لا يجوز الإحتفال بيوم ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يشرعه الله عز وجل ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة .
لم يفعله النبي ﷺ ولم يرشد أمته إلى الإحتفال به ولم يحتفل في حياته بمولده ولا فعله أزواجه ولا أصحابه الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا على ولا غيرهم من الصحابة ولا في القرون المفضلة القرن الأول والثاني والثالث وإنما أحدثه الرافضة ثم تابعهم بعض المنتسبين للسنة .
ولذلك فإنه لا يجوز لأحد أن يتعبّد الله إلا بما شرعه الله عز وجل في كتابه وما جاء به نبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن تعبّد لله عز وجل بشيء لم يأمر الله عز وجل ورسوله به فإن الله عز وجل لا يقبل منه ذلك الشيء وقد أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) .
كما أن ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.
والدليل :
1- قال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. [آل عمران: ٣١]
قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله فى تفسيره :
هذه الآيةُ الكريمة حاكمةٌ على كُلِّ مَنِ ادَّعَى محبَّةَ الله وليس هو على الطريقةِ المحمَّدية فإنه كاذبٌ في دعواهُ في نفسِ الأمر حتَّى يتَّبِع الشرعَ المحمَّدِيَّ والدِّين النبويَّ في جميعِ أقواله وأفعاله كما ثَبَت في الصحيح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»...
وقال الحسن البصريُّ وغيرُه مِنَ السلف : « زَعَم قومٌ أنهم يُحِبُّون اللهَ فابتلاهم اللهُ بهذه الآية : ﴿ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾. [آل عمران: ٣١]» . اه
وبالتأكيد الإحتفال بالمولد لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام لذا فهو مردود وبدعة محرمة .
وقال أيضا رحمه الله :
" أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة هو بدعة لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها ". انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 278-279)
2- قوله تعالى : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. [هود: 7]
قال ابن كثير فى تفسيره :
"وقوله : { لِيَبْلُوكُمْ } أي : ليختبركم { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } ولم يقل : أكثر عملاً بل { أَحْسَنُ عَمَلا }، ولا يكون العمل حسنًا حتى يكون خالصا لله عز وجل، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمتى فقد العمل واحدا من هذيْن الشرطين بطل وحبط ". انتهى من ( تفسير ابن كثير، دار طيبة (4/ 308)).
فنقول لمن أجاز الإحتفال بالمولد هل إحتفالكم موافق لشريعة النبى صلى الله عليه وسلم ؟
فإن قلتم : نعم . قلنا : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
3 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ). رواه البخاري
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه .
وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة .
وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال : ( نعمت البدعة هذه ) . انتهى من ( جامع العلوم والحكم ص 252)
قال ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله :
"وَدِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ : أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الدِّينِ" . انتهى من ( مجموع الفتاوى (1/ 189)).
وبما أن الإحتفال بالمولد لم يشرعه الله ولا رسوله إذن فهو بدعة ومردود على صاحبه.
4 - قال صلى الله عليه وسلم : وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, زاد في حديث آخر : وكل ضلالة في النار .(صحيح - كتاب صلاة التراويح للألبانى)
- وقال ابن عمر رضي الله عنه : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ". وسنده صحيح كما قال الألباني في تخريج اصلاح المساجد ص(13).
5- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم كل بدعة ضلالة ». ( رواه الدارمي وابن أبي خيثمة في كتاب العلم بسند صحيح، كما قال محققه الشيخ الألباني، ورواه البغوي في شرح السنة، واللالكائي، والهروي، ومحمد بن نصر المروزي)
أي : اتبعوا ما جاء في الكتاب والسنة، " ولا تبتدعوا فقد كفيتم " : كفاكم الله وكفاكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما أغناكم عن البدع بما شرع لكم في كتابه، وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد كُفِيتم.
ثم قال : " فإن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " وهذا جاء معناه في الحديث الصحيح « كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة » هذا ثابت في الحديث الصحيح، وزاد النسائي : « وكل ضلالة في النار » .
"كل محدثة " يعني : كل محدثة في الدين، المحدث في الدين : هو ما أحدث في دين الله، وفي شرعه مما لم يشرع في كتاب الله، وعلى لسان رسوله-صلى الله عليه وسلم- فهذا بدعة، وهذا فيه تحذير من البدع، وأن صاحبه متوعد بالنار .
ومعنى قوله : فقد كفيتم أى : قد وضحت لكم الشريعة فاقتصروا عليها ولا تزيدوا من عند أنفسكم فلسنا بحاجة إلى أن نأتي ببدع نزعم أننا نقرب الناس بها إلى ربهم تبارك وتعالى.
- وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " إياكم وما ابتُدع فإن ما ابتدع ضلال ". رواه أبو داوود برقم(4611)
قال الامام الشاطبي رحمه الله :
" قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ) محمول عند العلماء على عمومه لا يُستثنى منه شيء البتة وليس فيها ماهو حسن أصلاً .
إذ لاحسن إلا ماحسَّنه الشرع ولا قبيح الا ماقبَّحه الشرع فالعقل لا يحسِّن ولا يقبِّح وإنما يقول بتحسين العقل وتقبيحه أهل الضلال ". انتهى من [ فتاوى الامام الشاطبي ص(181,180)]
6 - روى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي أنه قال : (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه )). [ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: كتاب الجامع – باب القدر، حديث (20100)، وابن أبي شيبة: كتاب الزهد – باب ما ذكر عن نبينا في الزهد (8/129)، والطبراني في المعجم الكبير، حديث (1647)، قال الهيثمي في المجمع: ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة (8/264).].
قال العلامة الألباني رحمه الله :
إذا كان المولد خيراً وكان مما يقربنا إلى الله زُلفى فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه. صحيح أم لا؟
إذاً (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به )) نحن نقول لجميع من يقول بجواز إقامة هذا المولد : هذا المولد خيرٌ - في زعمكم -؛فإما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه وإما أن يكون لم يدلنا عليه.
فإن قالوا : قد دلنا عليه.
قلنا لهم : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ). ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً أبداً.
ونحن قرأنا كتابات العلوي وغير العلوي في هذا الصدد وهم لا يستدلون بدليل سوى أن هذه بدعة حسنة!! بدعة حسنة!!.
فالجميع سواء المحتفلون بالمولد أو الذين ينكرون هذا الاحتفال متفقون على أن هذا المولد لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد الأئمة الأعلام.
لكن المجيزون لهذا الاحتفال بالمولد يقولون : وماذا في المولد؟ إنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاة عليه ونحو ذلك.
ونحن نقول : لو كان خيراً لسبقونا إليه . انتهى من (سلسلة الهدى والنور-(094))
ومن ذلك أيضا قال ابن الماجشون :
سمعت مالكا يقول من ابتدع في الاسلام بدعه يراها حسنه فقد زعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لان الله يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا. انتهى من (الاعتصام ـ للشاطبى: ج 1 / ص 49. - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الأندلسي: ج 6 / ص (791)
فالخير كل الخير في اتباع السلف فهم أكمل الناس دينا وأحسنهم أدبا .
- فقد روى البيهقي بسندٍ صحيح عن سعيد بن المسيب : أنَّه رأىٰ رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه؛ فقال : " يا أبا محمد! أيعذبني الله على الصلاة؟! قال : لا ولكن يُعذِّبُك علىٰ خِلافِ السُّنـَّة ".
قال الشيخ الألباني رحمه الله عقب هذا الأثر : وهٰذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرًا من البدع باسم أنها ذكر وصلاة ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذٰلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!!
وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذٰلك .انتهى من (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (2/ 236)).
- وسأل رجلٌ الإمام مالك بن أنس : يا أبا عبد الله من أين أُحرم؟ قال مالك : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرجل : إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر؟ قال الامام مالك : لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة!
فقال الرجل : وأي فتنة في هذه ؟ إنما هي أميال أريدها!.
قال الامام مالك : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }. انتهى [ينظر: (الباعث على إنكار البدع) لأبي شامة، (الاعتصام) للشاطبي.
قال ابنُ الحاج المالكي :
" وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ الْعِبَادَاتِ وَإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ مَوْلِدٍ وَقَدْ احْتَوَى عَلَى بِدَعٍ وَمُحَرَّمَاتٍ جُمْلَةٍ " .اه (المدخل (2/ 2)).
وقال أبو شامة - رحمه الله :
ومِن .. ما ابتُدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يُفعل بمدينة إربل -جبرها الله تعالى- كلَّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ . ( الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 23)).
قال ابن تيمية رحمه الله :
عن اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده :
" فإن هذا لم يفعله السَّلَفُ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا.
ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.
وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان " .اه (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/123، 124)).
وأما الإستدلال بما نقل عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) أنه قال :
" من كان له نيةٌ صالحة أثيب على نيته ". وذلك لمن يحتفل بالمولد . فإنما هو في حقِّ مَن فعله جاهلاً ولا يدل كلامه بحالٍ على تجويز بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " والشيخ تقي الدِّين أحمد بن تيمية رحمه الله ممن يُنكِرُ ذلك (الاحتفال بذكرى المولد النبوي) ويرى أنه بدعة.
ولكنه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ذكر في حق مَن فعله جاهلاً، ولا ينبغي لأحدٍ أن يغترَّ بمن فعله من الناس أو حبَّذ فعله أو دعا إليه ...؛
لأن الحجة ليست في أقوال الرجال وإنما الحجة فيما قال الله سبحانه أو قاله رسولُه صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه سلف الأمة ". انتهى من ( مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (9/ 211)).
قال أيضا رحمه الله :
الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع بل هو بدعة لم يفعله النبي ﷺ ولا أصحابه وهكذا الموالد الأخرى، لـعلي أو للحسين أو لـعبد القادر الجيلاني أو لغيرهم الاحتفال بالموالد بدعة غير مشروعة،
والرسول ﷺ هو الداعي إلى كل خير وهو المعلم المرشد للأمة، وقد بعثه الله بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا يدعو إلى كل خير، وقال الله في حقه : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . الأحزاب:45-
ولم يرشد أمته إلى الاحتفال ولم يحتفل في حياته بمولده ولا فعله الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الصحابة ولا في القرون المفضلة القرن الأول والثاني والثالث وإنما أحدثه الرافضة ثم تابعهم بعض المنتسبين للسنة .
والرسول عليه السلام قال : من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد. وكان يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام : خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. اه
وقال العلامة العثيمين رحمه الله :
أولاً : ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.
ثانياً : من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).
فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل ونتقرب به إليه .
فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟
هذا من الجناية في حق الله عز وجل أن نشرع في دينه ما ليس منه كما أنه يتضمن تكذيب قول الله عز وجل : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )
فنقول : هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام ، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله - تعالى - يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة...
ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام حتى جعلوه أكبر من الله والعياذ بالله .
وهذه البدعة أعني بدعة المولد حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات . اه (مجموع الفتاوى للعثيمين - ج 2 - العقيدة (2))
وقال العلامة الفوزان حفظه الله :
الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع ومردود من عدة وجوه :
أولاً : أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه وما كان كذلك فهو من البدع الممنوعة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ). [ أخرجه أحمد 4/126 ، والترمذي برقم 2676 ].
والاحتفال بالمولد محدث أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة لإفساد دين المسلمين .
ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به ولم يفعله خلفاؤه من بعده فقد تضمن فعلُه اتهامَ الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم وتكذيب قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم }. [المائدة/3] لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين ولم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : في الاحتفال بذكرى المولد تشبه بالنصارى لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام والتشبه بهم محرم أشد التحريم ففي الحديث النهي عن التشبه بالكفار والأمر بمخالفتهم ففد قال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ). [أخرجه أحمد 2/50 ، وأبو داود 4/314] ولا سيما فيما هو من شعائر دينهم .
ثالثاً : أن الاحتفال بذكرى مولد الرسول مع كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى وكل منهما محرم فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستعانة به من دون الله .
كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحيون بدعة المولد من دعاء الرسول من دون الله وطلب المدد منه وإنشاد القصائد الشركية في مدحه كقصيدة البردة وغيرها.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ). [أخرجه البخاري 4/142 رقم 3445 ، الفتح 6/551 ] أي لا تغلوا في مدحي وتعظيمي كما غلت النصارى في مدح المسيح وتعظيمه حتى عبدوه من دون الله وقد نهاهم الله عن ذلك بقوله : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه }. [النساء/171]
ونهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغلو خشية أن يصيبنا ما أصابهم فقال : ( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ). [أخرجه النسائي 5/268 ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم 2863 ] . انتهى من ( كتاب : حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال ص 139)
وقد رد الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله :
على من قال : هل في قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله ، وفضائله على ألأمة من بأس فإن هذا ما نفعله يوم المولد النبوي؟
فأجاب :
الصلاة إذا صليتها على وجه التخصيص في وقت تلتزم فيه بها كانت بدعة إضافية هذا وهي صلاة ... رغب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإكثار منها، ولذلك حكم العلماء فيمن يلتزم بصلاة الرغائب في آخر رجب، بأن ذلك بدعة، وهذا هي صلاة.
قراءة القرآن من أفضل الذكر، فالقرآن كلام الله، فإن قريء في مجلس العزاء، أو على صورة بدعية، حكم العلماء بأنه بدعة.
ذكر الله بالتسبيح والتهليل ، مشروع، لكن إن صار يحصل بصورة جماعية، حكم العلماء أنه بدعة؛
فكذا قراءة سيرة الرسول وشمائله وفضائله في يوم المولد على سبيل الخصوص بدعة، لا من جهة السيرة والشمائل بل من جهة التخصيص وهذا هو البدعة الإضافية .
واعلم أن المولد يشتمل على بدع حقيقية عند بعض الناس، كمن يعتقد حضور الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء نشيد معين، أو يمدح الرسول بما ليس فيه،
فيغلو في حقه صلى الله عليه وسلم فيصفه بما هو لله، فيدعي أنه يعلم ما في اللوح والقلم. أو يدعي أنه يوصف صلى الله عليه وسلم بكل شيْ فقط يجتنب ما ادعته النصارى في نبيهم؛ فهذا من البدع الحقيقية!
فالمولد تارة لا يكون فيه إلا البدعة الإضافية، وتارة تكون فيه البدعتان الحقيقية والإضافية!. وفق الله الجميع لطاعته! .اه
متى حدثت بدعة المولد النبوي؟
أُحدث هذا الاحتفال البدعي في أواخر القرن الرابع الهجري وأول من أحدثه وابتدعه هم الرافضة العبيديون ( الذين يسمون زورا وتلبيسا بالفاطميين ) .
ابتدعوه مع ما ابتدعوه في يوم عاشوراء- من ضرب الصدور ولطم الخدود وشج الرؤوس وغير ذلك من البدع إظهارا للحزن على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما- في عام واحد.
وهذه حقيقة تاريخية لا ينكرها إلا جاهل بالتاريخ فقد سطرها المقريزي المتوفى عام 845ه ـفي كتابه ((الخطط)) 2/436) وذكر أنهم أحدثوا عددا من الموالد والاحتفالات البدعية منها :
مولد النبي صلى الله عليه وسلم - ومولد علي - وفاطمة - والحسن - والحسين وغيرها من الموالد حتى عدد سبعة وعشرين احتفالا لهم كلها انقرضت بسقوط الدولة العبيدية عام 567هـ على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
وأوَّلُ مَنْ أحدثه المعزُّ لدِينِ الله سنةَ (٣٦٢ﻫ) بالقاهرة واستمرَّ الاحتفالُ به إلى أَنْ ألغاهُ الأفضلُ أبو القاسمِ أميرُ الجيوش ابنُ بدرٍ الجمالي وزيرُ المستعلي بالله العُبَيْديِّ سنةَ: (٤٩٠ﻫ). انتهى من «المواعظ والاعتبار» للمقريزي (١/ ٤٣٢ ـ ٤٣٣)
ثمَّ جاء مِنْ بعدِهم عمر بنُ محمَّد المُلا الإِرْبِليُّ أحَدُ الصوفية المشهورين فكان أوَّلَ مَنْ أعاد إحياءَ بدعةِ المولد بالموصل وبه اقتدى مَلِكُ إربل وغيرُه .اه ينظر : «البداية والنهاية» لابن كثير (١٣/ ١٣٦)
ثم أحيا الصوفية من بعد ذلك بدعة الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأحيا الرافضة بدع يوم عاشوراء من جديد
وما زالت هذه البدع مستمرة إلى يوم الناس هذا ولما ثقل على المغرمين بالاحتفال بالمولد أن يكون أول من أحدثه رافضي خبيث زعموا أن أول من أحدثه صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى المتوفى عام 630هـ ونسبوا ذلك لابن كثير في كتابه ((البداية والنهاية)) (13/136- 137).
وهذا غير صحيح فنص كلام ابن كثير هو : ( وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا ).
فابن كثير لم يقل : إنه أول من أحدثه. وإنما قال : إنه كان يحتفل به في ربيع الأول .
وأما الحقيقة التاريخية الثانية التي لا تقبل الشك أيضا :
أنه لم يثبت أن الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل الأرجح والأصح : أنه ليس يوم مولده والثابت الذي عليه أكثر المؤرخين أنه يوم وفاته عليه الصلاة والسلام وكان ذلك يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء، فداه أبي وأمي ونفسي .
ثم انتشر هذا الاحتفال البدعى في بقاع الأرض وكما هي عادة البدع لا تقف عند حد فقد دخلت على هذه الموالد بدع منكرة وأعمال قبيحة أخرى كالطبل والتمايل والرقص واختلاط الرجال بالنساء في بعض البلدان وغيرها من المعاصي وإلقاء القصائد الشركية التي فيها استغاثة بغير الله تعالى وإطراء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كإطراء النصارى لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .
وإليك بعض الشبهات والرد عليها
من موقع (الدرر السنية).
الشبهة الأولى :
استشهادهم بقوله تعالى : { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا }. [يونس: 58] حيث زعموا أن أعظم فرح هو الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم وأن الاحتفال به تعبير عن هذا الفرح وهذا قول لم يقله أحد من أئمة الإسلام، وما أعظم فضل الله علينا ونعمه! فمولده نعمة، ومبعثه نعمة، وهجرته نعمة؛ أو كلما تفضل الله وأنعم علينا نعمة جعلنا ذلك اليوم احتفالا؟!
الرد :
ففضل الله ورحمته المأمور بالفرح بهما في هذه الآية ليس هو يوم ولادته وإنما هو القرآن وما نزل به من شرائع الإسلام كما في الآية التي قبلها : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }. [يونس: 57- 58]
والرحمة هي البعثة والرسالة كما قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.[الأنبياء: 107] وقال صلى الله عليه وسلم : « إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ». رواه مسلم. ولم يذكر أي مفسر للقرآن الكريم هذا المعنى الذي ذكروه.
ثم كيف غاب هذا المعنى الغريب عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم كون الآية نزلت في مولده عليه الصلاة والسلام ثم هو صلى الله عليه وسلم لا يحتفل بميلاده ولا يبلغنا بهذا المعنى؟!.
الشبهة الثانية :
استدلالهم بالحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (سئل عن صوم الإثنين؟ قال : ذاك يوم ولدت فيه) حيث زعموا أن هذا احتفال منه بيوم ولادته!.
الرد :
هذا تفسير للحديث لم يقل به أحد من العلماء وشراح الحديث الأوائل فالإمام النووي وهو أشهر من شرح أحاديث صحيح مسلم لم يستدل بهذا الحديث على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .
فشكر الله على ولادة النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون بصيام اليوم الذي ولد فيه وهو يوم الإثنين من كل أسبوع كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله سنة لأمته باقية إلى يوم القيامة وهذا ما يقتضيه المعقول والمنقول وهو أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه .
وليس بالاحتفال والنشيد والقصائد والمديح مما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم والنبي صلى الله عليه وسلم هو أحرص الناس على شكر ربه وأعلمهم بكيفية ذلك .
وهذا الشكر كشكر الله على نجاة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بصيام يوم عاشوراء وهو اليوم الذي نجاه الله فيه من فرعون كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله سنة لأمته إلى يوم القيامة .
الشبهة الثالثة :
أنهم يستدلون على جواز الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما رواه البيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة . ويقولون : هذا رسول الله قد عق عن نفسه فرحا بمولده مع أن أبا طالب قد عق عنه يوم ولادته وفي ذلك دليل على جواز تكرار الفرح مرة بعد مرة.
الرد :
فهذا الحديث كما ذكر البيهقي نفسه عقبه: (حديث منكر). وقال النووي في ((المجموع)) (8/431) : (باطل). وقال ابن حجر العسقلاني في ((الفتح)) (9/509) : (لا يثبت)؛ فسقط الاحتجاج به أصلا على أنه لو ثبت لم يكن فيه دليل أيضا لهم لاختلاف ما بين هذا الفعل وما بين الاحتفال بالمولد كل عام فهو قياس مع الفارق .
وأعجب من ذلك : استدلالهم بعتق أبي لهب لمولاته ثويبة الأسلمية لما بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يخفف عنه العذاب بذلك.
وقالوا : فإذا كان هذا في حق الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى فما بالك بمن يفرح به صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن موحد؟!
وما أقبح أن يستشهد بفعل كافر في الجاهلية فرح بمولد ابن أخ له في زمن كانوا يفرحون بالذكر ويدفنون الأنثى خشية العار! .
وهل فرح به لأنه نبي الله؟! وهل كان يعلم أن سيبعث فيهم؟! وأنه سينزل فيه قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتب }. [المسد: 1]. ويقال فيه ما قيل فيما قبله : ليس النزاع في فضل الفرح به صلى الله عليه وسلم وحبه وتوقيره ولكن النزاع في مشروعية ما تزعمونه حبا وتخالفون فيه هديه صلى الله عليه وسلم . والرد بتوسع على هذه النقطة هنا
وأسوأ من ذلك : ما نقله السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (3/ 1117) عن أحدهم قائلا : ( إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر ).
ولا أجد في الرد على هذا القول أبلغ مما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم!. قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصارى؟. قال : فمن؟! ) .
الشبهة الرابعة :
لما ثبت لهم أن الاحتفال بالمولد بدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم، وأكد على ذلك عدد من العلماء، منهم الحافظ ابن حجر بقوله : (أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة)، كما نقله عنه السيوطي في ((الحاوي للفتاوي)) (1/ 229)؛ قالوا : نعم! هو بدعة لكنه بدعة حسنة، وابن حجر نفسه ذكر ذلك وغيره من العلماء .
الرد :
الصواب الذي عليه المحققون من العلماء : أنه لا يوجد في الإسلام بدعة حسنة وبدعة ضلالة بل كل بدعة ضلالة كما هو صريح الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكلام العلماء في إنكار تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة كثير ويطول ولا يتسع المقام لذكره لكن أكتفي بنقلين اثنين فقط لعالمين مشهود لهما بالفقه والتأصيل .
الأول : الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام وهو من أعيان القرن الثالث وقد توفي عام 224هـ نقل عنه ابن بطال في شرحه للبخاري (8/588) قوله : ( البدع والأهواء كلها نوع واحد في الضلال ) .اه
والثاني : أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي العالم الأصولي المالكي قال في ((فتاويه)) (ص180) : ( إن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة ) محمول عند العلماء على عمومه لا يستثنى منه شيء البتة وليس فيها ما هو حسن أصلا ) .اه
وقال في كتابه ((الاعتصام)) (1/246) : ( هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي ) .اه
- ومما يؤيد كلامهما ما قاله إمام دار الهجرة مالك بن أنس في قاعدته العظيمة : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة لأن الله تعالى يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }؛ فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ). اه ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (6/ 58)، و((الاعتصام)) للشاطبي (1/62).
- ومن بعده تلميذه الإمام الشافعي فقد نقل عنه الجويني في ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) (18/ 473) والغزالي في ((المستصفى)) (1/171) قوله : ( من استحسن فقد شرع )
ولا يتصور ممن يرى أن الاستحسان تشريع لم يأذن به الله أن يقول بتحسين بعض البدع .
قال العلامة تاج الدين الفاكهاني، المالكي في رسالته ((المورد في عمل المولد)) (ص20) :
لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين بل هو بدعة أحدثها البطالون...
وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون، فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين . اه
الخلاصة
الإحتفال بالمولد النبوي لا يوجد له أصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في سنة خلفائه الراشدين إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة .
والعاقل لا يغتر بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في سائر البلدان فإن الحق لا يعرف بكثرة العاملين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.
فيجب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - كما قال الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾.[النساء /59 ]
ولا شك أن من رد الاحتفال بالمولد إلى الله ورسوله يجد أن الله يأمر بإتباع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كما قال سبحانه : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾، ويبين سبحانه وتعالى أنه قد أكمل الدين وأتم النعمة على المؤمنين ويجد أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لم يأمر بالاحتفال بالمولد ولم يفعله ولم يفعله أصحابه فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة.
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازل فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!.
فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله تعالى منه ومن غيره من البدع فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه .
هذا ونسأل الله أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
والله اعلم
واقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق