✅ من أبرز الأسئلة العقدية التي يكثر البحث عنها : ما مصير أطفال المشركين الذين ماتوا قبل سن البلوغ؟ هل يدخلون الجنة أم النار؟
▣▣ القول الراجح في مصير أطفال المشركين:
● ذهب كثير من أهل العلم إلى أن أطفال المشركين والكفار الذين ماتوا صغارًا قبل سن التكليف، أنهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله، لأنهم:
◄ لم يرتكبوا ما يُؤاخذون عليه، ولم يعملوا ما يستوجب العقاب، فإن مقتضى عدل الله سبحانه أن يكونوا من أهل الجنة.
◄ فهؤلاء لم تقم عليهم الحجة، وعقاب الآخرة إنما هو خاص بالظالمين، ولا يُلحق به من لم يقترف ذنبًا أصلًا، فكيف بمن لم يعصِ الله لحظة واحدة أن يُجازى بالنار خلودًا سرمديًا لا نهاية له؟.
✅ وهذا هو اختيار كبار الأئمة مثل : ابن حزم وابن القيم وابن حجر والبخاري والمباركفوري والألباني.
▣▣ حكم أطفال المشركين في الدنيا؟
✔ إذا ماتوا صغارًا فهم تبع لآبائهم في أحكام الدنيا : فلا يُغسَّلون ولا يُصلَّى عليهم ولا يُدفنون في مقابر المسلمين.
✔ أما في الآخرة : هم من أهل الجنة برحمة الله.
▣▣ أدلة دخول أطفال المشركين الجنة:
1- عموم عدل الله تعالى: قال تعالى : ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾. [الإسراء: 15].
✅ فهؤلاء لم تقمْ عليهم حجة، فعذاب الآخرة لا يكون إلا للظالمين خاصة، ولا يتبعهم فيه مَن لا ذنب لهم أصلاً. ينظر: (كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين).
2- حديث رؤيا النبي ﷺ: فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه في رؤيا النبي ﷺ، وفيه : أنه رأى إبراهيم عليه السلام وحوله ذراري المشركين مع ذراري المؤمنين، ولفظه :
(( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ﷺ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة )) فقال بعض المسلمين : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟فقال رسول الله ﷺ : (( وأولاد المشركين )). أخرجه البخاري (7047).
★ علق الإمام ابن حزم رحمه الله- على هذا الحديث قائلا : فارتفع الإشكال وصح بالثابت من السنن وصحيحها أن جميع من لم يبلغ من أطفال المسلمين والمشركين ففي الجنة،
ولا يحل لأحد تعدي ما صح بالقرآن والسنة. ينظر: [الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 168)].
◄ فهذا الحديث من الأدلة القاطعة في دخول أولاد المسلمين وأولاد المشركين الجنة على السواء، ولا يحتج هنا بأن الحديث عبارة عن رؤيا، لأن رؤيا الأنبياء حق.
★ قال العلامة ابن الوزير اليماني رحمه الله : وسؤالهم هذا - أي عن أولاد المشركين وجوابه عليهم كان في اليقظة ، ولو لم يكن في اليقظة، لكانت الرؤيا وحدها حجة صحيحة، لما في سياقها من الأدلة،
لأنها رؤيا حق، ولأن رؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم حق، وخصوصا نبينا - ﷺ لأنه قد صح عنه - ﷺ - أنه قال : « تنام عيناي ولا ينام قلبي ».[صحيح]. ينظر: [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني (3/ 168)].
3- حديث الفطرة: جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :
« ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟،
ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : " فطرة الله التي فطر الناس عليها ". (الروم: ٣٠) ».
● وفي رواية عند مسلم :« ما من مولود يولد إلا على هذه الملة، حتى يُبينَ عنه لسانه ». وفي رِوايةِ عند مسلم : "ليس مِن مَولودٍ يُولَدُ إلَّا على الفِطرةِ، حتى يُعبِّرَ عنه لِسانُه".
◄ دل الحديث على : أن كل مولود يموت قبل بلوغه فهو على فطرة الله التي هي الحق والتوحيد الخالص والإسلام ،
ولا يحاسب عن فعله واعتقاده حتى يبلغ ويعقل، ويجادل عن حجته، ولا يضره في ذلك أنه ولد لأبوين مسلمين أو كافرين. ينظر: (عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، شمس الحق العظيم آبادي(12/ 318).
4 - حديث المولود في الجنة: قال النبي ﷺ : (( النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة )). ((صحيح سنن أبي داود)) (2521).
★ قال الطيبي رحمه الله : الظاهر أنه أراد بالمولود جنس من هو قريب العهد من الولادة ، سواء كان من أولاد الكفار وغيرهم. ينظر: (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح).
▣▣ أقوال العلماء في أطفال المشركين:
★ قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
... ذهب جمهور الناس : إلى أنهم في الجنة، وبه نقول. ينظر: [الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 127)].
★ وقال الإمام النووي رحمه الله :
... وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب :
قال الأكثرون : هم في النار تبعا لآبائهم، وتوقفت طائفة فيهم،
والثالث - وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون : أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء، منها :
حديث إبراهيم الخليل - ﷺ - حين رآه النبي - ﷺ - في الجنة، وحوله أولاد الناس، قالوا : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال : وأولاد المشركين. رواه البخاري في صحيحه.
ومنها قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ". (الإسراء). ينظر: [شرح صحيح مسلم (9/ 3776)].
★ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"باب ما قيل في أولاد المشركين" هذه الترجمة تشعر أيضًا بأنه كان متوقفًا في ذلك - أي : الإمام البخاري -وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم،
مما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره،
وقد رتب أيضًا أحاديث هذا الباب ترتيبًا يشير إلى المذهب المختار فإنه صدَّره بالحديث الدال على التوقف ثم ثنَّي بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ثم ثلَّث بالحديث المصرح بذلك،
فإن قوله في سياق «وأما الصبيان حوله فأولاد الناس» قد أخرجه في التعبير بلفظ:
«وأما الولدان الذين حوله فكلُّ مولود يولد على الفطرة» فقال بعض المسلمين وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين... ينظر: ("الفتح"(3/246)).
★ وقال الشيخ محمد الأثيوبي رحمه الله :
أرجح الأقوال عندي هو قول من قال : إنهم في الجنة كما هو ظاهر مذهب البخاري، وذكر النووي أنه المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون للآية المذكورة،
فإن قال قائل : إنها في عذاب الدنيا. قلنا : اللفظ عام فلا ينفي دخول عذاب الآخرة،
ومن الحجج لهذا القول أيضا قوله تعالى : ( تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ). الآية.
فهذا دليل على أن كل فوج يلقى في النار لابد وأن يكونوا قد جاءهم النذير وكذّبوه وهذا ممتنع في حق الأطفال،
ولقوله تعالى لإبليس : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) لأنه إذا امتلأت جهنم منه ومن أتباعه لم يبق فيها موضع لغيرهم ،
وبالجملة فالله تعالى لايعذب أحدا إلا بذنبه فالنار دار عدله لا يدخلها أحدا إلا بعمل ، وأما الجنة فدار فضله يدخلها بغير عمل، ولهذا ينشئ الله تعالى للفضل الذي يبقى فيها أقواما يسكنهم فضلها،
ومن الحجج أيضا : حديث سمرة رضي الله عنه المتقدم في قصة رؤيا النبي ﷺ إبراهيم عليه السلام وحوله الولدان،
وحديث الفطرة : لأنه ولد على الإسلام ثم مات قبل أن يتغير عن فطلرته فإنه من أهل الجنة وليس عليه من أوزار أبويه شيء، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. ينظر: "ذخيرة العقبى"(19/196).
▣▣ الأسئلة الشائعة حول مصير أطفال المشركين والكفار يوم القيامة:
❓ هل أطفال المشركين في الجنة أم النار؟
الراجح عند جمهور العلماء أن أطفال المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ في الجنة برحمة الله وفضله، لأنهم لم يرتكبوا ذنبًا.
❓ ما الدليل على أن أطفال الكفار في الجنة؟
من أبرز الأدلة حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي ﷺ رأى إبراهيم عليه السلام وحوله ذراري المؤمنين وذراري المشركين في الجنة.
❓ ما معنى قول النبي ﷺ: «الله أعلم بما كانوا عاملين»؟
المقصود أن الله يعلم ما سيكون حالهم لو عاشوا وبلغوا، لكنه لا يحاسبهم على ما لم يفعلوا.
▣▣ الخلاصة :
● أطفال المشركين والكفار الذين ماتوا قبل البلوغ هم في الجنة إن شاء الله، وهذا هو القول الراجح عند جمهور أهل العلم، استنادًا إلى الأحاديث الصحيحة والآيات الكريمة.
● وهذا هو القول الموافق لعدل الله ورحمته، إذ لا يعذّب سبحانه من لا ذنب له.
والله اعلم
اقرأ أيضا:
تعليقات
إرسال تعليق