القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الإنسان مسير أم مخير؟ الإجابة ستغير حياتك!

 
إن الله تعالى حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح،

فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون،

 ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجئون وعليه مكرهون .

والصواب أن الإنسان مخير ومسير فهو ميسر لما خلق له. 

أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه،

فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي ،

واستحق العبد الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية فما يفعله العبد من الأفعال يفعله بمحض اختياره وإرادته . 

وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته فمشيئته محكومة بمشيئة الله ،

قال عز من قائل : وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ. {التَّكوير:29} وليس معنى مسير أنه مجبور ولا مشيئة له ولا اختيار فهذا باطل .

ودليل ذلك :

1- قال تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }. [الإنسان: 3]

قال القرطبي فى تفسيره : قوله تعالى : إنا هديناه السبيل. أي : بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال ، والخير والشر ببعث الرسل ،

فآمن أو كفر ; كقوله تعالى : وهديناه النجدين .

وقال مجاهد : أي بينا له السبيل إلى الشقاء والسعادة ....إما شاكرا وإما كفورا. أي: أيهما فعل فقد بينا لهانتهى

2- وقال سبحانه : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }[الشمس: 7-10].

قال ابن كثير فى تفسيره : قوله : ( فألهمها فجورها وتقواها ) أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها .

قال ابن عباس : ( فألهمها فجورها وتقواها ) بين لها الخير والشر . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والثوري .انتهى

3- جاء فى صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال : يا رسول الله؛ بَيِّنْ لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ 

قال : لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال : ففيم العمل؟ قال : اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية : كل عامل ميسر لعمله .

قال النووي في شرح مسلم : وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر،

بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره . انتهى من (شرح مسلم للنووى).

 فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختياراً ومشيئةً وأعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشرِّ والضارَّ من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه ،

وأُعطي القوة لتنفيذ ما يريد فيختار لنفسه طريق الخير أو الشر وبذلك تعلَّقت التكاليف الشرعية المرتبطة به من الأمر والنهي ،

وعلى أساسها يُحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه فينال الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية . 

قال ابن تيمية رحمه الله - 
مبينا مذهب أهل السنة في أفعال العباد :

والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم  والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم ،

وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).(التكوير:29) اهـ ( الواسطية مع شرح هراس ص 65)

قال العلامة السعدي رحمه الله :

مراتب ذلك –أي القدر أربع لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها :

 الإيمان بأنه بكل شيء عليم , وأن علمه محيط بالحوادث دقيقها وجليلها وأنه كتب ذلك باللوح المحفوظ وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن ,

وأنه مع ذلك مكَّن العباد من أفعالهم فيفعلونها اختيارا منهم بمشيئتهم وقدرتهم . كما قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ). (الحج: 70).  وقال : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). (التكوير:29) .اهـ (سؤال وجواب في أهم المهمات (67)) .

 قال الشيخ الألباني رحمه الله : 

أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار .اه

وقال العلامة ابن باز رحمه الله :

الإنسان مخير ومسير جميعًا له الوصفان :

هو مخير لأن الله أعطاه عقل وأعطاه مشيئة وأعطاه إرادة يتصرف بها؛ فيختار النافع ويدع الضار،

يختار الخير ويدع الشر،يختار ما ينفعه ويدع ما يضره، كما قال تعالى : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.[التكوير:28-29]، قال : تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ. [الأنفال:67].

فالناس لهم إرادة ولهم مشيئة ولهم أعمال قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. [المائدة:8] .. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. [النور:30] .

فلهم أعمال ولهم إرادات، ولهم مشيئة، فهم مخيرون، فإذا فعلوا الخير استحقوا الجزاء من الله فضلاً منه ، وإذا فعلوا الشر استحقوا العقاب،

فهم إذا فعلوا الطاعات فعلوها باختيارهم ولهم الأجر عليها، وإن فعلوا المعاصي فعلوها باختيارهم وعليهم وزرها وإثمها والقدر ماضٍ فيهم،هم أيضًا مسيرون بقدر سابق،

قال جل وعلا : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. [يونس:22]قال النبي ﷺ : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.

قال سبحانه : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا. [الحديد:22]، قال جل وعلا : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. [التغابن:11]، 

ولما سأل جبرائيل النبيﷺعن الإيمان؟. قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره،

وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء،

فالله قدر الأشياء سابقًا، وعلم أهل الجنة وأهل النار، وقدر الخير والشر والطاعات والمعاصي، وكل إنسان يسير فيما قدر الله له، وكل ميسر لما خلق له.

ففي الصحيحين : عن النبي ﷺ أنه قال لأصحابه ذات يوم : ما منكم من أحد إلا وقد بين مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا : يا رسول الله، ففيم العمل؟ 

ففيما العمل يعني : ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة والنار- ففيم العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام : اعملوا فكل ميسر لما خلق له،

أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. [الليل:5-10] .

فأنت يا عبد الله!
 
عليك أن تعمل ولن تخرج عن قدر الله عليك أن تعمل وتجتهد في طاعة الله وتسأل ربك التوفيق، وعليك أن تحذر ما يضرك،

وتسأل ربك الإعانة على ذلك، وأنت ميسر لما خلقت له، كل ميسر لما خلق له، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق .انتهى من (فتاوى نور على الدرب).

وقال أيضا رحمه الله :

فللعباد إرادة ولهم مشيئة وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [النور: 53]. وقال سبحانه : إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. [النور: 30]. وقال تعالى : إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ. [النمل: 88]

فالعبد له فعل وله صنع وله عمل والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل : فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. [المدثر: 55 - 56]. وقال سبحانه : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ *وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. [التكوير: 28 - 29].

فكل إنسان له مشيئة وله إرادة وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف فهو مأمور بطاعة الله ورسوله وبترك ما نهى الله عنه ورسوله مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات،

مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال، هو الآكل، وهو الشارب. 

فهو مسئول عن جميع هذه الأشياء لأن له اختيارا وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية؛ لأن الله أعطاه عقلا وإرادة ومشيئة وفعلا، 

فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله فعليه أن يراعي القدر فيقول : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. [البقرة: 156]

 إذا أصابه شيء مما يكره ويقول : قدر الله وما شاء فعل، يتعزى بقدر الله، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم،

 فهو ميسر من جهة قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار . انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (8/ 94)).

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء، وهذا الإنسان من أهل السعادة؛

فإن هذا لا حجة فيه؛ وذلك لأن الإنسان ليس عنده علم بما قدر الله سبحانه وتعالى؛ إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً،

وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً، 

فالإنسان الذي يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق، 

وهو لم يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلاة؛ بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره، 

ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا يا رسول الله : ألا ندع العمل، ونتكل. قال : لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له.

فأمر بالعمل، والعمل اختياري، وليس اضطرارياً ولا إجبارياً،  فإذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له.

 نقول للإنسان : اعمل يا أخي صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحاً وإن شاء عمل عملاً سيئاً،

 ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول : هذا أمرٌ مكتوب علي.

 يترك الصلاة مع الجماعة ويقول : هذا أمر مكتوب علي.

 يشرب الخمر ويقول : هذا ما كتب علي

 يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول : هذا أمرٌ مكتوبٌ علي. 

ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [263]).


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات