القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل الإبتلاء إمتحان أم عقوبة وما أنواعه ؟


إذا كان المُبتلى مسلما عاصيا فقد يغلب على الظن العقوبة بهذا الابتلاء لأن تكفير السيئات أسبق من رفع الدرجات والعاصي أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته فعنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220) .

وفي المقابل إذا كان المسلم عابدا طائعا ليس بينه وبين الله إلا العبودية الحقة والشكر والحمد والإنابة والإخبات إليه سبحانه فهذا يغلب على الظن في ابتلائه حصول الأجر ورفع درجاته عند الله فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما يصيب المؤمن من شوكةٍ فما فوقها إلا رفعه الله بها درجةً، أو حط عنه بها خطيئةً )).[روى مسلم].

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

 الله  يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي ﷺ : أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، 

وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. [الشورى:30].

فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعًا في الدرجات وتعظيمًا للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب.

فالحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]وقول النبي ﷺ : ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها، وقوله ﷺ من يرد الله به خيرا يصب منه.

 وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه ﷺ أنه قال : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. خرجه الترمذي وحسنه .اه (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (4/ 371)).

وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :

الله سبحانه حكيم عليم بما يصلح شأن عباده، عليم بهم، لا يخفى عليه شيء، فيبتلي عباده المؤمنين بما يصيبهم من مختلف أنواع المصائب في أنفسهم، وأولادهم، وأحبابهم، وأموالهم؛ ليعلم الله سبحانه -علما ظاهرا - المؤمن الصابر المحتسب من غيره، فيكون ذلك سببا لنيله الثواب العظيم من الله جل شأنه، 

وليعلم غير الصابر من الجزعين الذين لا يؤمنون بقضاء الله وقدره، أو لا يصبرون على المصائب، فيكون ذلك سببا في زيادة غضب الله عليهم، قال تعالى : 

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }. (سورة البقرة الآية ١٥٥) وقال سبحانه وتعالى: { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ } ( سورة البقرة الآية ١٧٧) إلى أن قال : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (سورة البقرة الآية ١٧٧) وقال سبحانه : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } (سورة محمد الآية ٣١) والعلم الظاهر : الموجود بين الناس، وإلا فهو سبحانه يعلم في الأزل الصابر وغيره.

كما أن المصائب -من الأمراض والعاهات والأحزان- سبب في حط خطايا وتكفير ذنوب المؤمن، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنها تحط الخطايا، 

- فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته » أخرجه البخاري ومسلم والترمذي. 

- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال : أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت أذلك بأن لك أجرين؟ قال : أجل ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها » أخرجه البخاري ومسلم.

هذا وقد تكون الأمراض ونحوها عقوبة، ومع ذلك تكون كفارة لمن أصابته إذا صبر واحتسب لعموم ما تقدم من النصوص. ولقوله سبحانه : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } (سورة الشورى الآية ٣٠) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١١١١٢)).

إذن الابتلاء يكون : 

1- لتكفير الخطايا كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ". رواه مسلم. 

2- لرفعة درجات المؤمن الصابر فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر فيُوفَّى أجر الصابرين في الآخرة ، ويكتب عند الله من الفائزين ، وقد رافق البلاء الأنبياء والصالحين فلم يغادرهم ، جعله الله تعالى مكرمة لهم ينالون به الدرجة العالية في الجنة ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ). صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2599)

3- ويقع البلاء لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين قال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ). [العنكبوت:2-3]. فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليُعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين .

4- وتارة يعاقب المؤمن بالبلاءعلى بعض الذنوب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر ". رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وحسنه السيوطي وابن باز.

5- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة ولم تتذوق حلاوتهما ولم تقدِّرهما حق قدرهما فالمصائب تذكرك بالمنعِم والنعم  فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده.

فعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين ولا يجذع فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات