لا يجوز حضور الأفراح المشتملة على المنكرات كالأغاني المصحوبة بالموسيقى واختلاط الرجال بالنساء .
كما أنه لا يجوز لك أن تساعد فى ذلك بأى شكل فإذا أعنت على معصية الله كنت آثما لأنك أعنت على الإثم والعدوان .
ولكن إذا استطعت أن تذهب وتعلمهم وتنكر المنكر برفق فهذا هو واجبك وإذا لم تستطع ذلك فلا تذهب وإذا قاطعوك فهم الآثمون أما أنت فقد فعلت ما شرع الله لك من ترك حضور المنكر،
لكن ينبغي أن تبين لهم أن امتناعك عن الحضور بسبب وجود المنكرات وتناصحهم في ذلك برفق وحكمة ولا تقطعهم وإن قطعوك ،
ومن قدم مرضاة ربه على مرضاة غيره فسوف يكفيه الله أمر الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ . (صحيح الترمذي).
ويغلط البعض فيظن أنه ما دام كارهاً للمنكر فلا بأس عليه بمخالطة فاعله والجلوس معه حال مواقعته المنكر أو البقاء في مكان فيه منكر في الشرع وهذا مخالف لما دل عليه القرآن والسنة .
والدليل :
1- قال تعالى : وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ. [النساء: 140]
وهذا نهي صريح عن مجالستهم حال مواقعتهم لهذا المنكر فما دام لا يقدر على الإنكار باليد أو اللسان فلا بد إذاً من مفارقته للمنكر .
قال الإمام القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية :
.. فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر،
قال الله عز وجل : إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها.
فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.. وإذا ثبت تجنب أهل المعاصي فتجنب أهل البدع والأهواء أولى... انتهى من (((القرطبي)) (5/418)) .
وقال العلامة السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية :
وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه وتقتحم حدوده التي حدها لعباده.
ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم (حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي : غير الكفر بآيات الله ولا الاستهزاء بها.
إِنَّكُمْ إِذًا أي إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مثلهم) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها،
والحاصل أن من حضر مجلساً يعصى الله به فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها . انتهى من (((تفسير السعدي)) (2/93-94)) .
2- قال تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. {الفرقان: (72)}.
قال محمد بن الحنفية : لا يشهدون اللهو والغناء.
قال ابن مسعود : " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع " . وأصل " الزور " تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته ، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق . انتهى من (تفسير البغوي).
* ويدل على ذلك حديث علي رضي الله عنه قال : ( صنعت طعاماً فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع ). ((صحيح سنن ابن ماجه)).
* وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن هشام بن عروة قال : أخذ عمر بن عبد العزيز قوماً على شراب فضربهم وفيهم صائم.
فقالوا : إن هذا صائم فتلا : فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ . [النساء: 140]. انتهى من ((تفسير ابن جرير)) رقم (10709) (9/321)
3 - من حضر ثم علم بالمنكر من موسيقى ونحوه وجب عليه الإنكار ثم مفارقة المكان إن لم يزل المنكر ، فقد جاء في صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد ــ واللفظ له ــ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ :
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ. ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؟،
فَأَقُولُ : نَعَمْ، فَيَمْضِي حَتَّى، قُلْتُ : لَا فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَأَعَادَ رَاحِلَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَقَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا. والحديث صححه ابن حزم والألباني وشعيب الأرنؤوط.
فى هذا الحديث : دليل على الإبتعاد عن سماع الموسيقى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بوضع أصبعيه في أذنيه حين سمع زمارة الراعي، بل عدل راحلته عن الطريق وابتعد عن المكان .
ولم يَنْهَ ابنُ عُمرَ نافعًا عن سَماعِ المزمارِ أو لم يَأمُرْه بوضْعِ إصبَعيهِ على أُذنيهِ كما فَعَل؛ لاحتِمالِ صِغرِه.
قال ابن رجب في نزهة الأسماع : إنما لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه، لأنه لم يكن مستمعا، بل سامعا،
والسامع من غير استماع لا يوصف فعله بالتحريم، لأنه عن غير قصد منه، وإن كان الأولى له سد أذنيه حتى لا يسمع . اهـ.
4 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .. ". ( رواه البخاري تعليقا برقم 5590 ، ووصله الطبراني والبيهقي ، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91 )
قال ابن القيم رحمه الله : هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به فقال : باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه ) ،
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين:
أولهما : قوله صلى الله عليه وسلم : " يستحلون " ، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة ، فيستحلها أولئك القوم.
ثانيا : قرن المعازف مع المقطوع حرمته وهو الزنا والخمر ، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها . انتهى ( السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله :
إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين ; إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر .
وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر .
وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله , فإن لم يقدر انصرف . ونحو هذا قال الشافعي " انتهى من (المغني 7/214)
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :
وإنما تجب الإجابة [لحضور دعوة العرس] أو تسن ..بشروط، منها : أن لا يوجد ثم منكر كخمر، أو ملاه محرمة، لحديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر). رواه الترمذي، وقال : "حسن غريب"، وصححه الحاكم، وقال: "إنه على شرط مسلم"...
فإن كان المنكر يزول بحضوره فليحضر حتما إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، فإن لم يزل بحضوره حرم الحضور؛ لأنه كالرضا بالمنكر،
فإن لم يعلم به حتى حضر نهاهم، فإن لم ينتهوا وجب الخروج إلا إن خاف منه كأن كان في ليل وخاف وقعد كارها بقلبه ولا يسمع لما يحرم استماعه،
وإن اشتغل بالحديث والأكل جاز له ذلك، كما لو كان ذلك في جوار بيته لا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت ". انتهى من "مغني المحتاج".
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
قال تعالى : { فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }. [الأنعام: ٦٨]. الذين يحتفلون احتفالات مخالفة للشريعة سواءً كانوا من الرجال أو النساء،
فهؤلاء لا يجوز مجالستهم ولا شهود حفلاتهم؛ لهذه الآية الكريمة ولما في مشاركتهم ومجالستهم، من تأييد هذه المنكرات وإقرارها،
فلا يجوز للمسلم ولا للمسلمة أن تجلس في هذه المجالس . انتهى من (الهدى والنور / ١٩٠/ ٣٨: ١٦: ٠١)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
حكم حضور الأعراس إذا اشتملت على منكر؟
فأجاب :
إذا استطعت أن تذهب وتعلمهم وتنكر المنكر فهذا هو واجبك، تذهب وتعلم وتنكر المنكر في الزواجات، وإذا لم تستطع ذلك فلا حرج عليك أن تترك الذهاب إليهم،
وإذا قاطعوك فهم الآثمون، أما أنت فقد فعلت ما شرع الله لك من ترك حضور المنكر،
لكن لو حضرت لو أنكرت إذا استطعت ذلك تحضر وتنكر المنكر، في حفل الزواج.
أما إذا كان في الاحتفال اختلاط الرجال بالنساء في الأعراس واستعمال ما حرم الله من المزامير والعود والطبول وأشباه ذلك، فإنك لا تحضر ،
لكن إذا استطعت أن تحضر وتنكر لعلهم يستجيبون لك وجب أن تحضر وتنكر المنكر . انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
يشكو كثيرٌ من الناس اليوم حضور اجتماعات الزفاف؛ لأنهم يقولون : لا تخلو كثيرٌ من ليالي الزفاف إلا وفيها منكر، فماذا نصنع؟ هل نحضر مع كرهنا لذلك أو لا نحضر؟
الجواب يا إخواننا أن نقول :
إذا كان الإنسان بحضوره يستطيع أن يمنع المنكر وجب عليه أن يحضر؛ وذلك لسببين :
أولاً : أن إجابة وليمة العرس واجبة بالشروط المعروفة.
ثانياً : أنه يستطيع إزالة المنكر، ومن استطاع أن يزيل المنكر وجب عليه أن يزيله، فإن لم يستطع فلا يحضر؛ لأنه إذا حضر شاركهم في الإثم.
يقول بعض الناس : إذا لم أحضر يغضب القريب والصديق، فنقول :
وليكن ذلك؛ لأنك إذا أغضبته أرضيت الله، وهل ينبغي للمؤمن أن يراعي رضا الناس دون رضا الله؟! لا والله،
إن من التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن التمس رضا الله بسخط الناس؛ كفاه الله مئونة الناس، فلا تبالِ يا أخي،
وإذا قال لك قريب : لماذا لم تحضر؟
تقل : لو اتقيت الله لحضرنا، ولا نبالي، ولا نحابي أحداً في دين الله، وتقول له بصراحة :
لو أنك تخليت عن هذا الأمر الذي هممت به لأجبتك، أما أن تقيم هذه الحفلة المحرمة، وتريد مني أن أحضر، فهذا لا يمكن. انتهى من (اللقاء الشهري>اللقاء الشهري [66])
وقال أيضا رحمه الله :
حضور حفلات الزواج التي فيها منكر من الاختلاط أو موسيقى أو غناء محرم ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يحضر ولا ينكر وهذا حرام وهو مشارك لأهل الدار في إثمهم لقول الله -تبارك وتعالى- :
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾. [النساء: 140].
القسم الثاني : أن يحضر وينهى عن المنكر ويكون لنهيه تأثير بتركه فالحضور هنا واجب لأنه إجابة للدعوة من وجه وإزالة للمنكر من وجه آخر.
القسم الثالث : أن يحضر ولا يرضى بفعلهم ويتكره له فهذا يجب عليه أن يعالج القضاء على هذا المنكر فإن تم له ذلك وإلا وجبت عليه المغادرة . انتهى من [فتاوى نور على الدرب].
وقال أيضا رحمه الله :
لا يجوزُ للزوجةِ أن تتسخَّط من منع الزوج لها من حضورِ هَذِهِ الحفلاتِ المنكرةِ بل عليها أن تشكرَ اللهَ أن يسَّر لها زوجاً يَحميها من المعاصي . انتهى من (اللقاءات الشهرية٤ /صـ(١٦٥))
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
ما حكم حضور المرأة حفلات الزواج وأعياد الميلاد؟
الجواب :
إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء، والغناء الماجن ،
أو كانت إذا حضرت غيرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته.
أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها لعموم قوله تعالى :
﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ ﴾. [الأنعام: 70].
وقوله تعالى : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾. [لقمان: 6]. وللأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف.
وأما الموالد فلا يجوز لمسلم ولا مسلمة حضورها لكونها بدعة إلا إذا كان حضوره إليها لإنكارها وبيان حكم الله فيها . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(19/135- 137))
ومن أراد الوقوف على الأحاديث القاضية بتحريم المعازف، وتخريجها وتفصيل الكلام عليها فلينظر كتاب : (تحريم آلات الطرب) للشيخ الألباني رحمه الله .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق