الأولى للمسلم أنه لا يُصلّى خلف أهل البدع إن وجد غيرهم من أهل السنة والجماعة المتمسكين بدينهم وإن لم يوجد تجوز الصلاة خلفهم وتصح ما لم تكن بدعتهم مكفرة .
ومن الأدلة على ذلك :
1 - عن الحكم بن عطية رحمه الله أنه قال : سألت الحسن وقلت : رجل من الخوارج يؤمنا أنصلي خلفه؟ قال : ( نعم، قد أم الناس من هو شر منه ) .انتهى (روه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: 284) برقم (211)).
2 - وعن ابن وضاح رحمه الله : قال : سألت الحارث بن مسكين : هل ندع الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال : ( أما الجمعة خاصة فلا وأما غيرها من الصلاة فنعم ). انتهى (روه ابن أبي زمنين في ((أصول السنة)) (ص: 284) برقم (211)).
قال النووي رحمه الله :
وكذا تكره –أي الصلاة وراء المبتدع الذي لا يكفر ببدعته وتصح
فإن كفر ببدعته فقد قدمنا أنه لا تصح الصلاة وراءه كسائر الكفار ونص الشافعي في المختصر على كراهة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع فإن فعلها صحت . انتهى من ((المجموع)) (4/150).
ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك
فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة
فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج وكان وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة كان يشرب الخمر حتى أنه صلى بهم مرة الصبح أربعا ثم قال : أزيدكم؟ فقال ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ولهذا رفعوه إلى عثمان .
قد فصل ابن تيمية رحمه الله :
في الصلاة خلف أهل البدع فقال : والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.
ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في مصلحة ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة.
وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم .
وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة . انتهى من [ مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/352-355]
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
إن إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه قال الإمام الطحاوي رحمه الله- في عقيدته المشهورة : ( ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم ).انتهى
قال الشارح لهذه العقيدة وهو من العلماء المحققين في شرح هذه الجملة : قال ﷺ : صلوا خلف كل بر وفاجر. رواه مكحول عن أبي هريرة وأخرجه الدارقطني وقال : مكحول لم يلق أبا هريرة وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه وقد احتج به مسلم في صحيحه وخرجه الدارقطني أيضا وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل بالكبائر والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر .
وفي صحيح البخاري : أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقا ظالما. وفي صحيحه أيضا أن النبي ﷺ قال : يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم. وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال : صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله . أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها.
اعلم رحمك الله وإيانا
أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول : ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف المستور الحال ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف.
ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر
فهو مبتدع عند أكثر العلماء والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون
كما كان عبدالله بن عمر
يصلي خلف الحجاج بن يوسف وكذلك أنس بن مالك كما تقدم
وكذلك عبدالله بن مسعود وغيره
يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ثم قال : أزيدكم. فقال له ابن مسعود : (ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة).
وفي الصحيح :
أن عثمان لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان إنك إمام عامة وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة فقال : (يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم).
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة
فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ومن ذلك :
أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة .
وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلفه أفضل.
فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة .
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء منهم من قال يعيد ومنهم من قال لا يعيد وموضع بسط ذلك في كتب الفروع. انتهى كلام الشارح.
والأقرب في هذه المسألة الأخيرة عدم الإعادة للأدلة السابقة ولأن الأصل عدم وجوب الإعادة فلا يجوز الإلزام بها إلا بدليل خاص يقتضي ذلك ولا نعلم وجوده. والله الموفق.اه
الصلاة خلف المستور
ليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول : ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ومن أصول أهل السنة والجماعة إن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلى خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد.
وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم .
وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله. ولم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله .
فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين ومن قال إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان قد يشرب الخمر وصلى مرة الصبح أربعاً وجلده عثمان بن عفان على ذلك وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد وداعيا إلى الضلال .انتهى من (مجموع الفتاوى لابن تيمية - 3/280-[281])
من سمات أهل البدع
قـــال اﻹمام عبدالله بن المبارك :
أصل اثنتين وسبعين هوى أربعة أهواء فمن هذه اﻷربعة الأهواء تشعبت الاثنان وسبعون هــوى :
1- القدريــــــــة
2- والمرجئـــــة
3 - والشيعـــــة
4- والخـــــوارج
✅ فمـن قــدم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره.
✅ ومــن قــال : اﻹيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من اﻹرجاء أولــه وآخـره.
✅ ومــن قــال : الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أولــه وآخــره.
✅ ومــن قــال : المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها يضل من يشاء ويهدي من يشاء فقد خرج من قول القدرية أولــه وآخــره. (وهــو صاحــب السنــة) . اه [شــرح السنــة للبربهاري]
وقال الشيخ محمد خليل هراس :
اعلم أن هناك سمات من اتصف بها أو ببعضها فهو خارجي...
أولا : تكفير صاحب الكبيرة .
ثانيا : تكفير من وقع في معصية وأصر عليها.
ثالثا : القول بأن الإيمان شىء واحد لا ينقص فإذا ذهب بعضه ذهب كله.
رابعا : جواز الخروج على الحاكم المسلم لجوره وظلمه وإن لم ير منه كفرا بواحا ووجه كونه خارجيا أنه قد استقر أهل السنة على تحريم الخروج . انتهى من (شرح الواسطية)
لذلك أخى المسلم ابتعد عن أهل البدع بكل ما أوتيت من قوة فلا تجالسهم ولا تتعاطف معهم وحذر الناس منهم حتى لا تكون منهم وهم الآن :
الطرق الصوفية - وجماعة الإخوان المسلمين - وجماعة التبليغ - والشيعة الروافض -وغيرهم .
فإلزم جماعة المسلمين وإمامهم
قال الإمام البغوي :
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة وظهور الأهواء والبدع فيهم وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا أو يتهاون بشيء من السنة أن يهجره ويتبرأ منه ويتركه حيا وميتا فلا يسلم عليه إذا لقيه ولا يجيبه إذا ابتدأ حتى يترك بدعته ويرجع إلى الحق .اه (شرح السنة للبغوي (224/1))
وقال إبراهيم النَخعي :
" لا تجالسوا أهل الأهواء فإنَّ مجالستهم تذهب بنور الإيمان وتسلب محاسن الوجوه وتورث البغيضة في قلوب المؤمنين ". اه [الإبانة (1/137) رقم (375)].
قال أبو داود السجستاني رحمه الله :
" قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع أترك كلامه قال : لا أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به قال ابن مسعود : المرء بخدنه ".اه (طبقات الحنابلة ( 1/160 ) ، ومناقب أحمد لابن الجوزي ( ص : 250 )).
يقول الفضيل بن عياض :
" إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر ولا يرفع لصاحب البدعة إلى الله عز وجل عمل ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ".
ويقول أيضا :
" من زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة وإذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له سيئاته ". اه (من كتاب "تلبيس إبليس"لابن الجوزي " ص21+(22))
قال الإمام أحمد بن حنبل :
رحم الله عبداً قال بالحق واتبع الأثر وتمسك بالسنة واقتدى بالصالحين وجانب أهل البدع وترك مجالستهم احتساباً وطلباً للقربة من الله . اه (طبقات الحنابلة [٣٦/١])
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق