فيما يتعلق بحكم حلق الشعر على المُضحي، ظهر خلاف فقهي بين العلماء،
فبينما يرى البعض حرمة حلق الشعر وقص الأظافر من لحظة النية بالأضحية حتى يتم ذبحها، يرى البعض الآخر جواز ذلك وهو الصحيح إن شاء الله.
** إليك بعض الردود على أدلة القول القائل بالتحريم مستفادة من كتاب:(إعلاء السنن- للتهانوي).
1- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بفعل الصحابة رضي الله عنهم, وتَرْكهم للأخذ في العشر.
الجواب عن ذلك: يُحمل فعلهم على الندب, لا على الوجوب, كما حُمِل حديث أم سلمة, وليس في نصهم ما يدل على أنهم كانوا يتركون الأخذ وجوباً.
2- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول الإمام ابن قدامة رحمه الله بأن عائشة رضي الله عنها كانت تعلم ظاهراً ما يباشرها به إلى آخر كلامه.
الجواب عن ذلك: إن ترك قص الشعر, وقلم الظفر في العشر مما لا يخفى على الأجانب, فضلاً عن أهل البيت, لما يحدث في شعر الوجه والشارب والأظفار من الطول الظاهر,
فلا نسلم أنها لم تُرِدْه بخبرها, أو أن إرادتها إياه احتمال بعيد, وإنما البعيد عدم إرادتها إياه؛ لما قلنا.
3- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله:(إن حديث عائشة رضي الله عنها عام, وحديث أم سلمة رضي الله عنها خاص, فيجب تقديمه).
الجواب عن ذلك: إن هذا هو عين النزاع, فإن العامَّ المتَّفق عليه بالقبول, مقدَّم على الخاص المختلَف في قبوله,
لا سيما وحديث عائشة متواتر, وحديث أم سلمة من أخبار الآحاد, وقد اختلف الرواة في رفعه ووقفه, وقال الليث : جاء هذ الحديث والناس على خلافه.
4- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله: (هذا له وجه, وذاك له وجه, حديث عائشة : إذا بعث بالهدي وأقام, وحديث أم سلمة: إذا أراد أن يضحي بالمصر).
الجواب عن ذلك: إن رسول الله كان يريد التضحية مع بعثه بالهدي, لأنه لم يترك التضحية أصلاً,
ومع ذلك لم يجتنب شيئاً, على ما في حديث عائشة, فدلَّ على أن إرادة التضحية لا تحرِّم ذلك. وهذه لفتةٌ مهمة جداً في محل النزاع.
5- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بكلام ابن حزم رحمه الله في أثر سعيد بن المسيب, وما ذكره من احتمالات, وأنه لا حجة في قوله.. إلى آخر كلامه, وأن القياس باطل.
الجواب عن ذلك: إن سعيد بن المسيب هو أعرف بمعنى حديث رسول الله , ولم يكن التابعون ليتركوا شيئاً صحَّ عن رسول الله عندهم بآرائهم,
فثبت أن حديث أم سلمة لم يكن عند راويه على الوجوب, وكذا عند عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما.
وما ذكروه عن سعيد بن المسيب فيما رواه عنه مسلم : أنه كان يكره أو ينهى عن أخذ الشعر...,
فيُجاب عن هذا: من باب المقابلة, بما أجابوا به هم عما روي عنه من إجازته ذلك, بأنه لا حجة في قوله.
وأيضاً فما رووه عنه من مَنْعِه : معارَضٌ بما روي عنه من الإباحة, فتتساقط الروايتان .
6- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن حزم رحمه الله بأنه يُحمل جواز الإطلاء عند سعيد بن المسيب على شعر الرأس.
الجواب عن ذلك: إن حديث مسلم يردُّ هذا الاحتمال, ففيه : (فلا يمس من شعره وبَشَره), وهو يعمُّ شعر البدن كله,
فيَبْعد عن سعيد أن يتأوَّل في الإطلاء : أنه بخلاف حكم سائر الشعر.
7- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقــول ابن حزم رحمه الله بأن المراد من أثر سعيد : عَشْر المُحرَّم.
الجواب عن ذلك: إن هذا أضعف من نسج العنكبوت, فهل كان أحدٌ يتوقف عن مسّ الشعر في غير عشر ذي الحجة,
ومن أين لابن حزم أن يحمله على عَشْر المُحرَّم, أو عَشْر رمضان تحكّماً من غير دليل.
ولذا قال الإمام المُنَاوي في فيض القدير عند شرحه لحديث أم سلمة رضي الله عنها : (إذا دخل العشر) : أي عشر ذي الحجة, واللام للعهد, كأنه لا عشر إلا هو . اه.
8- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله بأن عائشة تخبر عن فعله , وأم سلمة عن قوله , والقول يقدّم على الفعل, لاحتمال أن يكون فعله خاصاً به.
الجواب عن ذلك: إن مسألة الراجح في تعارض القول والفعل مسألة اجتهادية ظنية طويلة الذيل,
قد اختلف فيها علماء أصول الفقه, ولهم كلام طويل في أيهما يقدم, ولكلٍّ وجهةٍ هو موليها,
وبخاصة أن حديث عائشة رضي الله عنها متأخر جداً, حيث كان في آخر السنة التاسعة حين حج بالناس أبو بكر الصديق ,
في حين أن مشروعية الأضحية كانت في السنة الثانية, وحديث أم سلمة يتصل ويتعلق بالأضحية,
مما يجعل الاحتمال كبيراً لتأخر حديث عائشة عن حديث أم سلمة رضي الله عنهما, وهذا يقوِّي الأخذ بما ظاهره التأخر.
9- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بأن حديث أم سلمة رضي الله عنها فيه نهي, وحديث عائشة رضي الله عنها فيه نفي, فلا يعارض صريح النهي.
الجواب عن ذلك: إن حديث عائشة رضي الله عنها يتضمن ردّ النهي الوارد في حديث أم سلمة,
وذلك بما تحكيه عن حال النبي في أواخر عهده في آخر السنة التاسعة, وهي رضي الله عنها من أعلم الناس بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم.انتهى.
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق