لطاعة الحاكم المسلم فى المعروف وإن كان ظالماً مكانة عظيمة في الإسلام،
فهي واجبة شرعية على كل مسلم ومسلمة، لما لها من آثار إيجابية على استقرار الأمة ووحدتها.
** وللأهمية الشديدة لهذا الموضوع، سنقوم برحلة عبر 15 قولاً لأهل العلم في وجوب طاعة الحاكم المسلم،
مستعرضين بعض أقوال كبار العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية:
1- قال الإمام الشافعي رحمه الله (ت204 هـ)- في وصيته المشهورة: ( والسمع والطاعة لأولي الأمر ما داموا يصلون، والولاة لا يخرج عليهم بالسيف ). ينظر: ((اعتقاد الشافعي)) للهكاري (ص: 16).
2- قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (ت241 هـ): ( والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر،
ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن خرج عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين ). ينظر: ((أصول السنة)) (ص: 42).
- وقال أيضا رحمه الله : ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة،
فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية،
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. ينظر: (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل-لابن بدران (78 : 80)).
3 - قال الإمام المُزَنيُّ رحمه الله (ت264 هـ): ( الطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضيا، واجتناب ما كان عند الله مسخطا،
وترك الخروج عند تعديهم وجورهم، والتوبة إلى الله عز وجل كيما يعطف بهم على رعيتهم ). ينظر: (شرح السنة- للمزني (ص: 84)).
4 - قال الإمام حرب بن إسماعيل الكَرْمانيُّ رحمه الله (ت280 هـ): ( الانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمرك، لا تنزع يدك من طاعته، ولا تخرج عليه بسيفك، حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا،
وأن لا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، لا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف، مفارق للجماعة،
وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه، ولا تمنعه حقه ). ينظر: ((إجماع السلف في الاعتقاد-للكرماني)) (ص: 46-48).
5 - قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله (ت289 هـ): «... ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة،
ونسمع ونطيع لمن ولَّاه الله عز وجل أمرنا، ولا ننزع يدًا من طاعة، ونتبع السنة والجماعة ». ينظر: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للإمام اللالكائي (1/175)).
6 - قال الإمام الطحاوي رحمه الله (ت321 هـ): ( لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم،
ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ). ينظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 68).
7 - قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله (ت324 هـ): ( أجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضا أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر،
لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلى خلفهم الجمع والأعياد ) .ينظر: ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 168).
8 - قال الإمام الحسن البَربَهاريُّ رحمه الله (ت329 هـ): ( والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين،
ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماما، برا كان أو فاجرا ). ينظر: ((شرح السنة)) (ص: 56).
9 - قال الإمام أبو بكر الآجُريُّ رحمه الله (ت360 هـ): ( باب في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة ). وساق جملة من الأدلة. ينظر: ((الشريعة- للآجري)) (1/373).
10 - قال الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله (ت474 هـ) في وصيته لابنيه: ( عليكما بطاعة من ولاه الله أمركما فيما لا معصية فيه لله تعالى؛ فإن طاعته من أفضل ما تتمسكان به وتعتصمان به ممن عاداكما.
وإياكما والتعريض للخلاف لهم والقيام عليهم؛ فإن هذا فيه العطب العاجل والخزي الآجل، ...
فالتزما الطاعة وملازمة الجماعة؛ فإن السلطان الجائر الظالم أرفق بالناس من الفتنة وانطلاق الأيدي والألسنة ). ينظر: ((النصيحة الولدية)) (ص: 30).
11 - قال الإمام الحافظ الأصبهاني المُلَقَّب بقَوَّام السُنَّة رحمه الله (ت535 هـ): ( من السنة السمع والطاعة لولاة الأمر أبرارا كانوا أو فجارا،
والصلاة خلفهم في الجمعات والأعياد، والجهاد معهم والدعاء لهم بالصلاح ). ينظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/572).
12 - قال القاضي الأصولي جمال الدين الغَزنَويُّ رحمه الله (ت593 هـ): ( طاعة الأئمة واجبة، وهي فرض عين من فروض الشرع؛ لأن الإمام إذا لم يكن مطاعا يؤدي ذلك إلى :
إخلال نظام الدين والدنيا من الفساد ما لا يحصى،
وكذا طاعة السلاطين والأمراء والولاة واجبة؛ لقوله تعالى : "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" إلا فيما يأمرون من المعاصي فحينئذ لا إثم على الآبي...
ولا يحل الخروج عليهم وإن جاروا، ولا ينعزلون عن الإمامة والولاية وإن ظلموا أو ارتكبوا كبيرة،
ولا ندعو عليهم إذا ظلموا، بل ندعو لهم بالصلاح والعدل ). ينظر: ((أصول الدين)) (ص: 281-283).
13 - قال الإمام النووي رحمه الله (ت676 هـ) - عند شرحه لحديث (( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهونها )): فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً،
فيعطي حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه، ولا يخلع، بل يتضرع إلي الله - تعالي - في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه. ينظر: [(( شرح مسلم )) ( 12/232 )].
14 - قال الإمام الأثري ابن أبي العِزِّ رحمه الله (ت792 هـ): ( أما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم،
بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور؛ فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل،
فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل... قال تعالى : "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" [الأنعام: 129]. فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم ). ينظر: ((شرح الطحاوية-لابن أبي العز)) (2/543).
15 - قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حَجَرٍ رحمه الله (ت852 هـ): ( وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه ). ينظر: ((فتح الباري)) (13/71).
** وأختم بهذا :
* اعلم أخي المسلم أن طاعة ولاة الأمور في طاعة الله ورسوله وما لا معصية لله ورسوله فيه،
هو دين يدان به لله عز وجل، رغبة في ثوابه، وحذرا من عقابه،
لقوله ﷺ: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني. رواه البخاري.
* كما أن طاعتهم في المعروف عبادة لله تعالى، وأخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي من تحقيق مدلول الشهادتين،
لقوله ﷺ: ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة. رواه مسلم.
* وكون الولاة لا يُطاعون في المعصية لا يعني عدم طاعتهم مطلقًا، بل لا يُطاعون في الأمر الذي فيه معصية بخصوصه،
مع وجوب السمع والطاعة لهم في غيره من الطاعات الواجبة والمستحبة، والتنظيمات المباحة،
لقوله ﷺ: على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. رواه مسلم.
* فكل من لا يعتبر حاكم دولته المسلم حاكماً حقيقياً يدان له بالطاعة في المعروف ولزوم البيعة فهو يتبنى مذهب الخوارج والعياذ بالله،
لقوله ﷺ: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية. رواه مسلم.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق