القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

تارك الصلاة تهاونا وكسلا ليس بكافر


لا يكفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا على الراجح بل هو فاسق مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر فإن مات على ذلك قبل أن يُستتاب كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وهذا هو قول جمهور الفقهاء .

 أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة فاختار القتل عليها فقتل فهو في هذه الحالة يموت كافراً ولا يدفن في مقابر المسلمين . 

وأما تارك الصلاة إذا لم يعتقد وجوبها فهو كافر بالنص والإجماع .

وإليك الأدلة :

 1- قال تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ). سورة هود : 106-107

فقد ورد عن بعض السلف فى تفسير هذه الآية كالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ : أن الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ عَلَى العُصاة مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِمَّنْ يُخْرِجُهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ الشافعين .اه (تفسير ابن كثير (4/351)).

قال سفيان ابن عيينة :

 فَمَنْ تَرَكَ خُلَّةً مِنْ خِلَالِ الْإِيمَانِ جُحُودًا بِهَا، كَانَ عِنْدَنَا كَافِرًا، وَمَنْ تَرَكَهَا كَسِلًا وَمُجُونًا [ وعند الآجري : كَسَلًا أَوْ تَهَاوُنًا ] أَدَّبْنَاهُ وَكَانَ نَاقِصًا، هَكَذَا السُّنَّةُ أَبْلِغْهَا عَنِّي مَنْ سَأَلَكَ مِنَ النَّاسِ .انتهى من ((الآجري في الشريعة (ج2/ص553))) و (أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (ج2/ص630))

 وقال ابن بطة العكبري–رحمه الله- في (ص124-125) من "الشرح والإبانة" :
" ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو برد فريضة من فرائض الله –عزّ وجل- جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله عز وجل : إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ".اه

2- قال ﷺ : خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهم شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة( صحيح الترغيب رقم: 370)

ففى الحديث وكل أمر التارك إلى مشيئته تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فهو داخل تحت المشيئة والكافر لا يدخل تحت المشيئة فانتبه .

 قال الإمام أحمد رحمه الله : 

والإيمان قول وعمل يزيد وينقص : زيادته إذا أحسنت، ونقصانه : إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه ".اه ("طبقات الحنابلة" (1/343) رواية مسدد، نشر دار المعرفة).

 وسئل أيضا رحمه الله :

 ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال : إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص،  وقد كان وكيع قال : ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟ " .اه "السنة" للخلال (1/58)).

3- عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يدرُسُ الإسلامُ كما يدرُسُ وَشيُ الثَّوبِ حتَّى لا يُدرَى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسرى على كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في ليلَةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقَى طوائفُ منَ النَّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ : أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها فقالَ لَهُ صِلةُ : ما تُغني عنهم : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثَّالثةِ، فقالَ : يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النَّار ثلاثًا. ( صحيح ابن ماجه رقم: 3289)

هذا هو الحد الأدنى من النجاة الذي يثبت به الإسلام وما عداه مما ذكر في هذا الحديث لا يكون شرطاً في صحة الإسلام. وقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : "مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ".

4- استدل الإمام ابن قدامه فى كتابه المغنى على عدم كفر تارك الصلاة بأدلة كثيرة منهاوالرواية الثانية -عن أحمد- يقتل حدا، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة، وأنكر قول من قال: إنه يكفر. وذكر أن المذهب -أي مذهب أحمد- على هذا، لم يجد في المذهب خلافا فيه. وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي،

- وروي عن حذيفة أنه قال :  يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام  إلا قول لا إله إلا الله. فقيل له : وما ينفعهم؟ قال : تنجيهم من النار، لا أبا لك.

وعن والان، قال : انتهيت إلى داري، فوجدت شاة مذبوحة، فقلت : من ذبحها؟ قالوا : غلامك. قلت: والله إن غلامي لا يصلي، فقال النسوة : نحن علمناه يسمي، فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك، فأمرني بأكلها. والدليل على هذا قول النبي ﷺ : إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

وعن أبي ذر، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة.

وعن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل .

وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال : يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة متفق على هذه الأحاديث كلها ومثلها كثير .

وعن عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال : خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة . انتهى

 ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة.

قال الخلال في (جامعه) :

 ... عن أبي شميلة أن النبي ﷺ خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان، كان من أمره، قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم، ولكنه كان وكان. فقال لهم : أما كان يصلي؟ فقالوا: قد كان يصلي ويدع. فقال لهم: ارجعوا به، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه، وادفنو والذي نفسي بيده، لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه.

 وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : صلوا على من قال لا إله إلا الله .

ولأن ذلك إجماع المسلمين،

فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه،
 ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرِّق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام .

 وأما الأحاديث المتقدمة الدالة على كفر تارك الصلاة - فهي على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة، 

كقوله عليه السلام : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. وقوله : كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. وقوله : من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وقوله : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد. قال : ومن قال: مطرنا بنوء الكواكب فهو كافر بالله مؤمن بالكواكب. وقوله : من حلف بغير الله فقد أشرك. وقوله : شارب الخمر كعابد وثن. وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، وهو أصوب القولين . انتهى

قال العلامة الالبانى رحمه الله فى كتاب حكم تارك الصلاة :

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : 
.لا إله إلا الله " فنحن نقولها "

هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة :

 وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة مع إيمانه بمشروعيتها  فالجمهور على أن لا يكفر بذلك بل يفسق وذهب أحمد [ فيما يذكر عنه ] إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة لا حدا . وقد صح عن الصحابة : أنهم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . رواه الترمذي والحاكم 

وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم كانوا يريدون ب ( الكفر ) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له كيف ذلك  وحذيفة بن اليمان وهو من كبار أولئك الصحابة يرد على صلة ابن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له فيقول : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة . ." فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه : " يا صلة تنجيهم من النار " ثلاثا 

فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة ومنها بقية الأركان - ليس بكافر  بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة  فاحفظ هذا فإنك قد لا تجده في غير هذا المكان.

ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " ( 84 / 2 ) للحافظ السخاوي فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة : 

ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجوبها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين فإن رجع إلى الإسلام قبل منه وإلا قتل  وأما من تركها بلا عذر بل تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر. 

وأنه - على الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد ثم يقتل إن لم يتب ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه . 

ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب العمل جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضا عنه ﷺأنه قال : خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث وفيه : "إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". وقال أيضا : "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة". إلى غير ذلك ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث ". اه (" سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 1 / 130 - 132 )) 

وقال أيضا رحمه الله :

يجيب بعض أهل العلم على عدد من الأحاديث الواردة في هذه المسألة مما يفيد شمول عفو الله سبحانه ومغفرته ورحمته لبعض من تاركي الصلاة التي هي دون الشرك - كما قال جل شأنه : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".

 - كمثل حديث البطاقة وحديث الشفاعة الآتي وغيرها من الأحاديث بأن يقول ( هؤلاء ) : " هذه أحاديث ( عامة ) وأحاديث تكفير تارك الصلاة ( خاصة ) ". 

(أقول (الألبانى : ولو عكس ( هؤلاء ) - وفقهم الله - قولهم لكانوا أقرب إلى الصواب كما هو معروف من قاعدة الوعد والوعيد عند أهل السنة فيما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  في مواضع عدة من كتبه ك " مجموع الفتاوى " ( 4 / 484 ) ( 8 / 270 ) ( 11 / 648 ) ( 23 / 305 ) وغيره. 

وخلاصة القول في هذه القاعدة : 

أن نصوص الوعيد داخلة تحت مشيئة الله سبحانه إما  عفوا وإما تنفيذا وأما نصوص الوعد فإن الله منفذها كما كتب سبحانه على نفسه وفي ذلك يقول من يقول من أهل العلم مستدلا على أصل هذه القاعدة : وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي .اه أنظر " شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 318 )

يستدل بعض أهل العلم في تكفيرهم تارك الصلاة بآية من القرآن العظيم يجعلونها عماد أدلتهم في التكفير وهي قوله جل شأنه فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين . [ التوبة : 11 ] قالوا : وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى اشترط  لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين إقام الصلاة فمن لم يقم بها فلا يعد أخا لنا في الدين. (فإن تابوا) يعني : من الشرك (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)، فإن افتقد واحد من هذه الشروط الثلاثة، فإنهم لا يكونون إخوة لكم في الدين.

فالجواب على هذا الاستدلال : 

- عندنا أدلة تدل على أن تارك الزكاة لا يكفر وهو ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضيين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"،ومن المعلوم أنه إن كان يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة فليس بكافر لمجرد تركها .

أن منطوق الأدلة التي ذكرناها من قبل والتى سنذكرها فيما بعد يدل على أن تارك الصلاة لا يخرج من الملة وهذا المنطوق يقدم على مفهوم هذه الآية، فالله تعالى يقول :  فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ. [التوبة:11]. فمفهوم هذه الآية : أن من ترك هذه الثلاثة أو شيئاً منها فليس أخاً لنا.

 فالتعارض هو بين مفهوم الآية ومنطوق النصوص أو الأحاديث التي ذكرناها من قبل والتى سنذكرها فيما بعد التي تدل على عدم كفره وعند تعارض المنطوق مع المفهوم يقدم المنطوق . وكما لا يكفر تارك الزكاة تقديماً لمنطوق حديث : (ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار) على مفهوم هذه الآية، فكذلك يقدم منطوق النصوص الدالة على عدم كفر تارك الصلاة على مفهوم هذه الآية . 

فتكون كلمة (فإخوانكم في الدين) في شأن الشرك محمولة على أصل الأخوة أما في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فتحمل على كمال الأخوة في الدين يعني : ليسوا إخواننا إخوة كاملة بل ناقصة .

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

 الآية ماذا تقول : {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}. [التوبة: ١١]فالآية تُسَوِّي بين الصلاة والزكاة، وأنت تُفَرِّق مع المُفَرِّقين، صح؟ قل : صح.

مداخلة : صح.

الشيخ : 

إذاً : هل في الآية دليل على أن تارك الصلاة [كافر]؟ هنا المشايخ يقعوا في حيص بيص، إن قالوا : إن الآية دليل على أن تارك الصلاة كافر، يقال لهم : إذاً : تارك الزكاة كافر، فإن قالوا : تارك الزكاة ليس بكافر فيقال : أيضاً تارك الصلاة ليس بكافر لأن الآية واحدة، ومذكور فيها الصنفان تارك الصلاة وتارك الزكاة .

مداخلة : 

فإن أراد أحد التَمَلُّص وقال : نحن استدللنا بهذه الآية على تكفير تارك الصلاة لأدلة أخرى، وكل هذا تملص.

الشيخ :

 لا، ماعليش، نحن نمشي مع الشيخ هنا، نقول له : هات الأدلة الأخرى، وخسرت الدليل الأول.

مداخلة :

 إذاً الدليل هذا ساقط الاستدلال به.

الشيخ : وهذا المقصود به.

مداخلة : [طيب أدلتهم الأخرى]؟

الشيخ :

 أدلة أخرى، ما فيه غير من ترك الصلاة فقد كفر، وأعطيناك أدلة أخرى فيها كفر، من فعل كذا فقد كفر، من فعل كذا فقد كفر .

مداخلة :

 لكن ليس كُفر خُروج من الملة.

الشيخ :

 نعم، هو هذا، بعدين عندنا حديث : «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن أَدَّاها وأحسن أداءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها، كان له عند الله عهد أن يُدْخِله الجنة، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد، إن شاء عَذَّبه وإن شاء غفر له» والله يقول : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. [النساء: ٤٨] . انتهى من «الهدى والنور /٤٥١/ ٠٤: ٢٠: ٠٠». «الهدى والنور / ٤٩٦/ ١٨: ١٦: ٠٠»

وقال أيضا رحمه الله :

 جوابي من ناحيتين : أن الإخوة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة، فإذا كانت الإخوة المنفية هنا بسبب ترك ما فرض الله هي الإخوة العامة فكلامهم صحيح، لكن هذا ليس عليه دليل يُلْزِمُ المخالفين لهذا الرأي بقولهم؛ لاحتمال أن تكون الإخوة المنفية هي الإخوة الخاصة، وهذا لا بد لهم من أن يتبنوه، وهذه من الحجج القوية، لأنهم يفرقون بين تارك الصلاة وتارك الزكاة، من حيث أن تارك الزكاة ما يقطعون بكفره وردته كما يفعلون بالنسبة لتارك الصلاة، وقد ذكر مع ترك الصلاة ترك الزكاة، فما كان جوابهم، هذا الجواب جدلي، لكنه صحيح، وقد قدمنا الجواب العلمي، فما كان جوابهم عن تارك الزكاة هو جوابهم عن تارك الصلاة .

يعني : نحن [ لا ينبغي ] أن نقول : أن المقصود فقط الجملة الأولى، وهي التوبة، وإنما التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، المجموعة هذه، إذا انتفت يساوي نفي الإخوة، لكن هذه الإخوة المنفية هذه هي إخوة مطلقة أي : فهم مشركون كما كانوا من قبل أم بقدر ما ينقصون تنقص الإخوة، فبيكون المنفي إخوة الكمال كنفي «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له»، نفي الكمال وليس نفي الصحة .

مداخلة :

 إذاً في الفقرة الأخيرة هذه أجبت عن استدلالهم من السنة وهو قولهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وأن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها؟

الشيخ :

 طبعاً، كفر دون كفر، حَلَّها ابن عباس رضي الله عنه.

مداخلة :

 ويقولون أيضاً أقوال الصحابة أقوال الصحابة يقول أمير عمر الخطاب رضي الله عنه : «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة». والحظ : النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي، فيكون عاماً لا نصيب قليل ولا كثير، هذا قول عمر بن الخطاب ما الجواب عليه، أوهل يصح هذا الاستدلال؟

الشيخ : 

هذا لا يخرج عن البحث السابق ... مثل لا إيمان ما هو الفرق، ولا دين، ولا حظ. يعني : أريد أضيف تضيفوا على ما سبق أن هذا نكرة تفيد الشمول، هذا كلام عربي صحيح، لكن هذا حينما لا يكون هناك أدلة تضطرنا إلى تقييد هذه الدلالة، وإلا إذا أخذنا لا إيمان ولا يدخل الجنة و .. و .. ونحو ذلك من العبارات هذه، خرجنا بمذهب الخوارج، لكن حينما يضم إلى مثل هذا النص لا سيما وهو موقوف، وليس بمرفوع، إذا ضم إليه الأحاديث التي فيها إثبات الإيمان لمن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنه ينجو من الخلود في النار، حينئذ نضطر أن نقول أن هذا الاصطلاح العلمي الفقهي من حيث أن هذا نكرة منفية وهي تفيد الشمول، هذا إذا نظرنا نظرة خاصة بهذا النص، أما إذا نظرنا إلى الأدلة الأخرى فحينئذ نقول : لا حظ كمثل قولنا في لا إيمان ولا دين ونحو ذلك، أي : لا حظ كاملاً كما قلنا أيضاً في الإخوة .

مداخلة : لا إخوة كاملة.

الشيخ : نعم.

مداخلة :

 ويكون الجواب أيضاً على قول عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 

الجواب [نفس الجواب] انتهى من «الهدى والنور» «١٤٠/ ٣١: ٠٩: ٠٠»

ومن أدلة الصرف عن التكفير إلى معنى نفي الأخوة الإيمانية الكاملة التى فى الآية هو :

* أدلة عدم خلود عصاة الموحدين في النار، قال الله -تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). (النساء:48)، 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم : (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ). (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

وقال صلى الله عليه وسلم : (فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَقُولُ : وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ). (متفق عليه).

وقال صلى الله عليه وسلم : (فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ). (رواه مسلم).

والمصلون إنما يخرجهم النبيون والملائكة والمؤمنون بأثر السجود كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَمَرَ المَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ). (متفق عليه). وهؤلاء الذين لم يعملوا خيرًا قط غيرهم.

الرد على من يستدل على كفر تارك الصلاة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ؟

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

 لكن ما قال العهد الذي بيننا وبين من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله يعني هذا الذي دخل في الإسلام حديثا يجب أن يطور حياته مع المسلمين عملياً خشية أن يكون قد قال أشهد أن لا إلا الله نفاقاً .

السائل : حتى تميزه .

الشيخ :

 لكان هذا رجل مسلم وقد يأتي ببعض الشهادات العملية ولو أحيانا على أنه مسلم فهذا الحديث يعني ما في إشكال لو فسر بملاحظة مرجع الضمير ( العهد الذي بيننا وبينهم ) المشركين وليس المسلمين .

السائل :

 هل نستطيع أن نقول منافق يا شيخ .

الشيخ : نعم .

السائل : هل نستطيع أن نقول بأنه منافق الذي لا يصلي ؟

الشيخ :

 الجواب لعلك تعرفه إذا تذكرت معي أن النفاق قسمان مثل الكفر كفر اعتقادي كفر عملي ونفاق كذلك .

السائل :

 تذكرت كلمة حديث ابن مسعود يا شيخ لما قال : ( كنا نرى من يتخلف عن هذه الصلاة منافق معلوم النفاق ) ( كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) .

الشيخ :

هذا كفر هذا نفاق عملي .هل قُتل هذا ؟ إذًا ما اعتُبر ردة . انتهى من (فتاوى عبر الهاتف والسيارة-(170))

وقال أيضا رحمه الله :

 معنى : ( ترك الصلاة فقد كفر ) : كفرا عمليا ، أي فعل فعل الكفار ، الكفار لا يصلون فهو فعل فعلهم ، هذا لما يكون السؤال : ترك الصلاة كسلا ، أما إذا ترك الصلاة جحودا ، الجحد إله علاقة بالقلب ، حينئذ بكون كفره كفر عملي . قلنا : الكافر ينكر شرعية الصلاة ، فالآية السابقة : (( لم نك من المصلين ))

السائل : (( قالوا لم نك من المصلين ))

الشيخ :

 (( لم نك من المصلين )) ، (( ولم نك نطعم المسكين )) ، (( وكنا نخوض مع الخائضين )) ، (( حتى أتانا اليقين )) : هذا من الكفار عقيدة ، هلأ أنت لا تشك ولا أحد يشك أنه النصارى واليهود والملاحدة كلهم ما يؤمنون بشرعية الإسلام كله ، هل يؤمنون بشرعية الصلاة ؟

السائل : طبعا لا

الشيخ :

 لا ، إذن هم ينكرون شرعية الصلاة ، صح ؟

السائل : نعم .

الشيخ :

 طيب ، بيجي رجل مسلم يشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله وبآمن بكل ما شرع الله ، من ذلك الصلاة ، فهو في إيمانه بشرعية الصلاة خالف الكافر ، صح ؟

السائل : نعم .

الشيخ :

 الكافر لا يؤمن ، هذا مؤمن ، لكن هذا الإيمان الذي آمن به لا يخرجه إلى حيز العمل والتطبيق .

السائل : نعم .

الشيخ :

 فهو من الناحية العملية فعل فعل الكفار ومن الناحية الاعتقادية ، خالف الكفار ، فما بجوز نظلم هذا الإنسان ، ونقول : هذا كافر كذك الكافر ، ذاك لا يؤمن بالصلاة ! هذا يؤمن بالصلاة ، وربنا يقول : (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ، ما لكم كيف تحكمون )) ، هذا مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ووو إلى آخره ، يؤمن بالأركان ، يؤمن بأركان الإسلام لكن الله يهديه ترك الصلاة ، هون ما بهما بقى التفصيل اللي دخلنا فيه آنفا !!

السائل : نعم

الشيخ :

 كان ما يصلي وصار يصلي ، وكان يصلي بطل يصلي إلى آخره ، المهم نلاحظ هالنقطتين : نقطة تتعلق بالقلب وهو الإيمان أو الكفر ، ونقطة تتعلق بالجوارح والبدن وهو العمل ، فرجل كافر لا يؤمن بشرعية الصلاة ، وبالتالي لا يصلي ، فهذا جمع بين الكفرين كفر اعتقادي والكفر العملي . مسلم يؤمن بالصلاة وبكل ما جاء في الإسلام فهو خالف الكافر في عقيدته .

السائل : نعم .

الشيخ :

 لكنه شابه الكافر في عمله ، فهو لا يصلي ، فلذلك لما قال عليه السلام : ( فمن ترك الصلاة فقد كفر ) أي عمل عمل الكفار ، فالكفار أولا : بنص القرآن ، وثانيا : بمشاهدة الواقع ، لا يصلون ، لأنهم لا يؤمنون بالصلاة ، ولا يؤمنون بالإسلام كله ، أما هذا المسلم التارك للصلاة ليس كذاك من حيث العقيدة ، ولذلك جاء الاستدلال بالآية السابقة في محله : (( أفنجعل المسلمين )) هذا مسلم (( كالمجرمين )) أولئك مجرمون كفار كيف تحكمون ؟! فكيف تحكمون ؟! هذا لا يجوز للمسلم أن يسوي بين الكافر كفرا اعتقاديا وعمليا ، وبين ملسم يؤمن ويكفر عمليا ، لا يستويان مثلا ، ولذلك فمعنى الحديث واضح جدا كما لخصت الجواب في أول الكلام لما قيل :

السائل : الحمد لله !

الشيخ :

 ( من ترك الصلاة فقد كفر ) كفرا عمليا ، بس أنت احفظ هالكلمة هاي تنجو من البلبلة والقلقلة . انتهى من (فتاوى عبر الهاتف والسيارة-(186))

وقال أيضا رحمة الله في " المجلد الأول " من " السلسلة الصحيحة " الحديث تحت الحديث رقم"87" :

إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , ومات على ذلك قبل أن يستتاب , كما هو الواقع في هذا الزمان ,

 أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافراً , ولا يدفن في مقابر المسلمين , ولا تجري عليه أحكامهم , خلافاً لما سبق عن السخاوي , لأنه لا يعقل – لو كان غير جاحد لها في قلبه –أن يختار القتل عليها , هذا أمر مستحيل معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان ". اهـ .

وإليك مجموعة من الأحاديث الصحيحة 

1-  ورد في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الشفاعة أن الشفاعة جاءت لأصناف :

الصنف الأول : المصلون الصائمون القائمون بالحج فهؤلاء مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوب أوبقتهم فمن لا يقوم بها أشد عذاباً منهم وأشد .

الصنف الثاني : من في قلبه مثقال دينار من خير فهؤلاء خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب ومنها إخلاصهم في التوحيد.

والصنف الثالث : من في قلبه مثقال ذرة من خير وهذا الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه . وهذه الأصناف الثلاثة هم من غير أهل الصلاة. فيقول أبو سعيد للسامعين لحديثه هذا : " إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )".

الصنف الرابع : من قال فيهم  في حديث أبي سعيد رضي الله عنه بعد هذه المراحل : "فيقول الله -عزّ وجل :"شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية.قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه. ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ". أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (7439)، ومسلم في "صحيحه" حديث (183)، 

2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الشفاعة وفيه يقول رسول اللهﷺ : "... فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي  فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله... إلى أن قال : فأقول يا رب أمتي أمتي. فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل. إلى أن قال : "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع  فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله". .رواه البخاري في "التوحيد"

فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة -إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله- لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله : {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. [النساء: ٤٨] 

إذن حديث أنس رضي الله عنه يفيد أن الشفاعة تتناول أصنافاً

الصنف الأول : من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان.

الثاني : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

الثالث : من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.

الرابع : صنف يشفع فيهم النبي -ﷺ- وهم من قال : "لا إله إلا الله"، فيقول الله له : " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ". فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

والصنف الأخير : أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف .

فهذان الحديثان يجمعان بين الترهيب والترغيب؛ الترهيب من الذنوب والعقوبة الشديدة عليها ليرتدع المسلمون عن الذنوب، والترغيب في الإيمان والتوحيد ليكونوا من أهله.

3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " أخرجه مسلم في "صحيحه"  . 

4- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه- قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتوسد كل رجل منا ذراع راحلته، قال : فاستيقظت فلم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم ...إلى أن قال : ثم انطلقنا إلى الناس فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إنه أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، قالوا: يا رسول الله، ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال:
 فأنتم من أهل شفاعتي، فلما أضبوا عليه، قال : شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ". أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/641) رقم (385و 386)، والإمام أحمد في "مسنده" (6/2.

5- حديث ابن عباس رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا". أخرجه أحمد في "مسنده" (1/301).

6- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ : لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي...إلى أن قال: وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي : سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". صحيح الترغيب رقم : 3634 ) و (الوادعي | المصدر : الشفاعة - رقم: 92 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره)  رواه أحمد في "مسنده" (2/222) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ به، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/432-433)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/367).

7- حديث أبي ذر رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو من مسيرة شهر وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وقيل لي : سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة - إن شاء الله- لمن لم يشرك بالله شيئا ). صحيح الترغيب - رقم: )(3636)) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6462)، والبزار في "مسنده" (4077).

8- حديث أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ : بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1237)، ومسلم في "صحيحه" حديث (94).

9- قال الترمذي في "سننه"  4/37: " باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله 2638- حدثنا قتيبة، قال : حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن ابن محيريز، عن الصانبحي، عن عبادة بن الصامت أنه قال : دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقال : مهلاً لم تبكي ؟ فوالله لئن استشهدتُ لأشهدن لك، ولئن شُفِّعت لأشفعن لك، ولئن استطعتُ لأنفعنك، ثم قال : والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرّم الله عليه النار". والحديث فى صحيح مسلم

قال أبو عيسى : ووجه هذا الحديث عند أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار". اه

 هذا هو القول الحق وهو مذهب أهل السنة جميعاً وهو يجمع بين نصوص الوعد والوعيد وهو يخالف مذهب الخوارج الذين يتعلقون بنصوص الوعيد فحسب ويخالف مذهب المرجئة الذين يتعلقون بنصوص الوعد ولا يرفعون رأساً بنصوص الوعيد .

10- قال الإمام مسلم رحمه الله في "صحيحه" : عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ".

وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعيعن عمير بن هانئ؛ في هذا الإسناد بمثله غير أنه قال : "أدخله الله الجنة على ما كان من عمل"
 ولم يذكر "من أي أبواب الجنة الثمانية شاء" .

11- وقال أيضا رحمه الله : عن أنس بن مالك أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار، قال : يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال : "إذا يتكلوا" ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" ).

12- وقال أيضا رحمه الله-: عن أبي صالح عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة".

13- حديث عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص قال : قال رسول اللَّهِ  : " إن اللَّهَ عَز وجل يَسْتَخْلِصُ رَجُلاً من أمتي على رؤوس الْخَلاَئِقِ يوم الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عليه تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يقول أَتُنْكِرُ من هذا شَيْئاً أَظَلَمَتْكَ كتبتي الْحَافِظُونَ قال لاَ يا رَبِّ فيقول أَلَكَ عُذْرٌ أو حَسَنَةٌ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ فيقول لاَ يا رَبِّ فيقول بَلَى إن لك عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ فَتُخْرَجُ له بِطَاقَةٌ فيها أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا الله وان مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فيقول أَحْضِرُوهُ فيقول يا رَبِّ ما هذه الْبِطَاقَةُ مع هذه السِّجِلاَّتِ فَيُقَالُ انك لاَ تُظْلَمُ قال فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كَفَّةٍ قال فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَلاَ يَثْقُلُ شيء بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ". أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي حديث (2639)، وابن ماجه حديث (4300)، وابن حبان (225)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" ، وليس كما قال، فإسناده صحيح، وقد صححه الحاكم والذهبي والألباني، انظر الصحيحة (135). فكل هذه الأحاديث السابقة تدل على أن الشفاعة تتناول كل موحد لم يشرك بالله شيئاً .

قال العلامة ربيع المدخلى حفظه الله :

 جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : " والإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا  الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها.. فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه".اه ("طبقات الحنابلة" (1/343)).

وقال الخلال في "السنة" (1/588) : "أخبرنا محمد بن علي قال ثنا صالح قال سألت أبي ما زيادته ونقصانه قال زيادته العمل ونقصانه ترك العمل مثل تركه [ الصلاة ] والزكاة والحج وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام  فكما يزيد كذا ينقص وقد كان وكيع قال ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله".اه

قلت (ربيع) فهذان نصان عن الإمام أحمد  لا يكفر فيهما بعدم العمل، وفي أحدهما نص أنه لا يُكفر إلا بالشرك بالله العظيم، ولا يكفر بترك العمل. والظاهر أنه أخذهما من قول الله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ومن أحاديث الشفاعة التي منها : يخرج الله من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان . ومن أحاديث فضل التوحيد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم-: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه".

وله رواية في تكفير تارك الصلاة والذي يظهر أن هذين القولين السابقين منه رجوع عن التكفير بناء على أحاديث الشفاعة والآية المذكورة وأحاديث فضل التوحيد . انتهى من [  موقع الشيخ ربيع حفظه الله ]

وإليك بعض كلام أهل العلم 

فى توضيحهم لحديث الشفاعة " لفظ : " لم يعملوا خيرا قط 

قال ابن رجب الحنبلى : قد تقدم في الأحاديث الصحيحة أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو ويقع منهم من يقع في النار فإذا دخل أهل الجنة الجنة فقدموا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار فيسألون الله عز و جل إخراجهم منها. فروى : زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث طويل سبق ذكر المرور على الصراط ثم قال : حتى إذا خلص المؤمنون من النار...إلى أن قال : فيقول الله عز و جل : شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج بها قوما لم يعملوا خيرا قط  قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل. وذكر بقية الحديث خرجاه في الصحيحين و لفظه لمسلم

والمراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد.  خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا و من حديث ابن مسعود موقوفا.

ويشهد لهذا : حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : وعزتي و جلالي و كبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله . فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك. 

وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم. والله أعلم. انتهى من (من كتاب : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار- لابن رجب)

وشهد بذلك العلامة  أبو الحسن المرداوي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" وقال بعد ذكر العلماء الذين يكفرون تارك الصلاة وحكمه. قال : "والرواية الثانية : (يقتل حداً) اختاره أبو عبد الله ابن بطة وأنكر قول من قال : إنه يكفر وقال : المذهب على هذا لم أجد في المذهب خلافه". ثم ذكر أبو الحسن أن عدداً من العلماء الحنابلة اختاروا هذا ونصوا عليه في مؤلفاتهم. انظر (3/39-40) .

وقال العلامة سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب في حاشيته على "المقنع" لابن قدامة ( 1/101- 102) :

"قوله : "وهل يقتل حداً أو كفراً؟ فيه روايتان"، ". والرواية الثانية : يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة. وذكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة". متفق عليهما. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال : "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ". ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة إلى غير ذلك ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام.

 وأما الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه الصلاة والسلام : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وقوله : "من حلف بغير الله فقد أشرك". وغير ذلك.  قال الموفق : وهذا أصوب القولين".اه

فهذه عدة شهادات من أكابر العلماء العارفين بمذهب الإمام أحمد وأصحابه على أن العلامة ابن بطة لا يُكفر تارك الصلاة .

1- بل صرّح ابن بطة في "الشرح والإبانة" (ص124-125) بقوله : "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو يرد فريضة من فرائض الله عزّ وجل جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛  كان في مشيئة الله عز وجل : إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".اه

فظاهر هذا الكلام أنه لا يُكفر إلا بالشرك الأكبر الذي حاربه الأنبياء جميعاً -صلوات الله وسلامه عليهم .

2- قال الإمام أحمد رحمه الله : " والإيمان قول وعمل يزيد وينقص : زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه".اه ("طبقات الحنابلة" (1/343) رواية مسدد، نشر دار المعرفة).

3- وسئل رحمه الله : "ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال : إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص،  وقد كان وكيع قال : ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟" .اه "السنة" للخلال (1/58)).

4- وقال البربهاري –رحمه الله في شرح السنة" (41) : "ولا نُخرج أحداً من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجبَ عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة".اه

5- وقال ابن البناء رحمه الله في "الرد على المبتدعة" (ص195) : "فصل وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته خلافاً للقدرية في قولهم : (ليس له شفاعة). ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا : بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا : (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".اه

6- قال ابن حزم في المحلى : تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ذهب مالك ، والشافعي إلى أن من قال : الصلاة حق فرض إلا أني لا أريد أن أصلي  فإنه يتأنى به حتى يخرج وقت الصلاة ، ثم يقتل وقال أبو حنيفة ، وأبو سليمان ، وأصحابهما : لا قتل عليه ، لكن يعزر حتى يصلي ؟

 قال أبو محمد رحمه الله : أما مالك ، والشافعي فإنهما يريان تارك الصلاة الذي ذكرنا مسلما لأنهما يورثان ماله ولده ، ويصليان عليه ويدفنانه مع المسلمين  ولا يفرقان بينه وبين امرأته وينفذان وصيته ويورثانه من مات قبله من ورثته من المسلمين. اهــ

فااااااائدة

يثبت القول لإمام المذهب بإثبات أصحاب المذهب هذا القول له كأن يقول الباجي والقرافي مذهب الإمام مالك كذا ، يثبت كذلك بنقل المختصين في الخلاف كابن المنذر و الطحاوي مثلا ، و يثبت كذلك بنقل المحققين له إذا لم يخالفهم أصحاب المذهب ومن المحققين شيخ الإسلام و ابن عبد البر و ابن حزم و ابن قدامة و النووي .

فكتاب المحلى موسوعة فقهية جمعت مذاهب الأئمة فيمكنك النظر في الكتب المشهورة لكل مذهب فمثلا لو نظرت لكاتب الذخيرة للقرافي :

قال سند : من جحد وجوب صلاة من الخمس أو ركوعها أو سجودها كفر ؛ لأنه معلوم من الدين بالضرورة ، وكل من جحد ما علم من الدين بالضرورة فهو كافر في الصلاة أو غيرها وإن اعترف بالوجوب ولم يصل ؛ فليس بكافر خلافا لابن حنبل

 وقال ابن حبيب : يكفر بترك الصلاة والزكاة والصوم والحج ؛ محتجا بقوله عليه السلام في مسلم : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " ، ويروى : وبين الكفر .

 جوابه : أن معناه : وبين حكم الكفر على حذف مضاف ، وحكم الكفر القتل ، فظن بقتله ، ويعضده قوله عليه السلام في الموطأ : " خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس عند الله عهد ؛ إن شاء عذبه ، وإن شاء أدخله الجنة " .

 وهو نص في جواز دخول تاركها الجنة ، فلا يكون كافرا ، ولأنه لا يكفر بفعل ما علم تحريمه بالضرورة إجماعا ، فلا يكفر بترك فعل ما علم وجوبه ، بجامع مخالفة ضروري في الدين .

 ويروى أن الشافعي قال لأحمد : إذا كفرته بترك الصلاة وهو يقول : لا إله إلا الله  بأي شيء يرجع إلى الإسلام ؟ فقال : بفعل الصلاة فقال له : إن كان إسلامه يترتب عليها فتكون واقعة في زمن الكفر فلا تصح وإن لم يترتب عليها لم يدخل بها فسكت أحمد  رضي الله عنهما . وإذا لم يكفر فيقتل عند مالك و( ش ) حدا خلافا ( ح ) وبعض أصحابنا. اهــ

إذن هو ينسب القول للإمام مالك خلافا للإمام أحمد و يذكر خلاف ابن حبيب في المسألة وهكذا تنظر في كتب كل مذهب.

بالنسبة لما قاله ابن حزم فهو يذكر فيه أن الإمام مالك والشافعي يورثونه مما يبين أنه غير كافر عندهم لأن المسلم لا يرث من الكافر وهذا كذلك موجود في كتب المذاهب.

 قال ابن عبد البر في التمهيد : قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : من آمن بالله وصدق المرسلين ، وأبى أن يصلي قتل . وبه قال أبو ثور ، وهو قول مكحول ، وحماد بن زيد ، ووكيع . وكل هؤلاء إذا قتل أن لا يمنع ورثته من ميراثه ؛ لأنه لا يقتل على الكفر إن كان مقرا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والشرائع ودين الإسلام ، ومقرا بفرض الصلاة والصيام إلا أنه يأبى من أدائها وهو مقر بفرضها ، ومؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت . اهـــ وهكذا أخى المسلم تجد في أغلب كتب المذاهب اتفاقهم على نسبة هذا القول للأئمة الثلاثة .

أيضا ومن الآخذين بأحاديث الشفاعة وما يؤيدها من السنة الصحيحة الإمام ابن القيم رحمه الله .

قال رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273) :

"الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين... إلى أن قال : فإن لفظ الحديث هكذا فيقول : "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط".

فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمةومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط .ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر.

 وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال : (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)". اه

 فالإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيراً قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث. فالظاهر أنه يعتقد أنهم من أهل التوحيد، وأنهم ليس عندهم شيء زائد على التوحيد. أي : يعتقد بظاهر الحديث أنهم لم يعملوا خيراً قط ولا شك أنه يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد. والذي نعرفه عن ابن القيم أنه يرى كفر تارك الصلاة لكنه لما وقف أمام حديث أبي سعيد في الشفاعة وما تلاه لم يسعه إلا الاستسلام لها والصدع بمضمونها.

وكذلك يقال عن الإمام أحمد فإن له روايات عديدة في تكفير تارك الصلاة حيناً وعدم تكفيره حيناً آخر، وفي تكفير تارك الأركان تارة، وفي عدم تكفيره تارة أخرى. والظاهر أن سبب اختلاف رواياته ثم فيأتُهُ إلى عدم التكفير هو استسلامه وإيمانه بأحاديث الشفاعة .

كما أنه لا ينسى المطلع على أحاديث رسول الله أن أحاديث الشفاعة تؤيد حديث أبي سعيد، ولا سيما حديث أنس، وكذلك قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ). كما يفهمها جمهور أهل السنة بخلاف الخوارج وغلاة المرجئة.

وقل مثل ذلك في شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه قد يرى كفر تارك الصلاة لكنه إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة استسلم لها وصدع بمضمونها.

قال رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (1/318) :

"ولكن كثيرا من أهل البدع والخوارج والمعتزلة أنكروا شفاعته لأهل الكبائر فقالوا :
 لا يشفع لأهل الكبائر بناء على أن أهل الكبائر عندهم لا يغفر الله لهم ولا يخرجهم من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا غيرها، ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد ؛بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان" .اه

والظاهر والله أعلم أن أخذ هؤلاء الأئمة بأحاديث الشفاعة هو الأخير، وهو الأصوب؛ لأن ذلك أخذ منهم بالجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو المنهج الحق السديد الذي يخالف به أهل السنة الخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، ويهملون نصوص الوعد. ويخالفون به غلاة المرجئة الذين يأخذون بنصوص الوعد ويهملون نصوص الوعيد .

هذا ومن أئمة السنة من لا يُكفِّر إلا بترك الشهادتين أو يقع في نواقضها. ومنهم :

1- الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية بعد الإمامين ابن تيمية وابن القيم فقد جاء في "الدرر السنية" (1/102) :

أنه سئل : عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟

فأجاب :

أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها.  والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".اه

فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً
وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين. والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان . وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .
 
2- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "الدرر السنية"(1/317) تأكيداً لما قاله الإمام محمد بن عبد الوهاب :

 "سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟

 فقال في الجواب :

 إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر... ".اه
 
3- وقال الشيخ عبد اللطيف في "الدرر السنية" (1/467) مؤكداً ما قاله آباؤه : " وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية وهذا : مجمع عليه أهل العلم والإيمان". اه

4- وقال ابن سحمان في الضياء الشارق (ص35) مطابع الرياض : " فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة، ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب، ودان بحكم الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف، ووافق أهل السنة والجماعة.  ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام" لابن حجر الشافعي". اه
 
فهؤلاء كبار أئمة الدعوة السلفية في نجد لا يكفرون إلا بما أجمعت الأمة على أنه كفر.
وعبارة الإمام محمد -رحمه الله : "ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".
 
والظاهر أن هذه المواقف من هؤلاء الأئمة إنما هي مبنية على الأخذ بأحاديث فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وعلى أحاديث الشفاعة التي هي مبنية على فضل ومكانة كلمة التوحيد، وما لقائلها المعتقد لمعناها المخلص فيها من الجزاء عند الله على تفاوت أهلها في العمل بمقتضاها والتقصير فيه ، وعلى تفاوتهم في هذا التقصير، كما في أحاديث الشفاعة التي تبين هذا التفاوت، وقد سلف ذكرها قريباً .

هذا ولهؤلاء الأئمة أقوال أخرى تخالف أقوالهم هذه لكن المتأمل والناظر في الأدلة والإجماع الذي ذكروه يدرك أن المعتمَد عندهم هذا القول القائم على الأدلة المذكورة والإجماع .

(أقول (الشيخ ربيع :

 إن من يجعل أهل السنة المعاصرين الآخذين بنصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم- 
من أهل الإرجاء لظالم شديد الظلم ولا يستغرب هذا من إنسان يجعل جمهور أهل السنة والحديث السابقين واللاحقين وعلماءهم من المرجئة؛ لأنهم لم يكفروا تارك الصلاة، وعلى رأس هؤلاء الإمام الزهري والإمام مالك وحماد بن زيد والإمام الشافعي وأصحابهم من أهل السنة والحديث وغيرهم ومنهم الإمام أحمد في عدد من أقواله والبربهاري وابن بطة وابن البناء الذين لا يكفرون تارك العمل بالكلية في بعض أقوالهم. وابن قدامة وكثير من الحنابلة لا يكفرون تارك الصلاةفهؤلاء جميعاً ومن قال بقولهم مرجئة على مذهبهم.!!

وأقول : ومن يُكفِّر تارك الصلاة إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة لا يسعه إلا الأخذ بها، والابتعاد عن تأويلها؛ لأنها تتضمن عقوبة تاركي الصلاة وغيرهم بإدخالهم النار.وتتضمن إخراجهم منها بتوحيدهم  وبشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والمؤمنين، ثم أخيراً برحمة أرحم الراحمين، وفيهم من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأين عملهم وصلاتهم، وهذا إيمانهم؟ وفيهم من لم يعمل خيراً قط. هذا ما عرفناه من تصرفات كثير من أئمة السنة والحديث بل على هذا طوائف أهل الحديث كما أسلفنا .

وإضافة إلى ما سلف من دلالات أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد على أن المسلم لا يخرجه من الإسلام إلا الشرك الأكبر وهو اتخاذ الند أو الأنداد مع الله، وأنه وإن عوقب بالنار لا بد أن يخرج منها إلى الجنة بما عنده من التوحيد، ولو كان أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان. وإضافة إلى ما صرّح به بعض العلماء بهذا الخصوص .

إضافة إلى كل ما سبق نسوق قول الإمام البخاري وأقوال بعض أئمة التفسير

قال البخاري-رحمه الله في "صحيحه" (1/26) :" بَاب الْمَعَاصِي من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، ولا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إلا بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النبي  : "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ).

يرى البخاري أن مرتكب المعاصي لا يكفر بارتكابها ولا يكفر العبد إلا بارتكاب الشرك الأكبر.

وقال الإمام  بن جرير الطبري في تفسيره (5/125) للآية (4 من سورة النساء : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). قال رحمه الله :

 "القول في تأويل قوله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً). يعني بذلك جل ثناؤه : (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم)، وأن الله لا يغفر أن يشرك به، فإن الله لا يغفر الشرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام. وإذ كان ذلك معنى الكلام فإن قوله : ( أن يشرك به ) في موضع نصب بوقوع يغفر عليها، وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهرا وذلك أن يوجه معناه إلى أن الله لا يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء، كأنه قيل: إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك أو عن شرك...".

ثم قال في (5/126) : وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرة شركا بالله.

القول في تأويل قوله تعالى : (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما). يعني بذلك جل ثناؤه :  ومن يشرك بالله في عبادته غيره من خلقه فقد افترى إثما عظيما، يقول : فقد اختلق إثما عظيما. وإنما جعله الله تعالى ذكره مفتريا؛ لأنه قال زورا وإفكا بجحوده وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، فقائل ذلك مفتر، وكذلك كل كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له". راجع تفسير آية (116) من سورة النساء.

إذن

1- فهذا الإمام الطبري يرى أن كل صاحب كبيرة تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن تلك الكبيرة شركاً بالله.

2- فسّر الشرك بالله بأنه عبادة غير الله من خلقه.

3- فسر الشرك "بجحود وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، وأن قائل ذلك مفتر على الله".

فأهل المعاصي والكبائر ومنها ترك الصلاة وإن تركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات لا يصدق عليهم أنهم جحدوا وحدانية الله،ولا يصدق عليهم أنهم أقروا بأن لله شريكاً، فهم داخلون تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، وهذا هو المعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة، بل هي نص صريح في هذا المعنى .

  ويؤيد هذا التفسير قول الله تعالى في المشركين : (وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)، [سورة إبراهيم : (30 )]، وقال تعالى : (فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة البقرة : (22)].  وقوله تعالى : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، [سورة فصلت: (9)]، إلى غير ذلك من الآيات. وتارك العمل الذي لم يقع في الشرك لم يتخذ مع الله أنداداً.  ويلاحظ أن ابن جرير لم يتعرض لذكر تارك جنس العمل، أو تارك العمل.  وسأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قال : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، قال : ثُمَّ أَيٌّ؟، قال : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ من أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قال: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" ، أخرجه البخاري في "التفسير" حديث (4477)، ومسلم في "الإيمان" حديث (86). 

وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية (5/245-246) : "قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به )روي أن النبي تلا : (إن الله يغفر الذنوب جميعا فقال له رجل : يا رسول الله والشرك؟، فنـزل : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة. ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه.

 فقال محمد بن جرير الطبري :

 قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. وقال بعضهم : قد بين الله تعالى ذلك بقوله : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فأعلمَ أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر "الفرقان".

 قال زيد بن ثابت : نزلت سورة "النساء" بعد "الفرقان" بستة أشهر، والصحيح أن لا نسخ؛ لأن النسخ في الأخبار يستحيل. وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة وفي "الفرقان" إن شاء الله تعالى. وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، قال : هذا حديث حسن غريب".

إذن

1- يرى القرطبي أن كون الله لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك من المحكم المتفق عليه
 عند الأمة مستدلاً على ذلك بالآية والحديث الذي استشهد به.

2- وذكر الاختلاف في قوله تعالى : (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ونقل عن ابن جرير في معناها ما يوافق ما حكاه من اتفاق الأمة على أن الله لا يغفر الشرك، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ثم أشار إلى رأي من يخالف في أصحاب الكبائر، والظاهر أنه يشير إلى مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر ولم يشر إلى من يكفر بجنس العمل أو ترك العمل.

وقال ابن كثير في تفسيره (4/99-100) للآية (4 من سورة النساء : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء): "ثم أخبر تعالى أنه : (لا يغفر أن يشرك به) أي : لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به (ويغفر ما دون ذلك) أي من الذنوب (لمن يشاء) أي : من عباده. وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر :

(الحديث الأول ) : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدواوين عند الله ثلاثة؛ ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، قال الله عز وجل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ). الآيةوقال : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة )، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة" . تفرد به أحمد".

يقول ابن كثير بما تضمنته هذه الآية، وهو أن الله لا يغفر لمن لقي ربه وهو مشرك، وأنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده، فما دون الشرك من الذنوب عنده   تحت مشيئة الله إن شاء عفا وإن شاء عاقب.

2- ساق بعد هذا ثلاثة عشر حديثا تتعلق بمعنى الآية وتؤكده : منها الصحيح، ومنها الحسن ومنها الضعيف المنجبر.

3- ثم قال : وقوله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما )  كقوله : ( إن الشرك لظلم عظيم ). ثم قال مؤكداً لمعنى هذه الآية: وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : قلت : يا رسول الله أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟، قال : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، وذكر تمام الحديث. ثم ساق حديثاً عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال : "ألا أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، ثم قرأ : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما )ولم يشر إلى من يكفر بالذنوب، ومنها ترك العمل أو جنس العمل.

وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). (ص181-182): "يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك إذا اقتضت حكمته مغفرته.

 فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ، ويوم القيامة ، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد . وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة (من شافعين ولا صديق حميم) . ولهذا قال تعالى ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أي : افترى جرماً كبيراً وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه ، ثم قال : وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) أي : لمن تاب إليه وأناب".

انظر إلى قول العلامة ابن سعدي :

1- "يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب  صغائرها وكبائرها وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك...".

2- وقوله: " فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة..."."وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد...

3- وقوله: " وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه... فهو يرى أن الشرك هو أن يجعل العبد لله نداً من المخلوقين في عبادته.
ولا يعتبر المعاصي كبيرها وصغيرها من الشرك الذي لا يغفر، بل عنده ما عدا الشرك من الذنوب يغفره الله، ويرى أن لذلك أسباباً كثيرة، أما المشرك فقد سد هذه الأبواب على نفسه.اه

أقول :

 وأما الموحد فكما يقول الحافظ ابن رجب : "التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة...الخ".

وقال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (1/70) : " وَتَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ فِي الْقُرْآنِ : كَثِيرٌ جِدًّا بَلْ هُوَ قَلْبُ الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ الْإِسْلَامِ وَآخِرُهُ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَقَالَ : { إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَحَدٌ إلَّا وَجَدَ رُوحُهُ لَهَا رَوْحًا } وَقَالَ : { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ }. وَهُوَ قَلْبُ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَالْجَوَارِحِ لَهُ".

وقال أيضا في كتابه"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقرة (945) : " فإن التوحيد    هو سر القرآن ولب الإيمان".اه

أقول : هذه أقوال من يعظم التوحيد ويعرف منـزلته وثماره، ويفرق بين الشرك الأكبر المخرج من الإسلام وبين ما دونه مما يطلق عليه لفظ الشرك كترك الصلاة وغيره مما لا يخرج به الموحد من الإسلام وتنفعه شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وشفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين، ولو كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من التوحيد والإيمان، وبعد كل ذلك رحمة أرحم الراحمين -جل وعلا- كما نصَّ على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

 هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي. هل هم من المرجئة؟

الجواب :

لا؛ هذا من أهل السنة والجماعة ؛ من قال بعدم كفر تارك الصيام ، أو الزكاة ، أو الحج هذا ليس بكافر، لكن أتى بكبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن الصواب لا يكفر كفراً أكبر . أما تارك الصلاة فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج، فهذا كفر دون كفر،معصية كبيرة من الكبائر، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال عمَّن منع الزكاة : يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن : (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) .اه

وسئل أيضا رحمه الله :

 أعمال الجوارح تعتبر شرط كمال في الإيمـان  أم شرط صحة للإيمـان ؟

فأجاب رحمه الله :

 أعمال الجوارح منها ما هو كمال ومنها ما ينافي الإيمان ، فالصوم يكمل الإيمان والصدقة والزكاة من كمال الإيمـان وتركها نقص فـي الإيمـان ، وضعف فـي الإيمـان ، ومعصية أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر نسأل الله العافية كفر أكبر وهكذا فالإنسان يأتـي بالأعمال الصالحات فهذا من كمال الإيمـان أن يكثر من الصلاة ، ومن صوم التطوع ، ومن الصدقات فهذا من كمال الإيمـان الذي يقوي به إيمانه.". انتهى من مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ ابن باز رحمه الله نشرتها مجلة الفرقان في العدد (94 السنة العاشرة شوال 1418هـ ص/ 11)

الشاهد في كلام سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : أنه لم يبدع الذين لا يُكفرون تارك أعمال الجوارح، بل برّأهم من الإرجاء وحكم لهم بأنهم من أهل السنة، وهذا دليل على إنصافه -رحمه الله- وعمق فهمه لمنهج السلف .

 وانظر تفريقه –رحمه الله : بين من يستحق أن يوصف بالإرجاء وهم المرجئة الحقيقيون الذين يخرجون العمل من الإيمان ويقولون : إنه لا يزيد ولا ينقص ... الخ، فيصادمون آيات كثيرة تثبت أن العمل من الإيمان، وأحاديث كثيرة كذلك مع مصادمتهم لعقيدة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سار على نهجهم، وكذلك يصادمون آيات قرآنية تدل على زيادة الإيمان وأحاديث كثيرة تدل على نقصانه.

وبين أهل السنة الذين يؤمنون

 بأن العمل من الإيمان وأنه يزيد وينقص لكنهم لا يكفرون تارك العمل بالكلية، فليسوا من الإرجاء في شيء، لأنهم لم يصادموا الكتاب والسنة ولا عقيدة الصحابة ومن تابعهم في أن العمل من الإيمان وأنه يزيد وينقص، واعتقادهم أن تارك العمل أو جنس العمل ليس بكافر لا يخرجهم عن أهل السنة، كما لم يخرج من لا يكفر تارك الصلاة أو لا يكفر تارك الأركان الأربعة؛ لأن هذا من المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد فللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. وقد يكون الذين لا يكفرون تارك العمل هم أكثر أهل السنة، كما يتضح من النصوص التي نقلناها سلفاً عن طوائف من أهل السنة السابقين واللاحقين .

وأما الإستدلال بأثر عبد الله بن شقيق العقيلي على كفر تارك الصلاة كسلا

والذى فيه : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ". رواه الترمذي

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

هذا الحديث الموقوف ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع عن أدائها ولو أنذر بالقتل. كما قال ابن تيمية وابن القيم، انظر رسالتي «حكم تارك الصلاة». انتهى من
 «التعليق على الترغيب والترهيب» «١/ ٢٥٦»

كما أن العلماء الذين استدلوا بأثر عبد الله بن شقيق لم يطلعوا على ما يدل على ضعفه سنداً ومتناً، ولو اطلعوا على ما يدل على ضعفه لما احتجوا به والدال على ضعفه رواية إسماعيل بن علية ولفظها : " ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ". رواه الخلال في "السنة"(4/144) رقم (137.

فأين ذكر الصحابة وإجماعهم في هذه الرواية الصحيحة؟ وأين تكفيرهم لتارك الصلاة هذا وقد ثبت بسند صحيح صححه العلامة الالبانى عن عن سوار بن شبيب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إن ها هنا قومًا يشهدون علىّ بالكفر : فقال : ألا تقول : لا إله إلا الله، فتكذبهم.  المصدر : الإيمان لابن أبي شيبة

 فهذا يدل على أن ابن عمر يحكم بالإسلام لمن قال: لا إله إلا اله وإن لم يصلِّ  فهذا نص صريح فى اسقاط دعوى الاجماع رغم محاولة الفريق الاخر تأويل هذا الأثر فى ردودهم بتأويلات واهية .

ولذلك يقول ابن دقيق العيد :

 « دعوى الإجماع دعوى عسيرة الثبوت، لا سيما عند من يشترط في ذلك التنصيص من كل قائل من أهل الإجماع على الحكم ولا يكتفي بالثبوت، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من ادعى الإجماع فقد كذب ».اه [شرح الإلمام] 

فباختصار في هذا الموضوع :

1- أن عبد الله بن شقيق ما روى إلا عن عدد قليل من الصحابة مما يبطل دعوى الإجماع .

2- أن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط  فإن صحَّ أنه سمع منه قبل الاختلاط، فيحتمل أنه سمع هذا الأثر بعد الاختلاط احتمالاً قوياً أو يكون قد وهم فيه.
ومما يدل على هذا أن إسماعيل بن علية قد رواه بنص يخالف نص رواية بشر.

فرواية بشر نصها : "لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". ونص رواية إسماعيل بن علية : "ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ". والفرق بينهما واضح جداً عند المنصفين واعتبار رواية إسماعيل بن علية موافقة ومتابعة لرواية بشر من المكابرات .

فرواية بشر بن المفضل تُسنِد التكفير إلى الصحابة بلفظ يوهم إجماعهم على هذا التكفير.

بينما رواية إسماعيل لا تُسند هذا التكفير إلى أصحاب النبي  لا من قريب، ولا من بعيد.

وقوله : " قيل " يحتمل أن القائلين غير أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم-. ويحتمل أن القائل واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-، أو من التابعين، فإن عبد الله بن شقيق قد روى عن بعض التابعين. راجع "تهذيب الكمال" (15/90).

وكذا رواية عبد الأعلى : " ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة " قال : " كانوا يقولون : تركها كفر " . فيها مخالفة لرواية بشر بن المفضل فلا يجوز الجزم بأن قائليها هم الصحابة وهي تقوي رواية إسماعيل بن علية، لا رواية بشر بن المفضل . 

والذين صححوا رواية بشر لو اطلعوا على روايتي إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لكان لهم موقف حازم منها  وأزيد لو اطلعوا عليهما لأعلّوا بهما رواية بشر على طريقة أئمة الحديث.  ويحتمل أن بعضهم يعرف ضعف رواية بشر، ولكنه يتساهل في قبولها على طريقة كثير من أهل الحديث في التساهل في روايات الترغيب والترهيب . 

كما أن أحاديث المختلطين تروى إذا وجد لها ما يعضدها فأين ذلك؟!

فأثر عبد الله بن شقيق ....لم يسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه. وهو عند الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة -رضي الله عنه وهذا واحد من الأدلة الدالة على ضعف أثر عبد الله بن شقيق.

فتارة يسند إلى عبد الله بن شقيق وأخرى إلى أبي هريرة.

وتارة يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن ابن شقيق بلفظ.

ويخالفه إسماعيل بن علية فيرويه عن الجريري بلفظ آخر.

ويرويه عبد الأعلى بلفظ مغاير للفظ رواية بشر.

هذا مع احتمال أن بشراً ما روى هذا النص عن الجريري إلا بعد الاختلاط.

فإذا لم يضعف هذا الأثر بهذه الاختلافات في الإسناد والمتن فلا سبيل إلى تضعيف الأحاديث والآثار الضعيفة والباطلة ويغلق باب التضعيف والتعليل.

فهل سمع بشر من الجريري هذا الأثر قبل الإختلاط أم بعده أو أمره مشكل؟

فلا يقبل إلا بدليل من شاهد أو متابع أو نحوه كما هو ظاهر صنيع الشيخين البخاري ومسلم فيما رويا عنه غير هذا الأثر وهذا الأثر لم يروياه. فتنبه .اه

 كما أن عبد الله بن شقيق لم يرو إلا عن عدد قليل من الصحابة. وهم : 1- عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-. 2- وعثمان بن عفان –رضي الله عنه-. 3- وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. 4- وعبد الله بن عباس-رضي الله عنه. 5- وعبد الله بن أبي الجدعاء. 6- وعبد الله بن أبي الحمساء. 7- ومحجن بن الأدرع، وقيل بينهما رجاء بن أبي رجاء. 8- ومرة بن كعب البهزي، 9- وأبو ذر –رضي الله عنه-. 10- وأبو هريرة –رضي الله عنه-. 11- وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. 12- وعبد الله ابن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-. وفيه نظر، فقد قال يعقوب بن سفيان الفسوي : حدثني محمد بن عبد الرحيم قال : سألت علياً عن عبد الله بن شقيق هل رأى عبد الله بن عمر؟ قال : لا، ولكنه رأى أبا ذر وأبا هريرة .اه 

فهذا صريح بأن عبد الله بن شقيق ما رأى إلا اثنين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم فكيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة،  وعدم تكفيرهم بسائر الأعمال، وهو لم يرو إلا عن هذا العدد القليل؟ كيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة وهم يزيد عددهم على مائة ألف؟ فقد ذكر الحافظ ابن حجر عدداً من المؤلفات في الصحابةثم قال : "فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم؛ ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي، قال: توفي النبي -صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية".اه انظر "مقدمة الإصابة" (1/4).

الرد على من استدل بتعريف كلمة الكفر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين المرء وبين الكفر .. » على أن المراد الكفر الكبر

قال الشيخ الألبانى رحمه الله :

 إذا كان الحديث له دلالة ظاهرة ينصرف الذهن إليها، ولكن إذا قام مانع شرعي يمنع من أن ينصرف الذهن إلى هذه الدلالة الظاهرة فهنا يأتي ما يسمى بالتأويل والتوفيق بين الأحاديث، يعني : مثلًا قوله عليه الصلاة والسلام : «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» فإذا نظرنا إلى هذا الإطلاق أليس يعني ذلك أنه كافر؛ لأنه نفى مطلق الإيمان؟

 فإذًا! فنفى الإيمان مطلقًا، لا إيمان مطلقًا لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ... الشيء الكثير النصوص الشرعية، ولكن لما الإنسان يجمع بين هذا النص وبين نص آخر، يضطر أن يقول : لا إيمان كاملًا، لا دين كاملًا، وعلى هذا تؤولت كثير من الأحاديث، كمثل قوله - صلى الله عليه وسلم - عند جمهور الأئمة : «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» . فلا صلاة له، هذا نفي للصلاة، أي : تكون الصلاة باطلة، لكن الذين يقولون بأن هذه الصلاة مع الجماعة فريضة لكن ليست شرطًا أو ركنًا من أركان الصلاة، يضطرون أن يفسروا هذا الحديث على ضوء الأحاديث الأخرى، صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وليس القصد الآن هنا تحرير القول بمثل هذا الحديث، وإنما المقصود التذكير بأساليب العلماء في سبيل التوفيق بين حديث يدل بظاهره على شيء ثم لما يضمون إليه الأحاديث الأخرى يضطرون أن يخرجوا عن هذه الدلالة الظاهرة ويفهموا أن دلالة الحديث على ضوء الأحاديث الأخرى.

وما أكثر الأحاديث بهذا الصدد، مثلًا : «لا يدخل الجنة قتات» ما الذي يتبادر للذهن؟ لا يدخل أبدًا، لكن عندما تأتي للأحاديث التي تفيد عدم خلود المسلم مهما كان عاصيًا في النار، ويذكر مثلًا حديث الشفاعة ونحو ذلك: « وأخرجوا من النار من كان في ... » كل هذه الأحاديث لما تجمع مع مثل حديث: «لا يدخل الجنة قتات» أو نمام أو ديوث أو .. إلى آخره، يضطر أن يفهم الحديث على غير المتبادر إلى الذهن، قد يكون الحديث المشهور هكذا؛ لأنه لا يوجد في الشريعة مطلقًا أن الإنسان يكفر بترك عمل، وهو يؤمن بأن هذا العمل [واجب] . انتهى من «رحلة النور» «٣٠ ب/٠٠: ١٨: ٢٣»

أما من إدعى الإجماع على كفر تارك الصلاة كسلا

فإليك موقف الإمام أحمد والشافعي وغيرهما ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن القيم من دعاوى الإجماع .

قال ابن تيمية رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (19/271) : " وإذا نقل عالم الإجماع ونقل اخر النزاع : إما نقلا سمى قائله ؛ وإما نقلا بخلاف مطلقا، ولم يسم قائه فليس لقائل أن يقول نقلا لخلاف لم يثبت ؛ فإنه مقابل بأن يقال ولا يثبت نقل الإجماع بل ناقل الإجماع ناف للخلاف، وهذا مثبت له، والمثبت مقدم على النافي. وإذا قيل : يجوز في ناقل النزاع أن يكون قد غلط  فيما أثبته من الخلاف : إما لضعف الإسناد ؛ أو لعدم الدلالة، قيل له : ونافي النزاع غلطه أجوز ؛ فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه ؛ أو بلغته وظن ضعف إسنادها وكانت صحيحة عند غيره  أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة، فكلما يجوز على المثبت من الغلط  يجوز على النافي مع زيادة عدم العلم بالخلاف . وهذا يشترك فيه عامة الخلاف ؛ فإن عدم العلم ليس علما بالعدم لا سيما في أقوال علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم- التي لا يحصيها إلا رب العالمين ؛ ولهذا قال أحمد وغيره من العلماء : من ادعى الإجماع فقد كذب ؛ هذه دعوى المريسي والأصم . ولكن يقول : لا أعلم نزاعا والذين كانوا يذكرون الإجماع كالشافعي وأبي ثور وغيرهما يفسرون مرادهم : بأنا لا نعلم نزاعا، ويقولون هذا هو الإجماع الذي ندعيه".اه

وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (1/29-30) متحدثاً عن أصول الإمام أحمد –رحمه الله : ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح. 

وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع ولفظه : ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعاوقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول : ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ما يدريه، ولم ينته إليه، فليقل : لا نعلم الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكنه يقول : لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك هذا لفظه. 

ونصوص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع  لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده" .اه

وفي النهاية نقول

1- إنه قد تبيّن بالدراسة الجادة أن دعوى إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لم تثبت. وأن تعريف الإيمان المنسوب إلى الشافعي –رحمه الله- لم يثبت، وكيف يثبت وهو يتعارض مع قول الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، ومع أحاديث الشفاعة وأحاديث مكانة التوحيد وفضائله؟ وهل أئمة الإسلام وعلماؤه في مشارق الأرض ومغاربها لم يعلموا هذا التعريف، أو أنهم تواطئوا على عدم نقله؟ حاشاهم وحاشاهم.

2- إن تارك الصلاة إن كان مستحلاً لتركها فهو كافر، إلا إذا كان يجهل وجوبها كالحديث العهد بالإسلام، أو يعيش في بادية بعيدة عن أمصار المسلمين وقُراهم فيُبيَّن له أهميتها ووجوبها فإن عاند واستمر في تركها فهو كافر .

 وإن كان تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهذا يُدعى إلى الصلاة، فإن أبى أن يصلي هذه الصلاة حتى خرج وقتها، فالذي ندين الله به أنه فاسق مجرم يجب قتله إذا أصرَّ على تركها، ونبغضه في الله، ونحذر منه ومن شره، ونطلق عليه الكفر؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".

ولولا أحاديث الشفاعة  وحديث صاحب البطاقة الذي لقي الله وليس عنده عمل ولكن عنده لا إله إلا الله فغفر له وأدخله الجنة.  وحديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البر والبحر.  وأحاديث "من قال : "لا إله إلا الله"، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث(23).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (26).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (425، 1186)، ومسلم حديث (33).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (99).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"، رواه مسلم حديث (27).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار"، رواه مسلم حديث (29).

لولا هذه الأحاديث العظيمة وقول الله : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). لكفرنا تارك الصلاة الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإسلام.

وإذا كان هذا واقعنا فنرى أنه لا يرمينا وأسلافنا بالإرجاء إلا ظالم لم يرفع رأسه بهذه الأحاديث النبوية. ونرى أن مذهبه يقتضي رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم-  وأصحابه وأهل السنة والحديث بالإرجاء.

فإن قالوا : 

ما رأيكم في من يكفر تارك الصلاة من السلف؟

فنقول : 

إنهم على رؤوسنا نحبهم ونجلهم، ولهم أجر المجتهدين ولأنهم يحترمون إخوانهم من أهل السنة ممن لا يُكفرون تارك الصلاة، ولا يصفونهم بالإرجاء لأنهم يرون أن عندهم من الأدلة والبراهين ما يمنع من رميهم بالإرجاء،بل ما يحملهم على احترامهم وتقديرهم.

فإذا قيل :

 إن فلانا رمى بالإرجاء من لا يكفر تارك الصلاة.

فجوابه :

 إن هذا من زلات العلماء التي حذّر السلف من اتباعها وتقليد صاحبها، ومن قلّده فقد خالف منهج السلف يجب التحذير والحذر منه؛ لأنه متبع لهواه ومن المتبعين للشواذ والغرائب من الأقوال التي يذم من تتبعها.

ومما ينبغي التفطن له أن الذي يكفر بترك الصلاة من أهل السنة لا يكفر بما عداها من أركان الإسلام كالزكاة والصوم والحج وما بعدها من الأعمال الصالحة. والذي لا يكفر إلا بالأركان الأربعة لا يكفر بما وراءها من الأعمال الصالحة وغيرها؛ لأنه إذا كان لا يكفر بثلاثة من أركان الإسلام فلأن لا يكفر بغيرها من باب أولىوالذي لا يكفر إلا بترك الصلاة ومنع أداء الزكاة لا يكفر من ترك الصوم والحج، فعدم تكفيره لما وراءها من الأعمال من باب أولى.

وإذن فأهل السنة مجمعون على عدم التكفير بما وراء الأركان الأربعة من الأعمال، فالذي  يُكفِّر بما وراءها مخالف لإجماعهم،وسالك طريق الخوارج في التكفير بارتكاب الكبائر مطلقاً. وهذا يدين من يكفرون تارك جنس العمل ومرادهم بذلك ترك العمل، وهو قول جديد ابتدعوه لحرب أهل السنة والشغب عليهم. فلشدة فتنتهم وشغبهم على أهل السنة زادوا هذا الأصل، ولم يكتفوا بتكفير تارك الصلاة الذي يغنيهم عن التكفير بما بعده؛ لأن الذي يُكفِّر بترك الصلاة من السلف لا يعتد بأعمال هذا التارك مهما كانت.

ومن شدة هوى هؤلاء المعاصرين المحاربين لأهل السنة يرى المتابع لهم أنهم لا يرفعون رأساً بأحاديث الشفاعة التي نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- على أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ويخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط، ، وقول الله : " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله" ، أي من النار . ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد الشفاعة في من يخرج من النار من العاملين الذين كانوا يصلون ويصومون ويحجون. ولا يرفعون رأساً بأحاديث فضل "لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 بخلاف من يُكفِّر تارك الصلاة من السلف فإنهم إذا وقف أحدهم أمامها استسلم لها وصدع بمضمونها كما قدّمنا ذلك عن الإمام أحمد والبربهاري وابن بطة وابن البناء وابن تيمية وابن القيم وغيرهم- رحمهم الله .انتهى. جل البحث منقول من كلام العلامة ربيع المدخلى حفظه الله على موقعه .

ومن أراد التوسع والرد على أدلة كفر تارك الصلاة فعليه بهذه المصادر..






والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات