نزول القرآن الكريم هو حدث عظيم في تاريخ الإسلام، وقد نزل على مرحلتين رئيسيتين.
▣ في هذا المنشور، سنستعرض المرحلتين اللتين نزل فيهما القرآن، مع توضيح الأدلة الشرعية وآراء العلماء.
▣▣ المرحلتان الرئيسيتان لنزول القرآن الكريم :
1- المرحلة الأولى : نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا.
▣ وصف المرحلة : نزل القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة (حيالَ الكَعبةِ) فى السماء الدنيا في ليلة القدر المباركة من شهر رمضان.
◄ هذه المرحلة تمثل النزول الأولي للقرآن، حيث تم حفظه في السماء الدنيا استعدادًا لنزوله التدريجي على النبي ﷺ.
◄ وقيل : إنما أنزله إلى السماء الدنيا لشرف الملائكة بذلك، ولأنها كالمشترك بيننا وبين الملائكة، فهي لهم سكن، ولنا سقف وزينة. ينظر: (" البرهان في علوم القرآن " ( 1 / 230 )).
2- المرحلة الثانية : نزل القرآن مُنجّمًا (مُفرّقًا) على رسول الله ﷺ على مدى ثلاث وعشرين سنة، وفق الوقائع والأحداث، من بعثته ﷺ حتى وفاته.
▣ كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن على النبي ﷺ بحسب ما يأمر الله تعالى، وكان الله يتكلم به حقيقة عند إنزاله،
كما قال ابن عباس: "فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئًا أوحاه".
- قال الزركشي في البرهان : "هذا القول هو الأشهر والأصح، وإليه ذهب الأكثرون". وأكّد ابن حجر ذلك بقوله: "هذا هو الصحيح المعتمد". ينظر: (فتح الباري).
▣▣ كيف كان القرآن ينزل في المرحلة الثانية؟
◄ من المهم التأكيد أن القرآن في المرحلة الثانية لم ينزل على النبي ﷺ من السماء الدنيا ولا من اللوح المحفوظ،
بل كان الله يتكلم به حقيقة عند كل وحي، فيسمعه جبريل من الله، ثم ينزل به إلى النبي ﷺ الذي يسمعه بأذنه منه،
- قال الله تعالى : وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ. [الشعراء: 192-195].
◄ وهذا يوضح أن جبريل نزل بالقرآن من الله مباشرة، لا من اللوح المحفوظ ولا من السماء الدنيا.
▣▣ الأدلة على نزول القرآن على مرحلتين :
1- نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا :
▣ قال الله تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. [القدر: 1].
◄ يفرّق علماء اللغة بين الإنزال والتنزيل : فالإنزال يشير إلى نزول القرآن جملة واحدة فهو أعم ، بينما التنزيل يدل على نزوله متفرقًا.
** قال الراغب الأصفهاني : "اختُص لفظ الإنزال دون التنزيل؛ لأن القرآن نزل دفعةً واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجماً فنجماً ". ينظر: (المفردات في غريب القرآن، 488-489).
2- نزوله مفرقًا على النبي ﷺ :
▣ قال الله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا. [الفرقان: 32].
** قال الشيخ السعدي رحمه الله : " لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينةً وثباتاً ، وخصوصاً عند ورود أسباب القلق ؛
فإن نزول القرآن عند حدوث السبب ، يكون له موقع عظيم ، وتثبيت كثير ، أبلغ مما لو كان نازلاً قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه.. ينظر: (تفسير السعدي، 582).
3- حديث ابن عباس رضي الله عنه :
▣ عن ابن عباس في قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال : أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بموقع النجوم،
فكان الله ينزله على رسوله ﷺ بعضه في إثر بعض، قال عز وجل : { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا }. ينظر: (تخريج زاد المعاد- للأرناؤوط - رقم : 1/77 -إسناده صحيح).
▣ وفي رواية أخرى صحيحة : وضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي ﷺ. (فتح الباري لابن حجر-رقم : (8/619)).
◄ فهذا الأثر الصحيح الموقوف عن ابن عباس له حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأي.
▣▣ أقوال العلماء في نزول القرآن :
** قال العلامة القرطبي رحمه الله :
ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر ـ على ما بيناه ـ جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا،
ثم كان جبريل ﷺ ينزل به نجماً نجماً في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في عشرين سنة.. ينظر: (تفسير القرطبي).
◄ وذكر السيوطي رحمه الله : أن القرطبي حكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. ينظر: (الاتقان- للسيوطي).
** وقال ابن تيمية رحمه الله :
فإن كونه مكتوبا فى اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافى أن يكون جبريل نزل به من الله ، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك،
وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة فى ليلة القدر، فقد كتبه كله قبل أن ينزله.. ينظر: (مجموع الفتاوى (12/ 126 و 127، 15/ 223)).
** قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب " موسوعة الألباني في العقيدة":
" ...ذاك هو حديث ابن عباس الموقوف أيضاً عليه والذي قال : « نزل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل أنجماً حسب الحوادث »،
فهذا حديث موقوف، ولم نجده مرفوعاً إطلاقاً، جاء بالسند الصحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه،
فقال العلماء : إن هذا الحديث في حكم المرفوع؛ لأنه يتحدث عن أمر غيبي، وهو أنه يقول : نزل كلام الله القرآن الكريم جملة واحدة إلى السماء الدنيا،
وهذا لا يستطيع العقل البشري أن يتحدث به إلا من إنسان لا يبالي ما يخرج من فيه،
أما ابن عباس وهو صحابي جليل ابن صحابي ابن عم الرسول - ﷺ -، فلا يخطر في بال إنسان أن يتحدث رجل بالغيب .
فإذاً:قوله أن القرآن نزل جملة واحدة .. إلى آخر الحديث، فيه من الدقائق ما يبعد أن يكون هذا الحديث قد قاله بالرأي،
فيقول مثلاً بعد أن ذكر نزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ما هو بيت العزة،
وهل يستطيع الإنسان أن يعين مكاناً في السماء ويسميه باسم من عنده، هذا أبعد عن أن يكون قد حصل من رأي الصحابي،
ثم هو يعين مكان بيت العزة هذا في السماء لا يقول لا السابعة، ولا .. ولا .. وإنما يقول السماء الدنيا .
فإذاً: هذا حديث موقوف في حكم المرفوع.
فإذا صح الحديث , صار هذا الأمر الغيبي موضع تسليم , ومن هنا تسقط كل " الشبهات " و" التساؤلات " التي ترد حول هذه المرحلة من نزول القرآن الكريم. انتهى. ينظر: (سلسلة الهدى والنور - شريط : (861)).
▣▣ الخلاصة :
* نزول القرآن الكريم على مرحلتين (جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم مفرقًا على النبي ﷺ) هو حدث عظيم يدل على حكمة الله تعالى في تنزيل القرآن.
* وهذا التنزيل المتدرج يحمل في طياته حكمًا عظيمة، منها تثبيت قلب النبي ﷺ، ومواجهة المشككين، وتيسير فهم الآيات.
▣ هل كنت تعلم بهذه المعلومات من قبل؟ شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تنس مشاركة هذا المنشور لتعم الفائدة!.
اقرأ أيضا :
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق