">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

فهم حديث "ما رأيت رسول الله صائماً في العشر قط"


ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها فى صحيح مسلم قولها : "ما رأيت رسول الله ﷺ صائمًا في العشر قط".


 يُفهم من ظاهر الحديث كراهية صيام العشر الأوائل من ذي الحجة، إلا أن صيام العشر من ذى الحجة مستحبة ومشروعة،


وهذا الحديث ليس على ظاهره كما سيتضح لك، فقد تأول العلماء هذا المعنى لأسباب:


1- وجود روایات أخرى تُبيّن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في العشر ،ومنها حديث ابن عباس رضى الله عنه : 


ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ(صحيح البخاري).


فهنا يقدم هذا الحديث على حديث عائشة لأن القول مقدم على الفعل عند التعارض، وحديث ابن عباس من القول، وحديث عائشة من الفعل.


2- إذا تعارض حديثان : أحدهما يثبِت كحديث حفصة : "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها"، والثاني ينفي كحديث عائشة، فالمثبت مقدم على النافي،


ولهذا قال الإمام أحمد : حديث حفصة مثبت، وحديث عائشة نافي، والمثبت مقدم على النافي.


3- عدم صومه ﷺ العشر لا يدل على عدم أفضلية صيامها؛ لأن النبي ﷺ قد تعرض له أمور تشغله عن الصوم. 


وقد دل على فضل العمل الصالح في أيام العشر حديث ابن عباس المخرج في صحيح البخاري، وصومها من العمل الصالح،


فإذن حديث ابن عباس بعمومه يدل على فضيلة صيام عشر ذي الحجة أي باستثناء يوم العيد.


- والمراد بالعشر هاهنا : الأيام التسعة من أول ذي الحجة؛ وذلك لأن يوم العيد يحرم صيامه.


** إليك توضح العلماء لفهم حديث عائشة

قال ابن خزيمة رحمه الله فى صحيحه - بعد حديث عائشة السابق : 

باب ذكَر علّةٍ قد كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك لها بعض أعمال التطوع، وإن كان يحثّ عليها،

وهي خشية أن يُفرَض عليهم ذلك الفعل؛ مع استحبابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خفف على الناس من الفرائض ".

ثمّ روى -رحمه الله- بإِسناده حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت : " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك العمل وهو يحب أن يفعله؛ خشية أن يستن به فيفرض عليهم ". (وأصله في "صحيح مسلم"). انتهى.

قال الإِمام النووي -رحمه الله- في "شرحه" (8/ 71) :

قال العلماء: وهذا ممّا يتأول؛ فليس في صوم هذه التسعة كراهة؛ بل هي مُستحبّة استحباباً شديداً؛ لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة....

قال : " فيتأول قولها لم يصم العشر؛ أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، 

ويدل على هذا التأويل حديث هُنَيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت : كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة ... ". انظر:  "شرح النووي" (8/ 50).

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

.... يأتي الآن السؤال : السيدة عائشة تروي أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط ، فهل يقدم القول الذي ثبت في * صحيح البخاري * بعمومه أم الفعل الذي ثبت في * صحيح مسلم * عن عائشة ؟ 

الجواب من القواعد الأصولية : " القول مقدم على الفعل ".

مثاله: من نفس الباب الذي تضمنه السؤال وهو الصيام ، لقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( أفضل الصيام صيام داوود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان لا يفر إذا لاقى )...

فأفضل الصيام هو صوم داود عليه السلام ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ترى هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم هكذا ، يصوم يوماً ويفطر يوماً ؟ 

الجواب : لا ، يعني هذا الصيام الأفضل الذي نص عليه الرسول عليه السلام في قوله:

لم ينقل مطلقاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عمله يجري عليه بل ثبت عن السيدة عائشة نفسها خلاف ذلك، فقد قالت السيدة عائشة:

( ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً إلا رأيناه صائماً وما كنا نشاء أن نراه مفطراً إلا رأيناه مفطراً )

إذن لم يكن الرسول عليه السلام منهاج وخطة عملية في الصيام ، لم هذا وهو يقول : ( أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) ؟ 

لأنه كان لا يتيسر للرسول عليه السلام هذا النهج في الصيام أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لأنه كان بالإضافة إلى صفة النبوة فقد كان رجل دولة،

ومثل هذا الرجل لا يتسنى له أن يحافظ على النوافل من العبادات والطاعات كما يتسنى ذلك للمتعبد المتفرغ بمثل هذه الطاعة والعبادة.

إذن أفضل الصيام بشهادة قول الرسول عليه السلام صوم يوم وإفطار يوم ، لكن هو ما كان يفعل ذلك بل كان يفعل خلاف ذلك،

فأيهما المقدم القول أم الفعل؟ القول مقدم على الفعل ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جداً ولا أطيل القول بها،
 
ثم ذكر الشيخ أمثلة أخرى...... انتهى باختصار من (شرح كتاب الأدب المفرد-(166)).

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

... وأنا أريد أن أعطيك قاعدة : إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة ، 
 
ولو أننا قلنا : لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به ، لفات علينا كثير من العبادات ،

ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا ، يجب علينا أن نعمل بمدلوله ، سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق ، أم لم يعملوا به. انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (92 /12) .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات