القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز الذبح (الفدو) بنية دفع البلاء؟


لا يجوز الذبح دفعاً للسوء وجلباً للخير كالخوف من الحسد والبلاء ومن أجل الشفاء من المرض وكالخوف من هلاك المال وهذا هو المشهور عند عامة الناس من كلمة ( الفدو ) فهم يظنون أن في فعلهم هذا دفعاً للسوء في حال حدوث الحوادث أو الأمراض التي تصيبهم أو تصيب بعض أفرادهم. 

فالذبح يكون لله والنسك لله والصلاة لله لأن الذبح عبادة من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل قال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾. [الأنعام: 162- 163].

ولكن عليك أخى المسلم أن تجتهد في الدعاء لما تريده فإن الدعاء من أفضل العبادة ولقد أخبر ربُّنَا سبحانه في القرآن العظيم أنّ التضرّع والدعاء الصادق يرفعُ العذاب ويردّ البلاء فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه.

وها هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صفوة الخلق دعوا الله لرفع الضر عنهم ، قال الله تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ). الأنبياء/38 ، 84 . وقال تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ). الأنبياء/87 ، 88 . وفي الحديث : لا يرد القضاء إلا الدعاء. (صحيح الترمذي).

سئل الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله :

 ما حكم من يقول له أهله : اذبح ذبيحة ووزعها على المساكين دفعا لبلاء ما ، فهل تجوز تلك النية ؟ 

الجواب :

 هذا فيه تفصيل 

 ذلك أن ذبح الذبائح إذا كان من جهة الصدقة ، ولم يكن لدفع شيء متوقع ، أو لرفع شيء حاصل ، ولكن من جهة الصدقة ، وإطعام الفقراء ، فهذا لا بأس به وهو داخل في عموم الأدلة التي فيها الحض على الإطعام ، وفضيلة إطعام المساكين .

وأما إن كان الذبح ؛ لأن بالبيت مريضا ، فيذبح لأجل أن يرتفع ما بالمريض من أذى ، فهذا لا يجوز بل يحرم ؛ سدا للذريعة ، ذلك لأن كثيرين يذبحون حين يكون بهم مرض ؛ لظنهم أن المرض كان بسبب الجن ، أو كان بسبب مؤذ من المؤذين ، فإذا ذبح الذبيحة وأراق الدم فإنه يندفع شره ، أو يرتفع ما أحدثه ذلك المؤذي . 

ولا شك أن اعتقاد مثل هذا محرم ولا يجوز ، فالذبيحة التي ذبحت لرفع المرض والصدقة بها عن المريض - والحالة هذه - قال العلماء : هي حرام ولا تجوز سدا للذريعة ، وللشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق رسالة خاصة في الذبح للمريض .

وكذلك إذا كان الذبح لدفع أذى متوقع ، كأن يكون في البلد داء معين ، فذبح لدفع هذا الداء ، أو كان في الجهات التي حول البيت شيء يؤذي ، فيذبح ليندفع ذلك المؤذي ، إما لص - مثلا - يتسلط على البيوت ، أو أذى ما يأتي للبيوت ، فيذبح ويتصدق بها لأجل أن يندفع ذلك الأذى ، فهذا أيضا غير جائز ، ومنهي عنه سدا للذريعة ؛ لأن من الناس من يذبح لدفع أذى الجن وهذا شرك بالله - جل وعلا .

إذا قيل : فما معنى ما رواه أبو داود وغيره بإسناد حسنه بعض أهل العلم ، وبعضهم ضعفه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « داووا مرضاكم بالصدقة » هل يدخل فيه إراقة الدم ؟ لأجل ما فيها من الوسيلة إلى الاعتقادات الباطلة . 

ومعلوم أن الشريعة جاءت بسد الذرائع الموصلة إلى الشرك ، وجاءت أيضا بفتح الذرائع الموصلة للخير ، فما كان من ذريعة يوصل إلى الشرك والاعتقاد الباطل فإنه ينهى عنه .انتهى من [كتاب التمهيد لشرح كتاب التوحيد].

سئل الشيخ الألباني رحمه الله :

سؤال يقول : الذبح عندما يعمر الإنسان بيت، الذبح عندما يعمر الإنسان بيتاً، والوليمة، فهل هذا فيه شك أم لا؟

فأجاب :

 إذا كان السائل يعني بقوله : هل فيه شك : أي من حيث حل أكله، فهذا لا بد من وقفة، أما إذا كان يعني : هل فيه شك من حيث شرعيته؟

فالجواب : نعم :

أي ليس من الشرع أن يلتزم المسلم إذا بنى داراً أو اشترى داراً أن يذبح ذبيحة وإنما الشرع يأمر المسلم أمراً عاماً بأن يقوم بواجب شكره لله عز وجل على نعمة طارئة، وإلا الإنسان يعيش دائماً في نعم الله تبارك وتعالى.

 لكن إذا ربنا عز وجل أنعم على إنسان بنعمة ليست معتادة فأراد أن يشكر الله تبارك وتعالى عليها، فبأي شيء جاز أن يقوم بواجب الشكر لله عز وجل؟

في الشرع يوجد شيء لا بد أنكم سمعتم به يسمى : بسجود الشكر، سجود الشكر أي إذا إنسان فوجئ بأمر ما، بنعمة ما رأسا يهوى ساجداً شاكراً لله عز وجل على هذه النعمة التي تفضل بها عليه، 

لكن لو أراد أن يشكر الله عز وجل بما هو أقوم، أو كما يقولون اليوم أقيم من سجده لله يستطيعها كل إنسان، فأراد أن يجود بشيء من ماله، ويجاهد بذلك نفسه التي قال عنها ربنا في القرآن الكريم : { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ }. [النساء: ١٢٨]. فأراد أن يزكيها بأن يخرج عن شيء من ماله فلا مانع من ذلك .

 ولكن لا يلتزمن شكلاً معيناً كما هو الآن موضوع البحث، وهو بنى دار، أو اشترى داراً، لابد من ذبح ذبيحة، لا مو شرط، إن ذبحت ماشي، إن تصدقت ماشي، إن سجدت ماشي، إن صليت لله ركعتين ماشى، وهكذا إنما لا تتخذ طريقاً خاصاً كدلالة لشكرك لله على نعمة الله هذه، هذا الجواب عن الاحتمال الأول.

أما الاحتمال الثاني : هل في شيء من الأكل من هذه الذبيحة؟

الجواب :

 إن كان الذابح لم يقرن مع الذبيحة أمراً شركيًا ينافي الإخلاص في هذه الذبيحة لله، كما سبق بيانه قبل الصلاة : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ }. [الأنعام: ١٦٢]، فإن كان ذبح هذه الذبيحة لله، فلا شك أن الأكل منها حلال لكن نحن نقول : حكمان : 

أنها إذا ذبحت لله كشكر، فهي طبعاً حلال لأنها لم تذبح لغير الله، لكنها ذبحت بطريقة فيها إحداث في الدين إن كان التزمها، أما إن كان من باب الشكر لله على التفصيل الذي سبق بيانه فلا شيء في ذلك .انتهى من (الهدى والنور / ٧٤٣/ ٥١: ٠٠: ٠٠).

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

عن الذبح عند انتصاف البناء أو اكتماله؟

الجواب :

فهذا التصرف فيه تفصيل

فإن كان المقصود من الذبيحة اتقاء الجن أو مقصدًا آخر يقصد به صاحب البيت أن هذا الذبح يحصل به كذا وكذا، كسلامته وسلامة ساكنيه، فهذا لا يجوز، فهو من البدع .

وإن كان للجن فهو شرك أكبر؛ لأنه عبادة لغير الله .

أما إن كان من باب الشكر على ما أنعم به عليه من الوصول إلى السقف أو عند إكمال البيت فيجمع أقاربه وجيرانه ويدعوهم لهذه الوليمة، فهذه لا بأس بها، وهذا يفعله كثير من الناس من باب الشكر لنعم الله، 

حيث منَّ عليهم بتعمير البيت والسكن فيه بدلا من الاستئجار، ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس عند القدوم من السفر يدعو أقاربه وجيرانه شكرًا لله على السلامة، فإن النبي كان إذا قدم من سفر نحر جزورا ودعا الناس لذلك عليه الصلاة والسلام . انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5. /388)

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب : هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة ، كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها ، ويقول : إن هذا يمنع الجن من دخول البيت ، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل ، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور : فهذا لا بأس به .انتهى من " الشرح الممتع " ( 7 / 550 ، 551 ).

ولكن عليك أخى المسلم أن تجتهد في الدعاء لما تريده فإن الدعاء من أفضل العبادة ولقد أخبر ربُّنَا سبحانه في القرآن العظيم أنّ التضرّع والدعاء الصادق يرفعُ العذاب ويردّ البلاء فقال عن الأمم السابقة : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.[الأنعام: 42، 43]؛ فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه . 

قال ابن القيم رحمه الله :

" الله تعالى يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع اليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى : ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. 

والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه، والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ، ويتضرع اليه ". انتهى من ("عدة الصابرين" (ص/36)).

قال الحافظ ابن كثير :

 « وقوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ } يعني الفقر والضيق في العيش { وَالضَّرَّاءِ } وهي الأمراض والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي : يدعون اللهَ ويتضرعون إليه ويخشعون

 قال الله تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي : فهلّا إذ ابتليناهم بذلك تضرّعوا إلينا وتمسكَنُوا لدينا ولكن { قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : ما رقّت ولا خشعت { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : من الشرك والمعاندة والمعاصي { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي : أعرضوا عنه وتناسَوه وجعلوه وراء ظهورهم ». اه [تفسير ابن كثير]

قال القرطبي رحمه الله :

 " وهذا عتاب على ترك الدعاء وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع مَن لم يُخلص ". انتهى

والدعاء يرفع البلاء وينفع مما نزل ومما لم ينزل.

ففي الحديث : لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي

 وفي الحديث : لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة . رواه الحاكم وحسنه الألباني.

وفي مسند أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى. اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات