حكاية أن أبا لهب يُخفف عنه العذاب يوم الإثنين لفرحه بمولد النبى ﷺ لم تثبت فى حديث صحيح وليس لها أصل ولا تصلح للإحتجاج بها فى ذلك فقد جاءت هذه الحكاية فى خبر مرسل ضعيف لا يصح الإستشهاد به لأنه لم يرد ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا من كلام الصحابة وإنما جاء فى الخبر المرسل أنها رؤيا منام أريها بعض أهله فلا حجة فيه لأنها ليست رؤيا نبي فلا يبنى على ذلك حكم شرعي كما أنه لا يوجد في الخبر المرسل الضعيف ذكر يوم الإثنين .
وإليك بيان ذلك :
فقد روى البخاري هذا الخبر معلقا من قول التابعي عروة بن الزبير- ما يلي : " وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، َلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ – أي بسوء حال قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ".اه
فهذا الحديث منقطع السند والبخاري رحمه الله لم يشترط الصحة في كتابه إلا على الأحاديث المتصلة السند.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قوله : ( وثويبة مولاة لأبي لهب ) ذكرها ابن منده في " الصحابة " وقال : اختلف في إسلامها.
وقال أبو نعيم : لا نعلم أحدا ذكر إسلامها غيره , والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها , وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة , وكان يرسل إليها الصلة من المدينة , إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح .
قوله : ( وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم ) ظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها , والذي في السير يخالفه , وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل ، وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الإرضاع , وسأذكر كلامه .
قوله : ( بعض أهله ) ذكر السهيلي أن العباس قال : لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال : ما لقيت بعدكم راحة , إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين , قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين , وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها .
قوله ( بشر حيبة ) أي : سوء حال .
قوله ( ماذا لقيت ) أي : بعد الموت .
قوله ( لم ألق بعدكم , غير أني ) كذا في الأصول بحذف المفعول , وفي رواية الإسماعيلي : ( لم ألق بعدكم رخاء ) ، وعند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : ( لم ألق بعدكم راحة ).
قال ابن بطال : سقط المفعول من رواية البخاري , ولا يستقيم الكلام إلا به .
قوله : ( غير أني سقيت في هذه ) كذا في الأصول بالحذف أيضا , ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة : ( وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه ) وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء .
وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ; لكنه مخالف لظاهر القرآن , قال الله تعال ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )، وأجيب :
أولا : بأن الخبر مرسل ، أرسله عروة ، ولم يذكر من حدثه به ، وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام ، فلا حجة فيه , ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد ، فلا يحتج به .
وثانياً : على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك , بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح .
وقال البيهقي : ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة , ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات .
وأما عياض فقال : انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ، ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب ; وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض .
قلت – أي الحافظ ابن حجر : وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي , فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر , وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه ؟
وقال القرطبي : هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه .
وقال ابن المنير في الحاشية :
هنا قضيتان :
إحداهما محال : وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره , لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح , وهذا مفقود من الكافر .
الثانية : إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى , وهذا لا يحيله العقل , فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة , ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب , والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا .
قلت – أي الحافظ ابن حجر : وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور إكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك . والله أعلم ". انتهى من (" فتح الباري " (9/145-146))
فكما هو واضح وجلي أن هذا ليس حديثا نبويا فليس من كلام النبى ﷺ ولا من كلام الصحابة رضى الله عنهم وإنما هو خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه لأنها ليست رؤيا نبي ولأن صاحب الرؤيا لم يعرض رؤياه على الرسول فلا يبنى على ذلك حكم شرعي كما أنه لا يوجد فيه ذكر يوم الأثنين .
وهنا يجب التنبيه إلى أن هناك من يتعلل بهذا الأثر للاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي والواقع أنه لا يصح الاحتجاج به على ذلك؛ لأمور منها نذكرها من رسالة الشيخ فركوس حفظه الله :« حكم الاحتفال بمولد خير الأنام ـ عليه الصلاة والسلام » :
1- عروة هو ابن الزبير وهو تابعي لم يدرك أبا لهب فالخبر مرسل منقطع وليس متصلاً والانقطاع من أسباب ضعف الحديث كما هو معلوم .
2 - ليس في الخبر أن الذي رآه العباس إنما بعض أهله .
3 - وحتى لو كان صاحب الرؤيا هو العباس بن عبد المطلب رضي الله فقد رآها حال كونه كافراً ورؤيا الكافر لا يحتج بها إجماعاً .
4 - ليس في الخبر أن أبا لهب أعتقها لأجل أنها بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا حتى لكونها أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم إنما فيه أنه أعتقها وأنها أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم .
5 - ليس في الخبر ذكر يوم الاثنين ولا ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم.
6 - أنه على فرض ثبوته حكاية منام ليست قرآنا ولا سنة ثابتة ولا إجماعاً فكيف يصح أن يحتج بالمنام ويجعل دليلاً على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي .
7 - أنه قد ثبت قطعاً أن الكافر لا ينتفع بالأعمال التي يعملها تقرباً إلى الله إذا مات على الكفر كما قال تعالى : (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجلعناه هباءً منثوراً) . فكيف يسوغ أن يعارض القرآن أو يخصص بحلم لم يثبت بسند صحيح ولا يُدرى من رآه أمسلم أم كافر؟! .
قال القاضي عياض في إكمال المُعلم بفوائد مسلم [ ج1/597 ] : " وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابًا من بعض ".اهـ .
وسئل العلامة ابن باز رحمه الله
عن مدى صحة رواية : (أن أبا لهب يخفف عنه العذاب يوم الإثنين ...)؟
فأجاب :
لا أعلم لهذا أصلاً، لا أعلم لهذه الرواية أصلاً بل هو من أخبث الناس. تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، نسأل الله العافية. اه
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق