القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

ليس بصحيح أن المسلم يرى النبى  في اليقظة لأن النبي ﷺ توفي كما قال الله جل وعلا : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. [الزمر:30]. وقد توفي بإجماع المسلمين عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى عليين في الجنة وبدنه في الأرض في بيته عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة رضى الله عنها دفن لكن يرى في النوم يقول النبي ﷺ : من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي

ولا يوجد أيّ نصٍّ صحيح يدلُّ على أنّ اللّهَ تعالى أحيا نبِيًّا من الأنبياء كرامةً لِوليٍّ من الأولياء ولو صح ذلك لكان مَنْ رآه في اليقظة من الصحابة ولو كان الأمر كذلك لأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة.

ويدل على ذلك قول الصحابى الجليل أبو بكر الصديق رضى الله عنه -: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ )، وقبول الصحابة قولَه يدلُّ على عدم وجود نصٍّ من الكِتاب أو السُّنَّة على إمكانية رؤيةِ النّبِيِّ صلّى اللّهُ عليه وسلّم في اليقظة بعد وفاته.

ولو كان حديث : (فسيرانى فى اليقظة) الذى يتمسك به المتصوفة نصًّا في المسألة لذكره أبو بكر وقال للصحابة :  لِمَ هذا الفزع؟ ألمْ يعدْكم نبيُّكم أنكم سترونه في اليقظةِ، بعد موته؟. ولا يمكن أن يغيبَ هذا الحديثُ عن جميع الصحابة لو كان يدلُّ على الرُّؤية يقظةً! .

قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

 وَاتَّفَقُوا أَن مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام وَجَمِيع أَصْحَابه لَا يرجعُونَ إلى الدُّنْيَا إلّا حِين يُبعثون مَعَ جَمِيع النَّاس، وَأَن الأجساد تُنشرُ وَتُجمع مَعَ الانفس يَوْمئِذٍ . انتهى من [مراتب الإجماع لابن حزم الأندلسي (ت: 456ھ)، ص176، دار الكتب العلمية – بيروت].

فالرسول  توفي وهو حي في قبره حياة برزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله جل وعلا وأما دعوى أنه يرى يقظة فهذا ليس بصحيح لعدم الدليل الدال عليه ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فدل ذلك على أنه لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ويدل على ذلك في حقه وحق غيره : إنك ميت وإنهم ميتون. [الزمر:30] وقوله عز وجل : ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. [المؤمنون:15-16]. فدل على أنه ليس هناك خروج من القبور قبل يوم القيامة.

وأما الحديث 

الذى رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « منْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي ». وزاد مسلم : « فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ». وفي رواية : « فَقَدْ رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ». أخرجه ابن ماجة في "سننه". وبذلك يكون هذا الحديث قد ورد بثلاثة ألفاظ من طرق أخرى، فقد ورد مرة بلفظ : « فقد رآني في اليقظة »، ومرة أخرى بلفظ : « فكأنما رآني في اليقظة »، وفي رواية ثالثة بلفظ : « فقد رأى الحق »، وهناك روايات أخرى وردت بلفظ : « من رآني في المنام فقد رآني » دون لفظة في اليقظة، وقد روي عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ». أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".

 قال ابنُ التين رحمه الله : 

« المرادُ : مَنْ آمن به في حياته ولم يَرَه لكونه حينئذٍ غائبًا عنه؛ فيكون بهذا مبشِّرًا لكُلِّ مَنْ آمن به ولم يَرَه أنه لا بُدَّ أَنْ يراه في اليقظة قبل موته ». («فتح الباري» لابن حجر (١٢/ ٣٨٥).).

وقد نقل الإمام ابن حجر عن المازري : أن الحديث مقيد بأصل عصره؛ لأنه يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد به أهل عصره ممن لم يهاجر إليه، ويكون المعنى : إن من رآه في المنام من أهل عصره كان ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة عندما يهاجر إليه، وأن هذه الرؤيا تكون إيحاء إليه بذلك.

قال الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة - (6 / 513) :

و قال الشيخ علي القارىء في" شرح الشمائل " ( 2 / 293 ) : " وقيل إنه مختص بأهل زمانه صلى الله عليه وسلم، أي من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة . ولا يخفى بعد هذاالمعنى ، مع عدم ملاءمته لعموم ( من ) في المبنى ، على أنه يحتاج إلى قيود ،منها : أنه لم يره قبل ذلك ، و منها أن الصحابي غير داخل في العموم .. " . 

قلت : و لا أعلم لهذا التخصيص مستندا إلا أن يكون حديث أبي هريرة عند البخاري (6993 ) مرفوعا بلفظ : " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، و لا يتمثل الشيطان بي " . فقد ذكر العيني في " شرح البخاري " ( 24 / 140 ) أن المراد أهل عصره صلى الله عليه وسلم ، أي من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه و التشرف بلقائه صلى الله عليه وسلم .. " . و لكنني في شك من ثبوت قوله : " فسيراني في اليقظة " ، و ذلك أن الرواة اختلفوا في ضبط هذه الجملة : " فسيراني في اليقظة "، فرواه هكذا البخاري كما ذكرنا ، و زاد مسلم ( 7 / 54 ) : " أو فكأنما رآني في اليقظة " . هكذا على الشك ،

 قال الحافظ ( 12 / 383 ) : " و وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة : " فقد رآني في اليقظة " ، بدل قوله : " فسيراني " . ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه ، و صححه الترمذي و أبو عوانة . و وقع عند ابن ماجه من حديث أبي جحيفة : " فكأنما رآني في اليقظة " . 

فهذه ثلاثة ألفاظ :

" فسيراني في اليقظة " . " فكأنما رآني في اليقظة " . ( انظر ما تقدم برقم 1004) . " فقد رآني في اليقظة " . و جل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في ( اليقظة ) " . و كلها في تأكيد صدق الرؤيا ، فاللفظ الثاني أقرب إلى الصحة من حيث المعنى ، فهو فيه كحديث ابن عباس و أنس المتقدم : " فقد رآني " ، و آكد منه حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : " فقد رآني الحق " . أخرجه البخاري ( 6997 ) وأحمد ( 3 / 55 ) و هو لابن حبان ( 6019 و6020 ) عن أبي هريرة .اه

 فليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا لأنه يحتمل أن المراد بأنه سيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم : "فقد رآني" الحديث.

إذن 

قوله عليه الصلاة والسلام : ( فسيراني في اليقظة ) غلط من بعض الرواة شك في الرواية كما جاء في الحديث الشك، قال : (فقد رآني) كما أن هذا لا يصح إلا قبل موته وأما بعد موته فلا يمكن أن يراه لأنه دفن عليه الصلاة والسلام في قبره فلا يعود إلى الدنيا عليه الصلاة والسلام.

ومن الأدلة على عدم إمكانية رؤية النبي  يقظة: 

1- أن الذين آمنوا بالنبي ﷺ فى حياته أو بعد مماته فى عصر الصحابة لم يتمكنوا من رؤيته.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وددتُ أنِّي لقيتُ إخواني قالَ : فقالَ أصحابُ النَّبيِّ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ – أوليسَ نحنُ إخوانَكَ قالَ : بل أنتُم أصحابي ولكنْ إخواني الَّذينَ آمَنوا بي ولم يرَوني(الصحيح المسند للوادعى)

وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة, فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض.

ففى الحديث النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تمنّى رؤيةَ الذينَ سيؤْمِنون به ولن يتمكّنوا من لقائه في حياته أو بعد وفاته ثمّ أخبر أنّه سيَعْرِفهم يوم القيامة بآثار الوضوء لأنّهم سيَأْتُونَ يومئِذٍ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ. وهذا دليلٌ على أنّه صلّى اللّهُ عليه وسلّم لَنْ يرَ أحداً من التّابعين ومَنْ بعدَهم بعد موته ولَنْ يلتَقِيَ بأحدٍ مِنهم إلّا يومَ القيامة؛ وإلّا لمَا قال هذا الكلام!.

2- عدمُ ثبوت رؤية النبي ﷺ يقظة لأحد من الصحابة أو التابعين.

قال الحافظ السخاوي :

 لم يصل إلينا ذلك -أي : اِدِّعاءُ وقوعِها- عن أحد من الصحابة، ولا عَمّن بعدَهم؛ وَقدِ اشْتَدَّ حُزنُ فاطمةَ عليه‏ صلى الله عليه وسلم؛ حتى ماتت كَمَداً بعده بستة أشهر على الصحيح، وبيتُها مجاور لضريحه الشريف، ولم يُنقل عنها رؤيتُه في المدة التي تأخَّرَتْها عنه. [نقل كلامَ السخاوي القسطلانيُّ في (المواهب اللدنية) (5/295)].

والذين يُجَوِّزون رؤيته صلّى اللّهُ عليه وسلّم يقظةً يقولون بأنّ ذلك ينتج من كثرة المحبة والتفكير في شخصه الشريف صلّى الله عليه وسلم فهل الذين قالوا إنّهم رأوه صلّى اللّهُ عليه وسلّم يقظةً كانوا أشدَّ حُبّاً له من ابنته فاطمة الزهراء؟.

3- أن هناك أموراً عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله  وهم أفضل الأمة بعد نبيها فلماذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم يقظة في مواقف كانت محددة لمصير الأمة ؟ نذكر منها :

   - أنه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الخلافة فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم .

- اختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة رضي الله عنهما على ميراث أبيها فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة » رواه البخاري وغيره.

- الخلاف الشديد الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين من جهة أخرى والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين فلماذا لم يظهر لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحقن هذه الدماء؟

- الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة ولو ظهر لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقن تلك الدماء.

- النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جداً منهم عمار بن ياسر. فلماذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم.

- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جلالة قدره وعظمة شأنه كان يُظهر الحزن على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول : ( ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا ). متفق عليه. فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له: لا تحزن حكمها كذا وكذا. اهـ .

إذن

الصحابة رضوان الله عليهم- كانوا يعلمون أن الله تعالى قادر على إحياء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما أحيا بعض الموتى من قبل، كما ورد في القران الكريم والسنة النبوية؛ وكانوا يعلمون قصة الذين ذهبوا إلى مقبرة لهم من مقابرهم فصلوا ركعتين ودعوا الله تعالى أن يخرج لهم رجلا من الأموات فاستجاب لدعائهم 

فلماذا لم يطلبوا من الله تعالى أن يحيي لهم نبيهم ليتمتعوا بلقائه وينعموا برؤيته؟ وذلك لأنهم فهموا من كلام الله وكلام رسوله أنهم لن يلتقوا بنبيهم إلا عند الحوض يوم القيامة ولذلك فإنهم لم يطمعوا في لقائه ورؤيته بعد وفاته.

وأما إدعاء إنتشار ظهور النبي ﷺ يقظة لمن بعد الصحابة رضى الله عنهم. 

فالرد عليهم :

بأن ذلك راجع إلى سهولة تلاعب الشيطان بعقولهم وأبصارهم لبعدهم عن شمس الرسالة.

فإن قال قائل : هل كذب سادتنا الاولياء الصوفية في قولهم برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ؟

الرد :

قال ابن تيمية رحمه الله :

 والمقصود أن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل غيرهم من أهل البدع الذين تأولوا القران على غير تأويله، أو جهلوا السنة، 

أو رأوا وسمعوا أمورا من الخوارق فظنوها من جنس ايات الأنبياء والصالحين، وكانت من أفعال الشياطين. [مجموع الفتاوى، ج27 ص390 وما بعدها].

وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني :

 «أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك » ، ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله : « وهذا مشكل جدًا ولو حُمِل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعًا جمًا رأوه في المنام ، ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف ». (فتح الباري) (12/385).

وأما ما جاء أن الصحابي ابن عباس رأى صورة النبي صلى الله عليه وسلّم في المرآة. فهذا الأثر لا أصل له .

قال الإمامُ ابنُ أبي جمرة، في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من البخاري :

وقد ذُكِر عن بعض الصحابة -أظنه ابن عباس رضي الله عنهما- أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فتذكر هذا الحديث، وبقي يفكر فيه؛ ثم دخل على بعض أزواج النبي -أظنها ميمونة- فقص عليها قصته، فقامت وأخرجت له مرآته صلى الله عليه وسلم. قال رضي الله عنه فنظرت في المرآة، فرأيت صورة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أر لنفسي صورةهذا الأثر أخرجه الطبراني في "الكبير" (2/ 125) وفي "الأوسط" (8/ 148).

 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 426) : " رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه من لم أعرفهم ". وقد ذكره ابن كثير في "تفسيره" (2/ 254) وسكت عنه ولم يذكر لهذا الأثر إسنادا، ولم يذكره أحدٌ من أهل الحديث في كتبهم؛ وبهذا يسقط الاحتجاجُ بهذا الأثر. حتى السيوطي - مع سعة اطلاعه- اقتصر على عزوه إلى ابن أبي جمرة، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ فهذا الأثر مما لا أصل له .

وإليك أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة

1 - قال القاضي أبو بكر بن العربي نقلاً من «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني (12/384) : ( شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة).

2 - قال الحافظ ابن حجر فى الفتح : أن القرطبي رد منكرا على من قال : أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبهفقال :

وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل. انتهى

3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته «العبادات الشرعية والفرق بينها وبين البدعية» : ( منهم من يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الحجرة وكلمه وجعلوا هذا من كراماته ومنهم من يعتقد أنه إذا سأل المقبور أجابه. وبعضهم كان يحكي أن ابن منده كان إذا أشكل عليه حديث جاء إلى الحجرة النبوية ودخل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابه، وآخر من أهل المغرب حصل له مثل ذلك وجعل ذلك من كراماته.

 حتى قال ابن عبد البر لمن ظن ذلك : ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فهل في هؤلاء من سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت وأجابه وقد تنازع الصحابة في أشياء فهلا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم، وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثها فهلا سألته فأجابها؟).

4 - قال الحافظ الذهبي في ترجمة الربيع بن محمود المارديني في «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» : ( دجال مفتر ادعى الصحبة والتعمير في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان قد سمع من ابن عساكر عام بضع وستين).

يعني الحافظ الذهبي بالصحبة التي ادعاها الربيع ما جاء عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو بالمدينة الشريفة فقال له : أفلحت دنيا وأخرى، فادعى بعد أن استيقظ أنه سمعه وهو يقول ذلك. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في «الإصابة في تمييز الصحابة» (1/ 513).

5- الحافظ ابن كثير ذكر في ترجمة أحمد بن محمد بن محمد أبى الفتح الطوسي الغزالي في «البداية والنهاية» ‏ (12/196) : أن ابن الجوزي أورد أشياء منكرة من كلامه منها أنه - أي أبا الفتح الطوسي - كان كلما أشكل عليه شيء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة فسأله عن ذلك فدله على الصواب، وأقر ابن كثير ابن الجوزي على عد هذا من منكرات أبى الفتح الطوسي، وابن الجوزي ذكر هذا في كتابه «القصاص والمذكرين» (ص156).

6- قال ملا علي قاري في «جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي» (2/238) : ( إنه أي ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية). انتهى كلام الملا علي قاري.

 وفيه فائدة أخرى هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي، وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني في «شرح المواهب اللدنية» (7/29) ما نصه : (لو رآه يقظة - أي بعد موته صلى الله عليه وسلم- وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).

7- قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله في كتابه « الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف » بعد ذكره لبعض أقوال الصوفية المخالفة للشريعة : ( فإن لم يكن هذا القول من أقوال أهل الجنون وإلا فلا جنون في الأكوان، وأعجب من هذا قول السيوطي : ( أن من كرامة الولي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم  ويجتمع به في اليقظة ويأخذ عنه ما قسم من مذاهب ومعارف).

8- قال العلامة ابن باز رحمه الله - في «حكم الاحتفال بالمولد النبوي» : ( بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: }ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ{ ]المؤمنون:15- 16[، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ». عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة … الخ). اه

9- وقال العلامة العثيمين رحمه الله : هذا الحديث روي بألفاظ متعدّدة منها ما ذكرت، ومنها : ( من رآني في المنام فقد رآني حقيقة فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي ) ، فأمّا اللّفظ الثاني فلا إشكال فيه، أنّ من رآه في المنام على صفته التي هو عليها فقد رآه حقّا، وأمّا اللّفظ الثّاني ( فسيراني في اليقظة ) فهو محمول على الصّحابة الذين في عهده قبل أن يموت .اه ( سلسلة لقاء الباب المفتوح)

وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :

 مضت سنة الله أن جعل الناس أحياءً في الدنيا بعد أن كانوا أمواتاً؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، ثم يميتهم فيها عند انتهاء آجالهم ثم يبعثهم يوم القيامة للحساب والجزاء، قال الله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}، وقال سبحانه في سورة المؤمنون : { ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}، وجعل سبحانه تلك السنة الكونية عامة للأنبياء والمرسلين حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلَّغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حياً وكلَّمه أو سمع منه شيئاً قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، 

وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه : فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد : فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم : "فقد رآني" الحديث. وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية.

وإذا أردت زيادة الفائدة فارجع إلى ما كتبه العلامة أحمد بن حجر شرحاً لهذا الحديث في كتابه [فتح الباري]. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اه (مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية - المجلد العاشر (العقيدة)).


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات