القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

عقيدة أهل السنة في الكرامات


الكرامة

 أمر خارق للعادة غير مقرونٍ بدعوى النبوة يُجريه الله تعالى عليه يد عبدٍ مِن عباده الصالحين إكرامًا له فيدفع به عنه ضرًّا أو يحقق له نفعًا أو ينصر به حقًّا.

فقد روى البخاريُّ عن أبي هريرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((إن اللهَ قال : مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب)).

قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

 المراد بولي الله : العالم بالله المواظب على طاعته المخلِص في عبادته.

قوله : (فقد آذنتُه بالحرب)؛ أي: أعلمتُه، وهذا تهديد شديد لأن مَن حاربه الله أهلكه، وهو مِن المجاز البليغ؛ لأن مَن كرِه مَن أحب الله خالف الله، ومَن خالف الله عانده، ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة؛ فمَن والى أولياءَ الله أكرمه الله .اه

 (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج 11 ص 350).

قال ابن تيمية رحمه الله :

 مِن أصول أهل السنَّة والجماعة :
 
التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة . اه

(مجموع فتاوى ابن تيمية - ج 3 - ص (155)).

 فقول أهل السنة 

في كرامات الأولياء إنها ثابتة واقعة ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان .

 وخالف فيها المعتزلة محتجين بأن إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي والساحر بالولي والرد عليهم بأمرين :

1- أن الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة

2- أن ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح لأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ولأن النبي يقول : إنه نبي فيؤيده الله بالمعجزة  والولي لا يقول إنه نبي . 

وكذلك إن ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح لأن الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها ،أما الساحر فكافر منحرف يحصل على الأثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه ويمكن أن يعارض بسحر آخر.

ومن الشبهات فى ذلك قول أحدهم 

أن مشاركة الأولياء للأنبياء في ظهور الخوارق يخل بعظيم قدر الأنبياء ووقعهم في النفوس وهذا مردود فلا يخفى أن في الكرامة تصديقا للأنبياء وما حصلت لهم إلا ببركة اتباعهم للرسل. وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المنكرين ورد عليهم في النبوات انظر: النبوات ص 204، 206

 فإننا نثبت الكرامات لأولياء الله الصالحين ونقول :

 ليس كل من أتانا بخارق عددناه ولياً ما لم يكن ملتزماً بهدى السابقين الأولين رضي الله عنهم . وفي الوقت نفسه لا ننتقص أحداً من الصالحين لأنه لم تقع له كرامة؛ فكم من ولي لم يحصل له خارق! وإن أعظم كرامة لزوم الاستقامة .

قال الطحاوي رحمه الله في "عقيدته" (ص84) :

ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم ". انتهى .

قال الشيخ الألباني في تعليقه على الطحاوية :

" لقد أحسن المؤلف صنعا بتقييد ذلك بما صح من الروايات ؛ ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم رووا باسمها الأباطيل التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل ، بل إن فيها أحيانا ما هو من الشرك الأكبر في الربوبية ". انتهى. " تخريج العقيدة الطحاوية " ( ص 84) .

والكرامة نوعان

1- في العلوم والمكاشفات :

بأن يحصل على من العلم ما لا يحصل لغيره أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق ، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم : الجبل يا سارية فسمعه القائد فاعتصم بالجبل. 

2- في القدرة والتأثير :

بأن يحصل على من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء. 

وإليك ضوابط الكرامة

 أولاً :

 أن لا تشتمل الكرامة على ترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات أو التزام شيء من العبادات لم يرد فيه نص شرعي وذلك لأن الولي إنما نال الكرامة بطاعته وإيمانه فلا يمكن بحال أن تكون تلك الكرامة سبباً لتركه شيئاً مما نالها به ثم إن المحرَّم خبيث والله لا يكرم عبده بخبيث كما أن من دلائل الولاية الوقوف عند النصوص الشرعية فلا يكون ولياً لله من أحدث في دين الله تعالى ما ليس منه. 

قال ابن الجوزي رحمه الله :

 "قد لبَّس إبليس على قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم والحق لا يحتاج لتشييد بباطل". ثم ساق قصة تُروى عن سهل بن عبد الله فيها أن أحد الأولياء اشترط عليه أن يرمي ما معه من الزاد حتى يعطيه نور الولاية فتكون له خوارق العادات، ففعل، إلى أن قال سهل : فغشيني نور الولاية!

 ثم علَّق ابن الجوزي على القصة بقوله :

"ويدل على أنها حكاية موضوعة قولهم : اطَّرِحْ ما معك لأن الأولياء لا يخالفون الشرع والشرع نهى عن إضاعة المال".اه

(تلبيس إبليس، ص285).

 ثانياً :

 ألا تشتمل على ما عُلِم في الشريعة عدم وقوعه كدعوى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وكأن يرى شخصاً على صورة نبي أو ملك أو صالح يقول له : قد أبحت لك الحرام وأحللت لك الحلال أو أسقطت عنك التكاليف. 

قال الشاطبي :

 "مخالفة الخوارق للشريعة دليل على بطلانها في نفسها وذلك أنها قد تكون في ظواهرها كالكرامات وليس كذلك بل من أعمال الشيطان. كما يُحكى عن عبد القادر الجيلاني أنه عطش عطشاً شديداً فإذا سحابة قد أقبلت وأمطرت عليه شبه الرذاذ حتى شرب ثم نودي من سحابة :يا فلان! أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات. فقال له: اذهب يا لعين.! فاضمحلت السحابة وقيل له : بِمَ عرفت أنه إبليس ؟ قال : بقوله : قد أحللت لك المحرمات. وأشباهه لو لم يكن الشرع حَكَماً فيه لما عرف أنها شيطانية". اه

 (الموافقات، 2/275-276 ).

 ثالثاً :

 ألا يستعين بالكرامة على معصية الله عز وجل فإن أكمل الكرامات ما كان معيناً على طاعة الله عز وجل . 

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

كرامات الأولياء ثابتة عند أهل السنة والجماعة من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وهي حق وهي خوارق العادات التي تخلقها الله لبعض أوليائه إما لحاجةٍ به أو لإقامة الحجة على العدو على أعداء الله لنصر الدين وإقامة أمر الله فتكون لأولياء الله المؤمنين ، تارةً لحاجتهم ، كأن يسهل الله له طعامًا عند جوعه ، أو شرابًا عند ظمأه لا يدرى من أين أتى ، أو في محلٍ بعيد عن الطعام والشراب ، أو نحو ذلك ، أو بركةٍ في طعام  تكون واضحة ، أو غير ذلك من الخوارق للعادات .

أما إذا كان منحرفًا عن الشريعة فليست كرامة لكنها من خوارق الشياطين ومن فتنة الشياطين ، وأنت تكون الكرامة لأولياء الله المؤمنين الذين عرفوا بالاستقرار على دين الله واتباع شريعته وما خرق الله لهم من العادات التي تعرف بها كرامة.

 ومن ذلك قصة ما جرى للصديق في الطعام الذي قدمه لأضيافه فكلما أخذوا لقمة ؛ ربا من تحتها ما هو أكثر منها حتى فرغوا من الأكل ، وبقي الطعام أكثر مما كان وهذا من آيات الله  . ومن ذلك ما جرى لـعباد بن بشر وأسيد بن حضير في عهد النبي ﷺ  لما خرجا من عنده في ليلةٍ ظلماء أضاءت لهما أسواطهما في الظلمة فلما انصرف كل واحد إلى بيته أضاء له سوطه حتى وصل إلى بيته من كرامات الله فهذا لأوليائه وهكذا ما أشبه ذلك مما يقع لأولياء الله.

  فالكرامة مثلما تقدم الكرامة خارق للعادة لكل أولياء الله المؤمنين عند حاجتهم إلى ذلك ، كالجوع ، والعطش ، ونحو ذلك فيجد طعامًا ، وماءً في مكانٍ لا يرى أنه موجود فيه فيسهل الله له بغير أسباب ظاهرة ، أو لإقامة الحجة على الأعداء حتى يعلم أن هذا الدين حق ، وأن ما جاء به الرسول ﷺ حق كمعجزات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- التي تثبت بها أنه رسول الله كناقة صالح ، والقرآن العظيم معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام وكنبوع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام هذه معجزات النبي عليه الصلاة والسلام ، وكانشقاق القمر وما أشبه ذلك .اه.


والكرامة 

قد تحصل للأدنى ويستغني عنها الأعلى لعلو منزلته وكمال تصديقه.

قال ابن تيمية رحمه الله :

" وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنها مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ ". انتهى .

 "مجموع الفتاوى" (11/ 283 .

ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

كرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدا :

 مثل ما كان : أسيد بن حضير يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقراءته. (رواه البخاري) 

 وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما. (رواه البخاري)

 وخبيب بن عدي كان أسيرا عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة.  ( رواه البخاري) . 

وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة: فيرون الملائكة رفعته.  ( رواه البخاري) .

 وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا، فقالوا : لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره .( ((صحيح سنن الترمذي)).) . 

وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له.  ( ((صحيح سنن الترمذي)).)  وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق. 

ولما مات أويس القرني وجدوا في ثيابه أكفانا لم تكن معه قبل ووجدوا له قبرا محفورا فيه لحد في صخرة فدفنوه فيه وكفنوه في تلك الأثواب. وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه آنيته وكان هو وصاحب له يسيران في ظلمة فأضاء لهما طرف السوط. ولما مات الأحنف بن قيس وقعت قلنسوة رجل في قبره فأهوى ليأخذها فوجد القبر قد فسح فيه مد البصر.  (رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (24/356).) 

 وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال صوتا حسنا ودمعا غزيرا وطعاما من غير تكلف. فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه.  (رواه اللالكائي في ((كرامات الأولياء)) (ص: 225).) .

وكان عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء فكان وقت الوضوء تطلق له أعضاؤه ثم تعود بعده.  ( رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/155)).  (انتهى باختصار من مجموع الفتاوى لابن تيمية - 11/276-282)

الفرق بين المعجزة والكرامة

 أن المعجزة تكون مقرونة بدعوى النبوة. بخلاف الكرامة فإن صاحبها لا يدعي النبوة وإنما حصلت له الكرامة باتباع النبي والاستقامة على شرعه. فالمعجزة للنبي والكرامة للولي وجماعهما الأمر الخارق للعادة.

فالكرامة تدل على الولاية لكنها لا تدل على العصمة ومن هنا وجبت طاعة النبي مطلقا، بينما لا تجب طاعة الولي مطلقاً، إلا فيما عليه دليل شرعي واضح .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه : (وكرامات الصالحين تدل على صحة الدين الذي جاء به الرسول، ولا تدل على أن الولي معصوم، ولا على أنه يجب طاعته في كل ما يقوله.

ومن هنا، ضل كثير من الناس من النصارى وغيرهم؛ فإن الحواريين –مثلاً- كانت لهم كرامات، كما تكون الكرامات لصالحي هذه الأمة فظنوا أن ذلك يستلزم عصمتهم، كما يستلزم عصمة الأنبياء فصاروا يوجبون موافقتهم في كل ما يقولون وهذا غلط).

وأما أهل السنَّة 

فيعتقدون أن أولياءَ الله الصالحين غيرُ معصومين من المعاصي.

قال الإمام الشوكاني رحمه الله : 

أولياء الله غير الأنبياء ليسوا بمعصومين بل يجوز عليهم ما يجوزُ على سائر عباد الله المؤمنين، لكنهم قد صاروا في رتبة رفيعة ومنزلة عليَّة فقلَّ أن يقع منهم ما يخالف الصواب وينافي الحق فإذا وقع ذلك فلا يخرجهم عن كونهم أولياء الله. (ولاية الله والطريق إليها - للشوكاني - ص 234: 233).

وأما الكرامات عند الصوفية

 فقد غلا الصوفية في أمر الخوارق فشرَّقوا فيها وغرَّبوا ولعل أهم ما يميزهم عن أهل السنة في هذا الباب أمور أهمها : 

أولاً : 

اعتبار الخوارق معياراً للولاية وأن من لا كرامة له لا ولاية له.

 قال الشعراني في ترجمة محمد الغمري عن قوله : " وكان سيدي أحمد لا يأذن قط لفقير لمريد أو صوفيٍ أن يجلس على سجاده إلا إن ظهرت له كرامة ".

 (الطبقات الكبرى، للشعراني 2/88).

ثانياً :

الشغف بالخوارق وتفسير كل خارق أو أمر غريب بأنه كرامة حتى صارت همهم.

 قال ابن الجوزي :

"عن إبراهيم الخراساني أنه قال : احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر وسواك من فضة رأسه ألين من الخز فاستكت بالسواك وتوضأت بالماء وتركتهما وانصرفت". 

ثم علق عليها ابن الجوزي فقال :

 (في هذه الحكاية من لا يوثق بروايته فإن صحت دلت على قلة علم هذا الرجل إذ لو كان يفهم الفقه علم أن استعمال السواك الفضة لا يجوز ولكن قلَّ علمه فاستعمله، وإن ظن أنه كرامة، والله تعالى لا يكرم بما يمنع من استعماله شرعاً". (تلبيس إبليس، ص382). 

ثالثاً :

 لما جعل الصوفية الكرامة أساس الولاية حرصوا على جمع الكرامات لمن ادعوا لهم الولاية وتعدى الأمر إلى الاختلاق والكذب.

ومما نسجوه ما ذكره الشعراني عن أبي بكر البطائحي أنه : "أول من ألبسه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخرقة ثوباً وطاقية في النوم فاستيقظ فوجدهما عليه، وكان يقول : أخذت من ربي عز وجل عهداً أن لا تحرق النار جسداً دخل تربتي ويقال إنها ما دخلها سمك ولا لحم قط فأنضجته النار أبداً". (الطبقات الكبرى، للشعراني، 2/132). 

وكأن الكذب بدأ فيهم من قديم فتنبه له بعض كبارهم فقد قيل لرابعة العدوية :

 "يا عمة! لِمَ لا تأذنين للناس يدخلون عليك ؟ قالت: وما أرجو من الناس ؟ إن أتوني حكوا عني ما لم أفعل . ثم قالت: يبلغني أنهم يقولون: إني أجد الدراهم تحت مصلاي ويطبخ لي القدر بغير نار، ولو رأيت مثل هذا فزعت منه

 قيل لها :

 إن الناس يكثرون فيك القول، يقولون : إن رابعة تصيب في منزلها الطعام والشراب؛ فهل تجدين شيئاً فيه؟ قالت: يا بنت أخي ! لو وجدت في منزلي شيئاً ما مسسته، ولا وضعت يدي عليه". (انظر : تلبيس إبليس، ص 383)

 أما ما يذكرونه عن بعض من يذكرون بالخير من الشطحات والأحوال المُنْكَرَةِ فإن الواجب التثبت منه لعدم الثقة في نقلهم وما ثبت منه فإن منه ما يكون عوارض تعرض لهم بسبب بعض أعمالهم فإن من خلط في عمله اختلطت خوارقه ولهذا أمرنا أن نقول كل صلاة: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة : 6]. (انظر: أولياء الله عقلاء، لابن تيمية : 75).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول، مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي لله، فإنه بنى أمره على أنه ولي الله، وأن ولي الله لا يخالف في شيء، ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله؛ كأكابر الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟!

وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفه في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة؛ مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحياناً، أو يملأ إبريقاً من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو يختفي أحياناً عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه، فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقته لأمره ونهيه.

وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة -وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله- فقد يكون عدوا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي الله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة.

مثال ذلك : أن الأمور المذكورة وأمثالها، قد توجد في أشخاص، ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسا للنجاسات، معاشرا للكلاب، يأوي إلى الحمامات، والقمامين، والمقابر، والمزابل، رائحته خبيثة، لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 61-62)

 إذن

كرامات الأولياء ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح فمذهب أهل السنة والجماعة التوسط في إثبات كرامات الأولياء فلا مغالاة كالصوفية ولا نفي لإثبات الكرامات كالمعتزلة فأهل السنة لا ينكرون الكرامات كما ينكرها المبتدعة وهم يعلمون أن الله الذي وضع الأسباب ومسبباتها قادر على خرق هذه السنن لعبد من عباده ولكن الصوفية جعلوا مجرد وقوعها دليلاً على فضل صاحبها حتى ولو وقعت من فاجر قالوا هذه كرامة لشيخ الطريقة ولذلك لا بد من ملاحظات وتحفظات حول هذا الموضوع. وفرق كبير بين معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وأعمال السحرة والكهنة والعرافين ومعجزات الأنبياء كثيرة وكرامات الأولياء ثابتة ولا تتحقق إلا لمن اتقى الله وحسنت متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم .


 والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات