">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يعذر المسلم بجهله إذا وقع في الكفر والشرك ؟


الصحيح أن المسلم الذي ظاهره الإسلام لا يحكم عليه بالكفر والشرك الأكبر لوقوعه في بعض صورهما عن غير قصد بسبب جهله فلا يرتفع عنه وصف الإسلام ففعله كفر أو شرك وليس بكافر أو مشرك حتى تقام عليه الحجة ويبين له،

خاصة وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله ويصلي ويصوم ويُزكِّي ويتصدَّق ويرجو رحمة الله ويخاف عذابه لكن مع ذلك لا يعلم أن ما وقع فيه من الكفر والشرك الأكبر الذي يناقض دينه الذي يعتزُّ به فهذا المسلم الجاهل يُعذر بجهله ولا يُحكم بكفره .

ويكون هذا المسلم كافراً أو مشركا إذا أقيمت عليه الحجة وأزيل عنه الوهم والإشكال فإن قامت عليه الحجة فلا يُعذر بوقوعه في الشرك سواء كان معاندًا أو جاحدًا أو معرضًا عن الحجة .

فمثلا : دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات : فهذا شرك أكبر مُخرجٌ من الملَّة .

ويُقال لهذا الفعل : شرك وكفر. ولا يُقال لكلِّ من فعل ذلك إنَّه مشرك كافر فإنَّ من فعل ذلك وهو جاهل : معذورٌ لجهله حتى تُقام عليه الحجَّة ويفهمها ثمَّ يُصرُّ على ذلك فإنَّه حينئذ يُحكم بكفره وردَّته .

 والجدير بالذكر أيضا أنه لا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية حتى لو كان فى بلاد المسلمين لأن الظهور والخفاء أمرٌ نسبي يختلف من بيئة لأخرى ومن شخص لآخر ويتأكد ذلك إذا كان علماء بلده على بدعة وضلال يسوغون للناس الوقوع في مثل هذه الضلالات ويلبسون عليهم بشبه ووجوه من التأويل الفاسد .

حتى من قال أن الأمور الظاهرة من الدين لا يعذر فيها الجاهل فالمقصود بالظهورعندهم  ليس ظهور الدلالة ووضوحها فقط بل ظهور العلم وانتشاره بين الناس واستفاضته بينهم كظهور وجوب الصلاة، وحرمة الزنا وما هو معلوم من الدين بالضرورة . 

جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر؛ باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحا وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفا . ينظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (2/ 147).

فالعبرة إذن بعدم تمكنه من العلم الصحيح وكون جلّ العلماء عنده ممن يجيز هذا الأمر أو يقرره فلا يكون الشخص الفاعل للكفر أو الشرك كافراً أو مشركا إذا كان جاهلاً ولا يعلم حكم الشرع في فعله أو سأل أحد العلماء فأفتاه بجواز فعله .

فائدة : كل كفر شرك كما أن كل شرك كفر لا فرق بينهما إطلاقا فكل كافر -بأي سبب كان كفره- فقد اتخذ إلهه هواه فمن هنا جاء الشرك بالنسبة لكل نوع كفر به صاحبه وأن كل من وقع فيما يستوجب التكفير (سواء أكان كفرا أم شركا ) ينظر إلى استيفاء الشروط ـ ومنها العلم ـ وانتفاء الموانع ـ ومنها الجهل.

قال أبو بكر الأصم :كل من جحد رسالته فهو مشرك؛ قال الله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فقد دلت الآية على أن ما سوى الشرك قد يغفره الله تعالى في الجملة؛ فلو كان كفر اليهود والنصارى ليس بشرك، لوجب أن يغفر لهم الله تعالى في الجملة، وذلك باطل ). ينظر: ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (1/1022).

والحجة تقوم على الإنسان بشرطين :

1- فهم الحجة : بمعنى إدراك معنى الخطاب الشرعي بحيث يكون فاهمًا للخطاب وترتفع عنه الشبهة المانعة وتحقق فهم الخطاب يختلف باختلاف الناس فمنهم من يكفيه بلوغ النص كالعرب في زمن البعثة فقد كانوا يفهمون معنى كلام الله سبحانه حتى وإن لم ينتفعوا به فقد صاروا كالعُمْي الصُّمِّ وختم الله على قلوبهم فلم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وعقولهم ومن الناس من لا يكفيه بلوغ النصِّ كأن يكون أعجميًّا لا يعرف اللغة العربية فلا بُدَّ من ترجمته له أو يكون عاميًّا لا يعرف تفسير الآية فلا بُدَّ من تفسيرها له حتى يفهم المقصود من الآية .

قال ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح (1/ 221، 222) : " المراد أنه يسمعه سمعًا يتمكَّن معه من فهم معناه؛ إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي وجب أن يُترجم له ما يقوم به عليه الحجة، ولو كان عربيًّا- وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته - وجب أن يُبيِّن له معناها، ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثيرٌ من الناس، ولم يفقه المعنى، وطلب مِنَّا أن نُفسِّره له ونُبيِّن له معناه، فعلينا ذلك ".

 وقال أبو السعود في تفسير قوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه. [التوبة: 6] : حتى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه، والاقتصار على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم؛ لكونهم من أهل اللسن والفصاحة . ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/ 44).

وقال حمد بن معمر : كل من بلغه القرآن فليس بمعذور؛ فإن الأصول الكبار -التي هي أصل دين الإسلام- قد بينها الله في كتابه، ووضحها وأقام بها الحجة على عباده، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا كما يفهمها من هداه الله، ووفقه وانقاد لأمره . ينظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (5/638).

وعلق عليه محمد رشيد رضا قائلا : هذا القيد الذي قيد الشيخ به الفهم هنا قد أزال اللبس الذي يتبادر إلى الذهن من بعض إطلاقاته في مواضع أخرى، واتبعه فيه بعض علماء نجد؛ فصار بعضهم يقول بأن الحجة تقوم على الناس ببلوغ القرآن، وإن لم يفهمه من بلغه مطلقا. وهذا لا يعقل، ولا يتفق مع قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى. [النساء: 115]  الآية. الذي بنى عليه المحققون قولهم : إن فهم الدعوة بدليلها شرط لقيام الحجة، 

وقد علمنا من هذا القيد أن الفهم الذي لا يشترطه الشيخ، هو فقه نصوص القرآن المؤثر في النفس، الحامل لها على ترك الباطل، كما يفقهها من اهتدى بها. ففهم التفقه في الحقيقة أخص من فهم المعنى اللغوي، كما يدل عليه استعمال القرآن، وحديث ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين  )) متفق عليه  ، وفي رواية حسنة زيادة "ويلهمه رشده" . 

والمشركون الذين شبههم الله بالصم البكم المختوم على قلوبهم، والمطبوع عليها، والمجعول عليها الأكنة : كلهم قد فهموا مدلول آيات القرآن في التوحيد والبعث والرسالة؛ لأنهم أهل اللغة، وقد أنزلت بأفصح أساليبها . ينظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (5/638).

وقال سليمان بن سحمان : الذي يظهر لي -والله أعلم- أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه، ولا ما ذكره العلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة . ينظر: ((منهاج أهل الحق والاتباع)) (ص: 85).

2- انتفاء الشبهة : بمعنى ألَّا تعرض للمسلم شبهةٌ توجِب له عدم معرفة المعنى الصحيح للنص وتحول دون فهمه للآية أو الحديث كما أراد الله ورسوله، سواء كان من علماء المبتدعة أو من العوامِّ المقلِّدين لعلمائهم الضالِّين، فمثلًا قوله تعالى : ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا.[الجن: 18]. نصٌّ عامٌّ واضحٌ يدل على عدم جواز دعاء غير الله سبحانه لكن بعض علماء أهل البدع يرى أن هذه الآية إنما هي في النهي عن دعاء الأصنام أما دعاء الموتى الصالحين فلا يدخل في عموم الآية وتابعهم على هذا الخطأ العوامُّ المقلدون لهم والله المستعان .

إذن العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربَّه سواء في مسائل الاعتقاد والتوحيد والشرك أو مسائل الأحكام الفقهية ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل ولولا العذر بالجهل لم يكن للرسل فائدة ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم .

 فالأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو وبلوغها إليه فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو كذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه.

فمن وقع في هذا الشرك لم يحكم عليه بأنه مشرك إلا إذا توفرت شروط التكفير وانتفت موانعه بأن يكون مختارا قاصدا لقوله أو فعله غير معذور بجهل أو تأويل .

وإليك الأدلة على العذر بالجهل في الكفر والشرك الأكبر

الأدلة من كتاب الله :

حجة الله على العباد لا تقوم إلا بعد العلم.

1- قال الله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. [الإسراء: 15] .فهذه الآية تدل على أن الله سبحانه لا يُعذِّب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وأن الجهل بالشرع عذر عند الله سبحانه فالتكاليف الشرعية لا تلزم العبد إلا بعد علمه بها أو تمكُّنه من معرفتها فإن أمكنه معرفتها فأعرض عنها فإنه مؤاخذ مذموم ويعاقبه الله على تفريطه.

2- قال الله تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. [النساء: 165] .

3- قال الله تعالى : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم. [التوبة: 115] .

4- قال الله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. [النساء: 115].

5- قال الله تعالى : إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن ناكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. [المائدة: 113] .

فهذه الآيات تنص على أن الله لا يعذب الناس إلا بعد أن يبين لهم ويعلمهم طريق ربهم ولا تكون المؤاخذة إلا بعد العلم .

قال الإمام ابن حزم رحمه الله : ( فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام : هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟! ولم يبطل بذلك إيمانهم، وهذا ما لا مخلص منه، وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبيينهم لها ). ينظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (3/141).

قال ابن كثير رحمه الله : ( قوله : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ). ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 412).

قال البغوي رحمه الله : ( معناه : ما كان الله ليحكم عليكم بالضلالة بترك الأوامر وباستغفاركم للمشركين، حتى يبين لهم ما يتقون، يريد : حتى يتقدم إليكم بالنهي، فإذا بين ولم تأخذوا به، فعند ذلك تستحقون الضلال ). ينظر: ((تفسير البغوي)) (2/ 396).

وقال أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله : ( من تعمد خلاف أصل من هذه الأصول، وكان جاهلا لم يقصد إليه من طريق العناد؛ فإنه لا يكفر؛ لأنه لم يقصد اختيار الكفر، ولا رضي به، وقد بلغ جهده، فلم يقع له غير ذلك، وقد أعلم الله سبحانه أنه لا يؤاخذ إلا بعد البيان، ولا يعاقب إلا بعد الإنذار، فقال تعالى : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. [التوبة: 115] ، فكل من هداه الله عز وجل، ودخل في عقد الإسلام، فإنه لا يخرج إلى الكفر إلا بعد البيان ). ينظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 551).

وقال ابن القيم رحمه الله : " الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو ، وبلوغها إليه ، فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو ، كذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه " . انتهى من "بدائع الفوائد" (4/168) .

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله مبينا فوائد هذه الآية ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ...) قال : " الفائدة العظيمة الكبرى وهي العذر بالجهل ، حتى في أصول الدين ؛ لأن الرسل يأتون بالأصول والفروع ، فإذا كان الإنسان جاهلاً لم يأته رسول ، فله حجة على الله ، ولا يمكن أن تثبت الحجة على الله إلا إذا كان معذورا ". انتهى من "تفسير سورة النساء" (2/485).

 ما جاء فى إعذار المخطئ. 

6- قال الله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا. [البقرة: 286]وثبت أن الله سبحانه استجاب لهذا الدعاء، فقال : قد فعلت . أخرجه مسلم (126) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

7- قال الله تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. [الأحزاب: 5]

8- قال الله تعالى : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ). الأعراف/ 138 - 141. فقد طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم صنماً يتقربون بعبادته إلى الله كما اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها .

فهذه النصوص تدل على أن كل من خالف ما كُلف به ناسياً أو جاهلاً فإنه معفو عنه فالمخطئ يشمل الجاهل لأن المخطئ هو كل من خالف الحق بلا قصد .

قال ابن حجر رحمه الله : ( قال ابن التين : أجرى البخاري قوله تعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به. [الأحزاب:5]  في كل شيء، وقال غيره : هي في قصة مخصوصة، وهي : ما إذا قال الرجل : يا بني، وليس هو ابنه… ولو سلم أن الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع ذلك من الاستدلال بعمومها، وقد أجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الإثم ). ينظر: ((فتح الباري)) (11/551).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله : " وهذا عام في كل ما أخطأ فيه المؤمنون من الأمور العملية والأمور الخبرية ". انتهى من "الإرشاد إلى معرفة الاحكام" ص 208.

قال ابن الجوزي رحمه الله : " وهذا إخبار عن عظيم جهلهم حيث توهموا جواز عبادة غير الله ، بعد ما رأوا الآيات ". انتهى من "زاد المسير" (2/150).

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي : " يظهر من جواب موسى عليه السلام أنه وإن أنكر عليهم جهلهم : لم يجعل طلبهم ارتدادا عن الدين ، ويشهد لذلك أنهم لم يؤاخذوا هنا ، كما أوخذوا به عند اتخاذهم العجل ، فكأنهم هنا - والله أعلم - عذروا بقرب عهدهم " . انتهى من "مجموع رسائل المعلمي" (1/142).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( قَدْ فَعَلْت) ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْخَطَأِ الْقَطْعِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَوْ ظَنِّيَّةٍ ... فَمَنْ قَالَ : إنَّ الْمُخْطِئَ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَوْ ظَنِّيَّةٍ يَأْثَمُ ، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ الْقَدِيمَ ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/210).

وقال : " هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي : أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية ، الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً ، وَفَاسِقًا أُخْرَى ، وَعَاصِيًا أُخْرَى ، وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/229) .

وقال ابن العربي رحمه الله : " فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً ، فإنه يعذر بالجهل والخطأ ، حتى تتبين له الحجة ، التي يكفر تاركها ، بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله ". انتهى ، وقد نقله عنه القاسمي في "محاسن التأويل" (3/161).

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي : " فنحن وإن قلنا في صورةٍ من صور السؤال ونحوها : إنَّ هذا دعاءٌ لغير الله تعالى وعبادةٌ وشرك ، فليس مقصودُنا أن كلَّ من فعل ذلك يكون مشركًا ، وإنما يكون مشركًا مَنْ فَعَلَ ذلك غيرَ معذور، فأما من فعلها معذورًا ، فلعلَّه يكون من خيار عباد الله تعالى ، وأفضلهم وأتقاهم ". انتهى من " آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي" (3/ 826).

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله : " والجهل ـ بلا شك ـ من الخطأ ، فعلى هذا نقول : إذا فعل الإنسان ما يُوجب الكفر ، من قول أو فعل ، جاهلاً بأنه كفر ، أي : جاهلاً بدليله الشرعي، فإنه لا يكفر ". انتهى من " الشرح الممتع " (14/449) .ط

فالنصوص متواترة من الكتاب والسنة في إعذار المخطئ وبيان أن حكمه حكم الجاهل والمتأول فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه فإن فرط أثم لتفريطه وإن لم يفرط فلا يؤاخذ بذلك سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام وفي الفروع أو الأصول.

قال ابن تيمية رحمه الله : ( أئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا، لا في المسائل الأصولية، ولا في الفروعية، كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره؛ ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء  إلا الخطابية  ، ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى خلفه

وقالوا : هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين؛ أنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية، 

قالوا : والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره، 

قالوا : والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع، كما أنه بدعة محدثة في الإسلام، لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة، فهي باطلة عقلا؛ فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة، كلها باطلة ). ينظر: ((مجموع الفتاوى)) (19/207).

وإليك الأدلة من السنة :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه : إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح؛ فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا! فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال : اجمعي ما فيك منه. ففعلت فإذا هو قائم، فقال : ما حملك على ما صنعت؟! قال: يا رب، خشيتك. فغفر له )). وفي لفظ : (( مخافتك يا رب )). أخرجه البخاري (3482) واللفظ له، ومسلم (2756).

فالقول الذي صدر من هذا الرجل كفر أكبر مخرج من الملة لتضمنه إنكار قدرة الله على جمعه بعد الموت، و" صفة القدرة " من أظهر الصفات وأبينها وهي من لوازم ربوبية الله وألوهيته بل هي من أخص أوصاف الرب ولكنه لم يكفر لأنه كان معذوراً بجهله .

قال ابن حزم رحمه الله : ( فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له؛ لإقراره وخوفه وجهله ). ينظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (3/140).

وقال ابن بطال رحمه الله : ( وقال آخرون : بل غفر له وإن كان كفرا من قوله؛ من أجل أنه قاله على جهل منه بخطئه؛ فظن أن ذلك صواب. قالوا : وغير جائز في عدل الله وحكمته أن يسوي بين من أخطأ وهو يقصد الصواب، وبين من تعمد الخطأ والعناد للحق، في العقاب ). ينظر: ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 192).

قال ابن عبد البر رحمه الله : " اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ ، فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ : هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ بَعْضَ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ الْقُدْرَةُ ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ، قَالُوا : وَمَنْ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآمَنَ بِسَائِرِ صِفَاتِهِ وَعَرَفَهَا ، لَمْ يَكُنْ بِجَهْلِهِ بَعْضَ صِفَاتِ اللَّهِ كَافِرًا ، قَالُوا : وَإِنَّمَا الْكَافِرُ مَنْ عاند الحق لا من جهله . وهذا قول المتقدمين مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ " . انتهى من "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (18/42) .

قال ابن تيمية رحمه الله : " فَهَذَا الرجل اعْتقد أَن الله لَا يقدر على جمعه إِذا فعل ذَلِك ، أَو شكّ ، وَأَنه لَا يَبْعَثهُ ؛ وكل من هذَيْن الاعتقادين كفر ، يكفر من قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة ، لكنه كَانَ يجهل ذَلِك ، وَلم يبلغهُ الْعلم بِمَا يردهُ عَن جَهله ، وَكَانَ عِنْده إِيمَان بِاللَّه وبأمره وَنَهْيه ووعده ووعيده ، فخاف من عِقَابه ، فغفر الله لَهُ بخشيته .

فَمن أَخطَأ فِي بعض مسَائِل الِاعْتِقَاد من أهل الْإِيمَان بِاللَّه وبرسوله وباليوم الآخر وَالْعَمَل الصَّالح ، لم يكن أَسْوَأ حَالا من الرجل ، فَيغْفر الله خطأه ، أَو يعذبه إِن كَانَ مِنْهُ تَفْرِيط فِي اتِّبَاع الْحق على قدر دينه .

وَأما تَكْفِير شخص عُلم إيمَانه بِمُجَرَّد الْغَلَط فِي ذَلِك : فعظيم ينظر: ((الاستقامة)) (1/164)

2- عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ : " خَرَجَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ حُنَيْنٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ ، فَقُلْنَا : يَا نَبِيَّ اللهِ ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنُوطُونَ سِلَاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا .

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللهُ أَكْبَرُ ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى : (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً) إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ". ((صحيح سنن الترمذي)) (2180). رواه الترمذي (2180) وصححه ، ورواه الإمام أحمد (21900) واللفظ لهفقد طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما هو شرك أكبر وهو أن يشرع لهم التعلق بالشجر كما كان يفعل المشركون ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم قولهم مثل قول بني إسرائيل لموسى .

قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( حكم من وقع من المسلمين في نوع من الشرك جهلا ثم تاب منه .

ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة، وهي أنهم يقولون : إن بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا : اجعل لنا ذات أنواط، لم يكفروا.

فالجواب أن نقول : إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه، لكفروا أي : أنهم لو اتخذوا ذات أنواط قبل نهيهم وإقامة الحجة عليهم لا يكفرون؛ لجهلهم )، وهذا هو المطلوب.

ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل : «التوحيد فهمناه» أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان.

وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري، فنبه على ذلك فتاب من ساعته؛ أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ) . ينظر: ((كشف الشبهات)) (ص: 44).

 قال الشيخ العثيمين رحمه الله معلقا على كلام محمد بن عبد الوهاب : ( قوله : « وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد... إلخ» هذه هي الفائدة الثانية : أن المسلم إذا قال ما يقتضي الكفر جاهلا بذلك، ثم نبه فانتبه وتاب في الحال، فإن ذلك لا يضره؛ لأنه معذور بجهله، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أما لو استمر على ما علمه من الكفر فإنه يحكم بما تقتضيه حاله). ينظر: ((شرح كشف الشبهات)) (ص: 91)

وقد سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن القبوريين الذين يعتقدون في الموتى ، ويطلبون منهم ، فقال الشيخ رحمه الله : " هم مرتدون عن الإسلام إذا أقيمت عليهم الحجة ، وإلا فهم معذورون بجهلهم ، كجماعة الأنواط ". انتهى من "فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 371.

3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك  ، أخطأ من شدة الفرح  )). أخرجه البخاري (6309) مختصرا، ومسلم (2747) واللفظ له.

قال ابن القيم رحمه الله : ( الغلط والنسيان والسهو وسبق اللسان بما لا يريده العبد، بل يريد خلافه، والتكلم به مكرها وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية : لا يكاد ينفك الإنسان من شيء منه؛ فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب والمشقة؛ فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله، حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر، كما تقدمت شواهده، وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى، وسبق اللسان بما لم يرده، والتكلم في الإغلاق، ولغو اليمين؛ فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها؛ لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به ). ينظر: ((إعلام الموقعين)) (4/515).

قال ابن تيمية رحمه الله : ( أئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا، لا في المسائل الأصولية، ولا في الفروعية، كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره؛ ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء  إلا الخطابية  ، ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى خلفه

وقالوا : هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين؛ أنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية، 

قالوا : والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره، 

قالوا : والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع، كما أنه بدعة محدثة في الإسلام، لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة، فهي باطلة عقلا؛ فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة، كلها باطلة ). ينظر: ((مجموع الفتاوى)) (19/207).

4- عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا ) 

فَقَالَ لَهُ صِلَةُ : مَا تُغْنِي عَنْهُمْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ، وَلَا صِيَامٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ؟

فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ : ( يَا صِلَةُ ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ) ثَلَاثًا. رواه ابن ماجه (4049) وصححه البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 291) ، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/171) .

فهذا الحديث يدل على أن أولئك القوم ليس عندهم إلا إيمان مجمل بالإقرار بالتوحيد ولا يعرفون عن الإسلام شيئا إلا مجرد الإقرار الذي وجدوا عليه آبائهم .

وإليك أقوال الأكابر فى العذر بالجهل فى الكفر والشرك الاكبر

قال ابن العربي رحمه الله :

الجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى تتبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليا قطعيا، يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل . ينظر: ((تفسير القاسمي)) (3/ 161) وعزاه إلى ((شرح صحيح البخاري)) لابن العربي.

وقال ابن تيمية رحمه الله مبينا حكم المسلمين الذين يستغيثون بالقبور عند الشدائد وينذرون لها :

هذا الشرك إذا قامت على الإنسان الحجة فيه ولم ينته، وجب قتله كقتل أمثاله من المشركين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ولم يصل عليه. 

وأما إذا كان جاهلا لم يبلغه العلم، ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فإنه لا يحكم بكفره، ولا سيما وقد كثر هذا الشرك في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقد مثل هذا قربة وطاعة فإنه ضال باتفاق المسلمين، وهو بعد قيام الحجة كافر . ينظر: ((جامع المسائل)) (3/151). ومعنى المنتسبين إلى الإسلام. أي: أهل البدع.

وقال أيضا رحمه الله في شرك العبادة :

 " فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات ، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها.

كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ، ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.

لكن لغلبة الجهل ، وقلّة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ، لم يمكن تكفيرهم بذلك ، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يخالفه ". انتهى من كتاب "الرد على البكري" (2/ 731).

فمن استغاث بغير الله سبحانه وظن أن هذه الاستغاثة ليست شركًا فلا يحكم عليه بالشرك لجهله .

فقد سئل أيضا رحمه الله :

 " ما تقول السادة العلماء أئمة الدين -رضي الله عنهم أجمعين- في قومٍ يُعظِّمون المشايخ، بكون أنهم يستغيثون بهم في الشدائد، ويتضرَّعون إليهم، ويزورون قبورَهم ويُقبِّلونها ويتبرَّكون بترابها، ويُوقِدون المصابيح طولَ الليل، ويتخذون لها مواسم يقدمون عليها من البعد يسمونها ليلةَ المَحْيَا، فيجعلونها كالعيد عندهم، وينذرون لها النذور، ويُصلُّون عندها".

فأجاب :

 " الحمد لله رب العالمين. من استغاث بميِّتٍ أو غائب من البشر، بحيثُ يدعوهُ في الشدائدِ والكُرُبات، ويَطلُب منه قضاءَ الحوائج، فيقول : يا سيِّدي الشيخ فلان! أنا في حسبك وجِوارِك؟ أو يقول عند هجوم العدوِّ عليه : يا سيِّدي فلان! يَستوحِيْه ويَستغيثُ به؟ أو يقول ذلك عند مرضِه وفقرِه وغيرِ ذلك من حاجاتِه -: فإن هذا ضالٌّ جاهلٌ مشركٌ عاصٍ لله باتفاقِ المسلمين، فإنهم متفقون على أن الميت لا يُدعَى ولا يُطلَب منه شيء، سواءٌ كان نبيًّا أو شيخًا أو غيرَ ذلك ".

إلى أن قال : " وهذا الشركُ إذا قامت على الإنسان الحجةُ فيه ولم يَنتهِ، وَجَبَ قتلُه كقتلِ أمثالِه من المشركين، ولم يُدفَنْ في مقابرِ المسلمين، ولم يُصَلَّ عليه.

وأمَّا إذا كان جاهلاً لم يَبلُغْه العلمُ، ولم يَعرِف حقيقةَ الشرك الذي قاتلَ عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشركين، فإنه لا يُحكَم بكُفْرِه، ولاسِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام.

ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر.

والواجبُ على المسلمين عمومًا ، وعلى وُلاةِ الأمور خصوصًا : النهيُ عن هذه الأمور، والزَّجْرُ عنها بكلِّ طريق، وعقوبةُ مَن لم ينتهِ عن ذلك، العقوبةَ الشرعيةَ، والله أعلم ". انتهى من "جامع الرسائل" لابن تيمية، جمع عزير شمس (3/ 145 - 151). ومعنى المنتسبين إلى الإسلام. أي: أهل البدع.

وقال أيضا رحمه الله : 

" المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال : هي كفر، قولًا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يُحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه ". انتهى من (مجموع الفتاوى (35/ 165)

وقال الشيخ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمه الله :

( وأمَّا الكَذِبُ والبُهتانُ، فمِثلُ قَولِهم : إنَّا نُكَفِّرُ بالعمومِ، ونُوجِبُ الهِجرةَ إلينا على مَن قَدَر على إظهارِ دينِه، وإنَّا نُكَفِّرُ مَن لم يُكَفِّرْ، ومَن لم يقاتِلْ، ومِثلُ هذا وأضعافُ أضعافِه، فكُلُّ هذا من الكَذِبِ والبُهتانِ الذي يَصُدُّونَ به النَّاسَ عن دينِ اللهِ ورَسولِه.

وإذا كنَّا لا نُكَفِّرُ من عَبَد الصَّنَمَ الذي على عبدِ القادِرِ، والصَّنَمَ الذي على قبرِ أحمد البدوي، وأمثالَهما؛ لأجْلِ جَهْلِهم، وعَدَمِ مَن يُنَبِّهُهم، فكيف نكَفِّرُ من لم يُشرِكْ باللهِ إذا لم يُهاجِرْ إلينا، أو لم يُكَفِّرْ ويُقاتِلْ؟ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. [ النور: 16] ). يُنظر: ((الدرر السنية)) (1/104). 

وقال أيضا رحمه الله : 

إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله ورسوله ما يكون فعله كفرًا، أو اعتقاده كفرًا؛ جهلًا منه بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يكون عندنا كافرًا، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، التي يكفر من خالفها. فإذا قامت عليه الحجة، وبين له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصرَّ على فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه، فهذا هو الذي يكفر”. ينظر : (الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 239)

وقال أيضا رحمه الله :

ونكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، والذي يَدَّعِي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام، فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها فليس هذا بالمسلم، وأما الإنسان الذي يفعلها بجهالة، ولم يتيسر له من ينصحه، ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ما حاله . ينظر : (كتاب الفتاوى والمسائل (ص 11) و( الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 150-151)

ويبعث -رحمه الله- رسالة لمحمد بن عيد أحد مُطَاوَعَةِ ثَرمداء، يقول فيها:

وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تَقُمْ عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله . ينظر : (مجموعة مؤلفات الشيخ (5 / 25) و( الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 113)

وقال أيضا رحمه الله :

نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله؛ فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك . ينظر : (مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ٣/ (٣٤)).

فهذا نصٌّوص صريحة من الشيخ رحمه الله بأنه يعذر بالجهل حتى في مسائل القبور وعبادة أصحابها وهي مسألة ظاهرة بل من أظهر مسائل الدين ولا يكفر المعين إلا بعد قيام الحجة عليه فلا يصح لنا أن ننسب إليه شيئًا نفاه عن نفسه ويؤكد ذلك حفيده الشيخ عبد اللطيف فى الكلام التالي.

 قال عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ رحمه الله :

( شَيخُنا رحمه الله قد قرَّر هذا وبَيَّنَه وِفاقًا لعُلَماءِ الأُمَّةِ، واقتداءً بهم، ولم يكفِّرْ إلَّا بعد قيامِ الحُجَّةِ وظُهورِ الدَّليلِ، حتى إنَّه رحمه الله توقَّف في تكفيرِ الجاهِلِ مِن عُبَّادِ القُبورِ إذا لم يتيسَّر له مَن ينبِّهُه، وهذا هو المرادُ بقول الشَّيخُ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله تعالى : « حتى يتبَيَّنَ لهم ما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا حَصَل البيانُ الذي يَفهَمُه المخاطَبُ ويَعقِلُه فقد تبيَّنَ له »، وليس بين «بيَّن» و«تبيَّن» فرقٌ بهذا الاعتبارِ؛ لأنَّ كُلَّ من بُيِّن له ما جاء به الرَّسولُ، وأصَرَّ وعانَدَ، فهو غيرُ مُستجيبٍ، والحُجَّةُ قائِمةٌ عليه)يُنظر: ((مصباح الظلام)) (ص 499).

وقال سليمان بن سحمان رحمه الله :

( الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر، حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم، إذا لم يتيسر له من ينصحه، ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها.

قال في بعض رسائله : وإن كنا لا نكفر من عبد قبة الكواز؛ لجهلهم وعدم من ينبههم، فكيف من لم يهاجر إلينا؟ وقال -وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال- فقرر أن من قامت عليه الحجة، وتأهل لمعرفتها، يكفر بعبادة القبور ). ينظر: ((الضياء الشارق)) (ص: 372).

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :

 ما هو الضابط بالنسبة للعذر بالجهل بالتوحيد وهل قراءة وتلاوة القرآن تكفي لإزالة هذا العذر؟

فأجاب :

 أولاً الضابط سواءً كان يحسن قراءة القرآن أولاً، ويفهمه ثانياً، أو كان يقرأه ولا يفهمه، أولا يحسن لا فهمه ولا قراءته، فالضابط في ذلك هو أن يعيش المسلم في جو إسلامي صحيح، وتكون العقائد منتشرة في ذلك الجو حتى صارت من قسم ما يسميه علماء الأصول بالمعلوم من الدين بالضرورة .

ولعل جميع الحاضرين يذكرون حديث الجارية التي كانت ترعى غنماً لرجل في أحد وأن الذئب سطى على الغنم ... فلما بلغه الخبر قال الرجل معتذراً لنفسه عما فعل بقوله : قال الرجل أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، يقول الرسول عليه السلام وعليه عتق رقبه فأمره عليه السلام بأن يأتي بها فقال : لها أين الله؟ فقالت : في السماء فقال : من أنا؟ قالت أنت رسول الله، قال أعتقها فإنها مؤمنة، 

الشاهد من الحديث أن كون الله عز وجل في السماء في عقيدة قرآنية منصوص عليها في القرآن في غير ما آية صريحة وعقيدة سنية نبوية عليها أحاديث كثيرة جداً، ولكن الآن كثير من المجتمعات الإسلامية، لا تعتقد العقيدة الإسلامية فالرجل الذي يعيش في هذا الجو يكون معذوراً؛ لأن الحجة لم تبلغه بخلاف من كان في مجتمع آخر عقيدة التوحيد هي فاشية ومنتشرة في ذلك المجتمع الذي أشبه ما يكون بالمجتمع الأول النبوي والذي فيه الجارية وهي راعية الغنم عرفت هذه العقيدة، هل هي درست القرآن، هل هي درست حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك مما يستبعد عادةً من راعية غنم، لكن هي تعيش مع أهل بيت : سيدها وسيدتها فهي تسمع منهم وتتفقه على أيديهم، فتعلم ما لم تكن من قبل تعلم.

وإذا ضممنا إلى هذا الحديث وإلى هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. (الإسراء:١٥) وفهمنا الآية الكريمة فهماً صحيحا، وليس فهماً جامداً على لفظها دون مرامها ومعناها، وأعني بذلك أن الآية لا تعني فقط بقوله تعالى {حتى نبعث رسولا} أي أن كل جماعة وكل طائفة وفي كل عصر يأتيها رسول، قد يأتيها رسول، وقد يأتيها دعوة الرسول، المهم إذاً أن الآية ليست تعني فقط شخص الرسول وإنما تعني دعوة الرسول؛ 

ومن الأدلة على ذلك أن الرسول قد يأتي قوماً فيكون فيه المجنون، ويكون فيه المصروع، ويكون فيه غير البالغ، والأصم وإلخ، وهؤلاء جاءهم الرسول، ولكن ما جاءتهم دعوة الرسول، وعلى العكس من ذلك، أمثالنا نحن أتباع محمد عليه السلام، نحن ما جاءنا محمد، مباشرة لكن جاءتنا دعوة محمد إذاً من وصلته دعوة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على نقاوتها وعلى حقيقتها فقد بلغته الحجة، ولا يعذر بالجهل على ما وضحت آنفاً.

من هنا أنا قلت أكثر من مرة أن كثيراً من الأوروبيين والأمريكيين الذين يفتنون بدعاةٍ منحرفين عن الكتاب والسنة ولنضرب على ذلك مثلاً بطائفة القاديانية؛ لأن هؤلاء من الطوائف التي لها نشاط شديد جداً في الدعوة إلى ما يعتقدون من دينهم، ولذلك فقط استطاعوا أن يؤثروا على الألوف المؤلفة من الإنجليز والألمان والأمريكان وإلخ، ترى وهنا الشاهد هؤلاء الذين اتبعوا الدعوة القاديانية هل بلغتهم حجة الإسلام؟

 الجواب :

 لا بلغتهم حجة القاديانية وليست حجة الإسلام، فلله الحجة البالغة وهي مناط التكليف إيجاباً وسلباً، فالضابط إذاً بلوغ الدعوة الصحيحة إلى الأفراد فمن بلغته فقد أقيمت عليه الحجة ومن لا فلا، لكن الذي يضبط الموضوع هو ملاحظة المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأفراد؛ فإن كان المجتمع مجتمع أهل السنة والجماعة كما كانوا يقولون قديماً ولا نرى استعمال هذه الكلمة حديثاً؛ لأنها في عرف المقلدين إنما تعني الأشاعرة والماتريدية وإنما نعني من بلغتهم دعوة السلفية وما كان عليه السلف الصالح فهذا قد أقيمت عليه الحجة ولكن في اعتقادي أن هؤلاء قلة في العالم الإسلامي كله، في اعتقادي أظن يكفي هذا جواباً على سؤالك .انتهى من "الهدى والنور" (٨٦١/ ٢٠: ٠١: ٠٠)

وقال أيضا رحمه الله : 

العذر بالجهل تارة يُعْذَر وتارة لا يعذر، ولا فرق بين أن يكون الأمر في العقيدة أو أن يكون في الأحكام الشرعية، قد يكون معذوراً في كل منهما وقد يكون غير معذور في كل منهما، وقد يكون معذوراً في أحدهما دون الآخر وهكذا، والمناط؛ أي : العلة التي توجب المؤاخذة أو لا توجبها، إنما هي ملاحظة كون هذا الذي نريد أن نقول عنه أنه معذور أو غير معذور يعيش في مجتمع إسلامي معروف الحكم عند هذا المجتمع وذائع وشائع مع ذلك هو ليس عنده علم بذلك فهذا غير معذور.

وبين شخص آخر يعيش في مجتمع إما غير إسلامي محض كالمجتمعات
الكفرية وإما يعيش في مجتمع إسلامي اسماً حينئذ هذا يكون معذوراً بأنه لم تبلغه الحجة، عرفت الفرق؟. انتهى من "الهدى والنور" (١٩٩/ ٥٨: ٥٦: ٠٠) و (٢٢٤/ ٢٨: ٠٢: ٠

وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

 عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة ؟

فأجاب :

الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية ، وربما يكون اختلافاً لفظيّاً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين ، أي : إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع . وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين :

الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام ، أو لا يدين بشيء ، ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه : فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ،

وأما في الآخرة : فأمره إلى الله تعالى ، والقول الراجح : أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى : ( ولا يظلم ربك أحداً ) .

وإنما قلنا : تُجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا - وهي أحكام الكفر - : لأنه لا يدين بالإسلام ، فلا يمكن أن يُعطى حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة : لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه : " طريق الهجرتين " عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .

النوع الثاني : أن يكون من شخص يدين بالإسلام ، ولكنه عاش على هذا المكفِّر ، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبَّهه أحدٌ على ذلك : فهذا تُجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً ، 

أما في الآخرة : فأمره إلى الله عز وجل ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنَّة ، وأقوال أهل العلم .

فمن أدلة الكتاب : قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) وقوله : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) . وقوله : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) وقوله : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) وقوله : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان .

وأما السنة : ففي صحيح مسلم1/134 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) .

وأما كلام أهل العلم : فقال في " المغني " ( 8 / 131 ) : " فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام ، والناشئ بغير دار الإسلام ، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم : لم يحكم بكفره " ،

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " ( 3 / 229 ) مجموع ابن قاسم : " إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب معيَّن إلى تكفير ، وتفسيق ، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية "

إلى أن قال : " وكنت أبيِّن أن ما نُقل عن السلف والأئمَّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا : فهو أيضاً حقٌّ ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين " .

إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً " .

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ( 1 / 56 ) من " الدرر السنية " : " وأما التكفير : فأنا أكفِّر مَن عرف دين الرسول ، ثم بعدما عرفه سبَّه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره "

وفي ( ص 66 ) : " وأما الكذب والبهتان فقولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ؟ ! " .

وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب ، والسنة ، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله تعالى ، ولطفه ، ورأفته ، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه ، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق ، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل .

فالأصل فيمن ينتسب للإسلام : بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي .... .

فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين :

الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .

الأمر الثاني : انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له ، ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها ؟ .

الجواب :

 الظاهر الثاني ؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنى . .. .

والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال 224 ) .

وسئل أيضا رحمه الله :

ما حكم من يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم ؟

فأجاب :

وأما العذر بالجهل : فهذا مقتضى عموم النصوص ، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل ، قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15 ، وقال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/ 165 ، ولولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل ، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة ، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،

لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية أي : أنه قد يتيسر له أن يتعلم ؛ لكن لا يهتم ، أو يقال له : هذا حرام ؛ ولكن لا يهتم ، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية ، ويأثم بذلك ، 

أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول : هذا يأثم ، وهو لم تبلغه الرسالة : هذا بعيد ، ونحن في الحقيقة - يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا ، إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة ، والرب عز وجل يقول : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام ؟

بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم " .انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " ( 33 / السؤال رقم 12 ) .

وقال أيضا رحمه الله :

ولكن يبقى النظر إذا فرَّط الإنسان في طلب الحق ، بأن كان متهاوناً ، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث : فهذا قد يكون آثماً ، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق ، وقد يكون غير معذور في هذه الحال ، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ، ففي هذه الحال يكون معذوراً ، 

ولهذا كان القول الراجح : أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن ، وكان لا يصوم رمضان ظنّاً منه أنه ليس بواجب ، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظنّاً منه أن الجماع حلال : فإنه ليس عليه قضاء ؛ لأنه جاهل ، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها .

فالخلاصة إذاً : أن الإنسان يعذر بالجهل ، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق .انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 3 ) .

وسئل أيضا رحمه الله :

عمن يقول : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ثم يذبح لغير الله، فهل يكون مسلما؟ مع العلم أنه نشأ في بلاد الإسلام؟

فأجاب :

الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح له : مشرك شركا أكبر، ولا ينفعه قول «لا إله إلا الله»، ولا صلاة، ولا غيرها، اللهم إلا إذا كان ناشئا في بلاد بعيدة، لا يدري عن هذا الحكم، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله، ويذبحون للقبور، ويذبحون للأولياء، وليس عندهم في هذا بأس، ولا يعلمون أن هذا شرك أو حرام؛ فإن هذا يعذر بجهله،

 أما إنسان يقال له : هذا كفر، فيقول : لا، ولا أترك الذبح للولي، فهذا قامت عليه الحجة، فيكون كافرا... 

فإذا نصح وقيل له : إن هذا شرك، وبينت له الأدلة في ذلك، وأقيمت عليه الحجة الشرعية فلم يعبأ ولم يهتم، صار مشركا كافرا مرتدا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل . ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 48).
 
وقال أيضا رحمه الله :

الإنسان لا يعرف ما حرم الله سبحانه وتعالى إلا بعلم من قبل الرسل، فإذا كان هذا الإنسان مسلما يصلي، ويصوم، ويزكي، ويحج، ويستغيث بغير الله، وهو لا يدري أنه حرام، فهو مسلم؛ لكن بشرط أن يكون مثله يجهله، بحيث يكون حديث عهد بالإسلام، أو في بلاد انتشر فيها هذا الشيء، وصار عندهم كالمباح، وليس عندهم علماء يبينون لهم، أما لو كان في بلد التوحيد فيها ثابت مطمئن، فإن ادعاءه الجهل قد يكون كاذبا فيه. ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 43)

وسئل أيضا رحمه الله :

عمن يقع في شرك العبادة جاهلا : هناك شبهة، وهي أنه يقال : إن فعله شرك، وهو ليس بمشرك! فكيف نرد؟

 فأجاب :

هذا صحيح، ليس بمشرك إذا لم تقم عليه الحجة. ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 48).

وقال أيضا رحمه الله :

هؤلاء الذين يأتون إلى الأولياء ويدعونهم وهم جهال، ليس عندهم من يعلمهم، ولا من ينبههم، ولكنهم يقولون : نحن مسلمون، يصلون، ويتصدقون، ويصومون، ويحجون، ويجتهدون، ويتهجدون، لكن لا يعلمون عن هذا الأمر شيئا، ولم ينبههم عليه أحد، ولم يخبرهم به أحد، فهؤلاء معذورون بجهلهم، ويحكم بأنهم مسلمون، وأما من بلغه أن هذا شرك، ولكنه أصر وقال : إن هذا دين آبائي وأجدادي، ولا يمكن أن أحيد عنه، فهذا يحكم بكفره . ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 36).

وسئل أيضا رحمه الله :

هل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؟

فأجاب :

الخفية تبين مثل هذه المسألة، لو فرضنا أنه يقول : أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء، ولا أعلم أن هذا حرام، فهذه تكون خفية؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي؛ قد يكون ظاهرا عندي ما هو خفي عليك، وظاهر عندك ما هو خفي علي . ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 48).

وقال أيضا رحمه الله :

تجب إقامة الحجة قبل التكفير، وذلك في كل المسائل التي يمكن أن يجهلها الناس، فلا نقسم المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية  ؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبي؛ قد تكون المسألة ظاهرة عندي وخفية عند غيري، فلا بد إذن من إقامة الحجة وعدم التسرع في التكفير؛ لأن إخراج رجل من ملة الإسلام ليس بالأمر الهين، وهناك موانع تمنع من تكفير الشخص، وإن قال أو فعل ما هو كفر . ينظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 48).

وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :

 " وأمَّا دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم ، وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات : فهو شرك أكبر مُخرجٌ من الملَّة .

ويُقال لهذا الفعل : شرك وكفر ، ولا يُقال لكلِّ من فعل ذلك إنَّه مشرك كافر ؛ فإنَّ من فعل ذلك وهو جاهل : معذورٌ لجهله ، حتى تُقام عليه الحجَّة ويفهمها ، ثمَّ يُصرُّ على ذلك ، فإنَّه حينئذ يُحكم بكفره وردَّته .

والفتنة في القبور من الأمور التي يكون فيها لَبسٌ عند كثير من الناس ، مِمَّن نشأ في بيئة تعتبر تعظيم القبور ودعاء أصحابها من محبَّة الصالحين، لاسيما إذا كان بينهم أحد من أشباه العلماء الذين يتقدَّمونهم في تعظيم القبور والاستغاثة بأصحابها، زاعمين أنَّهم وسائط تقرِّب إلى الله ". انتهى من " كتب ورسائل العلامة العباد" (4/372) .


والله اعلم


اقرأ أيضا..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات