الصحيح إن شاء الله أنه يُكره وليس يَحرم على من رأى هلال ذو الحجة وأراد أن يضحي أن يحلق شعره أو أن يقص أظفاره حتى يضحي،
* لذا يُستحب ترك ذلك فإن فعل وحلق شعره أو قص ظفره فلا يأثم بذلك وليس عليه كفارة، وهذا مذهب المالكية والشافعية وهو قول للحنابلة .
وذلك لعدم ثبوت حديث مرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم يحرم ذلك.
* وأما ما جاء عن أم سلمة فيصح موقوفاً ومن ثم فإنما يقدَّم الصحيح المرفوع - وهو حديث عائشة - على الموقوف - وهو حديث أم سلمة.
* كما أن عموم حديث عائشة قرينة على عدم صحة رفع حديث أم سلمة فى النهي لاسيما مع قوة العموم الوارد في الحديث وتأخره،
فقد كان في السنة التاسعة قبل حجة الوداع بسنة واحدة ولا يصح حمله على أنه لم يضح في تلك السنة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يترك التضحية أصلاً.
* وقد نقلت عائشة - رضي الله عنها - وهي من أخص الناس بأمور رسول الله وأعلمهم بها، أنه لم يحرم عليه شيء في تلك السنة،
فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية.
* والقول بالكراهة قول وسط بين من يحرمه وهم قلة كأحمد وبين من يبيحه وهم أكثر الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي ووجه عند الحنابلة.
ودليل ذلك :
- حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي،
فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما أحله الله حتى نحر الهدي. (رواه البخاري ومسلم ).
- وفي رواية : « ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحْرِم ».
وجه الدلالة: أنه لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم شيء ببعثه بهديه والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل ما نهى عنه.
- ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى في السنة التي بعث فيها بالهدي إذ لم يؤثر عنه خلافُ ذلك، فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية.
- فلم يمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء في إهدائه والهدي نسك مثل نسك الأضحية في التقرب لله بالذبح،
بل آكد لتعلقها بالحرم فهما جنس واحد فلو كان واجبا لأمسك في حال تقربه بالهدي فدل على أنه غير لازم كما استدل الشافعي بذلك .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
(( فإن قال قائل : ما دَلَّ على أنه اختيارٌ لا واجب؟ قيل له : روى مالك...))، ثم ساق حديث عائشة، ثم قال:
(( في هذا دلالةٌ على ما وصفتُ من أن المرء لا يحرم بالبعثة بِهَديه. يقول : البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية )). انتهى من [اختلاف الحديث (10/ 158-ضمن الأم)].
فقوله : "البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية"، أي : إذا كان المقيم ببعثه للهدي إلى مكة لم يحرم عليه الأخذ من الشعر والظفر فأولى منه من أراد أن يضحي .
قال الإمام السيوطي رحمه الله :
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه -عليه السلام- لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حتى قلد هديه، وبعث به وهو يرد حديث أم سلمة ويدفعه،
ومما يؤيد وهنه وضعفه : أن مالكا روى عن عمارة بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب قال : " لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة ".
فترك سعيد لإستعماله هذا الحديث (حديث أم سلمة) وهو راويه دليل على أنه عنده غير ثابت أو منسوخ،
وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي، فما دونه أحرى أن يكون مباحا،
ومذهب سائر الفقهاء بالمدينة والكوفة أنه لا بأس بحلق الرأس وتقليم الأظفار وقص الشارب في عشر ذي الحجة،
وقال الليث بن سعد وذكر له حديث أم سلمة، فقال : قد روي هذا الحديث والناس على خلافه. انتهى من (نخب الأفكار شرح معاني الآثار).
وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله :
وأما تقليم الأظفار في هذه الأيام وحلق شعر الرأس وغيره، فالرسول عليه الصلاة والسلام يعني:
نصح من يضحي أنه لا يحلق شعره ولا يقص أظفاره في عشر ذي الحجة، وهذا يستحب، يستحب استحبابا،
لأن هناك حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها “ أن رسول الله كان يرسل هديه في ذي الحجة ولا يحرم عليه شيء كان حلالا “، يعني يقص أظفاره وكذا وكذا،
فأخذنا من هذين النصين : أنه يستحب للمسلم متى ينوي الأضحية ألا يقص أظفاره ولا يقص شعره، فإذا فعل شيئا من هذا يعني فلا إثم عليه، لأنه سنة فقط . انتهى من [شريط بعنوان: إخلاص الدين لله ].
الخلاصة
- لا يمكن إلزام الناس بأمر والتشديد عليهم وتأثيمهم إن أخذوا من شعورهم أو أظفارهم بحديث مختلف في ثبوته ودلالته (حديث أم سلمة)،
فالحديث أعله الدارقطني بالوقف في العلل، وابن عبد البر في التمهيد، وأشار مسلم لعلته واستشكل متنه الأئمة كالليث وابن مهدي وغيرهما .
- وخاصة إذا علمنا أن الأضحية نفسها سنة مؤكدة عند جمهور أهل العلم، لما ثبت عن الصَّحابيَّين الجليلَين -أبو بكر وعمر-رضيَ الله-تعالى-عنهُما-:
أنهما كانا لا يُضحِّيان في بعض السِّنين؛ قال : ( حتى لا يظنها النَّاسُ واجبَةً ). انظر: ((إرواء الغليل)) (4/ 355)
- وعن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : ( إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي ).
وفي رواية : ( لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب ). صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 355).
- فالصحيح أن هذا الإمساك سنة ليس بواجب لأنه تابع لأمر مسنون وهو الأضحية فيكون سنة كحكم المتبوع ،
ولأنه من باب التعظيم المسنون بدليل أنه لم يؤمر بالإمساك عن غير الظفر والشعر.
قال الخطابي رحمه الله : ( وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدلَّ ذلك أنه على سبيل الندب والاستحباب, دون الحتم والإيجاب ). انتهى من (عون المعبود).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق