لا شك في حسن قصد من إستعمل عبارة " إلا رسول الله " لكن لا يجوز قولها لأن معناها أن نقبل الإساءة لكل شيء إلا النبي ﷺ وهذا المعنى باطل .
فهذه العبارة من حيث معناها فيها إشكال وهو أنه ذكر فيها المستثنى ولم يذكر المستثنى منه وعلى أي تقدير للمستثنى منه كون معنى العبارة غير مستقيم فإن ظاهرها أننا نقبل أو نسكت عن الإساءة إلى أي شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى باطل فإننا لا نقبل ولا نسكت على الإساءة إلى الله تعالى ولا إلى القرآن أو الإسلام أو أحد من الأنبياء والمرسلين أو الملائكة أو الصحابة رضي الله عنهم أو أمهات المؤمنين أو إخواننا المؤمنين فظهر بذلك أن معنى العبارة غير صحيح .
سئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله :
عن تعليق عبارة "إلا رسول الله".
فأجاب :
"أما " إلا رسول الله " : فهذا كلام غير صحيح لا بد أن يؤتى بالمستثنى منه ولا شك أن الإساءة لله تعالى أعظم من الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عبارة غير مستقيمة ، ولا تصح". انتهى من " شرح سنن ابن ماجه للعباد" .
ومن ذلك أيضاً
- أنَّ المسلمين كانوا يقولون عند مخاطبتهم للرسول ﷺ وحالَ تَعلُّمهم أمورَ الدِّين : «رَاعِنَا» أي : راقبنا واحفظنا وراعِ أحوالَنا فيقصدون بها معنًى صحيحًا لكنَّ اليهود استعملوها في معنًى فاسدٍ فصاروا يخاطبون النبيَّ ﷺ ويقصدون المعنى الفاسدَ أي: مُظهرين أنهم يريدون المعنى العربيَّ ومُبطنين أنهم يقصدون السبَّ الذي هو معنى اللفظ في لغتهم فنهاهم الله عن هذه اللفظة، فقال سبحانه وتعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. [البقرة: ١٠٤]. («تفسير ابن كثير» (١/ ٢٥٦)). فلو كان الاكتفاءُ بسلامة قلب المؤمنين دون تصحيح اللفظ ما نهاهم عن ذلك .
- وأيضا عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُشْرِكُ حَتَّى يُشْرِكَ بِكَلْبِهِ فَيَقُولُ : لَوْلاَهُ لَسُرِقْنَا اللَّيْلَةَ». (رواه ابن أبى الدنيا). [أو [ لولا الطبيب لمات المريض
فالألفاظ هذه بقطع النظر عن مقاصد أصحابها- تقتضي شركًا فالله هو الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما يشاء والصحيح أن نقول : شفي فلان بفضل الله تعالى أو جعل الله تعالى فلانًا سببًا لكذا .
إذن لايصح للإنسان أن يطلق لسانه في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة بل ينبغى أن تكون الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية .
وأما بخصوص الرد على الكفار المستهزئين بالنبى ﷺفى ضوء الشريعة.
قال ابن تيمية رحمه الله :
فمن سب الرسول فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر من سفك دمائهم وأخذ مالهم، فإن هذا يثير الغضب لله ورسوله. (مختصر الصارم المسلول ص39)
ولكن الأصل في الدعوة إلى الله الرفق واللين والموعظة الحسنة لأن هذا أدعى للتأثير على المدعو وتأليف قلبه قال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. {النحل: 125}.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يجد من المشركين كثيرا من الأذى والسب والشتم فيصبر على ذلك ولا يخفى ما حدث له من أهل الطائف حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الله.
فمجاراة أعداء الله فيما قد يقع منهم من سب وشتم يترتب عليه في غالب الأحيان منكر أكبر ولذا قال الله تعالى : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ. {الأنعام: 108}.
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين معلقا على هذه الآية : فحرم الله سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز. اهـ.
وهذا أصل ينبغي الوقوف عنده فالجهل به قد يوقع الأمة في كثير من الحرج والمشقة والعنت .
فنصرة النبي ﷺ
لا تكون بالمظاهرات أو بالأعمال التخريبية ونحوها من ردات الأفعال الشخصية.. بل النصرة الحقيقية تكون باتباع هديه واقتفاء سنته وامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه ونشر سيرته ودعوة الناس إلى تعلم دينه وهديه هكذا تكون النصرة لنبينا محمد ﷺ ولا يتخذ الناس أي اجراءات الا بالرجوع الى أولى الأمر من الحكام والعلماء لأن ذلك يؤدى إلى الفوضى .
قال العلامة السعدى فى تفسير قوله تعالى : [ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِين ]. (95 /سورة الحجر)
و هذا وعدٌ من الله لرسوله ﷺ أن لا يضُرهُ المُستهزِئُون وأن يَكفِيهِ الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة وقد فعل الله تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول اللهﷺ إلا أهلكه الله وقتَله شرَّ قِـتلَة .اه ("تفسير العلامة السعدى رحمه الله")
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق