القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم


لم يقتصر التبرك بآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على الصحابة الكرام رضي الله عنهم بل نقل عن بعض التابعين أيضاً رحمهم الله تعالى ما يدل على وقوع هذا  التبرك المشروع ولكن لا يجوز التبرك بشيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم الآن إلا إذا صحت نسبته إليه وقد أكدت الدراسات عدم بقاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن لاسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على وجود تلك الآثار النبوية بسبب الضياع أو الحروب والفتن وغير ذلك .

جاء في صحيح البخاري رحمه الله عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال : (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة) . رواه البخاري

جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : (اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع منه في بئر أريس، نقشه – محمد رسول الله -)رواه البخاري 

ومن الأسباب أيضاً لفقدان الآثار النبوية وصية بعض من عنده شيء منها أن يكفن فيه إن كان لباساً، كما تقدم قريباً من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أو يوصي بأن يدفن معه بعد موته، إن كان ذلك الأثر شعرات مثلاً . انظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/337)

ولا شك أن هذا يدل على قلة ما خلفه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته من أدواته الخاصة.

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

 (هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا . ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا ، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .

ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين ، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه
). ((التوسل أنواعه وأحكامه)) للألباني (ص: 146)

كما أن التبرك بهذه الآثار خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم فلا يشرع التبرك بذوات أو آثار غيره من الصالحين لأن غيره صلى الله عليه وسلم لا يقاس عليه فما جعل الله فيه من الخير والبركة لا يتحقق في غيره لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يفعلوا ذلك مع غيره لا مع أبي بكر الصّدّيق ولا مع عمر ولا مع غيرهم وهؤلاء هم أفضل هذه الأمة ولو كان ذلك سائغًا لسبقونا إليه .

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

" كان الصحابة يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بريقه ويتبركون بثيابه ويتبركون بشعره ، أما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بشيء من هذا منه ، فلا يتبرك بثياب الإنسان ولا بشعره ولا بأظفاره ولا بشيء من متعلقاته إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ". انتهى. ("شرح رياض الصالحين" (4/ 243))

وإليك ما جاء 

عن الصحابة فى التبرك بآثاره 

1- جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى : أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أخرجت جبة طيالسة وقالت : (هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها).

2- عن عيسى بن طهمان قال : (أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس: أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم). البخاري

وإليك ما جاء 

عن التابعين فى التبرك بآثاره 

1- ففي صحيح البخاري رحمه الله تعالى : عن ابن سيرين رحمه الله تعالى أنه قال : قلت لعبيدة : (عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس) فقال : (لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها)وكانوا يتبركون بالشعرات الكريمة عند إصابتهم بالعين ونحوها.

2- وفي صحيح البخاري : عن عثمان بن عبد الله بن موهب رضي الله عنه قال : (أرسلني أهلي إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبة...) .

قال ابن حجر رحمه الله :

والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها . كما كان التابعون رحمهم الله تعالى يتبركون بالشرب في قدح النبي صلى الله عليه وسلم .اه

وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى :

 في صحيحه كتاب الأشربة – باباً بعنوان (باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته) ثم ذكر هذا القول تعليقاً : وقال أبو بردة : قال لي عبد الله بن سلام : ألا أسقيك في قدح شرب النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ .

ثم روى البخاري في هذا الباب حديثين فقط

1- عن أبي حازم رحمه الله : عن سهل بن سعد رضي الله عنه، وفيه أن سهل بن سعد سقى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقدح قال أبو حازم : (فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه) وقال : (ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فوهبه له) .

2- روى عن عاصم الأحول رحمه الله أنه قال : في شأن قدح النبي صلى الله عليه وسلم الموجود عند أنس بن مالك رضي الله عنه : (رأيت القدح وشربت فيه).

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر ونحو ذلك فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .

وأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فبدعة لا أصل لها والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). متفق على صحته

ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي الله عنه أو عرقه أو وضوئه ولا بشعر عمر أو عثمان أو علي أو عرقهم أو وضوئهم ولا بعرق غيرهم من الصحابة وشعره ووضوئه لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقاس عليه غيره في ذلك.

وقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها خوفاً من الفتنة بها وسدا للذريعة.

وأما دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك فهو الشرك الأكبر وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله وتقربهم إليه زلفى ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم كما بين الله سبحانه ذلك عنهم في قوله سبحانه : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، فرد عليهم سبحانه بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .

وأما توسل عمر رضي الله عنه والصحابة بدعاء العباس في الاستسقاء وهكذا توسل معاوية رضي الله عنه في الاستسقاء بدعاء يزيد بن الأسود فذلك لا بأس به لأنه توسل بدعائهما وشفاعتهما ولا حرج في ذلك.

ولهذا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه : ادع الله لي، وذلك دليل من عمل عمر والصحابة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه على أنه لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ولا غيره بعد وفاته ولو كان ذلك جائزاً لما عدل عمر الفاروق والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس ولما عدل معاوية رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بيزيد بن الأسود وهذا شيء واضح بحمد الله .

وإنما يكون التوسل بالإيمان به صلى الله عليه وسلم ومحبته والسير على منهاجه وتحكيم شريعته وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو التوسل الشرعي به صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنة والجماعة، وهو المراد بقول الله سبحانه : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

 وبما ذكرنا يعلم أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته من البدع التي أحدثها الناس ولو كان ذلك خيراً لسبقنا إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أعلم الناس بدينه وبحقه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

وأما توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم في رد بصره إليه فذلك توسل بدعائه وشفاعته حال حياته صلى الله عليه وسلم ولهذا شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له .انتهى باختصار



والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات