القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

حكم حلق الشعر أو قص الأظافر لمن يريد أن يضحي


يُكره وليس يحرم على من رأى هلال ذو الحجة وأراد أن يضحي أن يحلق شعره أو أن يقص أظفاره حتى يضحي لذا يُسن ترك ذلك فإن فعل وحلق شعره أو قص ظفره فلا يأثم بذلك وليس عليه كفارة، وهذا مذهب المالكية والشافعية وهو قول للحنابلة .

وذلك لعدم ثبوت حديث مرفوعًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم يحرم ذلك وأما ما جاء عن أم سلمة فيصح موقوفا ومن ثم فإنما يقدَّم الصحيح المرفوع - وهو حديث عائشة - على الموقوف - وهو حديث أم سلمة.

كما أن عموم حديث عائشة قرينة على عدم صحة رفع حديث أم سلمة فى النهي لاسيما مع قوة العموم الوارد في الحديث وتأخره فقد كان في السنة التاسعة قبل حجة الوداع بسنة واحدة ولا يصح حمله على أنه لم يضح في تلك السنة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يترك التضحية أصلاً وقد نقلت عائشة - رضي الله عنها - وهي من أخص الناس بأمور رسول الله وأعلمهم بها وهي من هي في فقهها وعلمها أنه لم يحرم عليه شيء في تلك السنة فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية.

وإليك حديث عائشة : 

حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما أحله الله حتى نحر الهدي . (رواه البخاري (1700) واللفظ له، ومسلم (1321).) وفي رواية : « ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحْرِم ».

وجه الدلالة : أنه لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم شيء ببعثه بهديه والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل ما نهى عنه.

ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى في السنة التي بعث فيها بالهدي إذ لم يؤثر عنه خلافُ ذلك وكان من عادته الأضحية وكان يحثُّ عليها ويأمر بها وقد نقلت عائشة - رضي الله عنها - وهي من أخص الناس بأمور رسول الله وأعلمهم بها وهي من هي في فقهها وعلمها أنه لم يحرم عليه شيء في تلك السنة فدلَّ على أن الأخذ من الشعر والأظفار غير محرَّم على من أراد الأضحية.

فلم يمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء في إهدائه والهدي نسك مثل نسك الأضحية في التقرب لله بالذبح بل آكد لتعلقها بالحرم فهما جنس واحد فلو كان واجبا لأمسك في حال تقربه بالهدي فدل على أنه غير لازم كما استدل الشافعي بذلك .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

 (( فإن قال قائل : ما دَلَّ على أنه اختيارٌ لا واجب؟ قيل له : روى مالك...))، ثم ساق حديث عائشة، ثم قال : (( في هذا دلالةٌ على ما وصفتُ من أن المرء لا يحرم بالبعثة بِهَديه. يقول : البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية )). انتهى من [اختلاف الحديث (10/ 158-ضمن الأم)]

أي : إذا كان المقيم ببعثه للهدي إلى مكة لم يحرم عليه الأخذ من الشعر والظفر فأولى منه من أراد أن يضحي .

قال الماوردي رحمه الله :

فكان هدي رسول الله وضحاياه، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع أبي بكر سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم. انتهى من ( "الحاوي" (15/ 74).).

جاء في الإستذكار لابن عبدالبر :

وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي (عليه السلام) أنه قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره لأن في هذا الحديث النهي من أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره أو من شعره كل من أراد أن يضحي والهدي في حكم الضحية. انتهى.

وقال أيضا رحمه الله :

" وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي فما دونه أحرى أن يكون مباحا ومذهب مالك أنه لا بأس بحلق الرأس وتقليم الأظفار وقص الشارب في عشر ذي الحجة وهو مذهب سائر الفقهاء بالمدينة والكوفة .

 وقال الليث بن سعد وقد ذكر له حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أهل عليه منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي فقال الليث قد روي هذا والناس على غير هذا ". انتهى من (التمهيد (17/ 233 ـــــ 237))

قال النووي في المجموع :

 مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي، وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره، وقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود يحرم، وعن مالك أنه يكره وحكي عنه الدارمي يحرم في التطوع ولا يحرم في الواجب، 

واحتج القائلون بالتحريم بحديث أم سلمة واحتج الشافعي والأصحاب عليهم بحديث عائشة أنها قالت : كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه. رواه البخاري ومسلم.

قال الشافعي : البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك. انتهى.

قال الإمام السيوطي رحمه الله :

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه -عليه السلام- لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حتى قلد هديه، وبعث به وهو يرد حديث أم سلمة ويدفعه، 

ومما يؤيد وهنه وضعفه أن مالكا روى عن عمارة بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب قال : " لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة ". فترك سعيد لإستعماله هذا الحديث (حديث أم سلمة) وهو راويه دليل على أنه عنده غير ثابت أو منسوخ، 

وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي، فما دونه أحرى أن يكون مباحا، ومذهب سائر الفقهاء بالمدينة والكوفة أنه لا بأس بحلق الرأس وتقليم الأظفار وقص الشارب في عشر ذي الحجة، 

وقال الليث بن سعد وذكر له حديث أم سلمة، فقال : قد روي هذا الحديث والناس على خلافه. انتهى من (نخب الأفكار شرح معاني الآثار).

وقال أيضا رحمه الله :

من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره ولا يحلق شيئاً من شعره في عشر الأول من ذي الحجة، وهذا النهي عند الجمهور نهى تنزيه والحكمة فيه أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرم . انتهى من [شرح السيوطي لسنن النسائي 7 / 212].

وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله :

وأما تقليم الأظفار في هذه الأيام وحلق شعر الرأس وغيره، فالرسول عليه الصلاة والسلام يعني نصح من يضحي أنه لا يحلق شعره ولا يقص أظفاره في عشر ذي الحجة، وهذا يستحب، يستحب استحبابا لأن هناك حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها “ أن رسول الله كان يرسل هديه في ذي الحجة ولا يحرم عليه شيء كان حلالا “، يعني يقص أظفاره وكذا وكذا، 

فأخذنا من هذين النصين أنه يستحب للمسلم متى ينوي الأضحية ألا يقص أظفاره ولا يقص شعره، فإذا فعل شيئا من هذا يعني فلا إثم عليه، لأنه سنة فقط . انتهى من [شريط بعنوان: إخلاص الدين لله ]

تنبيه : من كان مترددا عند دخول العشر في ذبح الأضحية لم يثبت له الحكم ولم يشرع له الإمساك لأنه غير عازم على الأضحية فإن عزم في أثناء العشر أمسك لما بقي ولا شيء عليه فيما مضى من المدة لأنه لم يكن مكلفا حينئذ .

وإليك بعض الردود على أدلة القول القائل بالتحريم مستفادة من كتاب (إعلاء السنن- للتهانوي).

1- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بفعل الصحابة رضي الله عنهم, وتَرْكهم للأخذ في العشر. 

الجواب عن ذلك :  يُحمل فعلهم على الندب, لا على الوجوب, كما حُمِل حديث أم سلمة, وليس في نصهم ما يدل على أنهم كانوا يتركون الأخذ وجوباً.

2- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول الإمام ابن قدامة رحمه الله بأن عائشة رضي الله عنها كانت تعلم ظاهراً ما يباشرها به إلى آخر كلامه.

الجواب عن ذلك : إن ترك قص الشعر, وقلم الظفر في العشر مما لا يخفى على الأجانب, فضلاً عن أهل البيت, لما يحدث في شعر الوجه والشارب والأظفار من الطول الظاهر, فلا نسلم أنها لم تُرِدْه بخبرها, أو أن إرادتها إياه احتمال بعيد, وإنما البعيد عدم إرادتها إياه؛ لما قلنا.

3- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله: (إن حديث عائشة رضي الله عنها عام, وحديث أم سلمة رضي الله عنها خاص, فيجب تقديمه).

الجواب عن ذلك : إن هذا هو عين النزاع, فإن العامَّ المتَّفق عليه بالقبول, مقدَّم على الخاص المختلَف في قبوله, لا سيما وحديث عائشة متواتر, وحديث أم سلمة من أخبار الآحاد, وقد اختلف الرواة في رفعه ووقفه, وقال الليث : جاء هذ الحديث والناس على خلافه.

4- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله: (هذا له وجه, وذاك له وجه, حديث عائشة: إذا بعث بالهدي وأقام, وحديث أم سلمة: إذا أراد أن يضحي بالمصر).

الجواب عن ذلك : إن رسول الله  كان يريد التضحية مع بعثه بالهدي, لأنه لم يترك التضحية أصلاً, ومع ذلك لم يجتنب شيئاً, على ما في حديث عائشة, فدلَّ على أن إرادة التضحية لا تحرِّم ذلك. وهذه لفتةٌ مهمة جداً في محل النزاع.

5- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بكلام ابن حزم رحمه الله في أثر سعيد بن المسيب, وما ذكره من احتمالات, وأنه لا حجة في قوله.. إلى آخر كلامه, وأن القياس باطل.

الجواب عن ذلك : إن سعيد بن المسيب هو أعرف بمعنى حديث رسول الله , ولم يكن التابعون ليتركوا شيئاً صحَّ عن رسول الله عندهم بآرائهم, فثبت أن حديث أم سلمة لم يكن عند راويه على الوجوب, وكذا عند عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما. 

وما ذكروه عن سعيد بن المسيب فيما رواه عنه مسلم : أنه كان يكره أو ينهى عن أخذ الشعر..., فيُجاب عن هذا من باب المقابلة, بما أجابوا به هم عما روي عنه من إجازته ذلك, بأنه لا حجة في قوله. 

وأيضاً فما رووه عنه من مَنْعِه : معارَضٌ بما روي عنه من الإباحة, فتتساقط الروايتان .

6- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن حزم رحمه الله بأنه يُحمل جواز الإطلاء عند سعيد بن المسيب على شعر الرأس.

 الجواب عن ذلك : إن حديث مسلم يردُّ هذا الاحتمال, ففيه : (فلا يمس من شعره وبَشَره), وهو يعمُّ شعر البدن كله, فيَبْعد عن سعيد أن يتأوَّل في الإطلاء : أنه بخلاف حكم سائر الشعر.

7- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقــول ابن حزم رحمه الله بأن المراد من أثر سعيد: عَشْر المُحرَّم.

 الجواب عن ذلك : إن هذا أضعف من نسج العنكبوت, فهل كان أحدٌ يتوقف عن مسّ الشعر في غير عشر ذي الحجة, ومن أين لابن حزم أن يحمله على عَشْر المُحرَّم, أو عَشْر رمضان تحكّماً من غير دليل.

ولذا قال الإمام المُنَاوي في فيض القدير عند شرحه لحديث أم سلمة رضي الله عنها : (إذا دخل العشر): أي عشر ذي الحجة, واللام للعهد, كأنه لا عشر إلا هو . اه

8- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بقول ابن قدامة رحمه الله بأن عائشة تخبر عن فعله , وأم سلمة عن قوله , والقول يقدّم على الفعل, لاحتمال أن يكون فعله خاصاً به.

 الجواب عن ذلك : إن مسألة الراجح في تعارض القول والفعل مسألة اجتهادية ظنية طويلة الذيل, قد اختلف فيها علماء أصول الفقه, ولهم كلام طويل في أيهما يقدم, ولكلٍّ وجهةٍ هو موليها, 

وبخاصة أن حديث عائشة رضي الله عنها متأخر جداً, حيث كان في آخر السنة التاسعة حين حج بالناس أبو بكر الصديق , في حين أن مشروعية الأضحية كانت في السنة الثانية, وحديث أم سلمة يتصل ويتعلق بالأضحية, مما يجعل الاحتمال كبيراً لتأخر حديث عائشة عن حديث أم سلمة رضي الله عنهما, وهذا يقوِّي الأخذ بما ظاهره التأخر.

9- استدل أصحاب القول القائل بـالتـحـريـم : بأن حديث أم سلمة رضي الله عنها فيه نهي, وحديث عائشة رضي الله عنها فيه نفي, فلا يعارض صريح النهي. 

الجواب عن ذلك : إن حديث عائشة رضي الله عنها يتضمن ردّ النهي الوارد في حديث أم سلمة, وذلك بما تحكيه عن حال النبي في أواخر عهده  في آخر السنة التاسعة, وهي رضي الله عنها من أعلم الناس بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم . 

الخلاصة

لا يمكن إلزام الناس بأمر والتشديد عليهم وتأثيمهم إن أخذوا من شعورهم أو أظفارهم بحديث مختلف في ثبوته ودلالته (حديث أم سلمة) فالحديث أعله الدارقطني بالوقف في العلل، وابن عبد البر في التمهيد، وقبلهم الطحاوي في شرح معاني الآثار، وأشار مسلم لعلته واستشكل متنه الأئمة كالليث وابن مهدي وغيرهما . 

والقول بالكراهة قول وسط بين من يحرمه وهم قلة كأحمد وبين من يبيحه وهم أكثر الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي ووجه عند الحنابلة. 

وفيه توسعة على الخلق لا سيما من احتاج لذلك وشق عليه تركه.

وخاصة إذا علمنا أن الأضحية نفسها سنة مؤكدة عند جمهور أهل العلم لما ثبت عن الصَّحابيَّين الجليلَين -أبو بكر وعمر-رضيَ الله-تعالى-عنهُما-: أنهما كانا لا يُضحِّيان في بعض السِّنين؛ قال : ( حتى لا يظنها النَّاسُ واجبَةً ). انظر: ((إرواء الغليل)) (4/ 355) 

وعن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : ( إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي ).  وفي رواية : ( لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب ). صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 355).

قال ابن عبدالبر :

وهذا أيضا محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها للمواظبة عليها أنها واجبة فرضا وكانوا أئمة يقتدى بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم . ((التمهيد)) (23/ 194، 195)،

فالصحيح أن هذا الإمساك سنة ليس بواجب لأنه تابع لأمر مسنون وهو الأضحية فيكون سنة كحكم المتبوع ولأنه من باب التعظيم المسنون بدليل أنه لم يؤمر بالإمساك عن غير الظفر والشعر.

قال الخطابي : ( وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدلَّ ذلك أنه على سبيل الندب والاستحباب, دون الحتم والإيجاب ). انتهى من (عون المعبود).


والله اعلم


واقرأ أيضا..

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات