قُنوت الوتر سنة علمها النبى ﷺ للحسن بن على فيُشرع القنوت فى صلاة الوتر فى جميع السنة لأن الأحاديث الواردة فيه مطلقة غير مقيدة بوقت دون آخر .
ودعاء القنوت الذي علمه النبي صلي الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما تجوز الزيادة عليه كما يجوز استعمال غيره من الأدعية في قنوت الوتر .
إلا أن دعاء القنوت في النوازل يختلف عن دعاء القنوت في الوتر حيث أن القنوت في النوازل أن تدعو الله تعالى بما يناسب تلك النازلة .
والدليل :
1- عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت . ((صحيح سنن أبي داود)) (1425). فالحديث لم يخص القنوت بوقت دون آخر .
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك . ((صحيح سنن أبي داود)) (1427)
3- عن أبي بن كعب : أن رسول الله ﷺ قنت - يعني - في الوتر قبل الركوع . (صحيح أبي داود)و(حسنه الألباني في الإرواء (2/167)).
4 - عن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط،
فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم،
قال عمر : نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد : آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف :
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق،
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين،
قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته : اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد؛ إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجدا . (صحيح ابن خزيمة (1100)). ((صحيح ابن خزيمة)) (2/155).
5- عن علقمة : ( أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع ). جود إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/166) وقال: على شرط مسلم.
وإليك 6 أحكام مهمة عن القنوت في صلاة الوتر.
1- يُشرع القنوت في الوتر في جميع السنة.
وهذا مذهب الحنفية ، والحنابلة ، ووجه عند الشافعية قواه النووي ، وبه قالت طائفة من السلف ، واختاره ابن حزم ،واختاره ابن باز ، وابن عثيمين ، والألباني .
** قال الترمذيُّ رحمه الله : فرأى عبدُ الله بن مسعود القنوتَ في الوِتْر في السَّنة كلِّها، واختار القنوتَ قبل الركوع،
وهو قول بعض أهل العِلم، وبه يقول سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، وإسحاقُ، «وأهل الكوفة». انتهى من ((سنن الترمذي)) (2/328).
** وقال النووي رحمه الله : يُستَحَبُّ في الوِتْر في جميع السَّنَة، وهو قول أربعة من كِبار أصحابنا، أي : عبد الله الزبيري، وأبي الوليد النيسابوري، وأبي الفضل بن عبدان، وأبي منصور بن مهران،
وهذا الوجهُ قويٌّ في الدليل؛ لحديثِ الحسنِ بن عليٍّ رضي الله عنهما السَّابق في القنوت . انتهى من ((المجموع)) (4/15).
** وقال أيضا رحمه الله : حكي عن ابن مسعود، والحسن البصري، والنخعي، وإسحاق، وأبي ثور : أنهم قالوا :
يقنت فيه في كل السنة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو رواية عن أحمد، وقال به جماعة من أصحابنا . انتهى من ((المجموع)) (4/24).
** وقال عن عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن القنوت في الوتر كل ليلة أفضل؟ أم في السنة كلها؟ أو النصف من شهر رمضان؟ قال :
لا بأس إن يقنت كل ليلة. و لا بأس إن قنت السنة كلها. قال : وإن قنت في النصف من شهر رمضان فلا بأس.
حدثنا قال : حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع : أن ابن عمر كان لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان .انتهى من (مسـائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم 320).
** قال ابن تيمية رحمه الله : وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله ومن شاء تركه …
وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن ، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن ، وإن لم يقنت فقد أحسن .انتهى من [مجموع الفتاوى (22/271)].
** قال ابن قدامة رحمه الله : القنوت مسنون في الوتر، في الركعة الواحدة، في جميع السنة؛ هذا المنصوص عند أصحابنا،
وهذا قول ابن مسعود، وإبراهيم، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحسن . انتهى من ((المغني)) (2/111).
** قال الشيخ الألباني رحمه الله : وكذلك كان لا يخصه بالنصف الأخير من رمضان، والحجة في ذلك : أن الأحاديث الواردة فيه مطلقة غير مقيدة . انتهى من ((أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) (3/969).
** وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا ؟
فأجاب : لا حرج في ذلك بل هو سنة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ، ولا بالمداومة عليه ؛ فدل ذلك على جواز الأمرين .
ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي، ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب، والله ولي التوفيق". انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 2 / 159 ).
2- موضع القنوت من الوتر يكون بعد الركوعِ ويجوز قبله بعد القراءة .
وأما موضع قنوت النوازل فيكون بعد الركوع وهو قول جمهور المحققين .
- فعن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه قال : ( خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون....
إلى أن قال : وكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك... إلى أن قال : ثم يكبر ويهوي ساجدا ) . صحيح ابن خزيمة (1100). ((صحيح ابن خزيمة)) (2/155).
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه : سئل عن القنوت في صلاة الصبح، فقال : كنا نقنت قبل الركوع وبعده . ((صحيح سنن ابن ماجه)) (979).
** قال ابنُ المنذر رحمه الله : وقال أنسُ بن مالك : كلُّ ذلك كنَّا نفعل قَبلُ وبعدُ، وممَّن رأى أنْ يقنت بعد الركوع :
أيوب السِّخْتياني، وأحمدُ بن حنبل، ورُوي هذا القول عن الحسن البصريِّ والحَكم، وحمَّاد، وأبي إسحاق . انتهى من ((الأوسط)) (5/211).
** قال ابنُ تَيميَّة رحمه الله : وأمَّا فقهاء أهل الحديث كأحمدَ وغيرِه فيُجوِّزون كِلَا الأمرين؛ لمجيء السُّنة الصَّحيحة بهما،
وإن اختاروا القنوتَ بعد الركوع؛ لأنَّه أكثرُ وأقيَسُ، فإنَّ سماع الدعاء مناسبٌ لقولِ العبد سمِعَ الله لِمَن حمِده؛
فإنَّه يُشرَع الثناءُ على الله قبلَ دُعائِه كما بُنِيتْ فاتحةُ الكتاب على ذلك؛أوَّلها ثناءٌ، وآخِرها دُعاء . انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (23/100).
** قال ابن حجر رحمه الله : ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك : أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك،
وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح . انتهى من ((فتح الباري)) (2/491).
** قال الشيخ الألباني رحمه الله : ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ
ثم ذكر دليل ذلك : عن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه قال : ( خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد.....إلى آخر الحديث). وقال : رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/155) . انتهى من (قيام رمضان صـ(31)).
** قال الشيخ العُثيمين رحمه الله : وقوله : «فيها»، أي : في الركعة الثَّالثة بعدَ الركوعِ، هذا هو الأفضلُ، وإنْ قنَت قَبْلَه فلا بأس، فإذا أتمَّ القراءةَ قنَت ثم كبَّر ورَكعَ، فهذا جائزٌ أيضًا . انتهى من ((الشرح الممتع)) (4/18).
3- يُستحب رفع اليدين في دعاء القنوت .
وهذا مذهب الشافعية على الصحيح والحنابلة ، ورواية عن أبي يوسف ، وبه قالت طائفة من السلف ، واختاره ابن باز وابن عثيمين ، والألباني ، وبه أفتت اللجنة الدائمة.
- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة القراء وقتلهم قال : ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم، يعني : على الذين قتلوهم ) . قال النووي في ((المجموع)) (3/500): إسناده صحيح أو حسن
- عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ( صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقنت بعد الركوع، ورفع يديه وجهر بالدعاء ). رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/212) وصححه.
** قال ابن المنذر رحمه الله : روينا عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، أنهم كانوا يرفعون أيديهم في القنوت، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي . انتهى من ((الإشراف)) (2/273).
** قال النووي رحمه الله : " وعن أبي عثمان ، قال : كان عمر - رضي الله عنه - يرفع يديه في القنوت . وعن الأسود أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرفع يديه في القنوت ..
رواها البخاري في كتاب "رفع اليدين" بأسانيد صحيحة ، ثم قال في آخرها - يعني البخاري - : هذه الأحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ". أهـ ("المجموع " (3/490 ))
** قال الشيخ ابن باز رحمه الله : يشرع رفع اليدين في قنوت الوتر؛ لأنه من جنس القنوت في النوازل،
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه حين دعائه في قنوت النوازل. خرجه البيهقي رحمه الله بإسناد صحيح . انتهى من ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/51).
** وقال الشيخ العثيمين رحمه الله : من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل،
وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع اليدين في قنوت الوتر، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم؛
فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماما، أو مأموما، أو منفردا، فكلما قنت فارفع يديك . انتهى من ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/136، 137).
4- يُشرع التأمين خلف الإمام في قنوت الوتر .
لما رواه ابن عباس قال : ( قنت رسول الله شهراً متتابعا ويؤمن مَنْ خلفه ). صحيح سنن أبي داود (1443).
فلا فرق بين قنوت النازلة وبين قنوت الوتر لأن الكل دعاء قنوت من الإمام في الصلاة جهرا فيستحب التأمين عليه.
** قال ابن المنذر رحمه الله : روينا عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، أنهم كانوا يرفعون أيديهم في القنوت، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي . انتهى من ((الإشراف)) (2/273).
** وقال النووي رحمه الله : يؤمّن المأموم عند الدعاء ويشارك أو يسكت عند الثناء ، والمشاركة أولَى لأنه ثناءٌ لا يليق فيه التأمين .انتهى من (المجموع ( 1/790)).
** وقال المطيعي في هامش المجموع : ( ومن البدع التي لم نجد لها أصلاً قول المأمومين عند عبارات الثناء ( حقاً ) وقولهم عند تباركت ربنا وتعاليت ( يا الله ) ) .انتهى.
** قال ابن قدامة رحمه الله : إذا أخذ الإمام في القنوت، أمن من خلفه، لا نعلم فيه خلافا، وقاله إسحاق،
وقال القاضي : وإن دعوا معه فلا بأس. وقيل لأحمد : إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال : نعم، فيرفع يديه في حال القنوت .انتهى من ((المغني)) (2/113، 114).
** قال الشيخ العثيمين رحمه الله : أما التأمين على دعاء القنوت، فإنه أيضا بالقياس على التأمين على قراءة الفاتحة يكون مشروعا . انتهى من ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/139).
** قال ابن القيم رحمه الله :
سئل أحمد : عن الرجل يقنت في بيته أيعجبك يجهر بالدعاء في القنوت أو يسره؟ قال : " يسره؛ وذلك أن الإمام إنما يجهر ليؤمن المأموم " .انتهى من ((بدائع الفوائد)) (4/113).
5- يُسن الصلاة على النبي ﷺ بعد الفراغ من دعاء القنوت .
وهو الصحيح من مذهب الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، وقول عند الحنفية.
- ودليل ذلك أثر معاذ الأنصاري رضي الله عنه : ( أنه كان يصلي على النبي ﷺ في القنوت). قال الألباني فى صفة الصلاة معلقا عليه : (إسناده موقوف صحيح).
- وأيضا جاء ذلك فى حديث عبدالرحمن القارى المتقدم رقم 4 . فراجعه.
** قال الشيخ الألباني رحمه الله : ثبت في حديث إمامة أبي بن كعب الناس في قيام رمضان : أنه كان يصلي على النبي في اخر القنوت وذلك في عهد عمر ـ رواه ابن خزيمة في صحيحه(1097) وثبت مثله عن أبي حليمة معاذ الأنصاري الذي كان يؤمّهم أيضاً في عهده ،
فهي زيادة مشروعة لعمل السلف بها فلا ينبغي إطلاق القول بأن هذه الزيادة بدعة والله أعلم . انتهى من ( صفة الصلاة صـ(180) )
6- يُسنُّ أن يقول المصلي بعدما يُسلّم من الوتر ( سبحان الملك القدوس ) ثلاث مرات ويمد بها صوته ويرفع صوته بالثالثة .
- فعن عبد الرحمن بن أبزى : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سلم : (( سبحان الملك القدوس )) ثلاثا، ويرفع صوته بالثالثة . ((صحيح سنن النسائي)) (3/245).
** قال ابن قدامة رحمه الله : " يستحب أن يقول بعد وتره : سبحان الملك القدوس . ثلاثا ، ويمد صوته بها في الثالثة ". انتهى من " المغني " (2/ 122).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق