعُودُ إِلَى نَفْسِ السُّؤَالِ السَّابِقِ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ الخُرُوجُ عَلَى الحَاكِمِ الفَاسِقِ بِرَأْيِ أَهْلِ الحلِّ وَالعَقْدِ يَتَطَلَّبُ إِرَاقَةَ قَلِيلٍ مِنَ الدِّمَاءِ؛ كَيْفَ يَنْضَبِطُ هَذَا الْقَلِيلُ؟! وَهَلْ هَذَهِ مِن الأُمُورِ المَادِّيَّةِ التِي يُمْكِنُ لِلْإِنْسانِ أَنْ يُقَنِّنَهَا؟ وَلاَّ هَذِهِ أُمُورٌ فَوْضَوِيَّةٌ مَحْضَة؟، فَإذَا فُتِحَ بَابُ القِتَالِ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، مَا تَعْرِف مُنْتَهَى هَذَا القِتَال إِلَى أَيْنَ!

لِذَلِكَ فَالمَسْأَلَةُ ـ 

أَوَّلاً ـ : فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِلنَّصّ الصَّرِيحِ لِلحَدِيثِ السَّابقِ ذِكْرُه : « مَا لَمْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ».

وَثَانِيًا ـ : لا يُمْكِنُ ضّبْطُ المَفْسَدَةِ القَلِيلَةِ حِينَمَا يُثَارُ القِتَالُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ المُسْلمِينَ». انتهى من ( سِلْسِلَةُ الهُدَى وَ النُّور (799).).

 ويقول الشَّيْخُ العُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ :

 قَالَ أَحَدُ طُلاّبِ العِلْمِ لِطُلاَّبِهِ :

 إِنَّهُ يَجُوزُ الخُرُوجُ عَلَى وَلِيّ الأَمْرِ (الفَاسِقِ)، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ :

الأَوَّل : أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا القُدْرَة عَلَى الخُرُوجِ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي : أَنْ نَتَيَقَّنَ أَنَّ المفْسَدَةَ أَقَلَّ مِنَ المصْلَحَةِ رُجْحَانًا.

وَقَالَ : هَذَا مَنْهَجُ السَّلَفِ!! ، نَرْجُو تَوْضِيحَ هَذِهِ المسْأَلَةَ حَيْثُ أَنَّهُ ذَكَر (الفَاسِقَ)، وَلَم يَقُلْ : مَا رَأَيْنَا عَلَيْهِ الكُفْرَ البَوَاحَ، أَوْضِحُوا مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا -يَرْعَاكُم الله-. وَقَالَ : إِنَّ مَسْأَلَةَ تَكْفِير مَنْ لَمْ يَحْكُم ْبِمَا أَنْزَلَ الله مِنَ الحُكَّامِ اجْتِهَادِيَّة!!

وَقَالَ : إِنّ أَكْثَرَ أَئِمَّة السَّلَفِ يُكفِّرُونَ مَنْ لَم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مُطْلَقًا، أَيْ : لَم يُفَصِّلُوا فِيمَنْ حَكَمَ!!

وَالسُّؤَالُ مُهِمٌّ جِدًا؛ حَيْثُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِي شَبَابٌ مِنْ دَوْلَةٍ أُخْرَى وَيُرِيدُونَ الجَوَابَ هَذِهِ اللَّيْلَة.

فَأَجَابَ الشِّيْخ :

قُلْ لَهُمْ -بَارَكَ اللهُ فِيكَ : إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لاَ يَعْرِفُ عَنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ شَيْئًا!! 

وَالسَّلَفُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الخُرُوجُ عَلَى الأَئِمَّةِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ الجِهَادُ مَعَهُمْ، وَأَنَّهُ يَجِبُ حُضُور الأَعْيَادِ وَالجُمَعَ التِي يُصَلُّونَهَا هُمْ بِالنَّاسِ -كَانُوا فِي الأَوَّلِ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ-

وَإِذَا أَرَادُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَلْيَرْجِعُوا إِلَى (العَقِيدَة الوَاسِطِيَّة) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ يَرَوْنَ إِقَامَةَ الحَجِّ وَالجِهَادِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، هَذِهِ عِبَارَتُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-

فَقُلْ لَهُمْ : إِنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَنْهَجُ السَّلَفِ، هُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا كَاذِبٌ عَلَى السَّلَفِ!!، أَوْ جَاهِلٌ بِمَذْهَبِهِمْ!!.

فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ مُصِيبَةٌ .... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمصِيبَةُ أَعْظَمُ

وقُلْ : إِذَا كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ»، فَكَيْفَ يَقُولُ : هَذَا الأَخُ أَنَّ مَنْهَجَ السَّلَفِ الخُرُوجُ عَلَى الفَاسِقِ؟!! يَعْنِي أَنَّهُمْ خَالَفُوا كَلاَمَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَرَاحَةً.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الأَخ -فِي الوَاقِعِ- مَا يَعْرِف الوَاقِع!! الذِينَ خَرَجُوا عَلَى الملُوكِ سَوَاءٌ بِأَمْرٍ دِينِيّ أَوْ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيّ، هَلْ تَحَوَّلَتْ الحَالُ مِنْ سَيّءٍ إِلَى أَحْسَنَ؟!! نَعَمْ، أَبَدًا.

بَلْ مِنْ سَيّءٍ إِلَى أَسْوَأَ بَعِيدًا، وَانْظُرْ الآنَ الدُّوَلَ كُلّهَا تَحوَّلَتْ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ.

أَمَّا مَنْ لَم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله : فَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لَيْسَ أَكْثَر السَّلَف عَلَى أَنَّهُ يَكْفُر مُطْلَقًا، بَلْ المشْهُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ( كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ)، وَالآيَاتُ ثَلاَثَةٌ، كُلُّهَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، نَسَقٍ وَاحِدٍ :

 (الكَافِرُونَ)، (الظَّالِمُونَ)، ) الفَاسِقُونَ ( وَكَلاَمُ الله لاَ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَيُحْمَلُ كُلّ آيةٍ مِنْهَا عَلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا بِهَذَا الوَصْفِ : تُحمَلُ آيَةُ التَّكْفِيرِ عَلَى حَالٍ يَكْفُرُ بِهَا، وَآيَةُ الظُّلْمِ عَلَى حَالٍ يظْلِم فِيهَا، وَآيَةُ الفِسْقِ عَلَى حَالٍ يَفْسُقُ فِيهَا.

عَرَفْتَ.. فَأَنْتَ انْصَحْ هَؤُلاَءِ الإِخْوَان.. طَالِبُ العِلْمِ الذِي (...) قُلْ لَهُ : يَتَّقِي اللهَ فِي نَفْسِهِ، لاَ يَغُرّ عَلَى المسْلِمِينَ : غَدًا تخْرجُ هَذِهِ الطَّائِفَة ثُمّ تُحَطَّم!!أَوْ يَتَصَوَّرُونَ عَنْ الإِخْوَةِ الملْتَزِمِينَ تَصَوُّرًا غَيْرَ صَحِيحٍ!! كُلّهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الفَتَاوَى الغَيْرِ صَحِيحَة.. فَهِمْتَ؟! طَيِّب. انتهى من ( شَرْحُ كِتَاب السِّيَاسَة الشَّرْعِيَّة ، الشَّرِيط رَقَم : 05.).

إذن فلا يَسُوغْ لأحد مخالفة ظاهر الدليل فيما أجمع العلماء على جَعْلِهِ عقيدة، وهي مسألة الخروج على الولاة وطاعة ولاة الأمر.

فالعقيدةُ ليستْ مجال للاختلافِ ولا للاجتهادات ومن خالفَ فيها يكون ضالً زائغاً عن السنة وإنما الاختلاف يقعُ في مسائل الفروع وهي مسائل الفقه العِلمية لأن مدارها على الاستنباط والاجتهاد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيضَةَ أَوْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ خِلَافًا لَا يُعْذَرُ فِيهِ فَهَذَا يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ . أهـ (مجموع الفتاوى ٢٤/ (١٧٢)) .

أما القول بأن مسألة الخروج مبنية على مراعاة المصالح والمفاسد يعني أنها اجتهادية وبالتالي سيختلف الناس في المصلحة والمفسدة المترتبة عليها فهذا القول باطل أساسا إذ المسألة مبنية أساسا على حكم نبوي قطعي الثبوت والدلالة ( إلا أن تروا كفرا بواحا ...) فأصل المنع من الخروج قائم على النصوص لا على النظر في المصلحة والمفسدة .

ومنْ جَوَّزُوا الخروج من القدامى ممن خالفوا النصوص المتواترة والإجماع إنما استدلوا بعمومات ، يقول الإمام الشوكاني :

« وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 

ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا، وهي متوافرة المعنى كما يعرف ذلك من له أَنَسَةٌ بعلم السنة ». انتهى من (  نيل الأوطار للشوكاني (7/ 208).).

أما قول بعض الناس السفهاء إنه لا تجب علينا طاعة وُلاة الأمور إلا إذا استقاموا استقامة تامة فهذا خطأ بل هذا من مذهب الخوارج.

يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله :

" ... ولم يَدْرِ هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن مُعَاوِيَة -حاشا عُمَر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية - قد وقع منهم من الجرأة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة، لا ينْزعونَ يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام، وواجبات الدين

وأضربُ لك مثلاً ... الطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعيل، وَمُحَمَّد بن إدريس، وَأَحْمَد بن نوح، وإسحاق بن راهويه، وإخوانهم ... وقع فِي عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكارالصفات، ودُعُوا إلى ذَلِكَ، وامتُحِنُوا فيه، وقُتِلَ من قُتِلَ، كمحمد بن نصر، ومع ذَلِكَ، فلا يُعْلَم أنَّ أحدًا منهم نزَعَ يدًا من طاعة ولا رأى الخروج عليهم ". اهـ باختصار من (الدرر السنية (8 / 378)) .

انتهى من بحث بعنوان ( إعلام الحائر بحرمة الخروج على الحاكم الجائر ).

وإليكم بعض أسماء الأئمة المتقدمين الذين نقلوا الإجماع على عدم الخروج على الحاكم الظالم مع الإشارة لمصدر كلامهم :

1- الإمام أحمد بن حنبل ([جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للأَلُوسِي (ص226).])

2- الإمام البخاري ([ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص368).])

3- الإمام أبو جعفر الطحاوي ([ اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي (189-197).]) 
 
4- الإمام حرب الكرماني ([حادي الأرواح لابن القيم (289).])

5- الإمام ابن أبي حاتم ([شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (1ص197).])

6- الإمام أبو بكر الأَثْرَم ([ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم (ص257).])

7- الإمام أبو بكر الإسماعيلي ([اعتقاد أهل السنة للاسماعيلي (ص197،189).]) 

8- الإمام أبو عثمان الصابوني ([عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (ص68).])

9- الإمام ابن بطة العكبري ([ الشرح والإبانة لابن بطة (ص175 -176).]) 

10- الإمام أبو الحسن الأشعري ([رسالة لأهل الثغور لأبي الحسن الأشعري (ص168).])

11- الإمام المزني صاحب الشافعي ([ شرح السنة لإِسْماعِيل المزني (ص84).])

12- الإمام ابن بطة ([ الإبَانَةُ الصغرى (ص279).])

13- الإمام ابن المنذر ([ فتح الباري لابن حجر (5/124)]) 

14- الإمام النووي ([ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/229).])

15- الإمام ابن تيمية ([منهاج السنة لابن تيمية (4/ 529).])

16- الإمام الحسين بن عبد الله الطيبي ([الكاشف عن حقائق السنن للطيبي (7/181 ـ 182).])

17- الإمام ابن القطان الفاسي ([الاقناع في مسائل الاجماع لابن القطاع الفاسي (1/61).])

18- الإمام أبو عمر ابن عبد البر ([ التمهيد لابن عبد البر (23/279).])

19- الإمام ابن بطال ([شرح ابن بطال على صحيح البخاري (9/168).])

20- الامام ابن القيم الجوزية ([ حادي الأرواح لابن القيم (ص411).])

21- الامام ابن حجر العسقلاني ([فتح الباري لابن حجر (13/7).])

22- الامام شمس الدين الرملي (غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص15).)

وغيرهم من كبار الأئمة المتقدمين المجتهدين .


والله اعلم


اقرأ أيضا :











هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات