تُعد مسألة نسخ الأحاديث النبوية من القضايا الدقيقة التي تناولها علماء الحديث والفقه في إطار البحث عن الأحكام الشرعية الثابتة والصحيحة.
** ومن بين الأحاديث التي أثير حولها الجدل : حديث طلق بن علي رضي الله عنه، الذي جاء فيه أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، بقوله ﷺ : "هل هو إلا بضعة منك؟".
* وظهرت سبب دعوى نسخ حديث طلق بن علي بسبب حديث آخر، وهو حديث بُسرة بنت صفوان، الذي فيه :"من مس ذكره فليتوضأ."
** لذلك هل حديث طلق بن علي منسوخ فعلًا؟ أم أن دعوى النسخ غير صحيحة؟.
الجواب:
دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ لأنه قدم على النبي ﷺ وهو يبني مسجده أول الهجرة ولم يعد إليه بعد، فهذا غير صحيح لما يلي :
1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع ، والجمع هنا ممكن.
2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول ، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛
لأن الحكم يدور مع علته ، والعلة هي قوله : ( إنما هو بضعة منك ) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه ، فلا يمكن النسخ .
3 - أن أهل العلم قالوا : إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي ، أو تقدم أخذه ؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره .
بمعنى : أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام ، فلا نقول :
إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخاً لمن تقدم إسلامه ،
لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة ، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك. ينظر: (الشرح الممتع ١/٢٣٣، ٢٣٤).
** وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه : قال رسول الله ﷺ : « إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره وليس بينهما سِتر ولا حجاب فلْيتوضأ ». فهو «حديث ضعيف».
- علق الإمام الألباني رحمه الله على هذا الحديث فقال :
.. ثم أن استدلال محيي السنة به على نسخ حديث طلق، فيه نظر من وجوه :
الأول: أن السند لم يصح به إلى أبي هريرة.
الثاني: أنه لو صح فإنه لم يصرح بسماعه له من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فيجوز أن يكون قد أخذ عن بعض الصحابة الذين سمعوه منه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحدث بحديث طلق.
الثالث: أنه يمكن الجمع بين الحديثين بنحو ما ذكرناه عن ابن تيمية، فلا مبرر للقول بالنسخ. انتهى من (التعليق على مشكاة المصابيح ١/ ١٠٥).
- وقال أيضا رحمه الله :
.. أين في علم أصول الفقه أن الحديث الذي تواتر ، لا أقول سبعة رووه من الصحابة تواتر عن رسول الله ﷺ
أنه لا يجوز التوفيق بينه وبين حديث حسن لا أقول أيضا حديث صحيح لا أقول حديث حسن،
لا يوجد شيء من هذا في الأصول إطلاقا،
بل الموجود نقيض ذلك تماما كما أذكر جيدا في "شرح النخبة- للحافظ ابن حجر العسقلاني" حينما يتكلم عن التوفيق بين الأحاديث فيقول :
" إذا كان الحديث من قسم المقبول فعارضه حديث مثله حينئذا وجب التوفيق بين الحديثين بوجه من وجوه التوفيق "...
فنحن الآن نقول حديث ( من مس ذكره فليتوضأ ) حديث
متواتر مش فقط الراوي تبعك وهو عشرة أو عشرين وإلى آخره،
طيب ، عارضه حديث طلق بن علي ماذا نفعل نرده بدعوى النسخ أم نحاول التوفيق نحاول التوفيق فالآن في صدد التوفيق ،
فلماذا لا نوفق بين الحديثين قبل أن نقول هذا ناسح وهذا منسوخ،
علما أن كل من المذهبين المتعارضين يدعي نقيض ما يدعيه الآخر الأحناف يدعون أن حديث بسرة هو المنسوخ بحديث طلق ..
الحقيقة أنه لا سبيل إلى معرفة المتقدم من المتأخر إلا مجرد دعاوى،
ثم هل يشترط لمجرد معرفة المتقدم من المتأخر لو استطعنا إلى ذلك سبيلا أن لا نرجع إلى التوفيق مع معرفة المتقدم من المتأخر،
الأصل هو التوفيق،
لو عرفنا المتقدم من المتأخر فليس علمنا بمعرفة المتقدم ومعرفة المتأخر أن ندعي أن المتأخر ناسخ للمتقدم، مادام أنه يمكن التوفيق بينهما. ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(768)).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق