الصحيح هو أن يكون الإستدلال بكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ليسوا معصومين فأفعال الصحابة رضى الله عنهم ليست حجة بمجردها فنفهمها على وفق الأدلة فالعبرة بالدليل من الكتاب والسنة وفعل النبى صلى الله عليه وسلم سنته .
وأما فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم أو بعض التابعين الذين حصل منهم خروج على الأئمة فقد يكون بسبب خفاء الدليل عنهم أو نسيانه أو عدم وصوله فهذا إجتهاد إجتهدوه فى بعض المسائل لكن لا يوافق الأدلة من الكتاب والسنة ولا يوافق ما قرره من الأئمة من الصحابة وأئمة الإسلام فى أصل الإعتقاد وفى الإتباع لهذا لا تعارض الأدلة بفعلهم .
فيامن تستدل بذلك لابد أن يكون عندك فهم كيف تعامل الأئمة والسلف فى هذا ويكون قاعدة لك فى حمل المتشابه من أفعالهم على المحكم من النصوص لأن الأصل أنهم لا يخالفون وإن لم يكن ثَم مجال للحمل فيكون إجتهاداً منهم خالفوا فيه الدليل وأمرهم إلى الله عز وجل .
وإليك تحرير القول في خروج بعض السلف
فقد يستدل بعضهم بمنازعة ابن الزبير وبقيام الحسين بن علي رضي الله عنه وكذلك بقيام بعض التابعين رحمهم الله مع ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف الثقفي، وللرد على هذه الشبهة نقول :
أولا : إذن يَكُون هَذَا اجْتِهَاد مِنْهُم ( أى: ممن خرج) في مُقَابِل تِلْكَ النُّصُوصِ التى ذكرناها فى السابق ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ على قَوْلِ وفِعْلِ كُلِّ أَحِدٍ حتَّى لوْ كَانَ مِن الصَّحَابَةِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُم. قال تعالى : [ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ].
ثُمَّ لِيُعْلَم أَنَّ ذَلِكَ الخِلافَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُقَرّرَ وتُدوَّن عَقَائِدُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ، وَلما بُيِّنَت العَقَائِد وقُرِّرَتْ وَأَوْضَحَهَا الأَئِمَّةُ وتَتَبَّعُوا فِيهَا الأَدِلَّة وَقَرَّرُوهَا، تَتَابَعَ الأَئِمَّةُ أَهْلُ الحدِيثِ وَ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ دُونِ خِلاَفٍ بَيْنَهُم، كَما سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فَتَنبَّه .
ثانيا : أَنَّ الذِينَ خَرَجُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الحُكَّامِ؛ لَمْ يُحْمَدُوا بِخُرُوجِهِمْ، وَلَم يَنْقُلْ العُلَماءُ خُرُوجَهُمْ عَلَى وَجْهِ المنَاقِبِ!؛ وَإِنَّما نَقَلُوهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْطِئَة مَع اعْتِذَارِهِمْ لِكَوْنِ خَطَأهم مَغْفُورٌ لاجْتِهَادِهِم .
ولَيْسَ مَعْنَى أَنَّنَا اِلْتَمَسْنَا لهُمْ العُذرَ فَعَدَدْنَاهُم مُتأوِّلِينَ أَوْ مُجتَهِدِينَ؛ لَيْسَ مَعْنَى ذَلكَ أَنَّنَا نُبَرِّرُ ما فَعَلُوا، أو نَصْبِغُه بِصِبْغَة الشَّرْعِ؛ حَاشَا وكَلاَّ!.
فَخُرُوجُهُمْ كَانَ -بِلاَ شَكٍّ- خَطَأ مِنْهُم، وهَذَا الخَطَأُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّن وَقَعَ مِنْهُ هذا الخطأ.فلا حُجَّة لِقَوْلِ أحَدٍ -كائنًا مَنْ كَانَ - في مُقَابِل النُّصُوصِ الشَّرعِيَّة (القَاطِعَة) .
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِهِ مَفَاسِد خُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْره :
» وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ .
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [كُلِّهِمْ]
... وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ.
وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
وَبَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَشْتَبِهُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاعْتَبَرَ أَيْضًا اعْتِبَارَ أُولِي الْأَبْصَارِ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ خَيْرُ الْأُمُورِ... وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ لَا بِالْفَسَادِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ لَا مَصْلَحَةُ دِينٍ وَلَا مَصْلَحَةُ دُنْيَا، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِنْ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا،
وَكَانَ فِي خُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ، فَإِنَّ مَا قَصَدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ زَادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ، وَنَقَصَ الْخَيْرُ بِذَلِكَ، وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ. وَكَانَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ، كَمَا كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ،
وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ، ولهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَسَن بِقَوْلِهِ : ( إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَينَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَينِ مِنَ المسْلِمِين ) وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ .
وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا... وَهَذَا يُبَيِّنُ .. وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ.
وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ بِمَا جَرَى مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَضْلًا عَمَّا جَرَى فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَمَا جَرَى بِمَكَّةَ فِي حِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَا جَرَى فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَابْنِ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَن . انتهى من ( مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 528 ـ 532).)
ثالثا : أنَّ ما فَعَله الحُسَين لمْ يَكُنْ خرُوجاً؛ لأَنَّهُ لَم يَكُن قَدْ بَايَعَ ليَزِيدَ أَصْلاً، فَإِنَّه لم يَكُنْ يَرَى شَرْعِيَّة تَوْلِيَة يَزِيدَ الخِلافَةَ، ولِذَا أَبَى أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ :
وَلَمَّا أُخِذَتِ الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ فِي حَيَاةِ مُعَاوِيَةَ، كَانَ الْحُسَيْنُ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍٍ . ( انْظُر تَارِيخ الطَّبَرِيّ (5/343))،
وبَقِيَ مُعْتَزِلاً فِي مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ إِلَيْهِ رُسُل أَهْلِ الكُوفَةِ تَطْلُبُ مِنْهُ القُدُومَ، فَلَمّا رَأَى كَثْرَةَ المبَايِعِينَ ظَنَّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَهْلَ الكُوفَةَ لا يُرِيدُونَ يَزِيدَ فَخرَجَ إِلَيْهِم.
وَمِمّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الحُسَيْنَ اعْتَذَرَ فِي خُرُوجِهِ « أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَإِنْ أَنْتَ قَدِمْتَ عَلَيْنَا بَايَعْنَاكَ وَقَاتَلْنَا مَعَكَ ». انتهى من (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِيرٍ (8/172).) .
وَهُوَ مَعَ هَذَا مَا خَرجَ لِقِتَالٍ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم :
« وَالْحُسَيْنُ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ يُرِيدُ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى انْصِرَافَهُمْ عَنْهُ، طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ الذَّهَابَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِتْيَانَ يَزِيدَ،
فَلَمْ يُمَكِّنْهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا]، وَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ أَسِيرًا إِلَى يَزِيدَ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقَاتِلَ ». انتهى من (مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/42). ).
وقَالَ : « وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ فَإِنَّهُ رضى الله عنه لَمْ يُفَرِّقِ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [ إِلَى ] الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ .
وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ ». انتهى من ( مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/586).).
إِذَنْ فَآخِرُ الأَمْرَيْنِ مِن الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ تَرْكُ الخُرُوجُ ـ هَذَا إنْ كَانَ خُرُوجا تَنَزلاً ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسْلِمِينَ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِخُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ بِمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكّ .
وقال : « وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [ فِي آخِرِ الْأَمْرِ] لِلْعَجْزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
قِيلَ لَهُ : وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَنَدَبَ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ،
وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى يَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا ». انتهى من (مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 536). ).
رَابِعًا : أَنَّ ابْنَ الزُّبَير والحُسَيْن قَدْ خَالَفَهُم فِي ذَلِكَ عَامَّة الصَّحَابَةِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ، كَما أَنْكَر بَعْضُ كِبَار التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ خَرَجَ مَع ابْنِ الأَشْعَث .
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنِ تَيْمِيّة :
« وَكَانَ أَفَاضِلُ المسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ ». انتهى من ( مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ (4/529).).
وفيما يلي بيان لمخالفة الصحابة للحُسَيْنِ وابن الزُّبَيْر رَضَيَ اللهُ عَنْهُم أجمعين :
* عَنْ نَافِعٍ، قَالَ : لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ، حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ : « إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ » وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ». ( صَحِيحُ البُخَارِي (7111). ).
* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : « اسْتَشَارَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْخُرُوجِ فَقُلْتُ : لَوْلَا أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَشَبِثْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ ». (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/494). ).
* وأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ : « يَا ابْنَ عَمِّ، إِنَّهُ قَدْ أَرْجَفَ النَّاسُ أَنَّكَ سَائِرٌ إِلَى الْعِرَاقِ، فَبَيِّنْ لِي مَا أَنْتَ صَانِعٌ. فَقَالَ : إِنِّي قَدْ أَجْمَعْتُ الْمَسِيرَ فِي أَحَدِ يَوْمَيَّ هَذَيْنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَخْبِرْنِي إِنْ كَانَ قَدْ دَعَوْكَ بَعْدَ مَا قَتَلُوا أَمِيرَهُمْ وَنَفَوْا عَدُوَّهُمْ وَضَبَطُوا بِلَادَهُمْ، فَسِرْ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرُهُمْ عَلَيْهِمْ قَاهِرًا لَهُمْ، وَعُمَّالُهُ تَجْبِي بِلَادَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا دَعَوْكَ لِلْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ، وَلَا آمَنُ عَلَيْكَ أَنْ يَسْتَنْفِرُوا إِلَيْكَ النَّاسَ، فَيَكُونُ الَّذِينَ دَعَوْكَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْكَ ». (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/495).).
* وعن الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضَيَ اللهُ عَنْهُما : أَنَّهُ كَانَ بِمَاءٍ لَهُ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ لَهُ : الْعِرَاقَ. وَإِذَا مَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ. فَقَالَ : هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ. فَقَالَ : لَا تَأْتِهِمْ. فَأَبَى،
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا ; إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.
فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. قَالَ : فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَبَكَى وَقَالَ : أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ ». انتهى من (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/497).).
* وقَالَ لَهُمَا ابْنُ عُمَرَ ـ أَيْ لِلْحُسين وَابْنِ الزُّبَير : « اتَّقِيَا اللَّهَ، وَلَا تُفَرِّقَا بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ».
* وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : « غَلَبَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ قُلْتُ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَالْزَمْ بَيْتَكَ، وَلَا تَخْرُجْ عَلَى إِمَامِكَ ».
* وَقَالَ أَبُو وَاقَدٍ اللِّيثِيُّ : « بَلَغَنِي خُرُوجُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَدْرَكْتُهُ بِمَلَلٍ، فَنَاشَدْتُهُ اللَّهَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ وَجْهِ خُرُوجٍ، إِنَّمَا خَرَجَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ. فَقَالَ : لَا أَرْجِعُ ».
* وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : « كَلَّمْتُ حُسَيْنًا فَقُلْتُ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَضْرِبِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَوَاللَّهِ مَا حُمِدْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ. فَعَصَانِي ».
* وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : « لَوْ أَنَّ حُسَيْنًا لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». ( يُنْظَر تِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَغَيْرِهَا البِدَايَة وَالنِّهَايَة (11/ 503).).
* عن سليمان ابن عَلِيٍّ الرَّبْعِيُّ قَالَ : « لَمَّا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فِتْنَةُ ابْنِ الأَشْعَثِ إِذْ قَاتَلَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ انْطَلَقَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَى الْحَسَنِ فَقَالُوا : يَا أبا سعيد ما تقول في قتال هذه الطَّاغِيَةِ الَّذِي سَفْكَ الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَخَذَ الْمَالَ الْحَرَامَ وَتَرَكَ الصَّلاةَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ؟ قَالَ : وَذَكَرُوا مِنْ فِعْلِ الْحَجَّاجِ.
قَالَ : فَقَالَ الْحَسَنُ : « أَرَى أَنْ لا تُقَاتِلُوهُ فَإِنَّهَا إِنْ تَكُنْ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ فَمَا أَنْتُمْ بِرَادِّي عُقُوبَةِ اللَّهِ بِأَسْيَافِكُمْ. وَإِنْ يَكُنْ بَلاءً « فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ... وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ». قَالَ : فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ : نُطِيعُ هَذَا العِلْجَ! قَالَ : وَهُمْ قَوْمٌ عَرَب. قَالُوا : وَخَرَجُوا مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ. قَالَ : فَقُتِلُوا جَمِيعًا ». انتهى من ( الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/ 120).).
* وَهَاهُوَ الشَّعْبِيُّ يَعْتَرِفُ بِما صَنَعَ بَعْدَ أَنْ خَلَعَ البَيْعَةَ ودَخَلَ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ : « أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَمَرُونِي أَنْ أَعْتَذِرَ إِلَيْكَ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ اللهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَايْمُ الله لَا أَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَّا الْحَقَّ، قَدْ وَالله تمَرَّدْنَا عَلَيْكَ، وَحَرَّضْنَا وَجَهَدْنَا كُلَّ الْجَهْدِ، فَمَا آلَوْنَا، فَمَا كُنَّا بِالْأَقْوِيَاءِ الْفَجَرَةِ، وَلَا بِالْأَتْقِيَاءِ الْبَرَرَةِ،
وَلَقَدْ نَصَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا، وَأَظْفَرَكَ بِنَا، فَإِنْ سَطَوْتَ فَبِذُنُوبِنَا، وَمَا جَرَّتْ إِلَيْكَ أَيْدِينَا، وَإِنْ عَفَوْتَ عَنَّا فَبِحِلْمِكَ، وَبَعْدُ فَالْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْنَا... ». انتهى من ( البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/ 341).).
خَامِساً : ثُمَّ إنَّ مِمنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْ نَدِمَ وتَحَسَّرَ عَلى مَا كانَ مِنْهُ عَلَى خُرُوجِهِ لِظُهُورِ غَلَطِهِ، لَيْسَ جُبْناً أَوْ خَوْفاً مِن بَطْشِ الحَجَّاج، وإنَّما الرُّجُوعُ لِلْحَقِّ الذِّي اسْتَبَانَ لَهُم، كَمَا هُوَ صَريح كَلاَمِ الإمَامِ الشَّعْبِي رَحِمَهُ اللهُ، وَغَيْره مِمَّا سَنَذْكُرُه، وَلوْ كانَ مَا فَعَلوهُ سُنَّة لَمَا نَدِمُوا ولَقَدَّمُوا أرْوَاحَهُم رَخِيصَة .
* « قِيلَ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ : أَيْنَ كُنْتَ يَا عَامِرُ؟ قَالَ : كُنْتُ حَيْثُ يَقُولُ الشَّاعِرُ : عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ......عَوَى وَصَوَّتَ إِنْـسَانٌ فَكِـدْتُ أَطِيرُ. أَصَابَتْنَا فِتْنَةٌ لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ ». انتهى من ( مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (4/529). ).
* ورَوَى ابنُ سَعْدٍ : عَنْ حَمَّاد بْن زَيْدٍ قَالَ : « ذُكِرَ لأيُّوب السَّخْتِيَانِي القُرَّاء الذِينَ خَرَجُوا مَعَ ابنِ الأَشْعَث، فَقَالَ : لا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْهُم قُتِلَ إِلا وَقَدْ رَغِبَ عَن مَصْرَعِه ، وَلا نَجَا أَحَدٌ مِنْهُم إِلا حَمِدَ اللهَ الذي سَلَّمَهُ ، وَنَدِمَ عَلى مَا كَانَ مِنْهُ.
وقَالَ ابْنُ عَوْنٍ : لما وَقَعَتْ الفِتْنَة زَمَنَ ابنِ الأشْعَث، خَفَّ مُسْلِم فِيهَا، وأَبْطَأَ الحَسن، فَارْتَفَع الحسَن، واتَّضَع مُسْلِم». انتهى من ( الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/ 140).).
* وعَنْ عَلِيّ بْنُ عِيسَى، قَالَ : سَمِعْتُ حَنْبَلًا يَقُولُ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ : اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ، وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ، فَجَاءُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الله، هَذَا الْأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا : أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ، وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً، وَقَالَ لَهُمْ : «عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ، انْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» ،
وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ وَمَضَوْا، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا مَضَوْا، فَقَالَ أَبِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : نَسْأَلُ الله السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَمَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا،
وَقَالَ أَبِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ، قَالَ : لَا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ ». انتهى من (السُّنَّة لأَبِي بَكْر بْن الخَلال (1/133).-وَطَبَقَاتُ الحنَابِلَة لابْن أَبِي يَعْلَى (1/144). ). وفي هذا ردٌّ على مَن زَعَم أَنَّ الخُروجَ مُعَلَّلٌ بِالمصلَحةِ والمفْسَدَة .
* وهَذَا طَلْحَة بن مصرّف يَقُول : « شَهِدْتُ الجَمَاجِمَ ( مَوْضِعٌ فِي العِرَاقِ قَرِيبٌ مِنَ الكُوفَةِ نَشَبتْ عِنْدَهُ مَعْرَكَة سَنَةَ: 82 أو 83 هـ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن ابْن الأَشْعَثِ وَالحَجَّاجِ بْن يُوسف الثَّقَفِي.)، فما رَمَيْتُ، ولا طَعَنتُ، ولا ضَرَبتُ، وَلَوَدِدْتُ أنَّ هَذِه سَقَطتْ هَا هُنَا وَلَم أكُنْ شَهِدْتُها ». انتهى من ( سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (5/ 192).).
* و« أَتَى مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَمَانَ ابْنِ الأَشْعَثِ نَاسٌ يَدْعُونَهُ إِلَى قِتَالِ الْحَجَّاجِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ هَذَا الذي تدعُوني إِلَيْهِ. هَلْ يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالُوا : لا. قَالَ : فَإِنِّي لا أُخَاطِرُ بَيْنَ هَلَكَةٍ أَقَعُ فِيهَا وَبَيْنَ فَضْلٍ أُصِيبُهُ ». انتهى من (الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى لابْن سَعْد (7/104).).
سادساً : أَنَّ بَعْضَ الذِينَ خَرَجُوا عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَث لَيْسَ مُوجِبُهُ الفِسْق، بَلْ كَانَ الدَّافِعُ عِنْدَهُمْ الكُفْرَ .
* فَقَدْ قَالَ القَاضِي عِيَاض : « وحُجَّة الآخَرِينَ أنَّ قِيَامَهُم عَلَى الحَجَّاجِ لَيْسَ لِمجَرَّد الفِسْقِ ، بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ الكُفْرَ لِبَيعَة الأَحْرَار ، وتَفْضِيلُهُ الخَلِيفَةَ عَلَى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَقَوْلُه المشْهُور المنْكَر فِي ذَلِكَ ». انتهى من ( إِكْمَالُ المعْلِم شَرْح صَحِيح مُسْلِم لِلْقاضِي عِيَاض (6/128).وَانْظُر شَرح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِي (12/229).).
* قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَر : « وكَفَّرُه جَماعَةٌ مِنْهُم سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ والنَّخَعِي ومُجاهِد وعَاصِم بْنُ أَبِي النَّجُود والشَّعْبِي وغَيْرِهم ». انتهى من ( تَهْذِيبُ التَّهْذِيبِ لِلْحَافِظِ ابْن حَجَر( 2 / 211).).
* قَالَ الإِمَامُ الشَّعبِي : « أشهدُ أنه مؤمنٌ بالطَّاغوتِ، كافرٌ باللهِ ـ يعني الحجَّاج ـ». ( رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ (ص39) ، وَاللالَكَائِيّ فِي شَرْحِ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ (1823)وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيّ. ). لكنَّه تَابَ مِن ذَلك كَما سَبقَ النَّقْل عَنه.
* وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ : اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَّاجِ فَسَأَلُوا مُجَاهِدًا فَقَالَ : « تسألون عَنِ الشَّيْخِ الْكَافِرِ ». انتهى من ( البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (12/547).).
* وَعَنْ طَاوُوسَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : « عَجَباً لإخْوَانِنَا مِنْ أهْلِ العِرَاق يُسمُّون الحَجَّاج مُؤمناً ». ( رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ (ص39)، وَاللالَكَائِيّ فِي شَرْحِ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ (1821) وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيّ . لَكِنَّ الذَّهَبِيَّ عَلَّقَ عَلَى هَذَا الأَثَرِ فِي سِيَر أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (5/ 44)بِقَوْلِهِ : «قُلْتُ : يُشِيرُ إِلَى المُرْجِئَةِ مِنْهُم، الذِينَ يَقُولُونَ : هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِل الإِيمَانِ مَعَ عَسفِهِ، وَسَفْكِه الدِّمَاء، وَسَبِّهِ الصَّحَابَة».).
* وَقَالَ سَعِد بنُ جُبَيرٍ : « وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى كَفَرَ». ينظر : ( التَّمْهِيد لابْن عَبْد البَر (12/262)، وَ البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِير(12/ 545)، ).
سابعاً : أنَّهُ وإنْ كَانَتِ الأَدِلَّة دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الخُرُوجِ؛ فَغَفَل عَنْهَا أَوْ تَأوَّلَهَا بَعْضُ السَّلفِ؛ فَخَرَجُوا!؛ إِلاَّ أَنَّ الإِجْمَاعَ اسْتَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ؛ إلاَّ فِي حَالَةِ الكُفْرِ الصَّرِيحِ فَقَطْ .
وَحِكَايَةُ هَذَا الإِجْمَاعِ مُتَأخِّرَة زَمَناً -وَهَذَا ظَاهِرٌ-؛ مِمَّا يُوجِبُ المصِيرَ إِلَيْهِ وَالضَّرْبَ صَفْحًا عَن فِعْلِ مَنْ خَرَجَ مِنَ السَّلفِ؛ فَالإِجْمَاعُ يَرْفَعُ الخِلاَفَ، وَالقَاعِدَةُ المُقَرَّرَةُ فِي بَابِ الإِجْمَاعِ : « أَنَّ الْمَاضِي لَا يُعْتَبَرُ وَالْمُسْتَقْبلُ لَا يُنْتَظَرُ ». ينظر : ( المُسْتَصْفَى لِلْغَزَالِي (150)، وَمَعَالِم أُصُولِ الفِقْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ، لِمُحَمَّد بنْ حُسَيْن بن حَسن الجِيزَانِي (169).).
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ :
كَيْفَ تَنْقُلُونَ الإِجْماعَ، وَقَدْ خَالفَ فِي هَذِهِ المسْأَلَة جَمعٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ!!.
نَقُولُ كَما قَالَ العَلاَّمَة الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخِ فِي تَفْصِيلٍ مَاتعٍ :
« الإِجْماعُ الذِي يُذْكَر فِي العَقائِدِ غَيْر الإِجْماع الذِي يُذْكَرُ فِي الفِقْه .
إِجْماعُ أَهْلِ العَقَائِدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذْكرُ غَيرَ هَذَا القَوْل وَيُرَجِّحه، هَذَا مَعْنَاهُ الإجْمَاع ، وَإِذَا خَالَفَ أَحَدٌ ، وَاحِد أَوْ نَحْوهُ فَلاَ يُعَدُّ خِلافًا ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ خَالَفَ الإِجْمَاعَ، فَلاَ يُعَدُّ قَوْلاً آخَرَ، فَنَجِدُ أَنَّهُ مَثَلاً :
أَنَّهُم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ لَهُ «صُورَة» وَذَلِكَ لأَنَّهُ لاَ خِلافَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّهمْ يُورِدُون ذَلِك ، فَأَتَى «ابْنُ خُزَيْمَة» رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً فَنَفَى حَدِيثَ الصُّورَةِ وَتَأَوَّلَهُ ؛
يَعْنِي حَدِيث الخَاص «أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَن» وحَمَلَ حَدِيثَ «خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» يَعْنِي عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهَذَا عُدَّ مِنْ غَلَطَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلافٌ لِلإجْمَاعِ ، أَوْ إِنَّهُ قَوْلٌ آخَر .
فَإِذَنْ الإِجْماعُ فِي العَقَائِدِ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِ هَذَا بِدُونِ خِلافٍ بَيْنَهُمْ، مِثْل : مَسْأَلة الخرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ، عَلَى وُلاةِ الجَوْرِ مِنَ المسْلِمِينَ،
هَذَا كَانَ فِيهِ خِلافٌ فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَحَصَلَتْ مِن هَذَا وَقَائِع، وَتَبَعُ التَّابِعِينَ، وَالمسْألَةُ تُذْكَر بِإجْمَاع، يُقَالُ :
أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَعَدَم الخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الجَوْرِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَعَ وُجُودِ الخِلافِ عِنْدَ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَتَبع التَّابِعينَ لَكِنَّ ذَلكَ الخِلاف قَبْلَ أَنْ تقَرّرَ عَقائِد أَهْلِ السَّنةِ وَالجَماعَة،
وَلَمّا بُيِّنَتْ العَقَائِدُ وَقُرِّرَتْ وَأَوْضَحَها الأَئِمَّة وتَتَبَّعُوا فِيهَا الأَدِلَّة وَقَرَّرُوهَا تَتَابعَ الأئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الحَدِيثِ دُونَ خِلافٍ بَيْنَهُمْ،
فَفِي هَذِهِ المسْأَلَة بِخُصُوصِهَا رُدَّ عَلَى مَنْ سَلَكَ ذَلِكَ المسْلَكَ مِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْ تَبَعِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلأدِلَّةِ فَيكُونُ خِلافُهم غَيْرَ مُعْتَبرٍ؛ لأَنَّهُ خِلافٌ لِلدَّلِيلِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ الجمَاعَةِ عَلَى خِلافِ ذَلكَ القَوْل.
إِذَنْ الخُلاصَة : أَنَّ مَسْأَلَةَ الإِجْمَاعِ مَعْنَاهَا أَنْ يَتَتَابعَ العُلَماءُ عَلَى ذِكْرِ المسْأَلَةِ العَقَدِيَّة، إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى ذِكْرِهَا بِدُونِ خِلاَفٍ فَيُقَالُ : أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَماعَةِ عَلَى ذَلِكَ ». انتهى من (شَرْحُ العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّة، صَالِح آل الشَّيْخ ، الشَّرِيطُ : 05 .).
فتبين من هذا كله أن هذا الخروج خطأ مخالف للنصوص وقد عارضه طائفة من السلف كما رأينا وامتنع كثير من الخروج وهم يستندون في الترك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي تقدم الإشارة إلى طرف منها .
ولو تنزلنا جدلا بأنه لا إجماع في المسألة، فإن الواجب المصير إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصريح : « ما لم تروا كفرا بواحا »، فهو الفيصل في هذه المسألة .
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق