القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

 

ما حدث بين الصحابة رضى الله عنهم من الخلافات والإقتتال بعد قتل عثمان رضي الله عنه يجب علينا أن نُحجم ونكف عن الخوض بالكلام فيه، وذلك ل :

◼️ مكانتهم العظيمة عند الله تعالى وفضلهم في نشر الإسلام والدفاع عنه،

مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ومحبتهم والترضي عنهم أجمعين والإستغفار لهم واعتقاد أنهم فيما حدث منهم مجتهدون مأجورون، 

فالمصيب منهم له أجران على اجتهاده وإصابته، والمخطئ مأجور على اجتهاده ومغفور له خطأه وما روي من الأخبار في مساويهم فالكثير منها مكذوب، 

ومنها ما قد زيد فيه أو نقص منه وغير عن وجهه، والصحيح منها هم فيه معذورون وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة.

فنحبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.

◼️ ولأن من الآثار السلبية في الخوض بالكلام في الخلافات التي حدثت بين الصحابة ونشر ذلك ، فهي : 

أنها أوقفت المسلمين على ما لا ينبغي لهم أن يقفوا عليه. 

أن في بثها والحديث عنها عند عامة الناس مخالفة لما عليه السلف الصالح. 

أنها تفسد على المسلمين سلامة صدورهم، وصفاء قلوبهم على الصحابة، ولا يخالف في ذلك إلا مكابر أو جاهل.

أنها تثير بين الناس الشبهات، وتضاعف لديهم الأوهام حول الصحابة الكرام؛ وتتزعزع منه الثقة بالصحابة عند كثير من الناس.

قال الله سبحانه : فاعف عنهم واستغفر لهم. [آل عمران: 159] قالت عائشة رضي الله عنها : ( أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم! ) . رواه مسلم (3022).

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه )) . رواه البخاري (3470) ومسلم (2540) واللفظ له.

وإليك كلام السلف فى ذلك:

1- قال الإمام الشافعي رحمه الله في وصيته :

وأعرف حق السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم . ينظر: ((اعتقاد الشافعي)) للهكاري (ص 17).

2-  قال أحمد بن حنبل عن الصحابة رضي الله عنهم : 

رحمهم الله أجمعين، ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والمغيرة كلهم وصفهم الله تعالى في كتابه فقال : سيماهم في وجوههم من أثر السجود. [الفتح: 29] . ينظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 221).

-  سأل رجل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

عما جرى بين علي ومعاوية؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ،

فأقبل عليه فقال : اقرأ : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ . انتهى من "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .

- وقال الإمام أحمد أيضا بعد أن قيل له : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : "ما أقول فيهم إلا الحسنى". انتهى من "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .

- وقال أيضا رحمه الله : ( إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام ). ينظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (11/ 450).

وقال أيضا رحمه الله : ( من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه بحدث كان منه، أو ذكر مساويه، كان مبتدعا، حتى يترحم عليهم جميعا، ويكون قلبه لهم سليما ). ينظر: ((أصول السنة)) (ص 54).

3- قال الإمام ابن حزم رحمه الله : 

وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم ، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه، وإقامة حق الله تعالى فيهم، 

فتسرع الخائفون على أنفسهم أخذ حد الله تعالى منهم، وكانوا أعدادا عظيمة يقربون من الألوف، فأثاروا القتال خفية حتى اضطر كل واحد من الفريقين إلى الدفاع عن أنفسهم إذ رأوا السيف قد خالطهم . ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (2/85).

4- قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :

" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛

وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة ". انتهى من "الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .

5- سُئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله:

عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟ فقال : "  تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها  ". انتهى من "الطبقات الكبرى" (5/394) .

6- وقال الإمام القرطبي رحمه الله :

" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ،

وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم ". انتهى من "تفسير القرطبي" (16/321) .

7- وقال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله :

وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يذكروا به قال :

" وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب ". انتهى من "عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .

8- وقال أبو عبد الله بن بطة - رحمه الله :

أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة : " ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل ، 

فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم ، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون ، 

وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم ، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم " . انتهى من ("كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" (ص/268)) .

9- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، 

كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ). الحشر/10 .

وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .

ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .

ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، 

ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .

 ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته 

أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، 

فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟.

ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح .

ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم، 

وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى ". انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .

- وقال أيضا رحمه الله :

لم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم؛ 

فإنه لما تراسل علي وطلحة والزبير وقصدوا الاتفاق على المصالحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة، وكان علي غير راض بقتل عثمان، ولا معينا عليه كما كان يحلف فيقول : والله ما قتلت عثمان، ولا مالأت على قتله ، وهو الصادق البار في يمينه،

فخشي القتلة أن يتفق علي معهم على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، 

فظن طلحة والزبير أن عليا حمل عليهم، فحملوا دفعا عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه فحمل دفعا عن نفسه؛ فوقعت الفتنة بغير اختيارهم . ينظر: ((منهاج السنة)) (4/316).

10- وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

 " اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ 

لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد ، وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ " .انتهى من "فتح الباري" (13/34) .

11- قال الإمام النووي رحمه الله :

في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)). رواه مسلم:

اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، 

ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، 

بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا، وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ؛ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه،

وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة، حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها، فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب . ينظر: ((شرح مسلم)) (18/11).

- وقال في موضع آخر مبينا سبب الحروب التي وقعت بين الصحابة :

وأما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع، وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره، 

وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه، 

وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها، وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة؛ 

لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم،

واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم : ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ؛ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.

وقسم : عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.

وقسم ثالث : اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم؛ لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك . ينظر: ((شرح مسلم)) (15/149).


والله اعلم


اقرأ أيضا..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى. اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات