✅ يُعَدُّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة التي تطرح في العقيدة الإسلامية، حيث يتساءل الكثير: ما حكم من لم يعرف الإسلام؟ وما مصير من عاش ومات دون أن تصله دعوة الرسول محمد ﷺ؟
▣▣ هذا الموضوع شغل عقول العلماء عبر العصور، وتنوّعت فيه الأقوال، لكن المرجح عند جمهور أهل العلم:
◄ أن من لم تصله الدعوة يُعامل معاملة أهل الفترة، أي الذين عاشوا في زمن انقطاع الرسل، ولم تبلغهم الحجة الشرعية،
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن نجح في الإمتحان دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
✅ قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾. [الإسراء: 15]. وهذا نص قرآني صريح بأن العذاب لا يقع على أحد إلا بعد قيام الحجة عليه.
▣▣ من هم أهل الفترة؟
● يطلق العلماء مصطلح أهل الفترة على كل من عاش في فترة لم يبعث فيها رسول، أو لم تبلغه الدعوة الصحيحة على حقيقتها، وهؤلاء يدخل فيهم:
✔ من عاش قبل بعثة النبي ﷺ ولم تصله رسالة التوحيد.
✔ من يعيش في أماكن نائية لم تصلهم رسالة الإسلام.
✔ من وصلتهم صورة مشوهة عن الإسلام لا تمثل حقيقته.
◄ وأما في الدنيا نحكم على هؤلاء بالكفر؛كما هو ظاهر لنا لأنهم لم يدخلوا في الإسلام، لكن مصيرهم في الآخرة مرده إلى الله سبحانه وتعالى وحده.
▣▣ الرد على شبهة: "الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف".
● قد يعترض البعض قائلين : كيف يُمتحن هؤلاء في يوم القيامة، مع أن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف؟
أجاب العلماء عن ذلك :
✔ أن التكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار.
✔ أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع، بل يستمر الإمتحان؛ ففي البرزخ يُسأل الميت عن ربه ودينه ونبيه، وفي القيامة يُدعى الناس إلى السجود،
كما قال تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون". [القلم: 42]. ينظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 400).
✔ من ذلك : أن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط وهو جسر على جهنم، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.
▣▣ الأدلة الشرعية على ذلك:
1- قال سبحانه وتعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. [الإسراء: 15].
قال العلامة السعدي رحمه الله: الله تعالى أعدل العادلين، لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة، ثم يعاند الحجة،
وأما من انقاد للحجة، أو لم تبلغه حجة الله تعالى؛ فإن الله تعالى لا يعذبه،
استدل بهذه الآية على أن أهل الفترات، وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله، حتى يبعث إليهم رسولا؛ لأنه منزه عن الظلم. ينظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 455).
2- قال ﷺ : أربعة يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ورجل مات في فترة ،
فأما الأصم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا ، وأما الأحمق فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر ،
وأما الهرم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ، ما أتاني لك رسول.
فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما. (الحديث صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (881)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (19).
◄ قوله: " فيرسل إليهم أن ادخلوا النار" : هذا ليس عقوبة لهم وكيف يعاقبهم على غير ذنب؟ إنما هو امتحان واختبار لهم هل يطيعونه أو يعصونه.
▣▣ أقوال العلماء في المسألة :
★ قال العلامة القرطبي رحمه الله :
عن حديث : ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ ). فيه دليل على أن لم تبلغه دعوة رسول الله ﷺ ولا أمره لا عقاب عليه، ولا مؤاخذة،
وهذا كما قال تعالى : ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾. [الإسراء:15]. ينظر: [المفهم (1 /368)].
★ وقال ابن تيمية رحمه الله :
وهنا أصل لا بد من بيانه وهو : أنه قد دلت النصوص على أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه رسولا تقوم به الحجة عليه :
قال تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. [الإسراء: 15] ...
وإذا كان كذلك : فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقران على من بلغه كقوله : لأنذركم به ومن بلغ. [الأنعام: 19] .
فمن بلغه بعض القران دون بعض : قامت عليه الحجة بما بلغه ، دون ما لم يبلغه ..
فإذا اجتهد الناس في فهم ما أراده الرسول ﷺ : فالمصيب له أجران ، والمخطئ له أجر...
وعلى هذا : فإذا كان بعض أهل الكتاب قد حرفوا بعض الكتاب وفيهم اخرون لم يعلموا ذلك فهم مجتهدون في اتباع ما جاء به الرسول : لم يجب أن يجعل هؤلاء من المستوجبين للوعيد ...
وقد تنازع الناس : هل يمكن مع الاجتهاد واستفراغ الوسع أن لا يبين للناظر المستدل صدق الرسول ، أم لا ؟ وإذا لم يتبين له ذلك : هل يستحق العقوبة في الاخرة أم لا ؟
والكلام في مقامين :
المقام الأول : في بيان خطأ المخالف للحق وضلاله وهذا مما يعلم بطرق متعددة ، عقلية وسمعية ..
والمقام الثاني : الكلام في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في الاخرة فهذا فيه ثلاثة أقوال للناس ، من أصحاب الأئمة المشهورين مالك والشافعي وأحمد لهم الأقوال الثلاثة :
... والقول الثالث : وعليه السلف والأئمة : أنه لا يعذب إلا من بلغته الرسالة ولا يعذب إلا من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة ...
ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة ، كالأطفال والمجانين وأهل الفترات : فهؤلاء فيهم أقوال ؛ أظهرها ما جاءت به الاثار :
أنهم يمتحنون يوم القيامة فيبعث الله إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب وإن عصوه استحقوا العقاب. ينظر: ( "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/291-298)) .
★ وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلف،
وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا ؟
فذلك مالا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر،
وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب،
وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر. ينظر: [طريق الهجرتين (1/610)].
★ وقال الإمام الألباني رحمه الله :
اليوم يوجد أهل فترة تسمع بسكان القطب الشمالي والقطب الجنوبية هؤلاء وكثير من الأمريكان وغيرهم ما بلغتهم الدعوة،...
لعلكم جميعًا تعلمون أن النصارى ما يعرفون جلهم عن النبي ﷺ ، إلا أنه كان يحب النساء لأنه تزوج فوق التسع منهن ، هكذا يصور قسيسوهم ورهبانهم نبينا ﷺ لأولئك الأقوام الكفار،
فهل هؤلاء بلغتهم دعوة الرسول حينما لا يعرفون عنها إلا أن نبي الإسلام هو رجل يحب النساء وفقط ، لا شك أن هؤلاء لا تبلغهم الدعوة،...
فالآن : الدعوة الإسلامية اسمها بلغ آذان كثيرين من الأعاجم، أما حقيقتها فلم تصل بعد إليهم ، لذلك سمى أهل الفترة ... أنهم الذين لم تبلغهم الدعوة، وعلى حقيقتها... ينظر: ("رحلة النور"(46أ/00:14:30)).
★ وقال أيضا رحمه الله :
لا نستطيع أن نقول أن الذين كانوا قبل الرسول عليه السلام كلهم من أهل الفترة ، ولا نستطيع أن نقول كلهم ليسوا من أهل الفترة ،
لا نستطيع أن نقطع بأن كل فرد من أفراد العرب الذين كانوا قبل الرسول بلغته الدعوة ، كما أن العكس .. إذا القضية مربوطة بالبلاغ وعدم البلاغ ، إذا كان هذا بينا كما تعلمون،... ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(179)).
★ جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلا بشرط وهو : أن يكونوا قد بلغهم القرآن أو بيان معناه من دعاة الإسلام بلغة المدعوين؛
لقول الله عز وجل : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ. [الأنعام:19]، وقوله سبحانه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء:15]،
فمن بلغتهم الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار لما تقدم من الآيتين..
أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم فأمرهم إلى الله عز وجل، والأصح من أقوال أهل العلم في ذلك :
أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع الأوامر دخل الجنة ومن عصى دخل النار،... ينظر: (مجموع الفتاوى - المجلد الثامن عشر (العقيدة)- الفتوى رقم (٦٣٩٧) ).
▣▣ أسئلة شائعة :
1- هل يمكن أن يكون بعض غير المسلمين اليوم من أهل الفترة؟
الجواب : نعم، من لم تبلغه حقيقة الإسلام الصحيحة، بل سمع عنه مشوهًا، فهو في حكم أهل الفترة.
2- هل يمتحن كل من لم تصله الدعوة؟
الجواب : نعم، الامتحان يوم القيامة يشمل كل من لم تقم عليه الحجة في الدنيا، سواء كان من أهل الفترة أو من المعذورين كالمجانين والصم.
3- ما الفرق بين الكافر المعاند وأهل الفترة؟
الجواب : الكافر المعاند بلغه الإسلام بوضوح ثم رفضه، أما أهل الفترة فلم تبلغهم الدعوة أصلاً أو بلغتهم محرفة.
تعليقات
إرسال تعليق