">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الأدلة الواضحة على عدم كفر تارك الصلاة كسلا


لا يكفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا على الراجح بل هو فاسق مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر يستحق عليها القتل من قبل الحاكم المسلم إن لم يتب .

فإن مات على ذلك قبل أن يُستتاب كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وهذا هو قول جمهور الفقهاء.

أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة فاختار القتل عليها فقتل فهو في هذه الحالة يموت كافراً ولا يدفن في مقابر المسلمين. 

وأما تارك الصلاة إذا لم يعتقد وجوبها فهو كافر بالنص والإجماع .

فأحاديث الشفاعة وأحاديث فضل لا إله إلا الله أحاديث مُحكمة وصريحة جدا في خروج تارك أعمال الجوارح من النار مع وجود أصل الإيمان والتوحيد .

وإليك الأدلة الواضحة :

 1 - قال تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ). سورة هود : 106-107

فعن ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حين يشفعون في أصحاب الكبائر ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وقال يوما من الدهر : لا إله إلا الله . 

كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمضمون ذلك من حديث أنس ، وجابر ، وأبي سعيد  وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها . وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة. اه (تفسير ابن كثير)

2- قال تعالى في الحديث القدسي : " ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة ". (صحيح الترمذي)

قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح : فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة ، لكن هذا مع مشيئة الله -عز وجل- فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. اهــ.

3 - قال ﷺ : خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهم شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة( صحيح الترغيب رقم: 370)

ففى الحديث وكل أمر التارك إلى مشيئته تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فهو داخل تحت المشيئة والكافر لا يدخل تحت المشيئة فانتبه .

4 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يدرُسُ الإسلامُ كما يدرُسُ وَشيُ الثَّوبِ حتَّى لا يُدرَى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسرى على كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في ليلَةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقَى طوائفُ منَ النَّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ : أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها ،

فقالَ لَهُ صِلةُ : ما تُغني عنهم : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثَّالثةِ، فقالَ : يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النَّار ثلاثًا. ( صحيح ابن ماجه رقم: 3289)

هذا هو الحد الأدنى من النجاة الذي يثبت به الإسلام وما عداه مما ذكر في هذا الحديث لا يكون شرطاً في صحة الإسلام. وقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : "مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ".

5 -  ورد في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الشفاعة أن الشفاعة جاءت لأصناف وأنَّها تشملُ تاركي الصلاةِ منَ المسلمين وهو حديث مُحكم لا شك فيه :

الحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ . 

فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .

فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا .

ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا .

ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )

فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا ، 

فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ).

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وشفاعة أخرى هي : شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ". انتهى(" فتح الباري " (11/428))

 فقد دل الحديث على : أن المؤمنين كما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى، فأخرجوهم من النار بالعلامة، 

فلما شُفِّعوا في المرات الأخرى، وأخرجوا بشراً كثيراً؛ لم يكن فيهم مصلون بداهة، وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانه. وهذا ظاهر جداً لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.

وعلى ذلك؛ فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة- إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله- لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله : { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }. (النساء:٤٨). 

6 - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الشفاعة وفيه يقول رسول اللهﷺ : "... فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي  فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله... 

إلى أن قال : فأقول يا رب أمتي أمتي. فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل. 

إلى أن قال : " ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع  فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله". .رواه البخاري في "التوحيد"

والمعنى : لَأُخرِجَنَّهم كَرَمًا وتَفضُّلًا منِّي، وهذا يَدُلُّ على عَظَمةِ وأهمِّيَّةِ فضلِ التَّوحيدِ، ويُحمَلُ هذا على مَن قالَ تلك الكلمةَ وأهمَلَ العملَ بمُقتَضاها . ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).

فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة -إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله- لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله : {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. [النساء: ٤٨] 

إذن حديث أنس رضي الله عنه يفيد أن الشفاعة تتناول أصنافاً

الصنف الأول : من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان.

الثاني : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

الثالث : من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.

الرابع : صنف يشفع فيهم النبي -ﷺ- وهم من قال : "لا إله إلا الله"، فيقول الله له : " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله "فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

والصنف الأخير : أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف .

فهذان الحديثان يجمعان بين الترهيب والترغيب؛ الترهيب من الذنوب والعقوبة الشديدة عليها ليرتدع المسلمون عن الذنوب، والترغيب في الإيمان والتوحيد ليكونوا من أهله.

7 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " . أخرجه مسلم في "صحيحه"  . 

8- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه- قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتوسد كل رجل منا ذراع راحلته، قال : فاستيقظت فلم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم ...

إلى أن قال : ثم انطلقنا إلى الناس فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إنه أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، 

قالوا: يا رسول الله، ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فأنتم من أهل شفاعتي، فلما أضبوا عليه، قال : شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ". أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/641) رقم (385و 386)، والإمام أحمد في "مسنده" (6/2.

9 - حديث ابن عباس رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ". أخرجه أحمد في "مسنده" (1/301).

10 - حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ : لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي...إلى أن قال: وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي : سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". صحيح الترغيب رقم : 3634 ) و (الوادعي | المصدر : الشفاعة - رقم: 92 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره)  رواه أحمد في "مسنده" (2/222) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ به، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/432-433)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/367).

11 - حديث أبي ذر رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو من مسيرة شهر وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وقيل لي : سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة - إن شاء الله- لمن لم يشرك بالله شيئا ). صحيح الترغيب - رقم: )(3636)) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6462)، والبزار في "مسنده" (4077).

12 - حديث أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ : بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1237)، ومسلم في "صحيحه" حديث (94).

13 - قال الترمذي في "سننه"  4/37: " باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله 2638- حدثنا قتيبة، قال : حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن ابن محيريز، عن الصانبحي، عن عبادة بن الصامت أنه قال : دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقال : مهلاً لم تبكي ؟ فوالله لئن استشهدتُ لأشهدن لك، ولئن شُفِّعت لأشفعن لك، ولئن استطعتُ لأنفعنك، 

ثم قال : والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرّم الله عليه النار". والحديث فى صحيح مسلم

قال أبو عيسى : ووجه هذا الحديث عند أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار"اه

 هذا هو القول الحق وهو مذهب أهل السنة جميعاً وهو يجمع بين نصوص الوعد والوعيد وهو يخالف مذهب الخوارج الذين يتعلقون بنصوص الوعيد فحسب ويخالف مذهب المرجئة الذين يتعلقون بنصوص الوعد ولا يرفعون رأساً بنصوص الوعيد .

14 - قال الإمام مسلم رحمه الله في "صحيحه" : عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ".

وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعيعن عمير بن هانئ؛ في هذا الإسناد بمثله غير أنه قال : " أدخله الله الجنة على ما كان من عمل". ولم يذكر "من أي أبواب الجنة الثمانية شاء" .

15 - وقال أيضا رحمه الله : عن أنس بن مالك أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، 

قال : يا معاذ، قال : لبيك رسول الله وسعديك، قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار، قال : يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال : "إذا يتكلوا" ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" ).

16 - وقال أيضا رحمه الله-: عن أبي صالح عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة".

17 - حديث البطاقة خير شاهد على ذلك فعن عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص قال : 

قال رسول اللَّهِ  : " إن اللَّهَ عَز وجل يَسْتَخْلِصُ رَجُلاً من أمتي على رؤوس الْخَلاَئِقِ يوم الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عليه تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يقول أَتُنْكِرُ من هذا شَيْئاً أَظَلَمَتْكَ كتبتي الْحَافِظُونَ قال لاَ يا رَبِّ فيقول أَلَكَ عُذْرٌ أو حَسَنَةٌ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ فيقول لاَ يا رَبِّ فيقول بَلَى إن لك عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ 

فَتُخْرَجُ له بِطَاقَةٌ فيها أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا الله وان مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فيقول أَحْضِرُوهُ فيقول يا رَبِّ ما هذه الْبِطَاقَةُ مع هذه السِّجِلاَّتِ فَيُقَالُ انك لاَ تُظْلَمُ قال فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كَفَّةٍ قال فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَلاَ يَثْقُلُ شيء بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ ". أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي حديث (2639)، وابن ماجه حديث (4300)، وابن حبان (225)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" ، وليس كما قال، فإسناده صحيح، وقد صححه الحاكم والذهبي والألباني، انظر الصحيحة (135). 

فكل هذه الأحاديث السابقة تدل على أن الشفاعة تتناول كل موحد لم يشرك بالله شيئاً .

18 قال صلى الله عليه وسلم : مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ ؛ نَفَعتْه يومًا من دهرِه ، يُصيبُه قبلَ ذلكَ ما أصابَه .(صحيح الترغيب-رقم : 1525).

مَن قال : لا إلهَ إلَّا اللهُ "، أي : قالها بلِسانِه، واعتَقَدَ بقلْبِه أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ؛ وقَرَنَها بالإقرارِ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، " نَفَعتْه يومًا من دهْرِه "، يعني : أنَّها تَنفَعُه يومَ القِيامَةِ؛ حيث تُنجِّيه من الخُلودِ في النارِ،

" يُصيبُه قبلَ ذلك ما أصابَه "، يعني : ربَّما تُصيبُه النارُ ويُعذَّبُ فيها، قبلَ هذه النَّجاةِ، لكبائِرَ ارتَكَبَها، أو لذُنوبٍ فَعَلَها، لكِنَّه في النهايةِ يخرُجُ من النارِ ويدخُلُ الجَنَّةَ؛ لأنَّه لَمَّا أخلَصَ عندَ قَولِ كَلِمةِ التَّوحيدِ أفاضَ اللهُ على قلْبِه نورًا أحياه بِه؛ فبذلِك النورِ طَهُرَ جَسدُه، فنَفَعتْه عندَ فصلِ القَضاءِ. ينظر : (الدررالسنية-الموسوعة الحديثية).

19 - استدل الإمام ابن قدامه فى كتابه المغنى على عدم كفر تارك الصلاة بأدلة كثيرة منها : والرواية الثانية -عن أحمد- يقتل حدا، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة، وأنكر قول من قال : إنه يكفر. وذكر أن المذهب -أي مذهب أحمد- على هذا، لم يجد في المذهب خلافا فيه. وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي،

- وروي عن حذيفة أنه قال :  يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام  إلا قول لا إله إلا الله. فقيل له : وما ينفعهم؟ قال : تنجيهم من النار، لا أبا لك.

وعن والان، قال : انتهيت إلى داري، فوجدت شاة مذبوحة، فقلت : من ذبحها؟ قالوا : غلامك. قلت: والله إن غلامي لا يصلي، فقال النسوة : نحن علمناه يسمي، فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك، فأمرني بأكلها. والدليل على هذا قول النبي ﷺ : إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

وعن أبي ذر، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة.

وعن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل .

وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال : يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة متفق على هذه الأحاديث كلها ومثلها كثير .

وعن عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال : خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة . انتهى .

فبعض المسلمين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولكنهم لم يقوموا بطاعة ، وكثير منهم أسرف على نفسه بارتكاب الكبائر والمعاصي فلم يكن له حسنة ، ولكن تنجيه شهادة أن لا إله إلا الله من الخلود في النار ، ويعضد هذا المعنى الحديث : " أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ، قال بعض العلماء : مثقال ذرة هو أن يكون قد قال في حياته ولو مرة واحدة لا إله إلا الله .

فمجرد قول الشهادة في الدنيا ينجي صاحبها من الخلود في النار ، ولذلك طلبها النبي صلى الله عليه وسلم من عمه وهو يحتضر كما عند البخاري.

وإليك بعض كلام أهل العلم 

** قال سفيان ابن عيينة :

 فَمَنْ تَرَكَ خُلَّةً مِنْ خِلَالِ الْإِيمَانِ جُحُودًا بِهَا، كَانَ عِنْدَنَا كَافِرًا، وَمَنْ تَرَكَهَا كَسِلًا وَمُجُونًا [ وعند الآجري : كَسَلًا أَوْ تَهَاوُنًا ] أَدَّبْنَاهُ وَكَانَ نَاقِصًا، هَكَذَا السُّنَّةُ أَبْلِغْهَا عَنِّي مَنْ سَأَلَكَ مِنَ النَّاسِ .انتهى من ((الآجري في الشريعة (ج2/ص553))) و (أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (ج2/ص630))

** قال الإمام أحمد رحمه الله :

 والإيمان قول وعمل يزيد وينقص : 

زيادته إذا أحسنت، ونقصانه إذا أسأت. 

ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه ".اه ("طبقات الحنابلة" (1/343) رواية مسدد، نشر دار المعرفة).

- وسئل أيضا رحمه الله : 

ما زيادته ونقصانه؟ 

قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال : إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال : ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟ " .اه "السنة" للخلال (1/58)).

** قال القاضي عياض في «إكمال المعلم» بعد ذكر خلاف أهل العلم في المسألة: 

والصحيح أنه عاص غير كافر؛ لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّه لا يَغْفِر أَن يُشْرَكَ بِهِ ويغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } ... واحتجوا بإجماع الصدر الأول على موارثة من لا يصلي، ودفنهم مع المسلمين . اهـ.

وقال أيضا رحمه الله :

قوله : " لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه، 

وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ إذ تلك أقل المقادير .اه (إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 567))

** قال الإمام ابن حزم في المحلى :

 تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها ؟ 

قال أبو محمد رحمه الله : ذهب مالك ، والشافعي إلى أن من قال : الصلاة حق فرض إلا أني لا أريد أن أصلي  فإنه يتأنى به حتى يخرج وقت الصلاة ، ثم يقتل ،

وقال أبو حنيفة ، وأبو سليمان ، وأصحابهما : لا قتل عليه ، لكن يعزر حتى يصلي ؟

 قال أبو محمد رحمه الله : أما مالك ، والشافعي فإنهما يريان تارك الصلاة الذي ذكرنا مسلما لأنهما يورثان ماله ولده ، ويصليان عليه ويدفنانه مع المسلمين  ولا يفرقان بينه وبين امرأته وينفذان وصيته ويورثانه من مات قبله من ورثته من المسلمين . اهــ

** قال ابن عبد البر في التمهيد :

 قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : من آمن بالله وصدق المرسلين ، وأبى أن يصلي قتل . وبه قال أبو ثور ، وهو قول مكحول ، وحماد بن زيد ، ووكيع . 

وكل هؤلاء إذا قتل أن لا يمنع ورثته من ميراثه ؛ لأنه لا يقتل على الكفر إن كان مقرا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والشرائع ودين الإسلام ، ومقرا بفرض الصلاة والصيام إلا أنه يأبى من أدائها وهو مقر بفرضها ، ومؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت . اهـــ

ـ وقال أيضا رحمه الله في «التمهيد» (23 /290) :

عند شرحه حديث : « خمس صلوات في اليوم والليلة ».

 قال : « وفيه دليلٌ على أنّ من لم يصلّ من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحّداً مؤمناً بما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- مصدقاً مقرّاً وإنْ لم يعمل، وهذا يردّ قول المعتزلة والخوارج بأسرها؛ 

ألا ترى أن المقرّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلماً قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره وعقده نيته، 

فمن جهة النظر لا يجب أن يكون كافراً إلا برفع ما كان به مسلماً وهو : الجحود لما كان أقرّ به واعتقده، والله أعلم ».انتهى

وقال أيضا في «الاستذكار» :

أجمعوا أنه من ‌تركها ‌وهو ‌قادر ‌على ‌إتيانها ممن تجب عليه، أنه غير كافر بفعله ذلك إلا أن يكون جاحدا لها، مستكبرا عنها . اهـ. 

** بل صرّح ابن بطة العكبري في "الشرح والإبانة" (ص124-125) بقوله :

 " ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو يرد فريضة من فرائض الله عزّ وجل جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛  كان في مشيئة الله عز وجل : إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ".اه

** وشهد بذلك العلامة  أبو الحسن المرداوي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" وقال بعد ذكر العلماء الذين يكفرون تارك الصلاة وحكمه. قال : 

"والرواية الثانية : (يقتل حداً) اختاره أبو عبد الله ابن بطة وأنكر قول من قال : إنه يكفر وقال : المذهب على هذا لم أجد في المذهب خلافه". ثم ذكر أبو الحسن أن عدداً من العلماء الحنابلة اختاروا هذا ونصوا عليه في مؤلفاتهم. انظر (3/39-40) .

فظاهر هذا الكلام أنه لا يُكفر إلا بالشرك الأكبر الذي حاربه الأنبياء جميعاً -صلوات الله وسلامه عليهم .

** وقال البربهاري –رحمه الله في شرح السنة" (41) :

 ولا نُخرج أحداً من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجبَ عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة ".اه

** وقال ابن البناء رحمه الله في "الرد على المبتدعة" (ص195) :

 " فصل وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته خلافاً للقدرية في قولهم : (ليس له شفاعة). ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا : بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا : (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك ".اه

** وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم :

 وأما تارك الصلاة فإن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، 

وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه فذهب مالك والشافعي رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن ولكنه يقتل بالسيف، 

وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى رضوان الله عليه، 

وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهما الله إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي. 

واحتج من قال بكفره بظاهر الحديث الثانى المذكور –أي حديث: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة- وبالقياس على كلمة التوحيد،

 واحتج من قال لا يقتل بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس فيه الصلاة، 

واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وبقوله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إله الا الله دخل الجنة، ومن مات وهو يعلم أن لا إله الا الله دخل الجنة، ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة، وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله وغير ذلك. انتهى.

- وقال الإمام ابن جرير الطبري وهو يحكي قول أهل السنة في الإيمان :

قال بعضهم الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن أتى بمعنيين من هذه المعاني الثلاثة ولم يأت بالثالث فغير جائز أن يقال أنه مؤمن ولكنه يقال له إن كان اللذان أتى بها المعرفة بالقلب والإقرار باللسان وهو في العمل مفرط فمسلم . انتهى من ( التبصير في معالم الدين ( 188 ).

 وقال الإمام ابن منده رحمه الله- المتوفي سنة 395 هـ :

ذكر اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو؟ 

فقالت طائفة من المرجئة : الإيمان فعل القلب دون اللسان وقالت طائفة منهم الإيمان فعل اللسان دون القلب وهم أهل الغلو في الإرجاء وقال جمهور أهل الإرجاء الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعاً ،

وقالت الخوارج : الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح وقال آخرون الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر،

 وقال أهل الجماعة الإيمان : هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلاً وفرعاً فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ،

فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ولا يكون مستكملاً له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم،

وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح « فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان تقول شهدت أشهد شهادة والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك والحياء في القلب وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح » . انتهى من ( [كتاب الإيمان لابن منده , الجزء الأول صفحة 209 ]:

** قال الخلال في (جامعه) :

 ... عن أبي شميلة أن النبي ﷺ خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان، كان من أمره، قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم، ولكنه كان وكان. فقال لهم : أما كان يصلي؟ فقالوا: قد كان يصلي ويدع. فقال لهم: ارجعوا به، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه، وادفنو والذي نفسي بيده، لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه.

 وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : صلوا على من قال لا إله إلا الله .

ولأن ذلك إجماع المسلمين،

فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرِّق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام .

 وأما الأحاديث المتقدمة الدالة على كفر تارك الصلاة - فهي على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة، 

كقوله عليه السلام : سباب المسلم فسوق وقتاله كفروقوله : كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. وقوله : من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وقوله : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد. قال : ومن قال: مطرنا بنوء الكواكب فهو كافر بالله مؤمن بالكواكب. وقوله : من حلف بغير الله فقد أشركوقوله : شارب الخمر كعابد وثن. وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، وهو أصوب القولينانتهى

** وقال الحافظ ابن رجب الحنبلى فى توضيحه لحديث الشفاعة لفظ : لم يعملوا خيرا قط " : 

 قد تقدم في الأحاديث الصحيحة أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو ويقع منهم من يقع في النار فإذا دخل أهل الجنة الجنة فقدموا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار فيسألون الله عز وجل إخراجهم منها. 

فروى : زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث طويل سبق ذكر المرور على الصراط ثم قال : حتى إذا خلص المؤمنون من النار...

إلى أن قال : فيقول الله عز و جل : شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج بها قوما لم يعملوا خيرا قط  قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل. وذكر بقية الحديث خرجاه في الصحيحين و لفظه لمسلم

والمراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد. خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا و من حديث ابن مسعود موقوفا.

ويشهد لهذا : حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : وعزتي و جلالي و كبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله . فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك. 

وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم. والله أعلم. انتهى من (من كتاب : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار- لابن رجب)

** وقال العلامة سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب في حاشيته على "المقنع" لابن قدامة ( 1/101- 102) :

"قوله : "وهل يقتل حداً أو كفراً؟ فيه روايتان"، ". 

والرواية الثانية : يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة. وذكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". 

وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ". متفق عليهما. 

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال : "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ". 

ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة إلى غير ذلك 

ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام.

 وأما الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه الصلاة والسلام : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وقوله : "من حلف بغير الله فقد أشرك". وغير ذلك.  قال الموفق : وهذا أصوب القولين ".اه

فكما رأيت هذه عدة شهادات من أكابر العلماء العارفين بمذهب الإمام أحمد وأصحابه ومنهم العلامة ابن بطة على أنه لا يُكفر تارك الصلاة .

** وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ :

  ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط  يريد بذلك التوحيد المجرد من الأعمال . اهـ ملخصا من (شرح سنن ابن ماجه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 66)

** وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى :

 عن الصلاة على الميت الذي كان لا يصلي هل لأحد فيها أجر؟ أم لا؟

فأجاب :

 أما من كان مظهرا للإسلام، فإنه ‌تجري ‌عليه ‌أحكام ‌الإسلام ‌الظاهرة من المناكحة والموارثة، وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك؛ لكن من علم منه النفاق والزندقة فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه، وإن كان مظهرا للإسلام ... اهـ.

وقال أيضا رحمه الله :

 ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل ، ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدا ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة. اه (مجموع الفتاوى (12/ 479)

** قال العلامة الألباني رحمه الله فى كتاب (حكم تارك الصلاة) :

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله " فنحن نقولها ".

هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة :

 وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها ،

ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة مع إيمانه بمشروعيتها  فالجمهور على أن لا يكفر بذلك بل يفسق وذهب أحمد [ فيما يذكر عنه ] إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة لا حدا . وقد صح عن الصحابة : أنهم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . رواه الترمذي والحاكم 

وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم كانوا يريدون ب ( الكفر ) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له كيف ذلك  وحذيفة بن اليمان وهو من كبار أولئك الصحابة يرد على صلة ابن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له فيقول : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة . ." فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه : " يا صلة تنجيهم من النار " ثلاثا 

فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة ومنها بقية الأركان - ليس بكافر  بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة  فاحفظ هذا فإنك قد لا تجده في غير هذا المكان.

ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " ( 84 / 2 ) للحافظ السخاوي فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة : 

ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجوبها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين فإن رجع إلى الإسلام قبل منه وإلا قتل وأما من تركها بلا عذر بل تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر. 

وأنه - على الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد ثم يقتل إن لم يتب ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه . 

ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب العمل جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضا عنه ﷺأنه قال : خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث وفيه : " إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". وقال أيضا : "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة". إلى غير ذلك ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث ".

وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في "حاشيته على المقنع" (١/ ٩٥ - ٩٦) وختم البحث بقوله :

 " ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام، 

وأما الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام : " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، وقوله "من حلف بغير الله فقد أشرك " وغير ذلك. قال الموفق
 وهذا أصوب القولين ".

أقول (الألباني) : نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة، أن الذي ذهبت إليه، ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم، بل هو مذهب جمهورهم، والمحققين من علماء الحنابلة أنفسهم، كالموفق هذا، وهو ابن قدامة المقدسي، وغيره،

ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة، تحملهم إن شاء الله تعالى، على ترك غلوائهم، والاعتدال في حكمهم. انتهى من ("الصحيحة" (١/ ١/١٧١، ١٧٥ - ١٧٨)).

- وقال أيضا رحمه الله :

يجيب بعض أهل العلم على عدد من الأحاديث الواردة في هذه المسألة مما يفيد شمول عفو الله سبحانه ومغفرته ورحمته لبعض من تاركي الصلاة التي هي دون الشرك - كما قال جل شأنه : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".

 - كمثل حديث البطاقة وحديث الشفاعة الآتي وغيرها من الأحاديث بأن يقول ( هؤلاء ) : " هذه أحاديث ( عامة ) وأحاديث تكفير تارك الصلاة ( خاصة ) ". 

(أقول (الألبانى : ولو عكس ( هؤلاء ) - وفقهم الله - قولهم لكانوا أقرب إلى الصواب كما هو معروف من قاعدة الوعد والوعيد عند أهل السنة فيما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  في مواضع عدة من كتبه ك " مجموع الفتاوى " ( 4 / 484 ) ( 8 / 270 ) ( 11 / 648 ) ( 23 / 305 ) وغيره. 

وخلاصة القول في هذه القاعدة : 

أن نصوص الوعيد داخلة تحت مشيئة الله سبحانه إما عفوا وإما تنفيذا وأما نصوص الوعد فإن الله منفذها كما كتب سبحانه على نفسه وفي ذلك يقول من يقول من أهل العلم مستدلا على أصل هذه القاعدة : وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي .اه انظر " شرح العقيدة الطحاوية " ( ص 318 )

- وقال أيضا رحمة الله في " المجلد الأول " من " السلسلة الصحيحة " الحديث تحت الحديث رقم"87" :

بيد أن هنا دقيقة، قل من رأيته تنبه لها، أو نبه عليها، فوجب الكشف عنها وبيانها.

فأقول : " إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , ومات على ذلك قبل أن يستتاب , كما هو الواقع في هذا الزمان ,

أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافراً , ولا يدفن في مقابر المسلمين , ولا تجري عليه أحكامهم , 

خلافاً لما سبق عن السخاوي , لأنه لا يعقل – لو كان غير جاحد لها في قلبه –أن يختار القتل عليها , هذا أمر مستحيل معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان. 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " (٢/ ٤٨): 

" ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقراًّ
بوجوبها ولاملتزما بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة .... 

فمن كان مصراًّ على تركها حتى يموت، لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلماً مقرا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد ".

قلت : هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق ". اهـ .

- وقال أيضا رحمة الله :

 وفي الحديث (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله... الى اخره)دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية ،

 وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. 

ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري : أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط . ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها .اه ( السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3048).

- وقال أيضا رحمة الله في حكم تارك الصلاة (ص: 33) : 

قوله :( لم تغش الوجه ) و نحوه الحديث الآتي بعده : ( إلا دارات الوجوه ) : أن من كان مسلما ولكنه كان لا يصلي لا يخرج [ من النار ] إذ لا علامة له. 

ولذلك تعقبه الحافظ بقوله ( 11 / 457 ) : لكنه يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله : ( لم يعملوا خيرا قط). وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في ( التوحيد ) يعني هذا الحديث،

وقد فات الحافظ رحمه الله أن في الحديث نفسه تعقبا على ابن أبي جمرة من وجه آخر وهو أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشرا كثيرا لم يكن فيهم مصلون بداهة وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم وهذا ظاهر جدا لا يخفى على أحد إن شاء الله .اه

وجاء فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 408) :

الملقي :

 إذاً انقطع عني الإشكال، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيراً قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن.

الشيخ :

 إيه أيش معنى : لا يدخل الجنة إلا مؤمن كامل؟

مداخلة : لا، لا شك.

الشيخ :

 وأنا بقول : تارةً بلى، تارةً لا، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمناً كاملاً، أو على الأقل رجحت سيئاته على، حسناته على سيئاته، 

أما إذا كان مؤمناً لكن له سوابق، له سيئات إلى آخره، فإذاً إن لم تشمله مشيئة الله بالمغفرة كما قال الله -عز وجل- : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. (النساء:48)، إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ويعذب ما يشاء، حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق : «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها، «إلا بحقها» كما جاء في حديث : «أمرت أن أقاتل الناس» هذا بالنسبة للمؤمنين الكاملين .

 أما بالنسبة للمؤمنين العصاة فتنجيهم شهادة أن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان وهذا هو أقل ذرة إيمان، أي لم يكن هنا يعني التزام لحقوق شهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة ترانزيت مع السابقين الأولين، قد يدخلها بعد الحساب، ويكون الحساب نوع من العذاب، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره .اه 

وجاء أيضا فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 413) : 

مداخلة :

 أستاذ، لعل في زيادة في مسند أحمد من حديث ابن مسعود : لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد .

الشيخ : هذا هو

مداخلة : بهذا النص جاءت.

الشيخ : نعم

علي حسن :

 الإشكال شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبد الرحمن : « لم يعملوا خيراً قط ». أصل من الأصول العظيمة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب على الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان، ولكنها شرط كمال.

الشيخ : 

كمال الإيمان، نعم

علي حسن : 

من شرط كمال الإيمان هذا أحد الأدلة على ذلك.

الشيخ : صحيح . اه

وسئل أيضا رحمه الله :

الحديث الذي هو حديث الشفاعة ذكر لي بعض الإخوة يعني أن هناك يرد على حديث الشفاعة الذي في آخره ( أخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) يعني شفاعة الله ورحمة الله في أقوام لم يعملوا خيرا قط قال هذا خاصة الأخيرة ( لم يعمل خيرا قط ) مثل لفظ الحديث الذي قتل مائة فقالت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيرا قط مع أن الرجل قد أتى تائب وقد عمل خيرا فهذا إشكال لم يعمل خيرا قط مع أن هذا الرجل يؤمن بالله ... كيف يجاب عن هذا الإشكال من قال إنما هذا خرج مخرج الغالب الذي هو لم يعمل خيرا قط؟

فأجاب : 

خليه يأول حديث ( لم يعمل خيرا قط ) بما يشاء أن ليس موضوعنا الآن فيه موضوعنا أن هذا حديث صحيح وصريح أن الله عز وجل أذن للمؤمنين الصادقين من أهل الجنة بأن يشفعوا لإخوانهم الذين كانوا معهم كانوا يصلون معهم لكن ما نراهم معنا فيستأذنون ربهم بأن يشفعوا لهم فيأذن لهم خرجت أول وجبة ... 

فاستحقوا بها أن يدخلوا النار فأخرجوا بشفاعة الصالحين ثم يأذن لهم بإخراج وجبة أخرى ... فالتساؤل الآن ما علاقة حديث ( لم يعمل خيرا قط ) بهؤلاء الذين أخرجوا بشفاعة الصالحين ولم يكونوا من المصلين، لكن شو وجه العلاقة؟

السائل : وجه العلاقة أنه يعني الفهم القائم لعله أن الوجبة الثانية ( أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) لا ينفي أنهم لم يصلوا ... .

الشيخ :

 ... أن الذين كانوا يصلون أخرجوا.

السائل : والآخرين هل ينفي ... ؟

الشيخ :

 طبعا لأن الذين قالوا هذه الجملة إخواننا كانوا يصلون معنا وما نراهم معنا شفعوا لهم فأخرجوهم فلما أذن لهم بأن يشفعوا في جماعة ثانية هؤلاء ليس فيهم ولذلك نتسائل إيش علاقة هذا الحديث بهذا؟

السائل : إذن هنا ... .

الشيخ :

 ... هو الذي جعلنا نحن نستدل بالحديث على أن تارك الصلاة إذا كان مسلما كما قلنا آنفا الفرق بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي إذا كان مؤمنا بالصلاة لكنه لم يكن يصلي كسلا وهملا ليس ... فهؤلاء يشفع لهم.

السائل : إذا هذا السؤال إنقطع هذا السؤال إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيرا قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن

الشيخ : 

إيش معنى ذلك لا يدخل الجنة إلا مؤمن ... فأنا بأقول تارة بلى وتارة لا، لايدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمنا كاملا أو على الأقل رجحت حسناته على سيئاته ،

أما إذا كان مؤمنا لكن له سوابق له سيئات إلى آخره فهذا إما تشمله مشيئة الله ومغفرته كما قال الله عز وجل (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ليعذب ما يشاء حينئذ كما قلنا في الحديث السابق ( من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره ) أي تكون هذه الشهادة ليست الشهادة بمقتضياتها إلا بحقها كما جاء في الحديث ... 

شهادة أن لا إله إلا الله هذا هو الإيمان وهذا أقل ذرة إيمان أي لم يكن هناك يعني التزام بحقوق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ...

المهم فهنالك درجات أما إذا افترضنا أشقى الناس ... فحينما نحن نقول أن تارك الصلاة كافر أي مرتد عن دينه ما هو الكفر؟ 

الكفر ماهو لا يمكن أن نتصور عالما حقا لا يوافق على هذا التفصيل الذي استفدناه من شيخي الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ... كفر عملي وكفر اعتقادي لابد من هذا التفصيل وإلا ألحق من لا يتبنى هذا التفصيل بالخوارج ،

فلابد فالذين يكفرون تارك الصلاة ليس عندهم حجة إطلاقا قاطعة في الموضوع سوى ظواهر النصوص وهذه الظواهر من النصوص معارضة لظواهر نصوص أخرى فلابد من التوفيق بينها فبماذا نوفق؟ 

نوفق من ترك الصلاة مؤمنا بها معترفا بشرعيتها معترفا في قرارة نفسه بأنه مقصر مع الله تبارك وتعالى في إضاعته إياها أما أن يسوي بين هذا وبين ذاك المشرك الذي لا يعترف لا بصلاة ولا بزكاة،

 أنا أستغرب جدا كيف نسوي بين من كفره كفر إعتقادي وعملي المشرك كافر كفرا اعتقاديا وعمليا أي هو ينكر الشريعة الإسلامية بحذافرها ومنها الصلاة فهو إذًا لا يصلي فهو إذًا كافر كفر إعتقادي وكفر عملي

 وأما المسلم فقد يصلي أحيانا كما هو الواقع في كثير من المسلمين التاركين للصلاة كيف نقول هذا كهذا يا أخي هذا ليس كهذا هذا يخالف هذا تماما في العقيدة هذا المشرك لا يشهد بلا إله إلا الله محمد رسول الله ولا بلوازمها ... 

أما هذا المسلم الفاسق الخارج عن طاعة الله وطاعة رسول الله يخالفه مخالفة جذرية فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤمن بكل لوازمها ولكنه غلبه هوى النفس غلبه حب المال إلى آخره من معاذير ليست معاذير له تشفع في أن يترك الصلاة لكنها معاذير تشفع له عند الله يوم القيامة أنه أنا آمنت بالله ورسوله لكني قصرت التسوية بين هذا وهذا هي ظلم وأنه ميزان جائر غير عادل،

 هذا مع الأدلة الأخرى الكثيرة والكيثرة جدا التي أشرنا إليها في الدروس السابقة أنه مجرد ما قال ( من ترك الصلاة فقد كفر ) مش معناها ارتد عن دينه لأن من حلف بغير الله فقد كفر مش معناها ارتد عن دينه مثل هذا التعبير كثير وكثير جدا في أحاديث الرسول عليه السلام فمالذي يحملنا على أن نفسر أن من ترك الصلاة فقد كفر أي ارتد عن دينه، ...

 الأحاديث والنصوص كلها تتجاوب بعضها مع بعض وتضطرنا اضطرارا فكريا عقديا أنه لا نقع في حيصة بيصة ...

هذا التفصيل هو الذي جعلنا نحتج الحديث ونحن لم نكن من قبل نحتج بهذا الحديث عندنا أشياء كثيرة وكثيرة جدا لكن الحديث هذا في الحقيقة زاد نور على نور أوضح لمن كان غافلا أن هذه المسألة فيها الغلو من بعض المشايخ والعلماء ...انتهى باختصار من (متفرقات للألباني-(285)).

وقال أحد طلاب العلم للشيخ رحمه الله :

...ولكن أنا أقول حتى بصورة مختلفة أو بلفظ آخر بأن الذي لم يعمل خيرا قط , أي لم يعمل عملا صالحا غير لا إله إلا الله , 

فلا إله إلا الله هي العمل الذي نفعه وهي القول الذي قاله لأنه لسان يتحرك بها فهو عمل وقلب يعتقد فهو عمل أيضا ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد, أنه لم يعمل خيرا قط أي من الأعمال التي كان يعملها سائر المؤمنين...

السائل : 

لم يعمل خيرا قط يعني استثنينا لفظ الإيمان الذي هو الشهادة ألا تكفي وحدها برد الحكم بكفر تارك الصلاة ؟

الشيخ : 

يكفي من طريق دلالة العموم.

السائل : يعني كيف شيخنا ؟

الشيخ :

 لم يعمل خيرا قط هلأ نحن حسب ما شرح الأستاذ أبو مالك لم يعمل خيرا قط استثنينا نحن.

السائل : ممكن نستثني أيضا.

الشيخ :

 أما حديث الشفاعة خاص , نص في الموضوع

السائل : بالإجمال.

سائل آخر : لعل في زيادة في مسند أحمد في حديث بن مسعود

الشيخ : آه

سائل آخر : "لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد"

الشيخ : وهذا هو

سائل آخر : بهذا النص جاءت

الشيخ : آه

الحلبي : شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبدالرحمن لم يعملوا خيرا قط أصل من أصول العديدة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب من الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان ولكنها شرط كمال.

الشيخ : كمال الإيمان نعم.

الحلبي : شرط كمال في الإيمان وهذا أحد الأدلة على ذلك.

الشيخ : صحيح.

السائل : هذه نقطة أولى , بعدين نقطة ثانية شيخنا تفضلتم بإشارة غالية عزيزة منكم في التفريق أولئك الذين لا يفرقون بين الذي عنده إيمان بالصلاة و بالتالي التوحيد والذي عنده جحود و إنكار للألوهية , وأنا أقول هذه النقطة شيخنا وهذا ملحظ اجتهادي أرجو منكم تقويمي فيها.

الشيخ : تفضل.

الحلبي : إنه هؤلاء يخشى أن يكون قولهم بعدم التفريق هذا سببا في أن يجعلوا الصلاة أهم من كلمة التوحيد لأن كلمة التوحيد هي الأساس الذي تقبل تحته الصلاة وليس العكس.

الشيخ : تمام يعطيك العافية.

الحلبي : الله يبارك فيك.

الشيخ : 

الحمد لله الذي هدانا لها وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. انتهى من (سلسلة الهدى والنور - شريط : (673)).

** قال العلامة ربيع المدخلى حفظه الله :

 جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : " والإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا  الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها.. فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه".اه ("طبقات الحنابلة" (1/343)).

وقال الخلال في "السنة" (1/588) : "أخبرنا محمد بن علي قال ثنا صالح قال سألت أبي ما زيادته ونقصانه قال زيادته العمل ونقصانه ترك العمل مثل تركه [ الصلاة ] والزكاة والحج وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام  فكما يزيد كذا ينقص وقد كان وكيع قال ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله".اه

قلت (ربيع) فهذان نصان عن الإمام أحمد  لا يكفر فيهما بعدم العمل، وفي أحدهما نص أنه لا يُكفر إلا بالشرك بالله العظيم، ولا يكفر بترك العمل. والظاهر أنه أخذهما من قول الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )، 

ومن أحاديث الشفاعة التي منها : يخرج الله من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان . ومن أحاديث فضل التوحيد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم-: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه".

وله رواية في تكفير تارك الصلاة والذي يظهر أن هذين القولين السابقين منه رجوع عن التكفير بناء على أحاديث الشفاعة والآية المذكورة وأحاديث فضل التوحيد . انتهى من [  موقع الشيخ ربيع حفظه الله ].

أيضا ومن الآخذين بأحاديث الشفاعة وما يؤيدها من السنة الصحيحة الإمام ابن القيم رحمه الله .

قال رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273) :

" الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين... إلى أن قال : 

فإن لفظ الحديث هكذا فيقول : " ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط".

فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة. 

ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط .ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر.

 وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال : (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام) ". اه

 فالإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيراً قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث

فالظاهر أنه يعتقد أنهم من أهل التوحيد، وأنهم ليس عندهم شيء زائد على التوحيد. أي : يعتقد بظاهر الحديث أنهم لم يعملوا خيراً قط ولا شك أنه يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد. 

والذي نعرفه عن ابن القيم أنه يرى كفر تارك الصلاة لكنه لما وقف أمام حديث أبي سعيد في الشفاعة وما تلاه لم يسعه إلا الاستسلام لها والصدع بمضمونها.

وكذلك يقال عن الإمام أحمد فإن له روايات عديدة في تكفير تارك الصلاة حيناً وعدم تكفيره حيناً آخر، وفي تكفير تارك الأركان تارة، وفي عدم تكفيره تارة أخرى. والظاهر أن سبب اختلاف رواياته ثم فيأتُهُ إلى عدم التكفير هو استسلامه وإيمانه بأحاديث الشفاعة .

كما أنه لا ينسى المطلع على أحاديث رسول الله أن أحاديث الشفاعة تؤيد حديث أبي سعيد، ولا سيما حديث أنس، وكذلك قول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ). كما يفهمها جمهور أهل السنة بخلاف الخوارج وغلاة المرجئة.

وقل مثل ذلك في شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه قد يرى كفر تارك الصلاة لكنه إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة استسلم لها وصدع بمضمونها.

قال رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (1/318) :

" ولكن كثيرا من أهل البدع والخوارج والمعتزلة أنكروا شفاعته لأهل الكبائر فقالوا :

 لا يشفع لأهل الكبائر بناء على أن أهل الكبائر عندهم لا يغفر الله لهم ولا يخرجهم من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا غيرها، ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد ؛بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان " .اه

والظاهر والله أعلم أن أخذ هؤلاء الأئمة بأحاديث الشفاعة هو الأخير، وهو الأصوب؛ لأن ذلك أخذ منهم بالجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو المنهج الحق السديد الذي يخالف به أهل السنة الخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، ويهملون نصوص الوعد. ويخالفون به غلاة المرجئة الذين يأخذون بنصوص الوعد ويهملون نصوص الوعيد .

هذا ومن أئمة السنة من لا يُكفِّر إلا بترك الشهادتين أو يقع في نواقضها. ومنهم :

1- الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية بعد الإمامين ابن تيمية وابن القيم فقد جاء في "الدرر السنية" (1/102) :

أنه سئل : عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟

فأجاب :

أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها.  والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان ".اه

فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين. 

والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان . وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .
 
2- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "الدرر السنية"(1/317) تأكيداً لما قاله الإمام محمد بن عبد الوهاب :

 "سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟

 فقال في الجواب :

 إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر... ".اه
 
3- وقال الشيخ عبد اللطيف في "الدرر السنية" (1/467) مؤكداً ما قاله آباؤه : 

" وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية وهذا : مجمع عليه أهل العلم والإيمان ". اه

4- وقال ابن سحمان في الضياء الشارق (ص35) مطابع الرياض : 

" فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة، ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب، ودان بحكم الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف، ووافق أهل السنة والجماعة. 

ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام" لابن حجر الشافعي ". اه
 
فهؤلاء كبار أئمة الدعوة السلفية في نجد لا يكفرون إلا بما أجمعت الأمة على أنه كفر.

وعبارة الإمام محمد -رحمه الله : " ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان ".
 
والظاهر أن هذه المواقف من هؤلاء الأئمة إنما هي مبنية على الأخذ بأحاديث فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وعلى أحاديث الشفاعة التي هي مبنية على فضل ومكانة كلمة التوحيد، وما لقائلها المعتقد لمعناها المخلص فيها من الجزاء عند الله على تفاوت أهلها في العمل بمقتضاها والتقصير فيه ، وعلى تفاوتهم في هذا التقصير، كما في أحاديث الشفاعة التي تبين هذا التفاوت، وقد سلف ذكرها قريباً .

هذا ولهؤلاء الأئمة أقوال أخرى تخالف أقوالهم هذه لكن المتأمل والناظر في الأدلة والإجماع الذي ذكروه يدرك أن المعتمَد عندهم هذا القول القائم على الأدلة المذكورة والإجماع .

(أقول (الشيخ ربيع :

 إن من يجعل أهل السنة المعاصرين الآخذين بنصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم- من أهل الإرجاء لظالم شديد الظلم ولا يستغرب هذا من إنسان يجعل جمهور أهل السنة والحديث السابقين واللاحقين وعلماءهم من المرجئة؛ لأنهم لم يكفروا تارك الصلاة، 

وعلى رأس هؤلاء الإمام الزهري والإمام مالك وحماد بن زيد والإمام الشافعي وأصحابهم من أهل السنة والحديث وغيرهم ومنهم الإمام أحمد في عدد من أقواله والبربهاري وابن بطة وابن البناء الذين لا يكفرون تارك العمل بالكلية في بعض أقوالهم. وابن قدامة وكثير من الحنابلة لا يكفرون تارك الصلاة.

فهؤلاء جميعاً ومن قال بقولهم مرجئة على مذهبهم.!!

وأقول : ومن يُكفِّر تارك الصلاة إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة لا يسعه إلا الأخذ بها، والابتعاد عن تأويلها؛ لأنها تتضمن عقوبة تاركي الصلاة وغيرهم بإدخالهم النار.

وتتضمن إخراجهم منها بتوحيدهم وبشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والمؤمنين، ثم أخيراً برحمة أرحم الراحمين، وفيهم من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأين عملهم وصلاتهم، وهذا إيمانهم؟ وفيهم من لم يعمل خيراً قط. 

هذا ما عرفناه من تصرفات كثير من أئمة السنة والحديث بل على هذا طوائف أهل الحديث كما أسلفنا .

وإضافة إلى ما سلف من دلالات أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد على أن المسلم لا يخرجه من الإسلام إلا الشرك الأكبر وهو اتخاذ الند أو الأنداد مع الله، وأنه وإن عوقب بالنار لا بد أن يخرج منها إلى الجنة بما عنده من التوحيد، ولو كان أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان. وإضافة إلى ما صرّح به بعض العلماء بهذا الخصوص.

إضافة إلى كل ما سبق نسوق قول الإمام البخاري وأقوال بعض أئمة التفسير

قال البخاري-رحمه الله في "صحيحه" (1/26) :

" بَاب الْمَعَاصِي من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، ولا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إلا بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النبي  : "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ).

يرى البخاري أن مرتكب المعاصي لا يكفر بارتكابها ولا يكفر العبد إلا بارتكاب الشرك الأكبر.

وقال الإمام  بن جرير الطبري في تفسيره (5/125) للآية (4 من سورة النساء : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ). قال رحمه الله :

 " القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ). يعني بذلك جل ثناؤه : ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم )، وأن الله لا يغفر أن يشرك به، فإن الله لا يغفر الشرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام. 

وإذ كان ذلك معنى الكلام فإن قوله : ( أن يشرك به ) في موضع نصب بوقوع يغفر عليها، وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهرا وذلك أن يوجه معناه إلى أن الله لا يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء، كأنه قيل : إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك أو عن شرك...".

ثم قال في (5/126) : 

وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرة شركا بالله.

القول في تأويل قوله تعالى : (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما). يعني بذلك جل ثناؤه :  ومن يشرك بالله في عبادته غيره من خلقه فقد افترى إثما عظيما، 

يقول : فقد اختلق إثما عظيما. وإنما جعله الله تعالى ذكره مفتريا؛ لأنه قال زورا وإفكا بجحوده وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، فقائل ذلك مفتر، وكذلك كل كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له ". راجع تفسير آية (116) من سورة النساء.

إذن

1- هذا الإمام الطبري يرى أن كل صاحب كبيرة تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن تلك الكبيرة شركاً بالله.

2- فسّر الشرك بالله بأنه عبادة غير الله من خلقه.

3- فسر الشرك " بجحود وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولد، وأن قائل ذلك مفتر على الله ".

فأهل المعاصي والكبائر ومنها ترك الصلاة وإن تركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات لا يصدق عليهم أنهم جحدوا وحدانية الله،ولا يصدق عليهم أنهم أقروا بأن لله شريكاً، فهم داخلون تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، وهذا هو المعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة، بل هي نص صريح في هذا المعنى .

  ويؤيد هذا التفسير قول الله تعالى في المشركين : 

(وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)، [سورة إبراهيم : (30 )]، وقال تعالى : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة البقرة : (22)].  وقوله تعالى : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ )، [سورة فصلت: (9)]، إلى غير ذلك من الآيات. وتارك العمل الذي لم يقع في الشرك لم يتخذ مع الله أنداداً.  

ويلاحظ أن ابن جرير لم يتعرض لذكر تارك جنس العمل، أو تارك العمل.  وسأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قال : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، قال : ثُمَّ أَيٌّ؟، قال : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ من أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قال: ثُمَّ أَيٌّ؟، قال : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" ، أخرجه البخاري في "التفسير" حديث (4477)، ومسلم في "الإيمان" حديث (86). 

وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية (5/245-246) :

 " قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) روي أن النبي تلا : ( إن الله يغفر الذنوب جميعا )، فقال له رجل : يا رسول الله والشرك؟، فنـزل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة. ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه.

 فقال محمد بن جرير الطبري :

 قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. 

وقال بعضهم : قد بين الله تعالى ذلك بقوله : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فأعلمَ أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر "الفرقان".

 قال زيد بن ثابت : نزلت سورة "النساء" بعد "الفرقان" بستة أشهر، والصحيح أن لا نسخ؛ لأن النسخ في الأخبار يستحيل. 

وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة وفي "الفرقان" إن شاء الله تعالى. وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )، قال : هذا حديث حسن غريب".

إذن

1- يرى القرطبي أن كون الله لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك من المحكم المتفق عليه عند الأمة مستدلاً على ذلك بالآية والحديث الذي استشهد به .

2- وذكر الاختلاف في قوله تعالى : ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، ونقل عن ابن جرير في معناها ما يوافق ما حكاه من اتفاق الأمة على أن الله لا يغفر الشرك، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. 

ثم أشار إلى رأي من يخالف في أصحاب الكبائر، والظاهر أنه يشير إلى مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر ولم يشر إلى من يكفر بجنس العمل أو ترك العمل.

وقال ابن كثير في تفسيره (4/99-100) للآية (4 من سورة النساء : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)

" ثم أخبر تعالى أنه : ( لا يغفر أن يشرك به ) أي : لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ( ويغفر ما دون ذلك ) أي من الذنوب ( لمن يشاء ) أي : من عباده. وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر :

(الحديث الأول ) : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد، حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدواوين عند الله ثلاثة؛ ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، قال الله عز وجل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ). الآية

وقال : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة )، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة " . تفرد به أحمد".

يقول ابن كثير بما تضمنته هذه الآية، وهو أن الله لا يغفر لمن لقي ربه وهو مشرك، وأنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده، فما دون الشرك من الذنوب عنده   تحت مشيئة الله إن شاء عفا وإن شاء عاقب.

2- ساق بعد هذا ثلاثة عشر حديثا تتعلق بمعنى الآية وتؤكده : منها الصحيح، ومنها الحسن ومنها الضعيف المنجبر.

3- ثم قال : وقوله تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما )  كقوله : ( إن الشرك لظلم عظيم )

ثم قال مؤكداً لمعنى هذه الآية : وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : قلت : يا رسول الله أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟، قال : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ، وذكر تمام الحديث. 

ثم ساق حديثاً عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال : " ألا أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، ثم قرأ : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ). ولم يشر إلى من يكفر بالذنوب، ومنها ترك العمل أو جنس العمل.

وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى :

 ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ).(ص181-182) :

 " يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك إذا اقتضت حكمته مغفرته.

 فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ، ويوم القيامة ، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد . 

وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة ( من شافعين ولا صديق حميم) ولهذا قال تعالى ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أي : افترى جرماً كبيراً وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه ، 

ثم قال : وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) أي : لمن تاب إليه وأناب".

انظر إلى قول العلامة ابن سعدي :

1- " يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب  صغائرها وكبائرها وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك...".

2- وقوله : " فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة..."."وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد...

3- وقوله: " وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه... فهو يرى أن الشرك هو أن يجعل العبد لله نداً من المخلوقين في عبادته. ولا يعتبر المعاصي كبيرها وصغيرها من الشرك الذي لا يغفر، بل عنده ما عدا الشرك من الذنوب يغفره الله، ويرى أن لذلك أسباباً كثيرة، أما المشرك فقد سد هذه الأبواب على نفسه . اه

أقول (الشيخ ربيع) :

 وأما الموحد فكما يقول الحافظ ابن رجب : 

" التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة...الخ ".

وقال ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (1/70) :

 " وَتَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ فِي الْقُرْآنِ : كَثِيرٌ جِدًّا بَلْ هُوَ قَلْبُ الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ الْإِسْلَامِ وَآخِرُهُ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } 

وَقَالَ : { إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَحَدٌ إلَّا وَجَدَ رُوحُهُ لَهَا رَوْحًا } وَقَالَ : { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ }. وَهُوَ قَلْبُ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَالْجَوَارِحِ لَهُ ".

وقال أيضا في كتابه"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" فقرة (945) " فإن التوحيد هو سر القرآن ولب الإيمان ".اه

أقول (الشيخ ربيع) :

 هذه أقوال من يعظم التوحيد ويعرف منـزلته وثماره، ويفرق بين الشرك الأكبر المخرج من الإسلام وبين ما دونه مما يطلق عليه لفظ الشرك كترك الصلاة وغيره مما لا يخرج به الموحد من الإسلام وتنفعه شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وشفاعة الملائكة والأنبياء والمؤمنين، 

ولو كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من التوحيد والإيمان، وبعد كل ذلك رحمة أرحم الراحمين -جل وعلا- كما نصَّ على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الشفاعة وأحاديث فضل التوحيد .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

 هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي. هل هم من المرجئة؟

الجواب :

لا؛ هذا من أهل السنة والجماعة ؛ من قال بعدم كفر تارك الصيام ، أو الزكاة ، أو الحج هذا ليس بكافر، لكن أتى بكبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن الصواب لا يكفر كفراً أكبر . 

أما تارك الصلاة فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج، فهذا كفر دون كفر،معصية كبيرة من الكبائر، 

والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قال عمَّن منع الزكاة : يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن : (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) .اه

وسئل أيضا رحمه الله :

 أعمال الجوارح تعتبر شرط كمال في الإيمـان أم شرط صحة للإيمـان ؟

فأجاب رحمه الله :

 أعمال الجوارح منها ما هو كمال ومنها ما ينافي الإيمان ، فالصوم يكمل الإيمان والصدقة والزكاة من كمال الإيمـان وتركها نقص فـي الإيمـان ، وضعف فـي الإيمـان ، ومعصية أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر نسأل الله العافية كفر أكبر 

وهكذا فالإنسان يأتـي بالأعمال الصالحات فهذا من كمال الإيمـان أن يكثر من الصلاة ، ومن صوم التطوع ، ومن الصدقات فهذا من كمال الإيمـان الذي يقوي به إيمانه ". انتهى من مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ ابن باز رحمه الله نشرتها مجلة الفرقان في العدد (94 السنة العاشرة شوال 1418هـ ص/ 11)

الشاهد في كلام سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : أنه لم يبدع الذين لا يُكفرون تارك أعمال الجوارح، بل برّأهم من الإرجاء وحكم لهم بأنهم من أهل السنة، وهذا دليل على إنصافه -رحمه الله- وعمق فهمه لمنهج السلف .

 وانظر تفريقه –رحمه الله : بين من يستحق أن يوصف بالإرجاء وهم المرجئة الحقيقيون الذين يخرجون العمل من الإيمان ويقولون : إنه لا يزيد ولا ينقص ... الخ، 

فيصادمون آيات كثيرة تثبت أن العمل من الإيمان، وأحاديث كثيرة كذلك مع مصادمتهم لعقيدة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سار على نهجهم، وكذلك يصادمون آيات قرآنية تدل على زيادة الإيمان وأحاديث كثيرة تدل على نقصانه.

وتفريقه بين أهل السنة الذين يؤمنون

 بأن العمل من الإيمان وأنه يزيد وينقص لكنهم لا يكفرون تارك العمل بالكلية، فليسوا من الإرجاء في شيء، لأنهم لم يصادموا الكتاب والسنة ولا عقيدة الصحابة ومن تابعهم في أن العمل من الإيمان وأنه يزيد وينقص، 

واعتقادهم أن تارك العمل أو جنس العمل ليس بكافر لا يخرجهم عن أهل السنة، كما لم يخرج من لا يكفر تارك الصلاة أو لا يكفر تارك الأركان الأربعة؛ لأن هذا من المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد فللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. 

وقد يكون الذين لا يكفرون تارك العمل هم أكثر أهل السنة كما يتضح من النصوص التي نقلناها سلفاً عن طوائف من أهل السنة السابقين واللاحقين .

وفي النهاية نقول

1- إنه قد تبيّن بالدراسة الجادة أن دعوى إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لم تثبت. 

وأن تعريف الإيمان المنسوب إلى الشافعي –رحمه الله- لم يثبت، وكيف يثبت وهو يتعارض مع قول الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، ومع أحاديث الشفاعة وأحاديث مكانة التوحيد وفضائله؟ وهل أئمة الإسلام وعلماؤه في مشارق الأرض ومغاربها لم يعلموا هذا التعريف، أو أنهم تواطئوا على عدم نقله؟ حاشاهم وحاشاهم.

2- إن تارك الصلاة إن كان مستحلاً لتركها فهو كافر، إلا إذا كان يجهل وجوبها كالحديث العهد بالإسلام، أو يعيش في بادية بعيدة عن أمصار المسلمين وقُراهم فيُبيَّن له أهميتها ووجوبها فإن عاند واستمر في تركها فهو كافر .

 وإن كان تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهذا يُدعى إلى الصلاة، فإن أبى أن يصلي هذه الصلاة حتى خرج وقتها، فالذي ندين الله به أنه فاسق مجرم يجب قتله إذا أصرَّ على تركها، ونبغضه في الله، ونحذر منه ومن شره، ونطلق عليه الكفر؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".

ولولا أحاديث الشفاعة  وحديث صاحب البطاقة الذي لقي الله وليس عنده عمل ولكن عنده لا إله إلا الله فغفر له وأدخله الجنة.  وحديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البر والبحر.  وأحاديث "من قال : "لا إله إلا الله"، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث(23). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (26).

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (425، 1186)، ومسلم حديث (33).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (99). 

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"، رواه مسلم حديث (27).  وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار"، رواه مسلم حديث (29).

لولا هذه الأحاديث العظيمة وقول الله : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). لكفرنا تارك الصلاة الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإسلام.

وإذا كان هذا واقعنا فنرى أنه لا يرمينا وأسلافنا بالإرجاء إلا ظالم لم يرفع رأسه بهذه الأحاديث النبوية. ونرى أن مذهبه يقتضي رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم-  وأصحابه وأهل السنة والحديث بالإرجاء.

فإن قالوا : 

ما رأيكم في من يكفر تارك الصلاة من السلف؟

فنقول : 

إنهم على رؤوسنا نحبهم ونجلهم، ولهم أجر المجتهدين ولأنهم يحترمون إخوانهم من أهل السنة ممن لا يُكفرون تارك الصلاة، ولا يصفونهم بالإرجاء لأنهم يرون أن عندهم من الأدلة والبراهين ما يمنع من رميهم بالإرجاء،بل ما يحملهم على احترامهم وتقديرهم.

فإذا قيل :

 إن فلانا رمى بالإرجاء من لا يكفر تارك الصلاة.

فجوابه :

 إن هذا من زلات العلماء التي حذّر السلف من اتباعها وتقليد صاحبها، ومن قلّده فقد خالف منهج السلف يجب التحذير والحذر منه؛ لأنه متبع لهواه ومن المتبعين للشواذ والغرائب من الأقوال التي يذم من تتبعها.

ومما ينبغي التفطن له أن الذي يكفر بترك الصلاة من أهل السنة لا يكفر بما عداها من أركان الإسلام كالزكاة والصوم والحج وما بعدها من الأعمال الصالحة. 

والذي لا يكفر إلا بالأركان الأربعة لا يكفر بما وراءها من الأعمال الصالحة وغيرها؛ لأنه إذا كان لا يكفر بثلاثة من أركان الإسلام فلأن لا يكفر بغيرها من باب أولى

والذي لا يكفر إلا بترك الصلاة ومنع أداء الزكاة لا يكفر من ترك الصوم والحج، فعدم تكفيره لما وراءها من الأعمال من باب أولى.

وإذن فأهل السنة مجمعون على عدم التكفير بما وراء الأركان الأربعة من الأعمال، فالذي  يُكفِّر بما وراءها مخالف لإجماعهم،وسالك طريق الخوارج في التكفير بارتكاب الكبائر مطلقاً. 

وهذا يدين من يكفرون تارك جنس العمل ومرادهم بذلك ترك العمل، وهو قول جديد ابتدعوه لحرب أهل السنة والشغب عليهم. فلشدة فتنتهم وشغبهم على أهل السنة زادوا هذا الأصل، ولم يكتفوا بتكفير تارك الصلاة الذي يغنيهم عن التكفير بما بعده؛ لأن الذي يُكفِّر بترك الصلاة من السلف لا يعتد بأعمال هذا التارك مهما كانت.

ومن شدة هوى هؤلاء المعاصرين المحاربين لأهل السنة يرى المتابع لهم أنهم لا يرفعون رأساً بأحاديث الشفاعة التي نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- على أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ويخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط، ، وقول الله : " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله" ، أي من النار

ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد الشفاعة في من يخرج من النار من العاملين الذين كانوا يصلون ويصومون ويحجون. ولا يرفعون رأساً بأحاديث فضل " لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 بخلاف من يُكفِّر تارك الصلاة من السلف فإنهم إذا وقف أحدهم أمامها استسلم لها وصدع بمضمونها كما قدّمنا ذلك عن الإمام أحمد والبربهاري وابن بطة وابن البناء وابن تيمية وابن القيم وغيرهم- رحمهم الله . انتهى.

وإليك الرد على أدلة القائلين بكفر تارك الصلاة


جل البحث منقول من كلام العلامة ربيع المدخلى حفظه الله على موقعه .

ومن أراد التوسع والرد على أدلة كفر تارك الصلاة فعليه بهذه المصادر..






والله اعلم


واقرأ أيضا..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات