القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم


 المقصود من هذه الآية الكريمة هو ذم من يترك فعل المعروف الذي يأمر به وذم من يرتكب المنكر الذي ينهى عنه وليس فيها ذمه على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر فهي ذمٌ له على تركه فعلَ ما يأمر به لا على أمره بما لا يفعله وفرق ظاهر بين الأمرين! .

فالتوبيخ إنما وقع على نسيانهم لأنفسهم من المعروف الذي أمروا به وليس التوبيخ على أمرهم ونهيهم.

قال ابن كثير فى تفسير الآية :

:والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم، ولكن الواجب و الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم كما قال شعيب، عليه السلام :{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }. [هود: 88].

 فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، (قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ ) قلت : ولكنه -والحالة هذه-مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك . انتهى (شرح تفسير ابن كثير - الراجحي)

وقال القرطبي رحمه الله 

في تفسير قوله تعالى :

 .( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
 
 " اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّوْبِيخَ فِي الْآيَةِ بِسَبَبِ تَرْكِ فِعْلِ الْبِرِّ  لَا بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْبِرِّ ". انتهى . ("تفسير القرطبي" (1/366 )).

وقال ابن العربي :

 وليس من شرطه أى المحتسب أن يكون عدلاً عند أهل السنة. وقالت المبتدعة : لا يغير المنكر إلا عدل. وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق، والنهي عن المنكر عام في جميع الناس .اه

(((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/266)) 

وقال الإمام مالك وسعيد بن جبير –رحمهما الله : (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر). قال مالك : (ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟). ((الجامع لابن أبي زيد)) (ص: 158).
 
قال أبو الدرداء رضي الله عنه :

إنّي لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .اه

("نزهة الفضلاء 1/159")

وقد نقل عن الحسن أنه قال لمطرف بن عبد الله : عظ أصحابك . فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل. قال : يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر .اه

((تفسير القرطبي)) (1/368).

وقال ابن حزم رحمه الله :

لا تدعــوا الأمـــر بالمعــروف وإن قصَّـرتم في بعضــه ولا تدعــوا النهي عن منكر وإن كنتم تواقعون بعضه وعلِّموا الخير وإن كنتم لا تأتونه كله .اه ([رسائل ابن حزم ( 3 -180))

وقال العلامة السعدى رحمه الله :

 وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل؛ فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين.

وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين : أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر، فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة . انتهى من تفسير السعدى

وقال العلامة العثيمين رحمه الله :

من فوائد هذه الآية : توبيخ هؤلاء الذين يأمرون بالبر وينسون أنفسهم، لأن ذلك مناف للعقل، وقد ورد الوعيد الشديد على من كان هذا دأبه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يؤتى بالرجل فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه والأقتاب هي الأمعاء فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه فيجتمع إليه أهل النار ويقولون يا فلان ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) فهو من أشد الناس عذابا والعياذ بالله .

فإن قال قائل :

 بناء على أن هذا مخالف للعقل وبناء على شدة عقوبته، أنقول لمن لا يفعل ما أمر به ومن لا يترك ما نهى عنه لا تأمر ولا تنهى؟ نعم ؟

نقول :

 لا، بل نقول : مر وافعل ما تأمر به، لأنه لو ترك الأمر مع تركه فِعلَه  إرتكب جنايتين : الأولى : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثانية : عدم قيامه بما أمر به،

 وكذلك لو أنه ارتكب ما ينهى عنه ولم ينه عنه فقد ارتكب مفسدتين : الأولى : ترك النهي عن المنكر، والثانية : ارتكابه للمنكر، ثم نقول أينا الذي لم يسلم من منكر؟ لو قلنا لا ينهى عن المنكر إلا من لم يأت منكرا نعم؟ لم ينه أحد عن منكر، ولو قلنا لا أحد يأمر بالمعروف إلا من أتى المعروف لم يأمر أحد بالمعروف، أينا الذي يسلم ؟ لهذا نقول : مر بالمعروف وجاهد نفسك على فعله، إنه عن منكر وجاهد نفسك على تركه .

ومن فوائد هذه الآية الكريمة : توبيخ العالم المخالف، وأن العالم إذا خالف فهو أسوأ حالا من الجاهل، من أين تؤخذ ؟ من قوله : (( وأنتم تتلون الكتاب)) وهذا أمر فطر الناس عليه أن العالم إذا خالف صار أشد لوما من الجاهل، حتى العامة تجدهم إذا فعل العالم منكرا قالوا كيف تفعل هذا وأنت رجل عالم؟ أو إذا ترك واجبا قالوا كيف تترك هذا الواجب وأنت عالم؟ والآية الكريمة واضحة في هذا (( وأنتم تتلون الكتاب )) .

ومن فوائد الآية الكريمة : أن الكتاب يطلق وهو مفرد على جميع الكتب، لأن هؤلاء اليهود يتلون كتاب الله القرآن ويتلون أيضا التوراة فهم يتلون هذا وهذا .

ومن فوائد هذه الآية الكريمة : توبيخ بني إسرائيل وأنهم أمة جهلة حمقى ذووا غي لقوله : (( أفلا تعقلون )).

ومن فوائدها : أن من أمر بمعروف ولم يفعله أو نهى عن منكر وفعله من هذه الأمة ففيه شبه بمن ؟ باليهود، لأن هذا دأبهم والعياذ بالله .اه


فحق الواعظ أن يتعظ بما يعظ ويُبْصر ثم يبَصِّر ويهتدي ثم يهدي ولا يكون دفترا يفيد ولا يستفيد ومسنا يشحذ ولا يقطع بل يكون كالشمس التي تفيد القمر الضوء ولها أفضل مما تفيده وكالنار التي تحمي الحديد ولها من الحمى أكثر .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات