اختلف أهل العلم في مصير من مات ولم يعلم بالإسلام.
والراجح فى ذلك إن شاء الله أن حكمه حكم أهل الفترة الذين لم تبلغهم رسالة الرسل عليهم السلام وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنهم يمتحنون يوم القيامة،
فمن نجح في الإمتحان دخل الجنة ومن عصى دخل النار ؛ لأن الله سبحانه يقول : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. [الإسراء:15] ، .
ويطلق مصطلح أهل الفترة عند كثير من العلماء على كل من لم تبلغهم الدعوة.
وأما في الدنيا فإننا نحكم عليهم بأنهم كفار كما هو ظاهر لنا لأن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر وإنما مصيرهم في الآخرة فإلى الله تعالى.
ودليل ذلك :
1- قال سبحانه وتعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. [الإسراء: 15].
قال العلامة السعدي رحمه الله -في تفسيره لهذه الآية : الله تعالى أعدل العادلين، لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة، ثم يعاند الحجة،
وأما من انقاد للحجة، أو لم تبلغه حجة الله تعالى؛ فإن الله تعالى لا يعذبه، استدل بهذه الآية على أن أهل الفترات، وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله، حتى يبعث إليهم رسولا؛ لأنه منزه عن الظلم . ينظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 455).
2- عن الأسود بن سريع : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : أربعة يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ورجل مات في فترة ،
فأما الأصم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا ، وأما الأحمق فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر ،
وأما الهرم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ، ما أتاني لك رسول.
فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما . (الحديث صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (881)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (19)، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16301)، وصحح إسناده وجوده وقواه ابن كثير في ((جامع المسانيد والسنن)) (443)، ).
قوله " فيرسل إليهم أن ادخلوا النار" : هذا ليس عقوبة لهم وكيف يعاقبهم على غير ذنب ؟ إنما هو امتحان واختبار لهم هل يطيعونه أو يعصونه ،
فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم وكانت عليهم برداً وسلاماً فلما عصوه وامتنعوا من دخولها : استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه.
ومن ذلك : أن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف ، وأدق من الشعرة ،
ويمرُّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم ، كالبرق ،وكالريح وكأجاويد الخيل والرِّكاب ، ومنهم الساعي ، ومنهم الماشي ، ومنهم من يحبو حبواً ، ومنهم المكدوش على وجهه في النار ، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم .
وأما قول بعض أهل العلم إن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف فكيف يكلفهم دخول النار وليس ذلك في وسعهم؟
قال ابن تيمية رحمه الله :
والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار ،
وأما عَرَصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ : مَنْ رَبُّك ؟ وَمَا دِينُك ؟ وَمَنْ نَبِيُّك ؟ ، وقال تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) الْآيَةَ .انتهى من (مجموع الفتاوى " ( 4 / 303 ، 304 ))
وقال ابن القيم رحمه الله :
فإن قيل : فالآخرة دار جزاء، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون في غير دار التكليف؟
فالجواب : أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، وأما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع،
وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف،
وأما في عرصة القيامة، فقال تعالى : " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون "، فهذا صريح في أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك . انتهى من ((طريق الهجرتين)) (ص: 400).
وإليك كلام أهل العلم
قال العلامة القرطبي رحمه الله :
عن حديث : ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ). فيه دليل على أن لم تبلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أمره لا عقاب عليه، ولا مؤاخذة، وهذا كما قال تعالى : ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾. [الإسراء:15] . انتهى من [المفهم (1 /368)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وهنا أصل لا بد من بيانه وهو : أنه قد دلت النصوص على أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه رسولا تقوم به الحجة عليه :
قال تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا * من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. [الإسراء: 13 - 15] ...........
وإذا كان كذلك : فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقران على من بلغه كقوله : لأنذركم به ومن بلغ. [الأنعام: 19] .
فمن بلغه بعض القران دون بعض : قامت عليه الحجة بما بلغه ، دون ما لم يبلغه ، فإذا اشتبه معنى بعض الايات وتنازع الناس في تأويل الاية ، وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله
فإذا اجتهد الناس في فهم ما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم : فالمصيب له أجران ، والمخطئ له أجر .
فلا يمنع أن يقال ذلك في أهل الكتاب قبلنا فمن لم يبلغه جميع نصوص الكتاب قبلنا لم تقم عليه الحجة إلا بما بلغه،
وما خفي عليهم معناه منه فاجتهد في معرفته : فإن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر وخطؤه محطوط عنه .
فأما من تعمد تحريف الكتاب لفظه أو معناه وعرف ما جاء به الرسول فعانده : فهذا مستحق للعقاب ، وكذلك من فرط في طلب الحق واتباعه متبعا لهواه مشتغلا عن ذلك بدنياه .
وعلى هذا : فإذا كان بعض أهل الكتاب قد حرفوا بعض الكتاب وفيهم اخرون لم يعلموا ذلك فهم مجتهدون في اتباع ما جاء به الرسول : لم يجب أن يجعل هؤلاء من المستوجبين للوعيد .
وإذا جاز أن يكون في أهل الكتاب من لم يعرف جميع ما جاء به المسيح بل خفي عليه بعض ما جاء به أو بعض معانيه فاجتهد : لم يعاقب على ما لم يبلغه ،
وقد تحمل أخبار اليهود الذين كانوا مع تبع ، والذين كانوا ينتظرون الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل المدينة كابن التيهان وغيره ، على هذا ؛ وأنهم لم يكونوا مكذبين للمسيح تكذيب غيرهم من اليهود .
وقد تنازع الناس : هل يمكن مع الاجتهاد واستفراغ الوسع أن لا يبين للناظر المستدل صدق الرسول ، أم لا ؟ وإذا لم يتبين له ذلك : هل يستحق العقوبة في الاخرة أم لا ؟. وتنازع بعض الناس في المقلد منهم أيضا .
والكلام في مقامين :
المقام الأول : في بيان خطأ المخالف للحق وضلاله وهذا مما يعلم بطرق متعددة ، عقلية وسمعية ، وقد يعرف الخطأ في أقوال كثيرة من أهل القبلة المخالفين للحق وغير أهل القبلة ، بأنواع متعددة من الدلائل.
والمقام الثاني : الكلام في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في الاخرة فهذا فيه ثلاثة أقوال للناس ، من أصحاب الأئمة المشهورين مالك والشافعي وأحمد لهم الأقوال الثلاثة :
قيل : إنه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم يرسل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل . وهذا قول كثير ممن يقول بالحكم العقلي ، من أهل الكلام والفقه ، من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ، وهو اختيار أبي الخطاب.
وقيل : لا حجة عليه بالعقل بل يجوز أن يعذب من لم يقم عليه حجة لا بالشرع ولا بالعقل .
وهذا قول من يجوز تعذيب أطفال الكفار ومجانينهم. وهذا قول كثير من أهل الكلام ، كالجهم وأبي الحسن الأشعري وأصحابه والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم.
والقول الثالث : وعليه السلف والأئمة : أنه لا يعذب إلا من بلغته الرسالة ولا يعذب إلا من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة ؛ قال تعالى - لإبليس - : لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين. [ص: 85]
وإذا كان كذلك فنحن فيما نناظر فيه أهل الكتاب : متقدميهم ومتأخريهم:
تارة نتكلم في المقام الأول وهو بيان مخالفتهم للحق وجهلهم وضلالهم ، فهذا تنبيه لجميع الأدلة الشرعية والعقلية .
وتارة نبين كفرهم الذي يستحقون به العذاب في الدنيا والاخرة فهذا أمره إلى الله ورسوله لا يتكلم فيه إلا بما أخبرت به الرسل كما أنا أيضا لا نشهد بالإيمان والجنة إلا لمن شهدت له الرسل .
ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة ، كالأطفال والمجانين وأهل الفترات : فهؤلاء فيهم أقوال ؛ أظهرها ما جاءت به الاثار :
أنهم يمتحنون يوم القيامة فيبعث الله إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب وإن عصوه استحقوا العقاب . انتهى من ( "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/291-298)) .
وقال ابن القيم رحمه الله بعد حكايته للأقوال في أطفال المشركين وأدلتها:
المذهب الثامن : أنهم يمتحنون في عرصة القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول، وإلى كل من لم تبلغه الدعوة،
فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه أدخله النار ، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار، وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها، وتتوافق الأحاديث. انتهى من (((طريق الهجرتين)) (ص: 396)).
وقال أيضا رحمه الله :
والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلف،
وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا ؟ فذلك مالا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه،
بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر،
وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر .انتهى من [طريق الهجرتين (1/610)].
وقال الإمام الألباني رحمه الله :
اليوم يوجد أهل فترة تسمع بسكان القطب الشمالي والقطب الجنوبية هؤلاء وكثير من الأمريكان وغيرهم ما بلغتهم الدعوة،
فإن الحقيقة وهذه المسألة أثيرت منذ سنين وأنا في الجامعة الإسلامية ،
ليس المقصود ببلوغ الدعوة بلوغ اسمها دون حقيقتها، وإنما المقصود أن تبلغ قومًا ما الدعوة التي بعث بها الرسول سواء خاتم الأنبياء والرسل أو من بعثوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه : من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني سمع بي ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار ».
فقوله عليه الصلاة والسلام : ( يسمع بي ) ، يعني : على حقيقة دعوته أم على ما انحرفت هذه الدعوة ،
بالنسبة لبعض المسلمين الذين ضلوا في فهمها ضلالًا بعيدًا أو قريبًا فضلًا عن ضلال الكفار متشتتين والرهبان الذين يتعمدون نقل الدعوة الإسلامية إلى أقوامهم على خلاف عقيدتها وواقع أمرها.
لعلكم جميعًا تعلمون أن النصارى ما يعرفون جلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه كان يحب النساء لأنه تزوج فوق التسع منهن ، هكذا يصور قسيسوهم ورهبانهم نبينا صلى الله عليه وسلم لأولئك الأقوام الكفار،
فهل هؤلاء بلغتهم دعوة الرسول حينما لا يعرفون عنها إلا أن نبي الإسلام هو رجل يحب النساء وفقط ، لا شك أن هؤلاء لا تبلغهم الدعوة،
وأنا أفترض هذا وهذه فرضية واسعة، لكن من عرف الإسلام على عقيدته الصافية، منها : لا إله إلا الله بمعناها الصحيح، وأن محمد رسول الله كذلك ، فهذا بلغته الدعوة فإن لم يؤمن فهو بلا شك كافر كما قال عليه السلام : فهو في النار.
فالآن : الدعوة الإسلامية اسمها بلغ آذان كثيرين من الأعاجم، أما حقيقتها فلم تصل بعد إليهم ، لذلك سمى أهل الفترة ... أنهم الذين لم تبلغهم الدعوة، وعلى حقيقتها لأن النبي قال : « ثم لم يؤمن بي » ،
وهذا كقوله عليه السلام : « من رآني في المنام فقد رآني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بي » فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم على غير أوصافه وشمائله التي كان عليها في حياته ما رآه ؛
لأنه يقول : « من رآني » فمن رآه مثلًا شيخًا كبيرًا كما وقع كثيرًا مع بعض الناس حينما يستفتون علينا يقول : أنا البارح رأيت الرسول في المنام، ويقص قصة طويلة، كيف رأيته يا أخي؟
يقول : رأيته ما شاء الله شيخ كبير وجهه مصباح نور، لحيته بيضاء إلى آخره،
نقول : ما رأيت الرسول ؛ لأن أصحابه يقولون : ما شانه تبارك وتعالى ببيضاء، أو رآه يمشي على عكاز بينما هو كان يمشي وكأنه ينصب من صبب
إذًا : حديثان يفضيان إلى حقيقة واحدة : من رآه في المنام كما كان هو في حياته، من سمع به كما كان هو في دعوته ،
فهذا وذاك قد انطبق عليهم حديث الذي رآه بصفته فقد رآه حقًا، والذي بلغته الدعوة على حقيقتها فقد بلغته، فإذا لم يؤمن فقد كفر ومأواه النار كما جاء في الحديث.
مداخلة : الرافضة عوامهم وجهالهم ينطبق عليهم هذا؟
الشيخ :
إذا أنتم قصرتم معهم فهم كذلك، إذا قصرتم معهم وهم عرب أمثالكم ليسوا مسلمين مثل الإيرانيين الأعاجم لا يفقهون اللغة العربية،
فإذا لم تبلغوا الدعوة للروافض الذين ابتيتم بهم في عقر داركم فأنتم مسؤولون عنهم ليس هم المسؤولون . انتهى من ("رحلة النور"(46أ/00:14:30)).
وقال أيضا رحمه الله :
لا نستطيع أن نقول أن الذين كانوا قبل الرسول عليه السلام كلهم من أهل الفترة ، ولا نستطيع أن نقول كلهم ليسوا من أهل الفترة ،
لا نستطيع أن نقطع بأن كل فرد من أفراد العرب الذين كانوا قبل الرسول بلغته الدعوة ، كما أن العكس لا نستطيع أن نقوله أنه كل فرد من أفراد هؤلاء ما بلغتهم الدعوة ،
إذا القضية مربوطة بالبلاغ وعدم البلاغ ، إذا كان هذا بينا كما تعلمون،
حينئذ نقول إذا جاءنا خبر عن الرسول عليه السلام صحيح بأن فلان كان من أهل الجاهلية وهو في النار نحن نقطع فورا أن هذا بلغته الدعوة : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) ،
ولا يخفاكم أن الآية هذه تعني أيضا رسولا إما مباشرة وإما بدعوته ، فإذا ثبتت هناك أحاديث مثل حديث : ( إن أبي وأباك في النار ) يحكم على ناس ماتوا في الجاهلية قبل بعثة الرسول عليه السلام ،
فذلك يعني تماما أن هؤلاء بلغتهم دعوة التوحيد ، ولذلك جحدوا بها كما قال تعالى : (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )) . انتهى من (سلسلة الهدى والنور-(179)).
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
فالخلاصة : أن من لم تبلغه الدعوة، كالذين في أطراف الدنيا، أو في أوقات الفترات، أو كان بلغته وهو مجنون ذاهب العقل، أو هرم لا يعقل؛
فهؤلاء وأشباههم مثل أولاد المشركين الذين ماتوا وهم صغار؛
فإن أولاد المشركين الذين لم يبلغوا الحلم كلهم أمرهم إلى الله، فالله يعلم بما كانوا عاملين، كما أجاب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عنهم،
ويظهر علمه فيهم سبحانه يوم القيامة بالامتحان، فمن نجح منهم دخل الجنة، ومن لم ينجح دخل النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/51).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الصحيح أن أهل الفترة قسمان :
القسم الأول : من قامت عليه الحجة، وعرف الحق، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار.
القسم الثاني : من لم تقم عليه الحجة، فإن أمره لله عز وجل، ولا نعلم عن مصيره، وهذا ما لم ينص الشارع عليه،
أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار . ينظر:((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (2/48).
جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلا بشرط وهو : أن يكونوا قد بلغهم القرآن أو بيان معناه من دعاة الإسلام بلغة المدعوين؛
لقول الله عز وجل : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ. [الأنعام:19]، وقوله سبحانه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء:15]،
فمن بلغتهم الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار لما تقدم من الآيتين، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ". (أخرجه مسلم في صحيحه)، والأدلة في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كثيرة.
أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم فأمرهم إلى الله عز وجل، والأصح من أقوال أهل العلم في ذلك : أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع الأوامر دخل الجنة ومن عصى دخل النار،
وقد أوضح هذا المعنى الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره؛ لقول الله عز وجل : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }. [الإسراء:15]،
والعلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [طريق الهجرتين] في آخره تحت عنوان "طبقات المكلفين" فنرى لك مراجعة الكتابين لمزيد الفائدة . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية - المجلد الثامن عشر (العقيدة)- الفتوى رقم (٦٣٩٧) ).
تعليقات
إرسال تعليق