القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

حكم أطفال المشركين الذين ماتوا في الصغر؟


الراجح إن شاء الله قول مَن قال أن أطفال المشركين الذين ماتوا في الصغر قبل بلوغ سن التكليف بأنهم في الجنة فضلاً من الله ورحمة ،

لأنهم لم يفعلوا ما يؤاخذون به ولم يفعلوا ما يعذبون به فاللائق بعدل الله سبحانه وتعالى أنهم من أصحاب الجنة.

فهؤلاء لم تقمْ عليهم حجة فعذاب الآخرة لا يكون إلا للظالمين خاصة ولا يتبعهم فيه مَن لا ذنب لهم أصلاً ، فمَن لم يعصِ الله طرفة عين كيف يجازَى بالنار خالدًا مخلدًا أبد الآبدين.

وهذا اختيار ابن حزم ، وابن القيم، وابن حجر، وحكاه عن البخاري، واختاره المباركفوري ، والألباني.

وأما حكمهم في الدنيا إذا ماتوا فى الصغر فهم تبعٌ لآبائهم فلا يُغسَّلون ولا يُكفَّنون ولا يُصلَّى عليهم ولا يُدفنون في مقابر المسلمين.

ودليل ذلك :

1- عن سمرة بن جندب رضي الله عنه في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه : أنه رأى إبراهيم عليه السلام وحوله ذراري المشركين مع ذراري المؤمنين، ولفظه :

(( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ))، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وأولاد المشركين )). أخرجه البخاري (7047).

علق الإمام ابن حزم رحمه الله على هذا الحديث قائلا : " فارتفع الإشكال وصح بالثابت من السنن وصحيحها أن جميع من لم يبلغ من أطفال المسلمين والمشركين ففي الجنة، ولا يحل لأحد تعدي ما صح بالقرآن والسنة ". انتهى من [الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 168).]. 

فهذا الحديث من الأدلة القاطعة في دخول أولاد المسلمين وأولاد المشركين الجنة على السواء، ولا يحتج هنا بأن الحديث عبارة عن رؤيا، لأن رؤيا الأنبياء حق.

قال العلامة ابن الوزير اليماني رحمه الله : وسؤالهم هذا - أي عن أولاد المشركين - وجوابه عليهم كان في اليقظة ، ولو لم يكن في اليقظة، لكانت الرؤيا وحدها حجة صحيحة، لما في سياقها من الأدلة،

لأنها رؤيا حق، ولأن رؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم حق، وخصوصا نبينا - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « تنام عيناي ولا ينام قلبي ».[صحيح] . انتهى من [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (3/ 168).].

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى، ثم ينشئ الله تعالى لها خلقا مما يشاء )) . أخرجه مسلم (2848).

فهذا الحديث يبين سعة فضل الله وكرمه، وأنه ينشئ في الآخرة خلقا جديدا من الناس ليدخلهم جنته،

فمن باب أولى أنه يدخل جنته من أنشأهم من الأطفال في الدنيا ممن ماتوا صغارا برحمته وفضله . 

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟، 

ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : " فطرة الله التي فطر الناس عليها ". (الروم: ٣٠) ». وفي رواية :« ما من مولود يولد إلا على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه ». صحيح مسلم.

دل الحديث على : أن كل مولود يموت قبل بلوغه فهو على فطرة الله التي هي الحق والتوحيد الخالص ، ولا يحاسب عن فعله واعتقاده حتى يبلغ ويعقل، ويجادل عن حجته ، 

ولذلك جاء في هذه الأحاديث ما يؤكد ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه »، ولا يضره في ذلك أنه ولد لأبوين مسلمين أو كافرين.

فهو بهذه الصبغة الخالصة مؤمن خالص يستحق الجنة، ولا ذنب له حتى يعذب في النار.

وقد استدل الإمام ابن القيم بهذه الأحاديث على أن الفطرة هي الإسلام. ينظر: (عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 318).

4 - قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة )). ((صحيح سنن أبي داود)) (2521).

دل الحديث على : أن المولود سواء من أب كافر أو مسلم ، فهو في الجنة.

إليك كلام أهل العلم

قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

اختلف الناس في حكم من مات من أطفال المسلمين والمشركين ذكورهم وإناثهم،

فقالت الأزارقة من الخوارج : أما أطفال المشركين ففي النار.

وذهبت طائفة : إلى أنهم يوقد لهم يوم القيامة نار ويؤمرون باقتحامها، فمن دخلها منهم دخل الجنة، ومن لم يدخلها منهم أدخل النار.

وذهب آخرون : إلى الوقوف فيهم،

وذهب جمهور الناس : إلى أنهم في الجنة، وبه نقول ". انتهى من [الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 127).].

وقال العلامة النووي رحمه الله :

... وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب :

قال الأكثرون : هم في النار تبعا لآبائهم، وتوقفت طائفة فيهم،

والثالث - وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون : أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء، منها :

حديث إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - حين رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، وحوله أولاد الناس، قالوا : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال : وأولاد المشركين . رواه البخاري في صحيحه.

ومنها قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ". (الإسراء). انتهى من [شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3776).].

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

عند حديث : « سألت ربي اللاهين، فأعطانيهم. قلت : وما اللاهون؟ قال : ذراري البشر ».

والمراد بـ ( اللاهين ) الأطفال كما في حديث لابن عباس عند الطبراني (١١٩٠٦) بسند حسن.

فالحديث من الأدلة على أن أطفال الكفار في الجنة، وهذا هو الراجح كما ذكرنا في " ظلال الجنة " (١/ ٩٥) فراجعه . انتهى من "الصحيحة" (٤/ ٥٠٢، ٥٠٤).

وقال الشيخ محمد الأثيوبي رحمه الله :

أرجح الأقوال عندي هو قول من قال : إنهم في الجنة كما هو ظاهر مذهب البخاري ،

وذكر النووي أنه المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون للآية المذكورة ،

فإن قال قائل : إنها في عذاب الدنيا. قلنا : اللفظ عام فلا ينفي دخول عذاب الآخرة ومن الحجج لهذا القول أيضا قوله تعالى : ( تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ). الآية .

فهذا دليل على أن كل فوج يلقى في النار لابد وأن يكونوا قد جاءهم النذير وكذّبوه وهذا ممتنع في حق الأطفال ، ولقوله تعالى لإبليس : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) لأنه إذا امتلأت جهنم منه ومن أتباعه لم يبق فيها موضع لغيرهم ،

وبالجملة فالله تعالى لايعذب أحدا إلا بذنبه فالنار دار عدله لا يدخلها أحدا إلا بعمل ، وأما الجنة فدار فضله يدخلها بغير عمل ولهذا ينشئ الله تعالى للفضل الذي يبقى فيها أقواما يسكنهم فضلها ،

ومن الحجج أيضا : حديث سمرة رضي الله عنه المتقدم في قصة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام وحوله الولدان،

وحديث الفطرة : لأنه ولد على الإسلام ثم مات قبل أن يتغير عن فطلرته فإنه من أهل الجنة وليس عليه من أوزار أبويه شيء، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب . انتهى من "ذخيرة العقبى"(19/196).

أما من زعم بأن هناك أحاديث تعارض ما رجحناه، ومنها:

** حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : « توفي صبي، فقلت طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا، ولهذه أهلا ». [مسلم].

** عن أبي هريرة رضي الله عنه - أنه قال : « سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين . فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ». رواه البخاري.

الرد على ذلك :

قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
 
وهذان الخبران لا حجة لهم في شيء منهما، إلا أنهما إنما قالهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه أنهم في الجنة،

وقد قال تعالى آمرا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ). (الأحقاف: ٩) قبل أن يخبره الله - عز وجل - بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر... كما أمره الله - عز وجل - أن يقول : ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ). (الأنعام: ٥٠)،

فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء، فإذا جاء البيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص،

وقد صح الإجماع على أن ما يعمله الأطفال قبل بلوغهم من قتل، أو وطأ أجنبية، أو شرب خمر، أو قذف، أو تعطيل صلاة، أو صوم فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا،

وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله - عز وجل - أحدا بما لم يفعله، بل قد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن : «... من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب ». [صحيح مسلم ] .

فمن المحال المنفي أن يكون الله - عز وجل - يؤاخذ الأطفال بما لم يعملوا مما لو عاشوا بعده لعملوه، وهو لا يؤاخذهم بما عملوا،

ولا يختلف اثنان في أن إنسانا بالغا مات ولو عاش لزنا أنه لا يؤاخذ بالزنا الذي لم يعمله،

وقد أكذب الله - عز وجل - من ظن هذا بقوله الصادق : ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ). (غافر: ١٧)، وبقوله تعالى : (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ). (النمل)،

فصح أنه لا يجزى أحد بما لم يعمل ولا مما لم يسن ، فصح أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الله أعلم بما كانوا عاملين » ليس فيه أنهم كفار، ولا أنهم في النار، ولا أنهم مؤاخذون بما لو عاشوا لكانوا عاملين به مما لم يعملوه بعد . انتهى من [الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 133،132).].

وقال العلامة النووي رحمه الله :

والجواب عن حديث : « الله أعلم بما كانوا عاملين » : أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار،

وحقيقة لفظه : والله أعلم بما كانوا يعملون لو بلغوا ولم يبلغوا؛ إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ . انتهى من [شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3777).].

** وأما الإستدلال بحديث : ( طبع الغلام الذي قتله الخضر كافرا )، والذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا، ولو عاش لأرهق والديه طغيانا وكفرا ». رواه مسلم.

الرد على ذلك :

معنى قوله : « وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا ». فهو ليس كافرا في تلك اللحظة، ولو كبر لكان كافرا، أما وهو صغير فهو على الفطرة لم يبلغ الحنث كما قال موسى - عليه السلام،

 قال الإمام النووي - معلقا على هذا الحديث :

وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعا ؛ لأن أبويه كانا مؤمنين، فيكون هو مسلما،

فيتأول على أن معناه : أن الله أعلم أنه لو بلغ لكان كافرا، لا أنه كافر في الحال: ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار . انتهى من [ شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3777).].

فهذا هو الفهم الصحيح لنصوص السنة النبوية وحقائق الشرع الحكيم فلا يمكن بحال أن تتعارض نصوصه أو تتناقض أقواله . 


والله اعلم


اقرأ أيضا..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى. اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات