اعلم أخي المسلم أن الهداية بيد الله وحده فهو الذي يهدي من يشاء ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، فهو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية .
** ولكن إن كون الهداية بيد الله تعالى لا يعني أن الإنسان مجبر على أفعاله، بل خلق الله للإنسان إرادة وقدرة على الاختيار،
فالإنسان يختار أفعاله بمحض إرادته، وقد مكنه الله من فعل ما يشاء، ويسّره له، وأرسل الرسل والكتب ليهديه إلى الصراط المستقيم،
ومن أطاع الله ورسوله دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، كما قال سبحانه : ( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ). الأنعام/104 .
** فالله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم فإن شاءوا فعلوا وإن شاءوا كفوا.
** ومن أدلة ذلك :
قال الله تعالى : إن سعيكم لشتى * فأما من أعطى واتقى *وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى. [الليل: 4 - 10] .
- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : في تفسير تلك الآيات : كما قال تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون. [الأنعام: 110] ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة : دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان. وكل ذلك بقدر مقدر، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 417).
- قال العلامة السعدي رحمه الله :
فسنيسره لليسرى أي : نسهل عليه أمره، ونجعله ميسرا له كل خير، ميسرا له ترك كل شر؛ لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك...
فسنيسره للعسرى أي : للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرا للشر أينما كان، ومقيضا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 926).
- قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إن الله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية، ويضل من كان أهلاً للضلالة،
قال تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً). المائدة/13. وقال تعالى : { فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم}. سورة الصف.
فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور .
فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك !.
أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول : إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم.
أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة! كلا.
فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق،
والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته.
فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب،
فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم !!.
إن البابين واحد ليس بينهما فرق
فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك،
ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد .
بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه.
فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟..انتهى من (" رسالة في القضاء والقدر " (ص14-21)) .
اقرأ أيضا : الإنسان مسير أم مخير؟ الإجابة ستغير حياتك!
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق