لم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح أو حسن وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة وإلتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآراء والأفكار بل يتعدى ذلك إلى سفك الدماء .
قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم :
(يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان). متفق عليه.
وهذا من أعظم ما ذم به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج وسبب قتلهم لأهل الإسلام تكفيرهم لهم؛ قال القرطبي في المفهم : " وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين استباحوا دماءهم ".
فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
- في الخوارج : وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه. في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره .
أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة .انتهى من (المنهــاج (5/248))
وأخرج ابن ابي شيبة عن عاصم بن شمخ قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول -ويداه هكذا يعني ترتعشان من الكِبَر- : " لقتال الخوارج أحب الي من قتال عدتهم من أهل الشرك ".
قال ابن حجر رحمه الله :
قالـ ابن هبيرة : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الاسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى . انتهى من (فتــح البــارى(301/12))
ماذا سيحصل لو أصبح للخوارج قوة ؟
قال ابن كثير مؤيداً قتال علي رضي الله عنه للخوارج :
وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام أيضاً، إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة و لا رجلاً ولا امرأة لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلاّ القتل جملة ..انتهى من (البـدايــة?10/584-(585))
من الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا
كذبهم واتباعهم أي وسيلة لنصرة مذهبهم وجماعتهم فعندهم الغاية تبرر الوسيلة ومن أفعالهم الدالة على ذلك ما حصل في فتنة عثمان رضي الله عنه .
قال ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 218) :
قالت عائشة حين قتل عثمان : تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه. وفي رواية : ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش؟ فقال لها مسروق : هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه، فقالت : لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا . قال الأعمش : فكانوا يرون أنه كتب على لسانها . وهذا إسناد صحيح إليها.
وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان، كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة.اه
وأما أهل السنة والجماعة
فلا يرفعون شعار " الغاية تبرر الوسيلة" فالصدق شعارهم والأمانة في التعامل أساس ينطلقون منه في تعاملاتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ". رواه أبوداود.
أيضاً من صفاتهم المشتركة
رفعهم لشعارات شرعية مستقاة من الكتاب والسنة للتمويه على الناس واستدراجهم : فالخوارج زمن علي بن أبي طالب رفعوا شعار: لا حكم إلا لله، فروى مسلم في صحيحه : عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالُوا : لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، قَالَ عَلِيٌّ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ،«يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا، مِنْهُمْ، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ ..". اه
فمن شعاراتهم في زماننا مصطلح ( الحاكمية) ،
فجعلوه قسما من أقسام التوحيد الثلاثة وسموه توحيد الحاكمية، وقرره المودودي في كتبه، ونصره سيد قطب في مؤلفاته، حتى جعلها أخص خصائص الألوهية، وجعل الخارج عنها مشركا شركا أكبر. وإذا أتينا إلى واقعهم عرفنا كذبهم في دعاواهم فتمكنوا برهة من الزمن في بعض البلدان، ووصل بعضهم إلى كرسي الحكم فهل طبقوا الشريعة والحاكمية !؟
فالقوم من أبعد الناس عن شرع الله ومن أكثرهم مخالفة له فيسفكون الدم الحرام باسم الشرع وينتهكون الأعراض باسم الشرع ويخفرون الذمم باسم الشرع، والشرع برئ من ذلك .
وقد حذر السلف رحمهم الله من طريقة الخوارج في رفع الشعارات التي يضللون بها الناس ومن الاغترار بها .
قال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة 1/49 :
لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم ، نعم ، ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ويموهون على المسلمين ، وقد حذرنا الله تعالى منهم وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان .اه
لقد أدرك الجميع أن خطر هؤلاء في انتشار عجيب وتحرك مستمر مريب وأن لديهم القدرة على تغيير الرؤى وتحويل المفاهيم خاصة عند صغار السن من خلال شبكات الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أقول هذا الأمر لا للترويع أو الاستسلام بل للبدء في العمل والتحرك لمقاومة هذا الفكر الضال وفضح كل من يتبناه أو يدعو إليه والجميع مسؤول أمام الله تعالى عن ذلك ابتداء من الأسرة ثم المسجد والمدرسة ثم مؤسسات المجتمع المختلفة .
وهنا بعضاً من الإجراءات التي يجب علينا البدء في اتخاذها لمقاومة كل خارجي قد يكون بيننا بفكره الأخرق وانتماءه المشبوه ومن أهمها :
• أن نستشعر جميعاً خطر فكر الخوارج ومآلاته التي تفتك بالأمة جمعاء وأن لا نهوّن من ذلك الخطر بل علينا أن نوليه اهتماماً خاصاً من ناحية التعريف به وتحذير الناس منه وكشف مخططات من يروج له ويشوق لمبادئه .
• ومنها أيضاً الالتفاف حول ولاة الأمر والعلماء وبناء الصف الداخلي على أسس رصينة وقواعد متينة والبعد عن التشتت والفرقة والتنازع والتشرذم لأن ذلك كله طريق للفشل والضعف : ( يد الله مع الجماعة) .
• وعلى الآباء والأمهات تفعيل المراقبة الجادة على أبناءهم وبناتهم خاصة أثناء جلوسهم على مواقع الانترنت وأجهزة الألعاب الالكترونية والجوالات وغيرها والتي اعتبرت أنها المغذي الأول والناقل الرئيس لفكر الخوارج لعقول أبناءنا وبناتنا .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق