** الجمع إن شاء الله بين نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وأفعاله الدالة على الماضي فى بعض الآيات ك (قد سمع- وابتلى- وغدوت- ذهبنا نستبق - وأنبتها- فجمع كيده )،وأشباه هذا،
أن هذا من جملة مقادير الخلائق التي كتبها الله عنده قبل أن تخلق السماوات بخمسين ألف سنة، يقول الله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.{القمر:49}.
* وعلماء اللغة يفرقون بين الإنزال والتنزيل ،
فكلمة أنزل في قوله : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }. يقتضي الإنزال مرة واحدة، أي: أنزلناه إلى السماء الدنيا مرة واحدة،
وأما التنزيل في قوله : ( ونزلناه تنزيلاً ). أي : لما نزل نزل مفرقاً ومنجما،
فدل هذا على أنه نزل مرة إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل مرة أخرى بحسب الحوادث مفرقاً على النبي ﷺ. ينظر: (المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني ٤٨٨، (٤٨٩)).
** وهذه الأفعال الدالة على الماضي قد سطرت في اللوح المحفوظ ولما حان أجلها نزلت كغيرها من الآيات،
فكان الله عند إنزاله يتكلَّم بالقرآنِ حقيقةً فيسمعه جبريل من الله،
ثم ينزل به جبريل فيلقيه على النبي ﷺ الذي يسمعه بأذنه منه، قال تعالى : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. {الشعراء:192- 195}.
* مثال على ذلك: الله عز وجل يقول : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما )،
فكلمة (سمع) وان كانت تدل على الماضي إلا أن هذا السمع هو سمعٌ فعلي أي قارن كلام المرأة فى وقته،
وقد جاء السمع أيضا فى نفس الآية بصيغة المضارع " يسمع ". فهذا فعل مضارع دلالته على الحال يعني يسمع تحاوركما الآن،
أي : إن تحاورهما لم يكن في الأزل؛ مما يدل على التجدد, فسمع قولها بعد تكلمها.
ولا يصح أن يقال أن سماع الله للمجادلة كان فى القِدم الماضي قبل مجيء الكلام وقبل حصول المجادلة بين المرأة وبين رسول الله ﷺ،
كيف سمع في القدم قبل حدوث الكلام ؟ هذا لا يصح أن يقال : ﴿قَدْ سَمِعَ﴾.
- وقد دلت الآية على أن أفعاله سبحانه، قديمة النوع حادثة الآحاد - فالسمع صفة ذاتية من جهة النوع، فعلية من جهة الآحاد.
ولا يلزم من تجددها باعتبار الآحاد أن ينتفي عنه السمع في وقت من الأوقات, لكن لما تجدد الكلام المسموع مثلًا تجدد السمع, فلما تكلمت المجادلة سمع الله قولها حين تكلمت لا في الأزل.
- جاء في جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 15):
وَكَذَلِكَ " السّمع " و " الْبَصَر " " وَالنَّظَر " .
... وكذلك قوله { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } ولام " كي " تقتضي أن ما بعدها متأخر عن المعلول فنظره كيف يعملون هو بعد جعلهم خلائف.
وكذلك { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل وتشتكي إلى الله .
وقال النبي ﷺ " { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم } " فجعل سمعه لنا جزاء وجوابا للحمد،
فيكون ذلك بعد الحمد والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته.انتهى.
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
... أن الله قد علم ذلك، وكتبه في اللوح المحفوظ، كما أنه قد علم المقادير، وكتبها في اللوح المحفوظ، وعند تقديرها يتكلم الله عز وجل بقوله : كن فيكون ـ
هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو مما تطمئن إليه النفس،
وكنت قبلًا أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن، لا القرآن؛ بناءً على أنه يعرج بلفظ المضي قبل الوقوع،
وأن هذا كقوله تعالى عن القرآن: وإنه لفي زبر الأولين ـ والذي في زبر الأولين ليس القرآن، الذي في زبر الأولين ذكر القرآن، والتنويه عنه،
ولكن بعد أن اطلعت على قول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- انشرح صدري إلى أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، ولا مانع من ذلك،
ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمدٍ ﷺ يتكلم به، ويلقيه إلى جبريل، هذا قول السلف، وأهل السنة في القرآن. ينظر: ( الشرح الثاني على الأربعين النووية في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط عند شرح الحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجةٌ لك أو عليك) ).
اقرأ أيضا : نزل القرآن الكريم على مرحلتين تعرف عليهما
* تنبيه: الجزء الأعلى من المنشور مستفاد من مناقشة الشيخ الألباني رحمه الله مع طلابه فى هذه المسألة. ينظر: (فتاوى عبر الهاتف والسيارة - شريط : (58)).
- وأما باقي المنشور، فينظر : (التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية- للشيخ الفوزان) و (شرح العقيدة الواسطية - للشيخ لصالح آل الشيخ).
والله أعلم
تعليقات
إرسال تعليق