ساعة الإجابة يوم الجمعة أرجح الأقوال فيها أنها بعد العصر وهى ساعة خفيفة سريعة الإنقضاء وأيضا ليست ساعة زمنية بل هي عبارة عن زمن يسير قد يزيد على مقدار الساعة المعروف وقد ينقص .
وهو قول عبد الله بن سلَام وأبي هُرَيرة واختاره أحمد وإسحاق .
وإليك بيان أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة وهو قولان :
القول الأول :
أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ومن قال بذلك فدليله :
عن أبي بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال له : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا؟ قال : نعم، سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة . رواه مسلم
قال ابن رجب :
هذا القول- أعني : أنها بعد زوال الشمس إلى انقضاء الصلاة، أو أنها ما بين أن تقام الصلاة إلى أن يفرغ منها- أشبه بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه)
فإنه إن أريد به صلاة الجمعة كانت من حين إقامتها إلى الفراغ منها.
وإن أريد به صلاة التطوع كانت من زوال الشمس إلى خروج الإمام فإن هذا وقت صلاة تطوع.
وإن أريد بها أعم من ذلك وهو الأظهر دخل فيه صلاة التطوع بعد زوال الشمس وصلاة الجمعة إلى انقضائها .اه ((فتح الباري)) (5/520، 521).
القول الثاني :
أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس
وجاء في بعض الأحاديث أنها آخر ساعة من يوم الجمعة وكلها صحيحة لا تنافي بينها.
والدليل :
1- عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يوم الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر. صحيح سنن أبي داود
2- ما رواه أحمد في (مسنده) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « إنَ في الجمعة ساعةً لا يُوافِقها عَبْدٌ مسلم يَسأَلُ الله فيهَا خَيْرًا إِلاَّ أعْطاه إيَّاهُ وهِيَ بَعْدَ العَصرِ ».
3- روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. ((فتح الباري)) (2/421- 422)
4- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها " وفي رواية لمسلم " وهي ساعة خفيفة " .
وهي في آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغرب الشمس وبيان أنه ليس وقت الصلاة المعهودة وإنما الصلاة بمعنى الدعاء قائم يصلي أي ملتزم ذلك الوقت يدعو حتى يوافقها .
قال ابن رجب رحمه الله :
وظاهر هذا أنها جزء من اثنتي عشر جزءاً من النهار فلا تختلف بطول النهار وقصره لكن الإشارة إلى تقليلها يدل على أنها ليست ساعة زمنية بل هي عبارة عن زمن يسير . انتهى من (شرح صحيح البخاري المسمى فتح الباري 1-5 ج(5)) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
أرجح هذه الأقوال قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة وأحدهما أرجح من الآخر
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة...
والقول الثاني : أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة والإمام أحمد . ((زاد المعاد)) (1/389، 390).
وقال أيضا رحمه الله :
وعندي أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضا فكلاهما ساعة إجابة وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر،
وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيرا في الإجابة فساعة اجتماعهم ساعة ترجى في الإجابة وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها،
ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين . ((زاد المعاد)) (1/394).
تنبيه :
جاء عن أبي هريرة رضي الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه )، وقال بيده، قلنا: يقللها يزهدها . متفق عليه
فقوله : (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) وبعد صلاة العصر ليس وقتا للصلاة فبيان ذلك هو الأثر الصحيح عن عبدالله بن سلام حيث جاء فيه : عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال : ( قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس : إنا لنجد في كتاب الله (يعني التوراة) في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئا إلا قضى الله له حاجته؟
قال عبد الله : فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة.
قلت : صدقت يا رسول الله، أو بعض ساعة.
قلت : أي ساعة هي؟ قال : هي آخر ساعة من ساعات النهار،
قلت : إنها ليست ساعة صلاة،
قال : بلى! إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة، فهو في صلاة . صحيح سنن ابن ماجه
إذن فمن يجلس ينتظر الصلاة فهو فى صلاة وهو معنى قوله : (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) لذا فليستغل العبد ذلك بالدعاء والتضرع إلى الله .
وذلك بأن الإنسان إذا كان في انتظار صلاة المغرب فهو في صلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : للرجل يتوضأ من بيته يسبغ الوضوء ثم يخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة : « لم يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ». فإذا أتى المسجد وصلى وجلس ينتظر الصلاة فإنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة. وعلى هذا فإذا ارتقب الإنسان غروب الشمس وهو جلس ينتظر صلاة المغرب ودعا فإنه يرجى أن يستجاب له وليدعُ الله تعالى بما شاء وبما أحب من أمور الدين وأمور الدنيا .
الخلاصة
إذن أحراها وأرجاها ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة ولكن أكثر السلف على أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس .
قال ابن القيم رحمه الله :
كان سعيد بن جبير، إذا صلى العصر لم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس، وهذا هو قول أكثر السلف وعليه أكثر الأحاديث. ويليه القول : بأنها ساعة الصلاة، وبقية الأقوال لا دليل عليها . ((زاد المعاد)) (1/394).
قال ابن حجر رحمه الله :
(حكى الترمذي عن أحمد أنه قال : أكثر الأحاديث على ذلك. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب .
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي وحكى العلائي: أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي . ((فتح الباري)) (2/421- 422)
ومن أحوال سلفنا الصالح فى عصر يوم الجمعة
✹ كانت فاطمة رضى الله عنها : إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال له زيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب.(فتح البارى / كتاب الجمعة)
✹ ـ كان طاووس بن كيسان : إذا صلى العصر يوم الجمعة استقبل القبلة ولم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس . [تاريخ واسط].
✹ ـ كان المفضل بن فضالة : إذا صلى عصر يوم الجمعة خلا في ناحية المسجد وحده فلا يزال يدعو حتى تغرب الشمس . [أخبار القضاة].
✹ ـ وكان سعيد بن جبير: إذا صلى العصر لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس يعني كان منشغل بالدعاء . [زاد المعاد - (382/1))].
✹ ـ أصاب العمى الصلت بن بسطام : فجلس إخوانه يدعون له عصر الجمعة وقبل الغروب عطس عطسة، فرجع بصره . [تاريخ دمشق].
✹ ـ وقال ابن القيم رحمه الله : « وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر يُعَظِّمُها جميع أهل الملل ». [زاد المعاد - (384/1)].
لذلك ينبغى عليك أخى المسلم كثرة دعاء الله عز وجل بما تحب من أمور الدين وأمور الدنيا لأنه يحصل لك واحد من أمور ثلاثة : إما أن يستجيب الله لك دعاءك، وإما أن يدخره لك عنده إلى يوم القيامة، وإما إن يصرف عنك من السوء ما هو أنفع لك .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق