">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الخلاف بين الصحابة : لماذا نتجنّب الحديث عنه؟


✅ الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، من أكثر الأحداث التي أثير حولها الجدل في التاريخ الإسلامي.

ومع ذلك، فإن منهج أهل السنة والجماعة يقوم على الإمساك عن الخوض فيما وقع بينهم، مع اعتقاد فضلهم ومكانتهم العظيمة، والترضي عنهم أجمعين.

▣▣ أسباب تجنّب الحديث عن الخلاف بين الصحابة :

1- مكانة الصحابة وفضلهم في الإسلام.

 للصحابة مكانة عظيمة عند الله تعالى، ولهم فضل في نشر الإسلام والدفاع عنه، وهم أفضل الأمة.

● نحبهم ونترضّى عنهم ونستغفر لهم، قال الله سبحانه : فاعف عنهم واستغفر لهم[آل عمران: 159] .

● ما ورد في مساويهم إما مكذوب أو محرّف أو فيه زيادة ونقص، وما صحّ فهم فيه معذورون؛ وهذا ما أجمعت عليه كلمة أهل السنة والجماعة.

● محبتهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان؛ فلا نذكرهم إلا بخير، ولا نتبرأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم.

2- أجر الإجتهاد.

● قد أجمع أهل السنة على أن الصحابة فيما وقع بينهم مجتهدون :

▪️ المصيب له أجران.

▪️ المخطئ مأجور على اجتهاده مغفور له خطؤه.

▣▣ لماذا لا نتحدث عن الخلافات بين الصحابة وآثار الخوض فيها السلبية؟

 أنها شغلت المسلمين بما لا يليق لهم الانشغال به.

 أن نشرها والتحدث بها بين عامة الناس مخالف لنهج السلف الصالح.

✔ أنها تُعكِّر على المسلمين صفاء قلوبهم وسلامة صدورهم تجاه الصحابة، ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو جاهل.

 أنها تثير الشبهات بين الناس، وتزيد من أوهامهم حول الصحابة الكرام، مما يزعزع الثقة بهم عند كثير من الناس.

✅ قال الله سبحانه : فاعف عنهم واستغفر لهم. [آل عمران: 159]قالت عائشة رضي الله عنها : ( أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي  فسبوهم! ). رواه مسلم (3022).

▣▣ أقوال العلماء والسلف في الإمساك عمّا شجر بينهم :

★ قال الإمام الشافعي رحمه الله في- وصيته :

وأعرف حق السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ﷺ، وأحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم. ينظر: ((اعتقاد الشافعي)) للهكاري (ص 17).

★ سأل رجل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

عما جرى بين علي ومعاوية؟

فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم، فأقبل عليه فقال : اقرأ : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ينظر: "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .

وسئل أيضا رحمه الله :

 ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : "ما أقول فيهم إلا الحسنى". ينظر: "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .

 وقال أيضا رحمه الله : 

( من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ أو أبغضه بحدث كان منه، أو ذكر مساويه، كان مبتدعا، حتى يترحم عليهم جميعا، ويكون قلبه لهم سليما ). ينظر: ((أصول السنة)) (ص 54).

★ قال الإمام ابن حزم رحمه الله : 

وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم ، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه، وإقامة حق الله تعالى فيهم، 

فتسرع الخائفون على أنفسهم أخذ حد الله تعالى منهم، وكانوا أعدادا عظيمة يقربون من الألوف،

فأثاروا القتال خفية حتى اضطر كل واحد من الفريقين إلى الدفاع عن أنفسهم إذ رأوا السيف قد خالطهم. ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (2/85).

★ قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :

إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق؛

وذلك أن الرسول ﷺ عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ﷺ ،

وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة. ينظر: "الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .

★ سُئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله:

عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم؟

فقال : " تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها ". ينظر: "الطبقات الكبرى" (5/394) .

 ★ وقال العلامة القرطبي رحمه الله :

" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ،

وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي ﷺ عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم ". ينظر: "تفسير القرطبي" (16/321) .

★ وقال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله :

وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله ﷺ وما ينبغي أن يذكروا به قال :

" وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب ". ينظر: "عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .

★ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" من أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ، 

كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ). الحشر/10 .

وطاعة النبي ﷺ في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .

ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .

ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، 

ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم...

ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم، 

وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى". انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .

 وقال أيضا رحمه الله :

لم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم؛ ... فخشي القتلة أن يتفق علي معهم على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، 

فظن طلحة والزبير أن عليا حمل عليهم، فحملوا دفعا عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه فحمل دفعا عن نفسه؛ فوقعت الفتنة بغير اختيارهم. ينظر: ((منهاج السنة)) (4/316).

 قال الإمام النووي رحمه الله-مبينا سبب الحروب التي وقعت بين الصحابة :

... واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم، وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم : ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ؛ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك...

وقسم : عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.

وقسم ثالث : اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين،

وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم؛ لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك. ينظر: ((شرح مسلم)) (15/149).

▣▣ الخلاصة :

✔ الخوض في الخلاف بين الصحابة ليس من منهج أهل السنة والجماعة، بل الواجب هو محبتهم جميعًا، والاستغفار لهم، والكف عمّا وقع بينهم.

✔ فهم صفوة الأمة وخير القرون، وما جرى بينهم لا ينقص من قدرهم ولا من مكانتهم عند الله تعالى.


والله اعلم

اقرأ أيضا :


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات