">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

نسيان التسمية عند الذبح: هل يجعل الذبيحة محرّمة؟


من الأسئلة التي تتكرر كثيرًا: هل تحرم الذبيحة إذا نسي الذابح أن يسمي؟

 في هذا الموضوع، نستعرض حكم نسيان التسمية عند الذبح في الإسلام، مع أقوال أهل العلم وأدلتهم من الكتاب والسنة، وبيان الرأي الراجح في هذه المسألة.

▣▣ هل التسمية شرط لصحة الذبيحة؟

 اتفق العلماء على أن التسمية (قول "بسم الله") عند الذبح واجبة، وأن من ترك التسمية عمدًا: لا تحل ذبيحته.

◄ لكن من نسي التسمية عند الذبح، فإن ذبيحته حلال ولا إثم عليه ،

وذلك لما ثبت من نصوص شرعية صريحة وآثار عن الصحابة الكرام، لقول النبي ﷺ: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه""صحيح ابن ماجة".

◄ وهذا هو الأيسر، والأقرب لأصول الشريعة في رفع الحرج واليسر، خاصة مع كثرة الذبح واحتمال النسيان.

✅ هو قول ابن عباس ومالك وأبي حنيفة وأحمد، ولم يُعرف له مخالف من الصحابة، باستثناء رأي يُنسب إلى ابن عمر ولا يصح إسناده.

▣▣ أدلة وجوب التسمية من القرآن والسنة :

▪️ قول الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق. [الأنعام: 121].

✔ وجه الدلالة : سمى الله تعالى ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا، كما في قوله تعالى: أو فسقا أهل لغير الله به، والفسق محرم، 

وما لم يذكر اسم الله عليه فهو مما أهل لغير الله به، فهو حرام بنص الآية، والناسي لا يسمى فاسقا. ينظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (8/273).

★ قال العلامة القرطبي رحمه الله : فَبَيَّنَ الحالين وأوضح الحكمين. فقول : " لَا تَأْكُلُوا" نَهْيٌ عَلَى التَّحْرِيمِ لَا يَجُوزُ حمله على الكراهة ، لتناوله فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ الْحَرَامَ الْمَحْضَ،

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ، أَيْ يُرَادَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ مَعًا، وَهَذَا مِنْ نَفِيسِ الْأُصُولِ ،

وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا خِطَابَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ ، إِذْ يَسْتَحِيلُ خِطَابُهُ ، فَالشَّرْطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِينظر: "تفسير القرطبي" (7/ 76).

▣▣ أدلة إباحة الذبيحة عند نسيان التسمية :

1- عن عائشة رضي الله عنها- أن قوما قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال رسول الله : سموا الله عليه وكلوه. صحيح البخاري.

 فلو كانت التسمية شرط لصحة الذبيحة ما قال لهم النبي : ( سموا أنتم وكلوا).

2- قال البخاري في -صحيحه : بَاب التَّسْمِيَة عَلَى الذَّبِيحَة وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ نَسِيَ فَلا بَأْس ، 

وقال الله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) والناسي لا يسمى فاسقاً .."اهـ. (وصل هذا الأثر سعيد بن منصور والدار قطني -وإسناده صحيح).

3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي  قال: ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ). حسنه النووي في ((المجموع)) (6/521).

◄ هذا الحديث نص في العفو عن الواجبات عند النسيان.

4- عن ابن عباس رضي الله عنهما- قال : " إن في المسلم اسم الله ، فإن ذبح ، ونسي اسم الله فليأكل ". (إسناده صحيح-مصنف عبد الرزاق الصنعاني - كتاب المناسك-باب التسمية عند الذبح - حديث:‏(8282‏)).

▣▣ موقف العلماء من الأدلة التي ظاهرها اشتراط التسمية مطلقًا.

✔ لم يُعمل بهذا الفهم أحدٌ من الصحابة، بل جاءت فتوى ابن عباس بخلاف ذلك.

✔ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الأدلة محمولة على من يتعمد ترك التسمية، أما من نسيها أو جهلها فلا يدخل في ذلك.

✅ فحديث ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكلوا ) فيه أن التذكية (إراقة الدم بالطريقة الشرعية) شرط في حلّ الذبيحة، 

وأما التسمية فليست شرطًًا فى هذا الحديث، وإنما تستحب التسمية بقرينة حديث ( سموا عليه انتم وكلوا ) وذلك حين شك الصحابة في حصول التسمية من أهل الكتاب.

✔ إذن، الصحيح أن النهي عن أكل ما لم يُذكر اسم الله عليه يُراد به ما ذُبح لغير الله أو ما ذُكر عليه اسم غيره من الآلهة أو الأصنام أو المسيح، ونحو ذلك.

▣▣ كلام العلماء في المسألة :

★ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله -في تفسيره ( 8 / 20 ) على قوله تعالى (( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه )):

[ والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عنى بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة وما مات أو ذبحه من لاتحل ذبيحته .

وأمّا من قال : عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله، فقول بعيد من الصواب لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة من تحليله وكفى بذلك شاهداً على فساده ].انتهى.

★ وقال أيضا رحمه الله :

 من حَرّم ذبيحة الناسي ، فقد خرج من قول جميع الحجة ، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. ينظر: (تفسير ابن كثير).

★ قال ابن عبدالبر رحمه الله- في " الاستذكار " (15/217-218) :

... وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال ؛ لأنه ذبح بدينه . اهـ.

★ وقال ابن قدامة في المغني ( 11 / 33 ) :

واعتبر التسمية واجبة في الصيد فلا تسقط مطلقاً بخلاف الذبيحة، والصحيح أنه لا فرق بين الصيد والذبيحة، فيعذر الناسي في ذلك دون العامد، والدلالات على ذلك كثيرة. والله أعلم.

★ سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

عن قول ابن عباس في أول الباب: من ترك التسمية ناسيًا...؟

فأجاب :

نعم، عند عامة أهل العلم كالإجماع في حلها... حكى ابن جرير إجماع أهل العلم...، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، 

مثل ما قال البخاري رحمه الله: من ترك التسمية فليس بفاسق... كالإجماع، يعني القول بالتحريم شاذ. ينظر: (فتاوى الدروس).

★ وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :

هل يحل أكل الذبيحة التي نسي الذابح أن يذكر اسم الله عليها.؟

فأجاب :

تحل له ؛ لأن الإنسان أمر مرفوع المؤاخذة عليه ، كما هو الأصل والقاعدة وإذا قيل بالمؤاخذة في بعض المواطن ، فذلك لنصٍ خاص لقوله عليه السلام : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )،

.. فالله عز وجل قد تلطف وترأف وترحم بهذه الأمة فلم يؤاخذها إلا بما تعمدت به قلوبهم... ينظر: (سلسلة الهدى والنور - شريط : (237)).

▣▣  خلاصة الحكم :

✅ التسمية عند الذبح واجبة، ولكن من تركها نسيانًا فإن ذبيحته حلال ولا شيء عليه، وهذا ما دل عليه القرآن، والسنة، وعمل الصحابة، 

وهو الموافق لروح الشريعة في رفع الحرج والتيسير على الأمة.


والله اعلم

اقرأ أيضا:


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات