معنى حديث : " لم يعملوا خيرًا قط " يعني : زيادة على التوحيد والإيمان الذي وقر فى قلوبهم ولهذا جاء في اللفظ الآخر : ( إلا أنهم يقولون : لا إله إلا الله ) إلا أنهم موحدون فأخرجهم الله بالتوحيد والإيمان وليس عندهم زيادة عن التوحيد والإيمان أي من عمل الجوارح.
فمن أخرج جملة " لم يعملوا خيرًا قط " عن ظاهرها وجب عليه أن يأتي بدليل .
فلا إله إلا الله هي العمل الذي نفعه وهي القول الذي قاله لأنه لسان يتحرك بها فهو عمل وقلب يعتقد فهو عمل أيضا ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أنه لم يعمل خيرا قط أي من الأعمال التي كان يعملها سائر المؤمنين.
" لم يعملوا خيرًا قط " أي : أنهم ما عملوا أعمالًا صالحة أي لم يعملوا شيئًا من أعمال الجوارح لكنهم يخرجون من النار بشيئين : الأول : قول اللسان، وهو نطقهم بالشهادتين، الثاني : عمل القلب، وهو التوحيد .
وهؤلاء الذين لم يعملوا خيراً قط لم يكونوا من المصلين لأن من كانوا عندهم صلاة وصيام وغيرهما قد خرجوا قبلهم ولكنهم ليسوا مشركين بل مسلمين موحدين .
فأحاديث الشفاعة وأحاديث فضل لا إله إلا الله صريحة جدا في خروج تارك أعمال الجوارح من النار مع وجود أصل الإيمان والتوحيد .
لكن هذا لا يفهم منه التساهل في أمر الصلاة اتكالاً على حصول هذه الشفاعة فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب بل إن بعض أهل العلم يرى كفر تاركها مستدلاً على ذلك ببعض الأحاديث الصحيحة والاسترسال في المعاصي قد يؤدي بصاحبه إلى الموت على غير دين الإسلام والعياذ بالله.
والقول بعدم خلود أهل الكبائر من الموحدين أصل أصيل ثابت بنصوص محكمة وما خالف ظاهره ذلك الأصل فهو من المتشابه الذي يجب رده إلى ذلك الأصل المحكم .
وهذا الحديث المُحكم يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ .
فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .
فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا .
ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا .
ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ). وجاء في رواية : يخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط إلاّ أنهم يقولون لا إله إلاّ الله .
فلا يوجد أصرح من هذا الحديث المُحكم حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه - فقد ذكر من يعمل عمل الجوارح وذكر أنهم أخرجوا عن بكرة أبيهم بشفاعة المؤمنين وذكر ما دون ذلك من المراتب ـ
حتى وصل إلى من لم يعمل خيرا قطّ فدل على انعدام عمل الجوارح وما بقي معه سوى الأصل وحديث البطاقة خير شاهد على ذلك .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وشفاعة أخرى هي : شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ". انتهى. (" فتح الباري " (11/428))
وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله وجاء بأصل التوحيد ولكنه لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ومما يثبت ذلك النصوص الأخرى التي تشترط – للنجاة – قول لا إله إلا الله ، بصدق ويقين وإخلاص، والتي منها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى : « وَعِزَّتي وَجَلالي وَكِبريائي وَعَظَمتي، لَأُخرِجَنَّ مِنها مَن قالَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ».(صحيح البخاري).
والمعنى : لَأُخرِجَنَّهم كَرَمًا وتَفضُّلًا منِّي، وهذا يَدُلُّ على عَظَمةِ وأهمِّيَّةِ فضلِ التَّوحيدِ، ويُحمَلُ هذا على مَن قالَ تلك الكلمةَ وأهمَلَ العملَ بمُقتَضاها . ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).
2- قال صلى الله عليه وسلم : مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ ؛ نَفَعتْه يومًا من دهرِه ، يُصيبُه قبلَ ذلكَ ما أصابَه .(صحيح الترغيب-رقم : 1525).
" مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ "، أي : قالها بلِسانِه، واعتَقَدَ بقلْبِه أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ؛ وقَرَنَها بالإقرارِ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، " نَفَعتْه يومًا من دهْرِه "، يعني : أنَّها تَنفَعُه يومَ القِيامَةِ؛ حيث تُنجِّيه من الخُلودِ في النارِ،
" يُصيبُه قبلَ ذلك ما أصابَه "، يعني : ربَّما تُصيبُه النارُ ويُعذَّبُ فيها، قبلَ هذه النَّجاةِ، لكبائِرَ ارتَكَبَها، أو لذُنوبٍ فَعَلَها، لكِنَّه في النهايةِ يخرُجُ من النارِ ويدخُلُ الجَنَّةَ؛ لأنَّه لَمَّا أخلَصَ عندَ قَولِ كَلِمةِ التَّوحيدِ أفاضَ اللهُ على قلْبِه نورًا أحياه بِه؛ فبذلِك النورِ طَهُرَ جَسدُه، فنَفَعتْه عندَ فصلِ القَضاءِ. ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).
2- قال صلى الله عليه وسلم : ما مِن نَفسٍ تَموتُ تشهَدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّهُ وأنِّي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يرجِعُ ذلِك إلى قلبِ موقنٍ إلَّا غفَرَ اللَّهُ لَها. (صحيح ابن ماجه-رقم: (3078)). وفي لفظٍ : " مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُخْلِصًا مِن قلْبِه "، وفي لفظٍ : " مَن قالها صدقًا، دخَلَ الجنَّةَ "، وفي لفظٍ : " مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ، وكفَرَ بما يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، دخَلَ الجنَّةَ "؛ فبضمِّ هذه النُّصوصِ بعضِها إلى بعضٍ، يَتبيَّنُ شروطُ شَهادةِ التَّوحيدِ، وفَضْلُها وعظِمُ الجزاءِ عليها .
ولا يَخلُصُ إلى الجنَّةِ دونَ أنْ يمَسَّه عذابُ النَّارِ إلَّا مَن عَمِلَ بحقِّ لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فالتزَمَ بما أمَرَ اللهُ به، وامتَنعَ عمَّا نهى اللهُ عنه، وإذا وقَعَ في مَعصيةٍ تابَ واستغفَرَ، أمَّا مَن لم يَعمَلْ بحقِّها؛ فإنَّه مُتوعَّدٌ بالعِقابِ مِن النَّارِ بما يَستحِقُّ مِن فعْلِه للمعاصي إلَّا أنْ يشمَلَه اللهُ عزَّ وجلَّ برحَمَتِه، ولا يُخَلَّدَ في النَّارِ إلَّا الكافِرُ والمُشرِكُ . ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).
3- عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا .(صحيح البخاري).
أي : أنه ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه؛ إلا حرمه الله على النار، أي : حرم عليه الخلود فيها،
وقوله : « صدقا من قلبه » أي : أن الاعتبار لقوله ونطقه بالشهادتين يكون مبنيا على ما يعتقده في قلبه، وفي هذا احتراز عن النفاق؛ لأن كلمتي الشهادة لا تنفعان المنافق يوم القيامة؛ لأنه لم يقلهما صدقا من قلبه .
وفي الحديث : بشارة عظيمة للموحدين، وأن مرتكب الكبيرة إذا مات موحدا لا يخلد في النار . ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).
4- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " إن رجلاً لم يعمل خيرا قط، كان يُداين الناس، فيقول لرسوله : خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك، قال الله عز وجل له : هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بَعَثْتُه يتقاضى، قلت له : خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، قال الله عز وجل: قد تجاوزتُ عنك ".(صحيح الترغيب). ويُحمَلُ هذا الكَلامُ على أنَّه كان مُوحِّدًا، ولَكِنَّه لم يَأتِ من شَرائعِه بشَيءٍ، وقد رُوي الحَديُث عند أحمَدَ بلَفظِ : « كان رَجلٌ مِمَّن كان قَبلَكُم لم يَعمَلْ خَيرًا قَطُّ إلَّا التَّوحيدَ ».
قال ابن عبد البر رحمه الله : فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه ( لعل الله يتجاوز عنا ) : إيمان وإقرار بالرب ومجازاته وكذلك قول الآخر: ( خشيتك يا رب ) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " . انتهى من (" التمهيد " (18/40-41) )
فبعض المسلمين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولكنهم لم يقوموا بطاعة ، وكثير منهم أسرف على نفسه بارتكاب الكبائر والمعاصي فلم يكن له حسنة ، ولكن تنجيه شهادة أن لا إله إلا الله من الخلود في النار ، ويعضد هذا المعنى الحديث : " أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ، قال بعض العلماء : مثقال ذرة هو أن يكون قد قال في حياته ولو مرة واحدة لا إله إلا الله .
مجرد قول الشهادة في الدنيا ينجي صاحبها من الخلود في النار ، ولذلك طلبها النبي صلى الله عليه وسلم من عمه وهو يحتضر كما عند البخاري،
فمجرد قولها ولو لم يعمل عملا صالحا تنجيه من الخلود في النار ، فالمقصود من هؤلاء الذين جاء ذكرهم في الحديث والذين يخرجهم الله بفضله ورحمته من النار هم أهل التوحيد المسلمين ، ولكن كما ورد في الحديث لم يعملوا خيرا قط أي ليس لهم حسنة تدخلهم الجنة ، ولكنهم ليسوا مشركين بل مسلمين موحدين .
وإليك كلام أهل العلم
- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
الباب الثامن و العشرون ـ في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين قد تقدم في الأحاديث الصحيحة :
أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو ويقع منهم من يقع في النار فإذا دخل أهل الجنة الجنة فقدموا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار فيسألون الله عز وجل إخراجهم منها
والمراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا ومن حديث ابن مسعود موقوفا ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشفاعة قال :
فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله ] خرجاه في الصحيحين. وعند مسلم : [ فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك ].
وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم. والله أعلم (من كتاب : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار)
وقال أيضا رحمه الله :
ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة . انتهى من ( فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 ) .
وقال أيضاً في «فتح الباري-شرح كتاب الإيمان» (100 ـ 127 ) :
« وهذا يُستدل به على أنّ الإيمان القولي كلمة التوحيد والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه الغرماء لمظالمهم؛ بل يبقى على صاحبه؛ لأنّ الغرماء لو اقتسموا ذلك لَخُلِّدَ بعض أهل التوحيد وصار مسلوباً ما في قلبه من التصديق وما قاله بلسانه.
وإنّما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين، فدل على بقائهما على جميع من دخل النار منهم، وأنّ الغرماء إنّما يقتسمون الإيمان العملي بالجوارح،
وقد قال ابن عُيينة وغيره : إنّ الصوم خاصة من أعمال الجوارح لا تقتسمه الغرماء أيضاً ». انتهى.
- و قال الإمام ابن جرير الطبري وهو يحكي قول أهل السنة في الإيمان :
قال بعضهم الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن أتى بمعنيين من هذه المعاني الثلاثة ولم يأت بالثالث فغير جائز أن يقال أنه مؤمن ولكنه يقال له إن كان اللذان أتى بها المعرفة بالقلب والإقرار باللسان وهو في العمل مفرط فمسلم . انتهى من ( التبصير في معالم الدين ( 188 ).
- وقال الإمام ابن منده رحمه الله- المتوفي سنة 395 هـ :
ذكر اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو؟
فقالت طائفة من المرجئة : الإيمان فعل القلب دون اللسان وقالت طائفة منهم الإيمان فعل اللسان دون القلب وهم أهل الغلو في الإرجاء وقال جمهور أهل الإرجاء الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعاً ،
وقالت الخوارج : الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح وقال آخرون الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر،
وقال أهل الجماعة الإيمان : هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلاً وفرعاً فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ،
فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ولا يكون مستكملاً له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم،
وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح « فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان تقول شهدت أشهد شهادة والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك والحياء في القلب وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح » . انتهى من ( [كتاب الإيمان لابن منده , الجزء الأول صفحة 209 ]:
ـ قال ابن حزم رحمه الله ـ في «الفصل والنحل» (3 /181) :
«فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضداً له فهو العقد في القلب والإقرار باللسان؛ فإن الكفر ضدٌّ لهذا الإيمان » .انتهى
وقال أيضا رحمه الله :
الإيمان والإسلام شيء واحد ... كل ذلك عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .... ومن ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر . انتهى من ( المحلى ( 1/ المسألة رقم 75 ,76 , 79 ).
ـ قال ابن عبد البر في «التمهيد» (23 /290) :
عند شرحه حديث : « خمس صلوات في اليوم والليلة ».
قال : « وفيه دليلٌ على أنّ من لم يصلّ من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحّداً مؤمناً بما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- مصدقاً مقرّاً وإنْ لم يعمل، وهذا يردّ قول المعتزلة والخوارج بأسرها؛
ألا ترى أن المقرّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلماً قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره وعقده نيته،
فمن جهة النظر لا يجب أن يكون كافراً إلا برفع ما كان به مسلماً وهو : الجحود لما كان أقرّ به واعتقده، والله أعلم ».انتهى
- وقال العلامة أبوالوليد الباجي [الْمُتَوفَّى:474هـ] :
...قَوْلُهُ : " لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ " ظَاهِرٌ أَنَّ الْعَمَلَ مَا تَعَلَّقَ بِالْجَوَارِحِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعَمَلِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَ الِاتِّسَاعِ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُعْمَلُ بِالْجَوَارِحِ وَلَيْسَ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ اعْتِقَادِ الْكُفْرِ،
وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ ولَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْ شَرَائِعِهِ بِشَيْءٍ . انتهى من (الْمنتقى شرح الْموطأ)
- وقال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ)المنتقى - شرح الموطأ (2/ 70) :
قوله لم يعمل حسنة قط : ظاهر أن العمل ما تعلق بالجوارح وهو حقيقة العمل وإن جاز أن يطلق على الاعتقاد على سبيل المجاز والاتساع فأخبر صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل أنه لم يعمل شيئا من الحسنات التي تعمل بالجوارح وليس فيه إخبار عن اعتقاد الكفر ، وإنما يحمل هذا الحديث على أنه اعتقد الإيمان ولكنه لم يأت من شرائعه بشيء .اه
- : قال القاضي عياض قوله :
" لأخرجن من قال : لا إله إلا الله
" فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه،
وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ إذ تلك أقل المقادير .اه (إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 567))
- : قال أبُو طالب وأَبُو المجد عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي الأندلسيّ الطّرطوشيّ، ثُمّ المَرّاكُشيّ (المتوفى: 608هـ) :
" وفي الحديث أن تلك المقادير المذكورة من مثقال برة وذرة إنما هي مما سوى الإيمان الذي هو قول لا إله إلا الله لكن من سائر الأعمال التي تسمى إيمانا أيضا، لقوله تعالى فيمن قال لا إله إلا الله وليس له غيرها « ليس ذلك لك ».
وأبانهم عن أهل تلك المقادير لتوحده عز وجل بإخراجهم من النار. وهذا أيضا يبين أن الذي توحد الله عز وجل بإخراجهم من النار فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط إنما هو من قالها مرة واحدة فقط مصدقا ومات على ذلك لأن قول لا إله إلا الله حسنة،
فإذا كررها حصلت له حسنة أخرى فهو أزيد خيرا ممن لم يقلها إلا مرة واحدة فقط .اه (تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (1/ 219))
- قال الإمام النووي رحمه الله :
قال القاضي عياض رحمه الله : قيل معنى الخير هنا اليقين. قال : والصحيح أن معناه شئ زائد على مجرد الايمان لأن مجرد الايمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وانما يكون هذا التجزؤ لشئ زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي ،
أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة ويدل عليه قوله في الرواية الاخرى في الكتاب يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا،
ومثله الرواية الأخرى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط. وفي الحديث الآخر لأخرجن من قال لا اله الا الله.
قال القاضي رحمه الله : فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الايمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم وانما دلت الآثار على أنه أذن لمن عنده شئ زائد على مجرد الايمان وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين صلوات الله وسلامه عليهم دليلا عليه،
وتفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة لمن ليس عنده الا مجرد الايمان وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير فانها أقل المقادير، قال القاضى : وقوله تعالى من كان في قلبه ذرة وكذا دليل على أنه لا ينفع من العمل الا ما حضر له القلب وصحبته نية وفيه دليل على زيادة الايمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة هذا آخر كلام القاضي رحمه الله والله أعلم ...انتهى من (شرح النووي على صحيح مسلم ج: 3 ص: (31)).
- قال العلامة ابن الوزير رحمه الله فى [ العواصم والقواصم 101] :
" وقد دل حديث الشفاعة أن الخارجين من النار بالشفاعة ثلاث طوائف، وأن الله يُخرج بعدهم من النار برحمته لا بالشفاعة طائفة رابعة لم يعملوا خيراً قط، ولا في قلوبهم خيرٌ قط، ممن قال : لا إله إلاَّ الله، يُسَمِّيهم أهل الجنة عُتقاء الله من النار ".انتهى.
- قال العلامة الصنعاني فى [رفع الأستار / 132] :
" وهذا الحديث فيه الإخبار بأن الملائكة قالت : (لم نذر فيها خيرا) أي : أحدا فيه خير والمراد ما علموه بإعلام الله.
ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث (أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط) فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا.
ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد ". انتهى.
- قال القرطبي رحمه الله ـ في «التذكرة»، معلقاً على حديث الشفاعة رقم (347 ):
« ثم هو ـ سبحانه ـ بعد ذلك يقبض قبضة فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط يريد « إلا التوحيد » المجرد عن الأعمال ،
وقد جاء هذا مبيناً فيما رواه الحسن عن أنس، وهي الزيادة التي زادها علي بن معبد في حديث الشفاعة : « ثم أَرْجِعُ إلى ربي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً... فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله.
قال : ليس ذاك لك، أو قال: ليس ذلك إليك، وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجنَّ من قال : لا إله إلاّ الله ».
كما شرحه مثلَه الحافظُ ابنُ رجب ـ رحمه الله ـ كما في كتابه « التخويف من النار» (1/ 259 ) حيث قال : و المراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح و إن كان أصل التوحيد معهم و لهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرَّجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً و من حديث ابن مسعود موقوفاً.
و يشهد لهذا ما في [ حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : و عزتي و جلالي و كبريائي و عظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله ] خرجاه في الصحيحين وعند مسلم : [ فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك ] وهذا يدل على أن الذين يُخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق وهم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيراً قَطُّ بجوارحهم ». انتهى.
وقال أيضا رحمه الله :
شفاعة رسول الله والملائكة والنبيين والمؤمنين لمن كان له عمل زائد على مجرد التصديق،
ومن لم يكن معه من الإيمان خير من الدين يتفضل الله عليهم فيخرجوهم من النار فضلا وكرما وعدا منه حقا وكلمته صدقا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فسبحان الرءوف بعبده الوفي بعهده. انتهى (التذكرة: في احوال الموتى وأمور الاخرة)
- وقال العلامة أحْمد بن عمر بن إبراهيم أبو العباس الْأنصاري القرطبي[الْمُتَوفَّى656هـ] :
باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لِمن أدخل النار من الْموحدين قوله : فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبةٍ من برّة أو شعيرة من إيمان
فأخرجه منها ، إلى أن قال : أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.
اختلف الناس في هذا الإيمان المقدّر بهذه المقادير فمنهم من قال : هو اليقين ورأى أنّ العلم يصحّ أن يقال فيه أنه يزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن ، وباعتبار دوام حضوره ، وأنّه ينقص بتوالي الغفلات على قلب المؤمن وهذا معقول ،
غير أنّ حَمْلَ هذا الحديث عليه فيه بعدٌ ؛لما جاء من حديث أبي سعيد ، حيث قال الشافعون { لم نذر فيها خيرًا } مع أنه تعالى يخرج بعد ذلك جموعًا كثيرة ممن يقول : لا إله إلا الله وهم مؤمنون قطعًا ، ولو لم يكونوا مؤمنين ، لما خرجوا بوجهٍ من الوجوه ، ولذلك قال تعالى { لَأُخرّجن من قال لَا إله إلّا الله } وعن إخراج هؤلَاء عبّر بقوله { فيقبض قبضةً فيخرج قومًا لَم يعملوا خيرًا قطّ }،
فإذًا الْأصحّ في هذا الحديث أن يكون الْإيمان هنا أطلق على أعمال القلوب ، كالنية والْإخلاص والخوف والنصيحة وشبه ذلك من أعمال القلوب ، وسَمّاها إيمانًا ؛ لكونها في محل الإيمان أو عن الإيمان ، على عادة العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره ، أو كان منه بسبب ،
وإنّما قلنا أراد به أعمال القلوب هنا دون أعمال الْأبدان ، لقوله من كان في قلبه ووجدتم في قلبه ، فخصّه بالقلب ولَا جائز أن يكون التصديق على ما تقدّم فتعيّن ما قلناه ،والله أعلم . انتهى من (الْمفهم لِما أشكل من تلخيص كتاب مسلم).
- وقال العلامة شمس الدين ابن الْمحب الْمقدسي الحنبلي [الْمتوفَّى:737هـ] :
ليس في الْحديث نفي إيمانِهم وإنّما فيه نفي عملهم الْخير، وفي الْحديث الْآخر " فيخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان " وقد يَحصل في قلب العبد مثقال ذرّة من إيمان وإن كان لَم يعمل خيرا،
ونفيُ العمل أيضا لَا يقتضي نفي القول بل يقال في من شهد أن لَا إله إلّا الله وأنّ مُحمدا رسول الله ، ومات ولَم يعمل بِجوارحه قطّ إنه لَم يعمل خيرا، فإنّ العمل قد لَا يدخل فيه القول ، لقوله " إليْه يصْعَدُ الكلِمُ الطَّيِّبُ و العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفعُه " وإذا لَم يدخل في النفي إيمان القلب واللسان ، لَم يكن في ذلك ما يناقض القران . انتهى من كتابه (إثبات أحاديث الصفات).
- وقال العلامة بدر الدّين العيْني [ الْمُتَوفَّى: 855هـ] :
قَوْله " بِغَيْر عمل عملوه " أَي فِي الدُّنْيَا وَ لَا خير قدموه فِي الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة أَرَادَ مُجَرّد الْإِيمَان دون أَمر زَائِد عَلَيْهِ من الْأَعْمَال والخيرات، وَعلممِنْهُ أَن شَفَاعَة الْمَلَائِكَة و النبيين وَ الْمُؤمنِينَ في من كَانَ لَهُ طَاعَة غير الْإِيمَان الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ إلَّا الله.
الْمُرَاد بِحَبَّة الْخَرْدَل زِيَادَة على أصل التَّوْحِيد، وَ قد جَاءَ فِي الصَّحِيح بَيَان ذَلِك، فَفِي رِوَايَة فِيهِ " اخْرُجُوا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَ عمل من الْخَيْر مَا يزن كَذَا " ثُمّ بعد هَذَا يخرج مِنْهَا من لم يعْمل خيرا قطّ غير التَّوْحِيد . انتهى من (عمدة القاري شرح صحيح البخاري).
- قال العلامة الطيبى رحمه الله :
فإن الشرك لا يغفره الله إلا بتوبة ; كما قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. في موضعين من القرآن وما دون الشرك فهو مع التوبة مغفور وبدون التوبة معلق بالمشيئة .
كما قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذبوب جميعا }. فهذا في حق التائبين , ولهذا عمم وأطلق , وختم أنه يغفر الذنوب جميعا.
وقال في تلك الآية : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. فخص ما دون الشرك وعلقه بالمشيئة فإذا كان الشرك لا يغفر إلا بتوبة وأما ما دونه فيغفره الله للتائب وقد يغفره بدون التوبة لمن يشاء .اه (شرح المشكاة للطيبي (11/ 3531))
- قال الملا على القاري :
واختلف العلماء في تأويله حسب اختلافهم في أصل الإيمان :
والتأويل المستقيم هو أن يراد بالأمر المقدر بالشعير والذرة والحبة والخردلة غير الشيء الذي هو حقيقة الإيمان من الخيرات وهو ما يوجد في القلوب من ثمرات الإيمان ولمحات الايقان ولمعان العرفان لأن حقيقة الإيمان الذي هو التصديق الخاص القلبي وكذا الاقرار المقرر اللساني لا يدخلها التجزىء والتبعيض ولا الزيادة ولا النقصان على ما عليه المحققون،
وحملوا ما قاله غيرهم على الاختلاف اللفظي والنزاع الصوري .اه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 153))
وقال أيضا رحمه الله :
فيخرج أي الله منها أي من النار أو من جهة تلك القبضة قوما لم يعملوا خيرا قط .
قال النووي : هم الذي معهم مجرد الإيمان ولم يؤذن فيهم بالشفاعة وتفرد الله تعالى بعلم ما تكنه القلوب بالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان ،
وفيه دليل على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر له القلب بالرحمة وصحبته نية وعلى زيادة الإيمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة
. ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد .
وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد ،
لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد فإنه لا يقول ابن تيمية ولا غيره أنه يشفع للكفار. اه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 171))
- وقال العلامة محمد بن عمر النووي البنتني-[الْمتوفّى 1316هـ] :
قال صلى الله عليه و سلم : { إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ أمَرَ الله تَعَالَى بأنْ يَخْرُجَ مِنَ النارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإيمانِ } أي زيادة على أصل التوحيد كما قاله القسطلاني.
وفي حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ الله تَعَالى أيْ لِلْمَلائِكَةِ أخْرِجُوا، أي مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ } أي زيادة على أصل التوحيد . انتهى من ("تنقيح القول الحثيث في شرح لباب الحديث").
- وقال العلامة الكشميري-[الْمتوفّى:1352هـ] :
الْخير في حديث أبي سعيد فالْمراد به أعمال القلب فقط كحسنِ النية وغيره لِأنّ فيه ذكر الْخير بعد أعمال الْجوارح؛
لِأنّ الشفعاءَ لَمّا يُخرِجُونَ مَنْ كَان عندهم أعمال الجوارح. يقولون ربنا ما بقي فيها أحدٌ مِمّا أمرتنا به وهم أصحاب أعمال الجوارح.
فيقول : ارجعوا فمن وجدتُم في قلبه مثقالٌ دينار من خير فأخرِجوه إلى آخر المراتب، فلَا بدّ أن يراد من الْخير غير أعمال الجوارح، فإنّهم أُخرجوا في الْمرّة الْأولى،
وإنّما أذن في هذه الْمرّة في من كان عندهم خير على مراتبه، فلَا يكون إلا من الأعمال القلبية . انتهى من (فيض الباري شرح صحيح البخاري).
- قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ :
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده " عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل ـ قال :
يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثا - قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما » .
وساق بسند آخر : " حدثنا معتمر قال : سمعت أبي ، قال : سمعت أنسا قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : « من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة . قال : ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، إني أخاف أن يتكلوا » .
قلت : فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلاص . اه (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 59))
وقال أيضا رحمه الله :
ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط يريد بذلك التوحيد المجرد من الأعمال . اهـ ملخصا من (شرح سنن ابن ماجه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 66)
- قال العلامة صديق بن حسن القنوجي :
وفى هذه الأحاديث فوائد كثيرة منها أن الإيمان يزيد وينقص ومنها أن الأعمال الصالحة من شرائع الإيمان ومنه قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم .
وقيل المراد في هذا الحديث : أعمال القلوب كأنه يقول : اخرجوا من عمل عملا بنية من قلبه لقوله الأعمال بالنيات .
ويجوز أن يكون المراد به : رحمة على مسلم رقة على يتيم خوفا من الله تعالى رجاء له توكلا عليه ثقة به مما هي أفعال القلب دون الجوارح وسماها إيمانا لكونها فى محل الإيمان وهذا الذى قواه القرطبى وأيده في التذكرة .اه (يقظة أولي الاعتبار (ص: 233))
- وهنا مجموعة أقوال لشيخ الإسلام ابن تيمية :
* ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد .اه (مجموع الفتاوى (1/ 318)
* وقال : ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان .اه (مجموع الفتاوى (7/ 222)
* فصل/ فإن قيل : فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان فيلزم تكفير أهل الذنوب كما تقوله الخوارج أو تخليدهم في النار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما تقوله المعتزلة وكلا هذين القولين شر من قول المرجئة فإن المرجئة منهم جماعة من العلماء والعباد المذكورين عند الأمة بخير وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم.
قيل : أولا ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنة هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار؛ فإن هذا القول من البدع المشهورة وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان ؛ وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان .اه (مجموع الفتاوى (7/ 257)
* قلت : وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة أهل السنة بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين معهم شيء من الإيمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين .اه (مجموع الفتاوى (10/ 7)
* وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان :
فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب والسيئات المقتضية للعقاب حتى يمكن أن يثاب ويعاقب وهذا قول جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون : إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان . اه (مجموع الفتاوى (11/ 671)
* وقال : ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدا ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة .اه (مجموع الفتاوى (12/ 479)
* وقال : وأما " مسألة الأحكام " وحكمه في الدار الآخرة فالذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان بل يخرج منها من معه مثقال حبة أو مثقال ذرة من إيمان .اه (مجموع الفتاوى (12/ 490)
* وقال : قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه . ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم ؛ فغفر الله له } " .
فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم ؛ بعد ما أحرق وذري وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان : " أحدهما " متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير . و" الثاني " متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله .
ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح .
وأيضا : فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان } ". وفي رواية : { مثقال دينار من خير ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان } " .
وفي رواية : " من خير " " { ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير } " وهذا وأمثاله من النصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان والخير وإن كان قليلا وأن الإيمان مما يتبعض ويتجزأ .اه (مجموع الفتاوى)
* وقال : فإن نصوص القرآن تقتضي حبوط العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر و (ق) وغير ذلك، وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصل الإيمان ولا بد أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان .
وأما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يقبل العمل إلا به، كما قال تعالى : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. {مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه.
وأما « المعتزلة » فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملي، وأنه لا ينعم أبدا، وأن من استحق العقاب لا يستحق ثوابا بحال، ومن استحق الثواب لا يستحق العقاب؛
فالتزموا لذلك أن تحبط جميع الأعمال الصالحة بالفسق، كما تحبط الأعمال بالكفر ثم أكثرهم يفسقون بالكبيرة ومنهم من لا يفسق إلا برجحان السيئات وهي التي تحبط الأعمال وهذا أقرب .اه (إقامة الدليل على إبطال التحليل (4/ 393))
- قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273) :
" الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل :
شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.
فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فإن لفظ الحديث هكذا فيقول : " ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا .
ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر .اه
- وقال الإمام الألبانى رحمه الله :
وفي الحديث (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله... الى اخره). دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية ،
وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان.
ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري : أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط . ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها .اه ( السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3048).
- وفي حكم تارك الصلاة للألبانى (ص: 33) :
قوله :( لم تغش الوجه ) و نحوه الحديث الآتي بعده : ( إلا دارات الوجوه ) : أن من كان مسلما ولكنه كان لا يصلي لا يخرج [ من النار ] إذ لا علامة له.
ولذلك تعقبه الحافظ بقوله ( 11 / 457 ) : لكنه يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله : ( لم يعملوا خيرا قط). وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في ( التوحيد ) يعني هذا الحديث،
وقد فات الحافظ رحمه الله أن في الحديث نفسه تعقبا على ابن أبي جمرة من وجه آخر وهو أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشرا كثيرا لم يكن فيهم مصلون بداهة وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم وهذا ظاهر جدا لا يخفى على أحد إن شاء الله .اه
- وجاء فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 408) :
الملقي :
إذاً انقطع عني الإشكال، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيراً قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن.
الشيخ :
إيه أيش معنى : لا يدخل الجنة إلا مؤمن كامل؟
مداخلة : لا، لا شك.
الشيخ :
وأنا بقول : تارةً بلى، تارةً لا، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمناً كاملاً، أو على الأقل رجحت سيئاته على، حسناته على سيئاته،
أما إذا كان مؤمناً لكن له سوابق، له سيئات إلى آخره، فإذاً إن لم تشمله مشيئة الله بالمغفرة كما قال الله -عز وجل- : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. (النساء:48)، إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ويعذب ما يشاء، حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق : «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها، «إلا بحقها» كما جاء في حديث : «أمرت أن أقاتل الناس» هذا بالنسبة للمؤمنين الكاملين .
أما بالنسبة للمؤمنين العصاة فتنجيهم شهادة أن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان وهذا هو أقل ذرة إيمان، أي لم يكن هنا يعني التزام لحقوق شهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة ترانزيت مع السابقين الأولين، قد يدخلها بعد الحساب، ويكون الحساب نوع من العذاب، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره .اه
- وجاء أيضا فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 413) :
مداخلة :
أستاذ، لعل في زيادة في مسند أحمد من حديث ابن مسعود : لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد .
الشيخ : هذا هو
مداخلة : بهذا النص جاءت.
الشيخ : نعم
علي حسن :
الإشكال شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبد الرحمن : « لم يعملوا خيراً قط ». أصل من الأصول العظيمة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب على الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان، ولكنها شرط كمال.
الشيخ :
كمال الإيمان، نعم
علي حسن :
من شرط كمال الإيمان هذا أحد الأدلة على ذلك.
الشيخ : صحيح . اه
- وسئل أيضا رحمه الله :
الحديث الذي هو حديث الشفاعة ذكر لي بعض الإخوة يعني أن هناك يرد على حديث الشفاعة الذي في آخره ( أخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) يعني شفاعة الله ورحمة الله في أقوام لم يعملوا خيرا قط قال هذا خاصة الأخيرة ( لم يعمل خيرا قط ) مثل لفظ الحديث الذي قتل مائة فقالت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيرا قط مع أن الرجل قد أتى تائب وقد عمل خيرا فهذا إشكال لم يعمل خيرا قط مع أن هذا الرجل يؤمن بالله ... كيف يجاب عن هذا الإشكال من قال إنما هذا خرج مخرج الغالب الذي هو لم يعمل خيرا قط؟
فأجاب :
خليه يأول حديث ( لم يعمل خيرا قط ) بما يشاء أن ليس موضوعنا الآن فيه موضوعنا أن هذا حديث صحيح وصريح أن الله عز وجل أذن للمؤمنين الصادقين من أهل الجنة بأن يشفعوا لإخوانهم الذين كانوا معهم كانوا يصلون معهم لكن ما نراهم معنا فيستأذنون ربهم بأن يشفعوا لهم فيأذن لهم خرجت أول وجبة ...
فاستحقوا بها أن يدخلوا النار فأخرجوا بشفاعة الصالحين ثم يأذن لهم بإخراج وجبة أخرى ... فالتساؤل الآن ما علاقة حديث ( لم يعمل خيرا قط ) بهؤلاء الذين أخرجوا بشفاعة الصالحين ولم يكونوا من المصلين، لكن شو وجه العلاقة؟
السائل : وجه العلاقة أنه يعني الفهم القائم لعله أن الوجبة الثانية ( أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) لا ينفي أنهم لم يصلوا ... .
الشيخ :
... أن الذين كانوا يصلون أخرجوا.
السائل : والآخرين هل ينفي ... ؟
الشيخ :
طبعا لأن الذين قالوا هذه الجملة إخواننا كانوا يصلون معنا وما نراهم معنا شفعوا لهم فأخرجوهم فلما أذن لهم بأن يشفعوا في جماعة ثانية هؤلاء ليس فيهم ولذلك نتسائل إيش علاقة هذا الحديث بهذا؟
السائل : إذن هنا ... .
الشيخ :
... هو الذي جعلنا نحن نستدل بالحديث على أن تارك الصلاة إذا كان مسلما كما قلنا آنفا الفرق بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي إذا كان مؤمنا بالصلاة لكنه لم يكن يصلي كسلا وهملا ليس ... فهؤلاء يشفع لهم.
السائل : إذا هذا السؤال إنقطع هذا السؤال إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيرا قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن
الشيخ :
إيش معنى ذلك لا يدخل الجنة إلا مؤمن ... فأنا بأقول تارة بلى وتارة لا، لايدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمنا كاملا أو على الأقل رجحت حسناته على سيئاته ،
أما إذا كان مؤمنا لكن له سوابق له سيئات إلى آخره فهذا إما تشمله مشيئة الله ومغفرته كما قال الله عز وجل (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ليعذب ما يشاء حينئذ كما قلنا في الحديث السابق ( من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره ) أي تكون هذه الشهادة ليست الشهادة بمقتضياتها إلا بحقها كما جاء في الحديث ...
شهادة أن لا إله إلا الله هذا هو الإيمان وهذا أقل ذرة إيمان أي لم يكن هناك يعني التزام بحقوق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ...
المهم فهنالك درجات أما إذا افترضنا أشقى الناس ... فحينما نحن نقول أن تارك الصلاة كافر أي مرتد عن دينه ما هو الكفر؟
الكفر ماهو لا يمكن أن نتصور عالما حقا لا يوافق على هذا التفصيل الذي استفدناه من شيخي الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ... كفر عملي وكفر اعتقادي لابد من هذا التفصيل وإلا ألحق من لا يتبنى هذا التفصيل بالخوارج ،
فلابد فالذين يكفرون تارك الصلاة ليس عندهم حجة إطلاقا قاطعة في الموضوع سوى ظواهر النصوص وهذه الظواهر من النصوص معارضة لظواهر نصوص أخرى فلابد من التوفيق بينها فبماذا نوفق؟
نوفق من ترك الصلاة مؤمنا بها معترفا بشرعيتها معترفا في قرارة نفسه بأنه مقصر مع الله تبارك وتعالى في إضاعته إياها أما أن يسوي بين هذا وبين ذاك المشرك الذي لا يعترف لا بصلاة ولا بزكاة،
أنا أستغرب جدا كيف نسوي بين من كفره كفر إعتقادي وعملي المشرك كافر كفرا اعتقاديا وعمليا أي هو ينكر الشريعة الإسلامية بحذافرها ومنها الصلاة فهو إذًا لا يصلي فهو إذًا كافر كفر إعتقادي وكفر عملي
وأما المسلم فقد يصلي أحيانا كما هو الواقع في كثير من المسلمين التاركين للصلاة كيف نقول هذا كهذا يا أخي هذا ليس كهذا هذا يخالف هذا تماما في العقيدة هذا المشرك لا يشهد بلا إله إلا الله محمد رسول الله ولا بلوازمها ...
أما هذا المسلم الفاسق الخارج عن طاعة الله وطاعة رسول الله يخالفه مخالفة جذرية فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤمن بكل لوازمها ولكنه غلبه هوى النفس غلبه حب المال إلى آخره من معاذير ليست معاذير له تشفع في أن يترك الصلاة لكنها معاذير تشفع له عند الله يوم القيامة أنه أنا آمنت بالله ورسوله لكني قصرت التسوية بين هذا وهذا هي ظلم وأنه ميزان جائر غير عادل،
هذا مع الأدلة الأخرى الكثيرة والكيثرة جدا التي أشرنا إليها في الدروس السابقة أنه مجرد ما قال ( من ترك الصلاة فقد كفر ) مش معناها ارتد عن دينه لأن من حلف بغير الله فقد كفر مش معناها ارتد عن دينه مثل هذا التعبير كثير وكثير جدا في أحاديث الرسول عليه السلام فمالذي يحملنا على أن نفسر أن من ترك الصلاة فقد كفر أي ارتد عن دينه، ...
الأحاديث والنصوص كلها تتجاوب بعضها مع بعض وتضطرنا اضطرارا فكريا عقديا أنه لا نقع في حيصة بيصة ...
هذا التفصيل هو الذي جعلنا نحتج الحديث ونحن لم نكن من قبل نحتج بهذا الحديث عندنا أشياء كثيرة وكثيرة جدا لكن الحديث هذا في الحقيقة زاد نور على نور أوضح لمن كان غافلا أن هذه المسألة فيها الغلو من بعض المشايخ والعلماء ...انتهى باختصار من (متفرقات للألباني-(285)).
- وقال أحد طلاب العلم للشيخ رحمه الله :
...ولكن أنا أقول حتى بصورة مختلفة أو بلفظ آخر بأن الذي لم يعمل خيرا قط , أي لم يعمل عملا صالحا غير لا إله إلا الله ,
فلا إله إلا الله هي العمل الذي نفعه وهي القول الذي قاله لأنه لسان يتحرك بها فهو عمل وقلب يعتقد فهو عمل أيضا ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد, أنه لم يعمل خيرا قط أي من الأعمال التي كان يعملها سائر المؤمنين...
السائل :
لم يعمل خيرا قط يعني استثنينا لفظ الإيمان الذي هو الشهادة ألا تكفي وحدها برد الحكم بكفر تارك الصلاة ؟
الشيخ :
يكفي من طريق دلالة العموم.
السائل : يعني كيف شيخنا ؟
الشيخ :
لم يعمل خيرا قط هلأ نحن حسب ما شرح الأستاذ أبو مالك لم يعمل خيرا قط استثنينا نحن.
السائل : ممكن نستثني أيضا.
الشيخ :
أما حديث الشفاعة خاص , نص في الموضوع
السائل : بالإجمال.
سائل آخر : لعل في زيادة في مسند أحمد في حديث بن مسعود
الشيخ : آه
سائل آخر : "لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد"
الشيخ : وهذا هو
سائل آخر : بهذا النص جاءت
الشيخ : آه
الحلبي : شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبدالرحمن لم يعملوا خيرا قط أصل من أصول العديدة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب من الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان ولكنها شرط كمال.
الشيخ : كمال الإيمان نعم.
الحلبي : شرط كمال في الإيمان وهذا أحد الأدلة على ذلك.
الشيخ : صحيح.
السائل : هذه نقطة أولى , بعدين نقطة ثانية شيخنا تفضلتم بإشارة غالية عزيزة منكم في التفريق أولئك الذين لا يفرقون بين الذي عنده إيمان بالصلاة و بالتالي التوحيد والذي عنده جحود و إنكار للألوهية , وأنا أقول هذه النقطة شيخنا وهذا ملحظ اجتهادي أرجو منكم تقويمي فيها.
الشيخ : تفضل.
الحلبي : إنه هؤلاء يخشى أن يكون قولهم بعدم التفريق هذا سببا في أن يجعلوا الصلاة أهم من كلمة التوحيد لأن كلمة التوحيد هي الأساس الذي تقبل تحته الصلاة وليس العكس.
الشيخ : تمام يعطيك العافية.
الحلبي : الله يبارك فيك.
الشيخ :
الحمد لله الذي هدانا لها وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. انتهى من (سلسلة الهدى والنور - شريط : (673)).
- ـ قال الشيخ محمد خليل هراس السَّلَفيّ الشّهير ـ رحمه الله ـ معلقاً على كلام الإمام ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في تحقيقه لكتاب «التوحيد» (ص309 ):
« لا بل ظاهرها : أنهم لم يعملوا خيراً قط كما صرّح به في بعض الروايات أنهم جاءوا بإيمان مجرد لم يضمّوا إليه شيئاً من العمل ». انتهى.
- وسئل العلامة الراجحي رحمه الله :
كيف نحمل الحديث الذي رواه الإمام البخاري: (ويخرج الله أقواماً من النار لم يعملوا خيراً قط فيدخلهم الجنة) هل معناه أنهم دخلوا الجنة بمجرد وجود أصل الإيمان في قلوبهم، كما في الحديث الآخر الذي رواه البخاري: (من كان في قلبه وزن ذرة من إيمان فأخرجه من النار)، وجزيتم خيراً؟
الجواب :
معنى : ( ما عمل خيراً ) قط يعني : زيادة على التوحيد والإيمان، ولهذا جاء في اللفظ الآخر : ( إلا أنهم يقولون : لا إله إلا الله ) إلا أنهم موحدون، فأخرجهم الله بالتوحيد والإيمان، وليس عندهم زيادة عن التوحيد والإيمان.
ولا يمكن أن يفهم معنى ذلك أن الله أخرجهم وهم على الشرك؛ لأن الجنة حرام على المشرك بنص القرآن، قال الله تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } [المائدة:٧٢]، فالنصوص تضم بعضها إلى بعض، ويصدق بعضها بعضاً، ولا يجوز أن يصدم بعضها ببعض . انتهى من (شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية - الراجحي).
- وجاء في شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح آل الشيخ :
" الله جل وعلا ثبت في الحديث أنه يقول : ( شفع الأنبياء وشفعت الملائكة وشفع وشفع وبقي أرحم الراحمين فيأخذ الله جل وعلا بقبضته من النار فيُخرج قوما لم يعملوا خيرا قط فيدخلهم الجنة ) .
وهؤلاء الذين لم يعملوا خيرا قط من أهل العلم من استشكل معنى قوله ( لم يعملوا خيرا قط ) . فيظلون لا عمل لهم يشفع في خروجهم من النار السريع ولا شفيع لهم شفع فالله جل وعلا أرحم بعباده المؤمنين فيأخذ هؤلاء ويخرجهم من النار ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته " .اه
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق