وُلِدَ الهُدى فالكائِناتُ ضياءُ * وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وسَناءُ.
أصح وأرجح الأقوال التى جاءت فى تحديد يوم ولادة النبى صلى الله عليه وسلم أنه وُلد فى الثامن من ربيع الأول . وهو اختيار الإمام الألبانى .
وذلك لعدَّة أمور منها :
أ - أنّ هذا الّذي نقله الإمام مالك، وعُقَيل، ويونس بن يزيد ـ وهم من هم ؟ـ عن الزّهري، عن محمّد بن جبير بن مطعم وهو تابعيٌّ جليل ولذلك أكثرُ أهل الحديث على ترجيحه ونقل ابن عبدالبر عن أصحاب التاريخ أنهم صحَّحوه. [انظر "صحيح السّيرة النّبوية " للشّيخ الألباني رحمه الله (ص 13)].
ب - أنّ هذا القول رجَّحه جمع من أهل العلم المحقّقين، منهم : ابن حزم، والحافظ محمد بن موسى الخوارزمي، والحافظ ابن دحية في كتابه " التنوير في مولد البشير " – وبه قال أكثر أهل الحديث ومَن لديه دراية بهذا الشأن. ينظر: المواهب اللدنية (1/ 141).
وأما بخصوص يوم الثانى عشر من ربيع الأول
فليس هناك أي دليلٍ يُثبِت أن الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم ولادةِ النبى صلى الله عليه وسلم والذي يحتفل بمثله من الأيام في كل عام جُل المسلمين بهذه البدعة والقول بأنه اليوم الثاني عشر هو واحدٌ من عدة أقوال ذُكِرت جميعها معلَّقةً غير مسندة، ولو حتى بسند ضعيف .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقيل لثمان خلون منه حكاه الحميدى عن ابن حزم ، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه ، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه " التنوير في مولد البشر النذير " . اه (" السيرة النبوية " ( 1 / 199 )) .
وقال الإمام الألباني رحمه الله :
وفي شهره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل (يعني البداية والنهاية)، وكلُّها معلَّقة بدون أسانيد- يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلّا قول من قال: إنَّه في الثَّامن من ربيع الأوَّل. فإنَّه رواه مالك وغيره بالسَّند الصَّحيح عن محمَّد بن جُبير بن مطعم وهو تابعي جليل، ولعلَّه لذلك صحَّح هـٰذا القول أصحاب التَّاريخ واعتمدوه وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجَّحه أبو الخطاب بن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه" .اه [ صحيح السيرة النبوية (ص13)]).
هذا وقد اتفق العلماء
على أن النبى صلى الله عليه وسلم قد وُلِد في يوم الاثنين، واتفقوا أيضًا أنه وُلد في عام الفيل الموافق لعام 571 من ميلاد المسيح عليه السلام .
- فعن ابن عباس رضي الله عنه - قال : «ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل». [السلسلة الصحيحة (3152).].
قال ابن إسحاق :
وكان مولده - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، وهذا هو المشهور عند الجمهور، وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: وهو الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا، وقال خليفة بن خياط: والمجمع عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد عام الفيل. اه [ السيرة النبوية، ابن كثير ].
- وعن أبي الحويرث قال : سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه، ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله.
- وعن محمد بن جبير بن مطعم قال : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأس أربعين من الفيل. اه [ دلائل النبوة، للبيهقي ].
كما أن كتُبَ الحديثِ الشريفِ أجمعَتْ
على أنَّ ولادتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت يومَ الاثنينِ، وكان حبيبُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يصومُه شُكرًا للهِ؛ ولَمَّا سُئلَ عن ذلك قال: «ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فيه، ويَوْمٌ بُعِثْتُ أو أُنْزِلَ عَلَيَّ فيه». رواه مسلمٌ.
وهنا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكن كان يتحرَّى صيام يوم مولده مرةً في السَّنة بل كان يصوم كلَّ اثنين بمناسبة ولادته وبَعثتِه فيه!.
وإليك ما صحّ من مبشرات قبل ولادته
1- نور يخرج من حَمْلِ أمِّه به
عن لقمان بن عامر قال سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَة يقول : قُلْتُ يَا نَبِيَّ الله ما كان أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِك؟ قال: نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأتْ أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام . (صحيح الجامع رقم: (3451)).
قال ابن كثير رحمه الله :
"قوله : (ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام) قيل: كان مناماً رأته حين حملت به، وقَصَّته على قومها، فشاع فيهم، واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة". اه (تفسيره لسورة البقرة آية رقم:129 )
وقال ابن رجب فى (لطائف المعارف) :
"خروج هذا النور عند وضعه؛ إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وأزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }. (المائدة:15-16)، وقال تعالى: { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }. (الأعراف:157)".
2- ظهور نجم أحمد في السماء
- روى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال : "والله، إني لغلام يفعةٌ (شبَّ ولم يبلغ)، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على أطمةً (حصن) بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟، قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلِدَ به". رواه البيهقي وصححه الإمام الألبانى فى (صحيح السيرة النبوية).
- وروى أبو نعيم وحسنه الألباني فى (صحيح السيرة النبوية) : عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حَبْرٌ من أحبار الشام : "قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه".
قال الشيخ الألباني في كتابه "صحيح السيرة النبوية" :
"قد وردت بعض الروايات الواهية بلا إسناد تخص أحداثاً وقعت عند ميلاده صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت منها شيء، منها ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وخمود النيران التي كان يعبدها المجوس، وانهدام الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، وغير ذلك من الدلالات التي ليس فيها شيء ثابت" .اه
أما يوم وفاة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم فلا خلاف في أنها كانت يوم الاثنين في العام الحادي عشر من الهجرة .
وأما تحديد يوم الوفاة
من ذلك الشهر ففيه خلاف بين العلماء فالجمهور على أنها كانت في الثاني عشر من شهر ربيع أول .
قال ابن كثير رحمه الله :
" فائدة : قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه : لا يُتصوَّر وقوع وفاته - عليه السلام - يوم الاثنين ثاني عشر ربيعٍ الأول من سنة إحدى عشرة؛ وذلك لأنه - عليه السلام - وقَف في حجة الوداع سنة عشرٍ يوم الجمعة، فكان أول ذي الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تُحسَب الشهور تامَّة أو ناقصةً أو بعضها تامٌّ وبعضها ناقص، لا يُتصوَّر أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيعٍ الأول. وقد اشتَهر هذا الإيراد على هذا القول، وقد حاوَل جماعة الجواب عنه،
ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلكٍ واحدٍ، وهو اختلاف المطالع، بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلمْ يَروه إلا ليلة الجمعة.
ويؤيِّد هذا قول عائشة وغيرها : "خرَج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمسٍ بقِينَ من ذي القعدة - يعني من المدينة - إلى حجَّة الوداع، ويتعيَّن كما ذكَرنا أنه خرج يوم السبت، وليس كما زعَم ابن حزمٍ أنه خرج يوم الخميس؛ لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة، لأنَّ أنسًا قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظُّهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحُليفة ركعتين، فتعيَّن أنه خرج يوم السبت لخمسٍ بقين،
فعلى هذا إنما رأى أهلُ المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة، وحسِبت الشهور بعده كوامِل يكون أوَّل ربيعٍ الأول يوم الخميس، فيكون ثاني عشر يوم الاثنين". اه [السيرة النبوية؛ لابن كثير 4/509].
فكيف تحتفِلون بميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم 12 ربيع أول مع أن هذا اليوم هو اليوم الذي توفِّي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن احتفَلتُم بميلاده فأنتم أيضًا تحتفِلون بوفاته، وليس من المحبة أن نُقيم احتفالاً له في يوم وفاته، فهذا مُشعِر بالفرحة بموته؟!.
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق