✅ تعد مسألة نسخ الأحاديث النبوية من أدق مسائل علم الحديث والفقه، لأنها تتعلق بإثبات الأحكام الشرعية وفهم النصوص على وجهها الصحيح.
✅ ومن أشهر المسائل التي أثير حولها النقاش: هل نُسخ حديث طلق بن علي في مسّ الذكر؟
✅ في هذا المقال القصير سنعرض ملخص المسألة بالدليل، مع بيان سبب ظهور دعوى النسخ، ولماذا يرى العلماء أن هذه الدعوى غير صحيحة.
1- ما هو حديث طلق بن علي؟
▣ ورد عن طلق بن علي رضي الله عنه أن رجلًا: قال يا رسول الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة قال وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك. (صحيح النسائي-رقم: (165)).
✔ ومعنى الحديث : أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لأنه جزء من الإنسان كأي عضو آخر.
2- سبب ظهور دعوى النسخ.
▣ استدل بعضهم على نسخ حديث طلق- بحديث آخر رواه بُسرة بنت صفوان رضي الله عنها، وفيه: «من مسّ ذكره فليتوضأ». (إرواء الغليل-رقم : (116)).
فقالوا : حديث بُسرة ناسخ لحديث طلق. لكن هل هذا صحيح؟
3- الجواب المختصر: دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ لأنه قدم على النبي ﷺ وهو يبني مسجده أول الهجرة ولم يعد إليه بعد، فهذا غير صحيح، للأسباب التالية:
1- النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذّر الجمع.
والجمع بين الحديثين ممكن بلا تعارض، فلا وجه للقول بالنسخ.
2- حديث طلق معلَّل بعلة لا تزول.
● علّة الحكم هي قوله ﷺ: «إنما هو بضعة منك»، وهذه العلة ثابتة لا تزول أبدًا، فلا يمكن أن يصبح الذكر في يوم من الأيام ليس بضعة من الإنسان.
● ومادام الحكم مرتبطًا بعلة ثابتة، لا يُتَصوّر نسخه.
3- لا يُعلم المتقدم والمتأخر من إسلام الصحابي.
● أهل العلم يقررون أن تقديم إسلام الراوي لا يعني تقديم سماعه للحديث.
بمعنى : أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام ، فلا نقول :
إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخاً لمن تقدم إسلامه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي ﷺ حدث به بعد ذلك. ينظر: (الشرح الممتع ١/٢٣٣، ٢٣٤).
✅ حديث أبي هريرة : « إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره وليس بينهما سِتر ولا حجاب فلْيتوضأ ». هو حديث ضعيف.
◄ فالاستدلال به على النسخ غير صحيح أصلًا.
★ قال الإمام الألباني رحمه الله :
.. ثم أن استدلال محيي السنة به على نسخ حديث طلق، فيه نظر من وجوه :
الأول: أن السند لم يصح به إلى أبي هريرة.
الثاني: أنه لو صح فإنه لم يصرح بسماعه له من رسول الله - ﷺ -،
فيجوز أن يكون قد أخذ عن بعض الصحابة الذين سمعوه منه - ﷺ- قبل أن يحدث بحديث طلق.
الثالث: أنه يمكن الجمع بين الحديثين بنحو ما ذكرناه عن ابن تيمية، فلا مبرر للقول بالنسخ. ينظر: (التعليق على مشكاة المصابيح ١/ ١٠٥).
✅ كلام الألباني حول الجمع بين الأحاديث المتواترة والحسنة.
★ قال الإمام الألباني رحمه الله :
.. أين في علم أصول الفقه أن الحديث الذي تواتر ، لا أقول سبعة رووه من الصحابة تواتر عن رسول الله ﷺ
أنه لا يجوز التوفيق بينه وبين حديث حسن لا أقول أيضا حديث صحيح لا أقول حديث حسن،
لا يوجد شيء من هذا في الأصول إطلاقا، بل الموجود نقيض ذلك تماما كما أذكر جيدا في "شرح النخبة- للحافظ ابن حجر العسقلاني" حينما يتكلم عن التوفيق بين الأحاديث فيقول:
" إذا كان الحديث من قسم المقبول فعارضه حديث مثله حينئذا وجب التوفيق بين الحديثين بوجه من وجوه التوفيق "...
فنحن الآن نقول حديث ( من مس ذكره فليتوضأ ) حديث متواتر مش فقط الراوي تبعك وهو عشرة أو عشرين وإلى آخره،
طيب ، عارضه حديث طلق بن علي ماذا نفعل نرده بدعوى النسخ أم نحاول التوفيق نحاول التوفيق فالآن في صدد التوفيق ،
فلماذا لا نوفق بين الحديثين قبل أن نقول هذا ناسح وهذا منسوخ،
علما أن كل من المذهبين المتعارضين يدعي نقيض ما يدعيه الآخر- الأحناف يدعون أن حديث بسرة هو المنسوخ بحديث طلق ..
الحقيقة أنه لا سبيل إلى معرفة المتقدم من المتأخر إلا مجرد دعاوى،
ثم هل يشترط لمجرد معرفة المتقدم من المتأخر لو استطعنا إلى ذلك سبيلا أن لا نرجع إلى التوفيق مع معرفة المتقدم من المتأخر،
الأصل هو التوفيق، لو عرفنا المتقدم من المتأخر فليس علمنا بمعرفة المتقدم ومعرفة المتأخر أن ندعي أن المتأخر ناسخ للمتقدم، مادام أنه يمكن التوفيق بينهما. ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(768)).
✅ الأسئلة الشائعة :
س: هل مسّ الذكر ينقض الوضوء؟
ج: المسألة محل خلاف، والراجح: إذا كان بشهوة ينقض الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فلا.
س: هل العلة في حديث طلق تمنع النسخ؟
ج: نعم؛ لأنها علة ثابتة لا تتغير، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
✅ الخلاصة :
● لا يوجد دليل صحيح يدل على أن حديث طلق بن علي منسوخ،
والجمع بينه وبين حديث بُسرة مُمكنٌ ومعتبرٌ عند أهل العلم، والنسخ لا يُلتجأ إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو غير متعذر هنا.
والله اعلم
اقرأ أيضا :

تعليقات
إرسال تعليق