اعلم أخى المسلم أن سب الحاكم والطعن فيه ولو بما فيه ليس منهجاً مأثوراً عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان،
وإنما هو منهج موروث عن الخوارج كلاب النار لأنهم يدينون بالخروج المسلح على الحكام والخروجُ المسلح لا بد أن يسبقه كلام من سب وتحريض وتحريش .
فهنا لدينا الخروج بالسلاح والخروج بالكلام كما قال الشاعر: ( فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام ).
والأدلة على أن طريقة السلف الصالح المبنية على الكتاب والسنة هي رفض سب الأمراء والولاة كثيرة ، منها :
1- عن زياد بن كسيب العدوي قال : كنت مع أبي بكرة رضي الله تعالى عنه تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق ،
فقال أبو بلال : وهو رجل من الخوارج انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق . فقال أبو بكرة : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله). صحيح الترمذي
2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال : ” لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب ”. [السنة لابن أبي عاصم (2/448) إسناده جيد].
- وقال الإمام أحمد وابن المديني : ( ليس لأحد أن يطعن عليهم ) أي ولاة الأمور . انتهى من (شرح أصول السنة للالكائي (1/168))
- قال بعضُ السلف : « ما سَبَّ قومٌ أميرَهم إلَّا حُرِموا خيرَه ». انتهى من («التمهيد» لابن عبد البرِّ)
وهذه النصوص لا تخص الصالحين من ولاة الأمور فقط بل تشملهم جميعاً أبراراً وفجاراً وعادلين وظلمة .
فهذا ابن عباس يسمع من يلعن الحجاج لتحريقه الكعبة فيقول له : ( لا تكن عوناً للشيطان ). (التاريخ الكبير للبخاري (8/104))
** وهل كان حكام الإمام أحمد رحمه الله الذين قالوا بخلق القران يقودون الأمة بكتاب الله أو كانوا صالحين حيث ألزموا الناس بذلك الكفر!،
وعاقبوا من خالفهم من العلماء بالقتل والضرب والحبس والعزل عن الولايات وأنواع الإهانة! وقطعوا أرزاق من يخالفهم من بيت المال!.
مع العلم بأن القول بخلق القران يلزم منه نفي تكلم الله عز وجل بالوحي ونفي الشرائع والكتب المنزلة التي ثبت أن الله عز وجل كلم بها جبريل عليه السلام ثم بلغها جبريل لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا .
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله :
" ... ولم يَدْرِ هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن مُعَاوِيَة -حاشا عُمَر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية -
قد وقع منهم من الجرأة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام،
ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة، لا ينْزعونَ يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام، وواجبات الدين.
وأضربُ لك مثلاً ... الطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعيل، وَمُحَمَّد بن إدريس، وَأَحْمَد بن نوح، وإسحاق بن راهويه، وإخوانهم ...
وقع فِي عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكارالصفات، ودُعُوا إلى ذَلِكَ، وامتُحِنُوا فيه، وقُتِلَ من قُتِلَ، كمحمد بن نصر،
ومع ذَلِكَ، فلا يُعْلَم أنَّ أحدًا منهم نزَعَ يدًا من طاعة ولا رأى الخروج عليهم ". اهـ باختصار من (الدرر السنية (8 / 378)) .
وذلك أن من الحِكَم العظيمة في النهي عن سبهم الحرص على اجتماع الكلمة وعدم التفرق والاختلاف،
فإن الاجتماع على الحاكم وإن كان ظالماً جائراً خير من بقاء الناس بلا إمام يأكل بعضهم بعضاً ويفني بعضهم بعضا ،
فإطلاق اللسان في الدولة أمام الأبناء والأهل والأقارب والزملاء والتلاميذ فضلاً عن النشر العام في وسائل التواصل كل ذلك يولد من الشرور ما لعلّ بعضه لا يخطر على البال .
ولنا فيمن سبقنا عظة وعبرة
فهذا عبد الله بن عكيم : وهو ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ندم على كلامه في عثمان رضي الله عنه وما كان يظن أن كلامه سيكون عوناً ومساهمة غير مقصودة في قتله رضي الله عنه .انتهى من [طبقات ابن سعد 6/115].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع،
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل : فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة .
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان :
قال بعض الناس لأسامة بن زيد : ألا تكلم عثمان؟ فقال : إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه .
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم،
حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني،
وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه .
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه . انتهى من [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (8/ 210)].
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
“ سب ولي الأمر والتشهير به فهذا ليس من الصدع بالحق بل هذا من الفساد،هذا مما يوجب إيغار الصدور وكراهة ولاة الأمور والتمرد عليهم،
وربما يفضي إلى ما هو أكبر إلى الخروج عليهم ونبذ بيعتهم والعياذ بالله ” .انتهى من [شرح رياض الصالحين (3/ 668)].
وقال أيضاً رحمه الله :
إن الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لأن يهينه الله عزّ وجلّ؛
لأنه إذا أهان السلطان بمثل هذه الأمور؛ تمرد الناس عليه فعصوه، وحينئذٍ يكون هذا سبب شر فيهينه الله عزّ وجلّ . اه [شرح رياض الصالحين (3/ 673)] .
وقال أيضاً رحمه الله :
« الذي لا يدعو للسلطان فيه بدعة من بدعة قبيحة، وهي : الخوارج -الخروج على الأئمة-
ولو كنت ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لدعوت للسلطان، لأن السلطان إذا صلح صلحت الرعية ». انتهى من (لقاء الباب المفتوح -اللقاء رقم- (١٦٩)).
قــال العلامة صالح الفوزان حفظه الله :
مذهب الخوارج أنهم لا يلتزمون بالسنة والجماعة ولا يطيعون ولي الأمر ويرون الخروج عليه من الدين وأن شق العصا من الدين ،
وفي عصـرنا ربما سموا من يرى السمع والطاعة لأولياء الأمور في غير معصية عميــلا أو مداهـنـا أو مغفلا، فتراهم يقدحون في ولي أمرهم،
ويشهرون بعيوبه من فوق المنابر وفي تجمعاتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه ). رواه أحمد
أو إذا رأى ولي الأمر إيـقاف أحدهم عن الكلام في المجامع العامة تجمعوا وسـاروا في مظـاهرات، يظنون جهلا منهم أن إيقـاف أحدهم أو سجنه يسوغ الخروج.
أو لم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم : ( لا. ما أقاموا فيكم الصلاة ) وفي الصحـيحين : ( إلا أن تروا كــفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ). وذلك عند سؤال الصحابة واستئـذانهم له بقتال الأئـمة الظالمين .
ألا يعلم هؤلاء كم لبث الإمام أحمد في السجن؟ وأين مات شيخ الإسلام ابن تيمية؟
ألم يسجن الإمام أحمد بضع سنين، ويجلد على القول بخلق القرآن، فلما لم يأمر الناس بالخروج على الخليفة؟
أو لم يعلموا أن شيخ الإسلام مكث في السجن ما يربو على سنتين، ومات فيه، لم لم يأمر الناس بالخروج على الوالي مع أنهم في الفضل والعلم غاية، فكيف بمن دونهم؟؟
إن هذه الأفكار والأعمال لم تأت إلينا إلا بعد مـا أصبح الشباب يأخذون علمهم من المفكر المعــاصر فـلان، ومـن الأديب الشاعر فلان، ومن الكاتب الإسلامي فلان.
ويتركون أهل العلم وكتب أسلافهم خلفـهم ظهـريا، فلا حول ولا قوة إلا بالله . انتهى من (لمـحة عن الفرق الضالة للشيخ فوزان ص 36–(37))
وسئل أيضا حفظه الله :
رجل نصحته عن الطعن في ولاة الأمور، فهجرني بسب ذلك ولما ألتقيته في مكان سلمت عليه فلم يرد السلام، وبعدها هجرته فهل آثم في ذلك؟
الاجابة :
هذا من الخوارج الذي يحرض على ولاة الأمور هذا من الخوارج ـ والعياذ بالله -، فلا يجوز له هذا الشيء،
ولاة الأمور لهم حق، هل تعيشون بلا ولاة أمور؟ يا سبحان الله، هذا يمكن يبيت بداره وبيته ويمشي في الأسواق بدون وجود ولاة الأمور،
هو بالضرورة لولاة الأمور، ما أحد يستغني عنهم، يدعى لهم، ويعانون، ويطاعون في غير معصية الله ولا يهانون بالكلام، ويحقرون عند الناس، هذا فعل الخوارج الذين قاتلهم الصحابة، قاتلوهم لأنهم يفسدون في الأرض .
فأنت على صواب في نصيحته وعلى صواب في هجره إذا لم يقبل النصيحة ولا يكفي هذا، بل لابد أن تحذر منه وتبين أمره هو وأتباعه حتى يؤخذ على أيديهم .انتهى.
قال ابن تيمية رحمه الله :
إنهم أى [ أهل السنة ] لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة؛
فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماما عادلا، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله،
والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق
فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الۡأمۡر منكمۡۖ ﴾. [النساء: ٥٩] » .انتهى من «منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (٣/ ٣٨٧).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق