تقتصر مشروعية التبرك بآثار النبي ﷺ بعد موته على سيدنا محمد ﷺ وحده، دون غيره من الصالحين، فما خص الله به من البركة والنور لا يشاركه فيه أحد.
وقد أجمع السلف الصالح على ذلك، ولم يسبقوا إلى التبرك بآثار غيره، مما يدل على خصوصية هذه المسألة بالنبي ﷺ.
* كما أنه لم يقتصر التبرك بآثار النبي ﷺ بعد موته على الصحابة فقط، بل امتد إلى بعض التابعين، وهذا يدل على أن التبرك بآثاره كان مشروعًا في ذلك الوقت.
* ومع ذلك، لا يجوز التبرك بأي شيء يُزعم أنه من آثار النبي ﷺ الآن، إلا إذا ثبت ذلك بدليل قاطع.
* وقد أكدت الدراسات التاريخية أنه من المستحيل وجود أي آثار مادية للنبي ﷺ حتى يومنا هذا،
نظرًا لطول المدة الزمنية التي مرت منذ وفاته، والأحداث التاريخية التي تعرضت لها تلك الآثار.
- فقد جاء في صحيح البخاري رحمه الله عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال : (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة).
- جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع منه في بئر أريس، نقشه – محمد رسول الله ).
ومن الأسباب أيضاً لفقدان الآثار النبوية، وصية بعض من عنده شيء منها أن يكفن فيه إن كان لباساً،
كما تقدم قريباً من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أو يوصي بأن يدفن معه بعد موته، إن كان ذلك الأثر شعرات مثلاً. انظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/337).
- قال الشيخ الألباني رحمه الله :
هذا ولابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ، ولا ننكره خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا .
ولكن لهذا التبرك شروطاً منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا ، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .
ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين ،
وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح أمراً غير ذي موضوع في زماننا هذا ويكون أمراً نظرياً محضاً، فلا ينبغي إطالة القول فيه. انتهى من ((التوسل أنواعه وأحكامه)) للألباني (ص: 146).
- قال العلامة ابن باز رحمه الله :
التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر ونحو ذلك،
فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة، وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
وأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فبدعة لا أصل لها والواجب تركها ،
لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). متفق على صحته.
ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها،
ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي الله عنه أو عرقه أو وضوئه ولا بشعر عمر أو عثمان أو علي أو عرقهم أو وضوئهم ولا بعرق غيرهم من الصحابة وشعره ووضوئه،
لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقاس عليه غيره في ذلك.
وقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها خوفاً من الفتنة بها وسدا للذريعة.
وأما دعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك فهو الشرك الأكبر،
وهو الذي كان يفعله كفار قريش مع أصنامهم وأوثانهم وهكذا بقية المشركين يقصدون بذلك أنها تشفع لهم عند الله وتقربهم إليه زلفى،
ولم يعتقدوا أنها هي التي تقضي حاجاتهم وتشفي مرضاهم وتنصرهم على عدوهم كما بين الله سبحانه ذلك عنهم في قوله سبحانه :
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، فرد عليهم سبحانه بقوله : قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
وأما توسل عمر رضي الله عنه والصحابة بدعاء العباس في الاستسقاء، وهكذا توسل معاوية رضي الله عنه في الاستسقاء بدعاء يزيد بن الأسود، فذلك لا بأس به لأنه توسل بدعائهما وشفاعتهما ولا حرج في ذلك.
ولهذا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه : ادع الله لي،
وذلك دليل من عمل عمر والصحابة رضي الله عنهم ومعاوية رضي الله عنه على أنه لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ولا غيره بعد وفاته،
ولو كان ذلك جائزاً لما عدل عمر الفاروق والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس،
ولما عدل معاوية رضي الله عنه عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بيزيد بن الأسود، وهذا شيء واضح بحمد الله .
وإنما يكون التوسل بالإيمان به صلى الله عليه وسلم ومحبته والسير على منهاجه وتحكيم شريعته وطاعة أوامره، وترك نواهيه،
هذا هو التوسل الشرعي به صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل السنة والجماعة، وهو المراد بقول الله سبحانه : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وبما ذكرنا يعلم أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته من البدع التي أحدثها الناس،
ولو كان ذلك خيراً لسبقنا إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أعلم الناس بدينه وبحقه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.
وأما توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم في رد بصره إليه، فذلك توسل بدعائه وشفاعته حال حياته صلى الله عليه وسلم ولهذا شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له. انتهى باختصار من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 9/ 105).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق