✅ يتساءل الكثير من المسلمين : ما مصير من يأتي يوم القيامة بذنوب عظيمة كأمثال الجبال؟ وهل يغفر الله لهم أم يعاقبهم بها؟
✅ هذا السؤال وردت فيه نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية، تبيّن رحمة الله الواسعة بعباده المؤمنين.
▣▣ رحمة الله بالمسلمين يوم القيامة:
✔ يمتنّ الله سبحانه وتعالى على أهل الإسلام يوم القيامة بالنجاة من النار ودخول الجنة، حتى إن بعض المسلمين يأتون بذنوب عظيمة كأمثال الجبال، فيغفرها الله لهم برحمته وفضله.
▣▣ الحديث النبوي حول ذنوب أمثال الجبال:
✅ عن النبي ﷺ قال : « يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى ». (رواه مسلم 2767).
▣▣ ما معنى وضع الذنوب على اليهود والنصارى؟
يحتمل أن يكون معناه أن:
● الله تعالى يزيد الكفار عذابًا فوق عذابهم بسبب فسادهم وأفعالهم السيئة، بينما يرفع عن المؤمنين سيئاتهم، فلا يُعذَّب أحد بذنب غيره.
● بقاء السيئات على الكفار جعلهم كأنهم حملوا إثم الفريقين، ويُخص اليهود والنصارى بالذكر لاشتهارهم بعداوة المسلمين. ينظر: (الدرر السنية- الموسوعة الحديثية).
هل يتعارض الحديث مع قوله تعالى : ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾؟
✅ الجواب : هذا الحديث لا يتصادم مع الآية الكريمة، للآتي:
1- قد يتبادر إلى الذهن : أن الله يعاقب الكفار بذنوب غيرهم، وهذا يخالف قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. [النحل: 25].
2- الأصل في القرآن : لا يُعاقَب أحد بذنب غيره، وكل إنسان مسؤول عن عمله وحده.
3- المعنى في الحديث : أن الله يغفر لبعض المسلمين ذنوبهم، ويبقى أثر هذه الذنوب على من كان سبباً فيها من الكفار، مثل من سنّ المعاصي والبدع والفساد، فأضلّ غيره.
4- بالتالي : فالكفار يُعذَّبون بذنوبهم هم، لأنها ناتجة عن إضلالهم ونشرهم الفساد، وليس أنهم حُمّلوا ذنوب المسلمين ظلماً،
كما قال تعالى : ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
▪️ وقال النبي ﷺ: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". (رواه مسلم).
▣▣ شرح العلماء للحديث :
★ قال الإمام النووي رحمه الله :
.. وأما رواية : ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ) : فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ،
ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم ، لا بذنوب المسلمين،
ولا بد من هذا التأويل ، لقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، وقوله : ( ويضعها ) مَجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه ،
لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم ، وأبقى على الكفار سيئاتهم،
صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم ،
ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها ، بأن سنُّوها ، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ،
ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها ، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها. انتهى من (" شرح مسلم " (17/85)).
وقال العلامة القرطبي رحمه الله :
ومعنى قوله: «ويضعها على اليهود والنصاري» أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم، حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم، وجرم مذنبي المسلمين، لو أخذوا بذلك؛
لأنه تعالى لا يأخذ أحدا بذنب أحد، كما قال تعالى: )ولا تزر وازرة وزر أخرى( (الأنعام: ١٦٤)،
وله سبحانه أن يضاعف لمن يشاء العذاب، ويخفف عمن يشاء بحكم إرادته ومشيئته؛ إذ لا نسأل عن فعله. ينظر: ( التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة-ص495: 497).
▣▣ أمثلة على أوزار الكفار بسبب إضلال غيرهم:
● نشر الفساد والشهوات بين المسلمين.
● سنّ القوانين والبدع التي تخالف شريعة الله.
● الدعوة إلى الانحراف عن الدين.
◄ فإذا وقع المسلم في هذه الذنوب، ثم تاب الله عليه وغفرها له، بقي وزرها على من سنّها وكان سبباً في وقوعه فيها.
★ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
... يجب حمله على ما يوافق الأدلة الأخرى، وذلك بحمله على اليهود والنصارى الذين كانوا سببا في وقوع المسلمين في الذنوب التي غفرت لهم،
لقوله سبحانه : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )،
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل إثم من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ) ولما جاء في معناه من الأحاديث. ينظر: " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/468).
▣▣ الخلاصة :
◄ المسلم إذا جاء يوم القيامة بذنوب عظيمة، قد يغفرها الله له برحمته وفضله.
◄ الكفار الذين كانوا سبباً في نشر الفساد والضلال يُعاقبون بذنوبهم وأوزار من أضلّوهم.
◄ لا يحمل أحد ذنب غيره ظلماً، ولكن من كان سبباً في الإثم ناله مثل وزر من تبعه.
✅ قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾. [يونس: 44].
والله اعلم
اقرأ أيضا:

تعليقات
إرسال تعليق