يجوز أن يُضحي الإبن عن أبيه المتوفى أو أمه المتوفية وإن لم يوصيا بذلك،
بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة أو لأمه أضحية مستقلة لأنه من سعيهما وليس له ذلك عن غيرهما،
* كما أن للرجل أن يضحى من ماله عن نفسه وأهله وينوي بهم الأحياء والأموات ويشركهما فى الثواب،
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول: (( اللهم هذا عن محمد وآل محمد )) وفيهم من مات سابقاً.
لأن أي شيء يفعله الابن بالنسبة لأبيه وأمه المتوفيان من الخير والعبادة فهو يصلهم أجرها إن شاء الله،
ويقول عند ذبحها : اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن ويسمي أبيه أو أمه.
* فبالنسبة للوالدين كل ما يفعله الولد يستفيد منه الوالدان على اعتبار إنهما السبب في هذا الخير، كما قال تعالى (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ))، والولد من سعي أبيه،
وقد جاء في الحديث الصحيح ( أفضل الكسب كسب الرجل من عمل يده، وأن أولادكم من كسبكم )،
فمن النص النبوي نخرج بالنتيجة السابقة الذكر وهي أن كل الأعمال الصالحة التي تصدر من الولد فهي يصل ثوابها للوالد، أما سائر الناس فلا يصل إليه.
* وأما إذا أوصى الميت بأضحية فهنا لا بد أن يضحى عنه إتباعاً لوصيته.
* فالنصوص الصحيحة دلت على انتفاع الأباء الأموات من أبناءهم الأحياء بالصدقة عنهم، والحج، والصيام، والدعاء، والأضحية من جنسها فلا فرق فهي نوع من الصدقة عنهم وليس ذلك لغيرهم،
فما ورد من أدلة في انتفاع الميت بعمل الحي تدل على انتفاعه بغيرها من الأعمال لأن ما ورد من نصوص لا تجعلنا نحصر الأعمال بها،
* وإنما هي كالأمثلة للأعمال الأخرى فلا فرق بين انتفاعه بالصدقة أو الطواف ونحوه، ومن ذلك :
1- قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ : إنَّهُ لَو كانَ مسلِمًا فأعتقتُم عنهُ أو تصدَّقتُم عنهُ أو حجَجتُم عنهُ بلغَهُ ذلِكَ. (صحيح أبي داود-رقم: (2883)).
دل الحديث على : أن المسلم يصله بعد موته ثواب أعمال الخير التي توهب له.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه. (صحيح أبي داود - رقم: (3528)).
دل الحديث على : أن الابن أوْلى بأبيه بعد موته في أن يدعُو له ويعمل له أعمالاً صالحة وما شابه.
- قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" : " فذكر الولدَ، ودعاؤه له خاصَّين؛ لأنَّ الولد من كسبِه كما قال : {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. [المسد: 2]،
قالوا : إنَّه ولده، وكما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إنَّ أطْيَبَ ما أَكَلَ الرَّجُل من كسْبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه»، فلمَّا كان هو السَّاعي في وجود الولَد، كان عملُه من كسبه،
بخلاف الأخ والعمِّ والأبِ ونحْوهم، فإنَّه ينتفِع أيضًا بدُعائهم، بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. انتهى
3- وفي وصول ثواب الأعمال من الأبناء إلى الأباء، جاء أيضا فى صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها :
( أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني أمي افتلتت نفسها ولم توصِ، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال : نعم). وأمثال ذلك كثيرة في السنة.
قال الكاساني رحمه الله :
" وجه الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت، بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه،
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته،
وإن كان منهم من قد مات قبل أن يذبح، فدل أن الميت يجوز أن يتقرب عنه ". انتهى من "بدائع الصنائع" (5/ 72).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله :
هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت، إذا فعلها الحي عنه، وهذا محض القياس،
فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من ذلك من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته. انتهى من (الروح ص١٢٢.).
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
أي صدقة تتقدم بها إلى الله عز وجل قاصداً بها أن يصل أجرها إلى أبيك، فهو يصل.
ممكن مثلاً : أضحية تُذْبح، أضحية العيد وتجعلها لروح أبيك.... انتهى من (سلسلة الهدى والنور-(406)).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أما الأضحية عن الميت، فإن كان أوصى بها في ثلث ماله مثلًا، أو جعلها في وقف له، وجب على القائم على الوقف أو الوصية تنفيذها،
وإن لم يكن أوصى بها، ولا جعل لها وقفا، وأحب إنسان أن يضحي عن أبيه أو أمه أو غيرهما، فهو حسن،
ويعتبر هذا من أنواع الصدقة عن الميت، والصدقة عنه مشروعة في قول أهل السنة والجماعة. انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 18/ 40).
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق