يبحث الكثيرون عن : حكم القول بـ " تنزيه الله عن المكان والزمان " في الإسلام، وهل هو قول صحيح أم مخالف لعقيدة أهل السنة؟
✅ في هذا الموضوع نستعرض رأي العلماء في هذه المسألة، مع الأدلة من الكتاب والسنة وكلام أئمة السلف.
▣▣ هل يصح إطلاق القول بتنزيه الله عن المكان والزمان أو أنه ليس فى مكان؟
▪️ الإطلاق بقول : " الله منزه عن المكان والزمان " لا يصح على إطلاقه، وهو تعبير غير دقيق، لأنه قد يُفهم منه نفي علو الله واستوائه على العرش، وهو أمر باطل شرعًا.
✔ والقاعدة في مثل هذه العبارات : يجب الاستفصال من قائلها، فلا يُقبل الإطلاق المجمل، بل يُنظر في مراده:
✅ أولاً : تنزيه الله عن المكان.
◄ إن أُريد به : أن المكان لا يحيط بالله تعالى وأنه لا يحيط بالله شيء من مخلوقاته، فهذا معنى صحيح، لأن الله سبحانه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
- قال تعالى : "والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه". [الزمر: 67].
◄ أما إن أُريد به : نفي علو الله أو نفي كونه مستويًا على عرشه، فهذا نفي فاسد وباطل، ويُخالف نصوص الكتاب والسنة، وإجماع السلف، والعقل السليم والفطرة.
✅ ثانيًا : تنزيه الله عن الزمان.
◄ إن أُريد به : أن الله سبحانه هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وأنه خالق الزمان، ومقدره، ومدبره، والحاكم فيه، فهذا معنى صحيح.
◄ أما إن أُريد به : نفي الصفات الفعلية الثابتة في الكتاب والسنة أو أفعاله الاختيارية، مثل: الاستواء ، والنزول ، والضحك ، والرضا والغضب ،
ونحو ذلك مما يتعلق بمشيئته سبحانه ، فيفعله متى شاء ، وإذا شاء ، ولا يفعله متى شاء وإذا شاء، فهذا نفي باطل، ومخالف للنصوص الشرعية.
▣▣ هل ورد لفظ "المكان" و"الجهة" في الكتاب والسنة؟
✔ لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية إثبات أو نفي مباشر لهذين اللفظين، ويغني عنهما ما ثبت في الكتاب والسنة من أن الله تعالى في السماء.
◄ وقد وردت أدلة قطعية على علو الله، واستوائه على العرش، وفوقيته على خلقه، وكلها تعني أنه في العلو فوق السماوات، بائن من خلقه.
▣▣ هل ينفي أهل السنة "المكان" و"الجهة" عن الله مطلقًا؟
✅ لا. علماء السلف يفرقون بين الإطلاق المجمل والتفصيل، فلا يُنكرون أن الله فوق العرش، في السماء،
لكنهم يتحفّظون في استخدام لفظ "الجهة" و"المكان" لعدم ورودهما في النصوص الشرعية.
◄ فيجوز الإخبار عن الجهة والمكان لله عز وجل، على أنه في العلو، وأنه سبحانه في السماء بذاته، وهو سبحانه بائن من خلقه، تقدست أسماؤه، وعظمت صفاته.
▣▣ أقوال العلماء في الموضوع :
★ قال الإمام الدارمي رحمه الله-(181 هـ) :
فقد أخبر الله العباد أين الله، وأين مكانه، وأينه رسول الله في غير حديث...
فمن أنبأك أيها المعارض -غير المريسي- أن الله لا يوصف بأين فأخبرنا به؟! وإلا فأنت المفتري على الله، الجاهل به وبمكانه. ينظر: ((نقض الدارمي على المريسي)) (1/509-511).
★ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "كتاب الاستقامة":
المكان يراد به : ما يحيط بالشيء، والله لا يحيط به مخلوق، أو يراد به : ما يفتقر إليه الممكن، والله لا يفتقر إلى شيء،
وقد يراد بالمكان : ما يكون الشيء فوقه، والله فوق عرشه فوق سماواته،
فلا يُسلَّم نفي المكان عنه بهذا التفسير، ونقول : قد وردت الآثار الثابتة بإثبات لفظ المكان، فلا يصح نفيه مطلقا. اهـ.
★ وقال أيضا رحمه الله :
فلفظ الجهة : قد يراد به شيء موجود غير الله، فيكون مخلوقا، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش، أو نفس السموات،
وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم.
ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه، كما فيه إثبات العلو، والاستواء، والفوقية، والعروج إليه ونحو ذلك،
وقد علم أنه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.
فيقال لمن نفى الجهة : أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله فوق العالم، بائن من المخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال : الله في جهة : أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل. ينظر: ((الرسالة التدمرية)) (ص: 66).
★ وقال أيضا رحمه الله :
.. وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده؛
فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول، أقر به، وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول، أنكره.
ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال، عَبَّرَ بغيرها، أو بين مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي.. ينظر: ((مجموع الفتاوى)) (12/ 113).
★ وقال الشيخ الألباني رحمه الله- في "مقدمة اختصاره لكتاب العلو":
... إلا إنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما، لعدم ورودهما في الكتاب والسنة،
فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظأ، إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى،
وإلا فهو مخطئ معنى أيضا إن أراد به حصره تعالى في مكان وجودي، أو تشبيهه تعالى بخلقه،
وكذلك لا يجوز نفي معناهما إطلاقا إلا مع بيان المراد منهما، لأنه قد يكون الموافق للكتاب والسنة. اهـ.
★ قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إن أراد بنفي المكان : المكان المحيط بالله - عز وجل - فهذا النفي صحيح ،
فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته ، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء ، كيف لا ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) ؟.
وإن أراد بنفي المكان : نفي أن يكون الله تعالى في العلو ، فهذا النفي غير صحيح ، بل هو باطل بدلالة الكتاب والسنة ، وإجماع السلف والعقل والفطرة.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: قال للجارية : أين الله ؟ . قالت : في السماء . قال لمالكها : ( أعتقها فإنها مؤمنة ). رواه مسلم (537)... ينظر: " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (1/196-197) .
★ وقال أيضا رحمه الله :
فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به؛ لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، ولكن نفصل، فنقول:
إن الله في جهة العلو؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: قال للجارية: ((أين الله؟)) -و«أين» يستفهم بها عن المكان- فقالت : في السماء. ينظر: ((القول المفيد)) (2/543).
✍️ الخلاصة:
▪️ لا يجوز إطلاق القول "الله منزه عن المكان والزمان" إلا مع التفصيل والضوابط الشرعية، وإلا وقعنا في نفي الصفات الثابتة لله مثل العلو والاستواء.
▪️ الواجب هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، من غير تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل.
والله اعلم
اقرأ أيضا:
تعليقات
إرسال تعليق