القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

لا يجوز لأحد أن يطلب الإستغفار من النبي ﷺ بعد موته فيقول يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لى سواء أكان ذلك عند قبر النبي  أو في أي مكان آخر . 

ويعتبر هذا القول وسيلة من وسائل الشرك والعياذ بالله حيث إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتقل من هذه الدنيا إلى دار الآخرة ،

فهو صلى الله عليه وسلم في حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل .

وأما الإستدلال بقول الله عز وجل : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }(سورة النساء الآية 64)على جواز طلب الإستغفار من النبي ﷺ بعد موته فليس بصحيح، لأن :

المراد بهذه الآية هو المجيء إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته وليس بعد وفاته ،

ويدل على ذلك قوله تعالى { إِذْ } ومن المعلوم أن الأصل في لفظة ( إذ ) في لغة العرب أنها تستعمل لما مضى من الزمان ولا تستعمل للزمان المستقبل .

قال الجوهري رحمه الله : [ إذ كلمة تدل على ما مضى من الزمان ]. انتهى من (الصحاح 2/560)وأما لفظة : "إذا" فتستعمل لما يستقبل من الزمان.

وكذلك قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " الآية . فلو صح الإستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا .

كما أن هذه الآية ليست عامة فى جميع الأمة لأنها وردت في قوم معينين فهي من ضمن آيات نزلت تنديداً بموقف المنافقين الذين أعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وآثروا عليه التحاكم إلى الطاغوت ،

وليس هناك لفظ عام حتى يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد وإنما فيها ضمائر والضمائر لا عموم لها . ينظر : "تفسير الطبري" (8 /517).

قال ابن تيمية رحمه الله :

 في رده على من يستدل بالآية السابقة على جواز سؤال النبي  الدعاء حال موته فقال :

ومنهم من يتأول قوله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً }. 

ويقولون إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين ،

فإن أحداً منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم.

وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه. سيأتي ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى ….انتهى من ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/159).

فلو استغفر لهم بأبي هو وأمي بعد موته على ما يراه من ذنوبهم لما عذب أحد منهم وذيد عن حوضه ولما احتاجوا أن يأتوا إليه كما فعل الأعرابي في رواية العتبي المختلقة،

وكيف يقول النبي ﷺلابنته فاطمة « أنقذي نفسك من النار لا أغنى عنك [ لا أملك لك ] من الله شيئا ». ثم يطمئن الزناة ومرتكبي الكبائر من أمته ويعدهم بأنه سيستغفر لهم؟! .

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

ليس المراد بعد وفاته ﷺ كما يظنه بعض الجهال، فالمجيء إليه بعد موته لهذا الغرض غير مشروع،

وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة، أو وصل إليها من خارجها لقصد الصلاة بالمسجد والقراءة فيه ونحو ذلك، فإذا أتى المسجد سلم على الرسول ﷺ وعلى صاحبيه،

لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل المسجد، وتكون الزيارة لقبره ﷺ وقبر الصديق وعمر رضي الله عنهما تابعة لزيارة المسجد؛ لقوله ﷺ : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. [أخرجه البخاري ].

فالقبور لا تشد إليها الرحال، ولكن متى وصل إلى المسجد النبوي فإنه يشرع له أن يسلم عليه ﷺ، ويسلم على صاحبيه رضي الله عنهما؛ لكن لا يشد الرحال من أجل الزيارة فقط؛ للحديث المتقدم .

وأما ما يتعلق بالاستغفار : فهذا يكون في حياته لا بعد وفاته؛ والدليل على هذا أن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وهم أعلم الناس بالنبي ﷺ وأفقه الناس في دينه؛

ولأنه عليه السلام لا يملك ذلك بعد وفاته عليه السلام  كما قال ﷺ : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. [أخرجه مسلم ]

أما ما أخبر به عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه تُعْرَض صلاته عليه، فذلك شيء خاص يتعلق بالصلاة عليه، ومن صلى عليه صلى الله عليه بها عشرًا،

وقال عليه الصلاة والسلام : أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي قيل: يا رسول الله : كيف وقد أرمت؟ -أي بليت- قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. [أخرجه أحمد ]؛ فهذا حكم خاص بالصلاة عليه.

وفي الحديث الآخر عنه ﷺ أنه قال : إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام. [أخرجه أحمد ]، فهذا شيء خاص للرسول ﷺ، وأنه يُبلَّغ ذلك.

وأما أن يأتي من ظلم نفسه ليتوب عند القبر ويستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر ولا يجوز، وهو وسيلة للشرك؛

مثل أن يأتي : فيسأله الشفاعة أو شفاء المريض، أو النصر على الأعداء، أو نحو ذلك، أو يسأله أن يدعو له، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من خصائصه ﷺ بعد وفاته، ولا من خصائص غيره،

فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة؛ لا النبي ﷺ ولا غيره، وإنما الشفاعة تطلب منه في حياته، فيقال : يا رسول الله اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي، أو أن يرد غائبي، وأن يعطيني كذا وكذا .

وهكذا يوم القيامة بعد البعث والنشور؛ فإن المؤمنين يأتون آدم ليشفع لهم إلى الله حتى يُقضَى بينهم فيعتذر، ويحيلهم إلى نوح، فيأتونه فيعتذر،

 ثم يحيلهم نوح إلى إبراهيم فيعتذر، فيحيلهم إبراهيم إلى موسى فيعتذر، ثم يحيلهم موسى على عيسى فيعتذر عليهم جميعًا الصلاة والسلام،

ثم يحيلهم عيسى إلى محمد ﷺ. فيأتونه، فيقول عليه الصلاة والسلام : أنا لها، أنا لها، فيتقدم، ويسجد تحت العرش ويحمد ربه بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه، ثم يقال له : ارفع رأسك، وقل تُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشَفّع. [أخرجه البخاري ]، فيشفع ﷺ في أهل الموقف حتى يُقضَى بينهم.

وهكذا يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة؛ لأنه ﷺ موجود؛ أما في البرزخ بعد وفاته ﷺ فلا يسأل الشفاعة، ولا يسأل شفاء المريض، ولا رد الغائب، ولا غير ذلك من الأمور.

وهكذا بقية الأموات لا يُسألون شيئًا من هذه الأمور، بل يُدعى لهم ويُستغفر لهم إذا كانوا مسلمين،

وإنما تطلب هذه الأمور من الله سبحانه مثل أن يقول المسلم : اللهم شفع فيَّ نبيك عليه الصلاة والسلام اللهم اشف مريضي، اللهم انصرني على عدوي، ونحو ذلك؛

لأنه سبحانه يقول : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. [غافر:60]، ويقول : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. الآية [البقرة:186] .انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 215).

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام :

الأول : أن يتوسل بالإيمان به واتباعه وهذا جائز في حياته وبعد مماته أن يتوسل بدعائه . 

الثاني : بأن يطلب من الرسول ﷺ أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر .

القسم الثالث : أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته لأنه ليس وسيلة إذ أنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده لأنه ليس من عمله .

 فإذا قال قائل لو جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟

 قلنا : لا يجوز، فإذا قال أليس الله يقول ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما ). 

قلنا بلى إن الله يقول ذلك ولكنه يقول ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفاً للمستقبل ،

لم يقل الله تعالى ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول بل قال إذ ظلموا فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ،

وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم فقال الله تعالى ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ،

واستغفار الرسول  بعد مماته أمر متعذر لأنه إذا مات العبد انقطع عمله كما قال الرسول : ( صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له ). فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً لأن العمل انقطع . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [87])

الخلاصة

إذن قوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ). مختص بحياته صلى الله عليه وسلم لا بعد وفاته يدل عليه قوله ( فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ). 

والذين يأتونه بعد وفاته من أين لهم إذا استغفروا الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لهم في قبره حتى ينالوا كرامة قوله ( لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ).

بل إن مجيئهم إلى قبره بعد وفاته لهذا الغرض ذريعة إلى الاستغاثة به واللجوء إليه وسؤاله من دون الله  كما يفعل الناس اليوم - وهذا من الشرك بالله تعالى .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى. اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات