">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع فاتت

دحض أدلة تكفير تارك الصلاة : الرد الشرعي الواضح


الصلاة عمود الدين وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وتركها من كبائر الذنوب التي تستوجب التوبة والاستغفار.

 في هذا المنشور، نركز على بيان أن ترك الصلاة لا يُخرج المسلم من دائرة الإسلام، مع مناقشة الأدلة التي استند إليها القائلون بكفره،

وتوضيح الردود الشرعية عليها بالاعتماد على النصوص الصحيحة والفهم الدقيق للسنة.

▣▣ الرد على أدلة القائلين بكفر تارك الصلاة :

▣ الدليل الأول: استدلالهم بآية سورة التوبة بقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}. [التوبة: 11].

وجه استدلالهم : قالوا إن الآية تشترط إقامة الصلاة لإثبات الأخوة الدينية، ومن لم يقم بها فلا يعد أخًا لنا في الدين.

** الرد على هذا الإستدلال:

1- تارك الزكاة لا يكفر: الآية ذكرت الصلاة والزكاة معًا، ولكننا نعلم من أدلة أخرى أن تارك الزكاة لا يُكفّر،

ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها...إلى أن قال: حتى يقضيين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ". (رواه مسلم).

 ومن المعلوم أنه إن كان يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة، فليس بكافر لمجرد تركها .

2- التعارض بين مفهوم الآية ومنطوق النصوص الأخرى:

 أن منطوق الأدلة التي تنفي كفر تارك الصلاة تدل على أن تارك الصلاة لا يخرج من الملة، فهذا المنطوق يقدم على مفهوم هذه الآية، 

فالله تعالى يقول :  فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ. [التوبة:11]. فمفهوم هذه الآية : أن من ترك هذه الثلاثة أو شيئاً منها فليس أخاً لنا.

* فالتعارض هو بين مفهوم الآية ومنطوق النصوص أو الأحاديث التي تدل على عدم كفر تارك الصلاة، وعند تعارض المنطوق مع المفهوم يقدم المنطوق .

* وكما لا يكفر تارك الزكاة تقديماً لمنطوق حديث : (ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار) على مفهوم هذه الآية، 

فكذلك يقدم منطوق النصوص الدالة على عدم كفر تارك الصلاة على مفهوم هذه الآية .

3- تكون كلمة (فإخوانكم في الدين) : في شأن الشرك محمولة على أصل الأخوة، 

أما في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فتحمل على كمال الأخوة في الدين، يعني : ليسوا إخواننا إخوة كاملة بل ناقصة.

ومن أدلة ذلك : عدم خلود عصاة الموحدين في النار، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء:48).
 
قال الشيخ الألباني رحمه الله :

 جوابي من ناحيتين : أن الإخوة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة، فإذا كانت الإخوة المنفية هنا بسبب ترك ما فرض الله هي الإخوة العامة فكلامهم صحيح، 

لكن هذا ليس عليه دليل يُلْزِمُ المخالفين لهذا الرأي بقولهم؛ 

لاحتمال أن تكون الإخوة المنفية هي الإخوة الخاصة، وهذا لا بد لهم من أن يتبنوه، وهذه من الحجج القوية، 

لأنهم يفرقون بين تارك الصلاة وتارك الزكاة، من حيث أن تارك الزكاة ما يقطعون بكفره وردته كما يفعلون بالنسبة لتارك الصلاة، 

وقد ذكر مع ترك الصلاة ترك الزكاة، فما كان جوابهم، هذا الجواب جدلي، لكنه صحيح، وقد قدمنا الجواب العلمي،

فما كان جوابهم عن تارك الزكاة هو جوابهم عن تارك الصلاة .

يعني : نحن [ لا ينبغي ] أن نقول : أن المقصود فقط الجملة الأولى، وهي التوبة، وإنما التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، المجموعة هذه، إذا انتفت يساوي نفي الإخوة، 

لكن هذه الإخوة المنفية هذه هي إخوة مطلقة أي : فهم مشركون كما كانوا من قبل أم بقدر ما ينقصون تنقص الإخوة، 

فبيكون المنفي إخوة الكمال كنفي «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له»، نفي الكمال وليس نفي الصحة .

مداخلة : إذاً في الفقرة الأخيرة هذه أجبت عن استدلالهم من السنة وهو قولهم أن النبي - ﷺ - قال : 

«بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وأن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها؟

الشيخ :

 طبعاً، كفر دون كفر، حَلَّها ابن عباس رضي الله عنه.

مداخلة : ويقولون أيضاً أقوال الصحابة أقوال الصحابة يقول أمير عمر الخطاب رضي الله عنه : «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»

والحظ : النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي، فيكون عاماً لا نصيب قليل ولا كثير،

هذا قول عمر بن الخطاب ما الجواب عليه، أو هل يصح هذا الاستدلال؟

الشيخ : 

هذا لا يخرج عن البحث السابق ... مثل لا إيمان ما هو الفرق، ولا دين، ولا حظ. 

يعني : أريد أضيف تضيفوا على ما سبق أن هذا نكرة تفيد الشمول، هذا كلام عربي صحيح، 

لكن هذا حينما لا يكون هناك أدلة تضطرنا إلى تقييد هذه الدلالة، وإلا إذا أخذنا لا إيمان ولا يدخل الجنة و .. و .. 

ونحو ذلك من العبارات هذه، خرجنا بمذهب الخوارج، 

لكن حينما يضم إلى مثل هذا النص لا سيما وهو موقوف، وليس بمرفوع،

إذا ضم إليه الأحاديث التي فيها إثبات الإيمان لمن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنه ينجو من الخلود في النار، 

حينئذ نضطر أن نقول أن هذا الاصطلاح العلمي الفقهي من حيث أن هذا نكرة منفية وهي تفيد الشمول، هذا إذا نظرنا نظرة خاصة بهذا النص، 

أما إذا نظرنا إلى الأدلة الأخرى فحينئذ نقول : لا حظ كمثل قولنا في لا إيمان ولا دين ونحو ذلك، أي : لا حظ كاملاً كما قلنا أيضاً في الإخوة .

مداخلة : لا إخوة كاملة.

الشيخ : نعم.

مداخلة : ويكون الجواب أيضاً على قول عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي - ﷺ - ...

الجواب [نفس الجواب]انتهى من «الهدى والنور» «١٤٠/ ٣١: ٠٩: ٠٠».

▣ الدليل الثاني: حديث "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

وجه استدلالهم : الحديث يدل على أن تارك الصلاة كفر، حيث جعله الرسول ﷺ علامة فارقة بين المسلمين وغيرهم.

** الرد على هذا الإستدلال:

1- معنى الكفر هنا كفر عملي : الكفر المذكور في الحديث ليس كفرًا مخرجًا من الملة، بل هو "كفر دون كفر".

وهذا ما فسره ابن عباس رضي الله عنه في كثير من النصوص المماثلة.

2- الفرق بين الكفر الاعتقادي والعملي : المسلم الذي يترك الصلاة تكاسلًا يؤمن بفرضيتها، وهذا يُخالف الكافر الذي ينكر شرعيتها،

لذلك، يُفرّق بينهما، كما في قوله تعالى : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}.[القلم: 35].

- قال الشيخ الألباني رحمه الله :

 لكن ما قال العهد الذي بيننا وبين من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، يعني:

هذا الذي دخل في الإسلام حديثا يجب أن يطور حياته مع المسلمين عملياً خشية أن يكون قد قال أشهد أن لا إلا الله نفاقاً .

السائل : حتى تميزه .

الشيخ :

 لكان هذا رجل مسلم وقد يأتي ببعض الشهادات العملية ولو أحيانا على أنه مسلم،

فهذا الحديث : يعني ما في إشكال لو فسر بملاحظة مرجع الضمير ( العهد الذي بيننا وبينهم ). المشركين وليس المسلمين .

السائل : تذكرت كلمة حديث ابن مسعود يا شيخ لما قال :

( كنا نرى من يتخلف عن هذه الصلاة منافق معلوم النفاق )، ( كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) .

الشيخ :

هذا كفر هذا نفاق عملي. هل قُتل هذا ؟ إذًا ما اعتُبر ردة. انتهى
(فتاوى عبر الهاتف والسيارة-(170)).

وقال أيضا رحمه الله :

... فرجل كافر لا يؤمن بشرعية الصلاة ، وبالتالي لا يصلي ، فهذا جمع بين الكفرين كفر اعتقادي والكفر العملي.

مسلم يؤمن بالصلاة وبكل ما جاء في الإسلام، فهو خالف الكافر في عقيدته .

السائل : نعم .

الشيخ :

 لكنه شابه الكافر في عمله ، فهو لا يصلي ، فلذلك لما قال عليه السلام( فمن ترك الصلاة فقد كفر ) أي عمل عمل الكفار ، 

فالكفار أولا : بنص القرآن ، وثانيا : بمشاهدة الواقع ، لا يصلون ، لأنهم لا يؤمنون بالصلاة ، ولا يؤمنون بالإسلام كله ،

أما هذا المسلم التارك للصلاة ليس كذاك من حيث العقيدة ، ولذلك جاء الاستدلال بالآية السابقة في محله : 

(( أفنجعل المسلمين )) هذا مسلم (( كالمجرمين )) أولئك مجرمون كفار كيف تحكمون ؟! فكيف تحكمون ؟!

 هذا لا يجوز للمسلم أن يسوي بين الكافر كفرا اعتقاديا وعمليا ، وبين ملسم يؤمن ويكفر عمليا ، لا يستويان مثلا ، 

ولذلك فمعنى الحديث واضح جدا ( من ترك الصلاة فقد كفر ) كفرا عمليا ، بس أنت احفظ هالكلمة هاي تنجو من البلبلة والقلقلة. ينظر: (فتاوى عبر الهاتف والسيارة-(186)).

- وقال أيضا رحمه الله :

قوله عليه الصلاة والسلام بعد أن يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة، يقول الله : 

« شفعت الملائكة والأنبياء والمؤمنون، ولم يبق إلا شفاعة أرحم الرحمين » فيقول : « أخرجوا من لم يعمل خيراً قط ».

فمثل هذا الحديث حينئذٍ يوجب علينا أن نُجْري عملية تصفية على هذه الآثار التي تُرْوَى عن السلف في تكفير تارك الصلاة، 

فما كان منها غير ثابت : استرحنا منها، ولا نُوْجِد تعارضاً بينها وبين الأحاديث الدالة على أن تارك الصلاة تركاً غير مقرون بالجحد إنه لا يكفر، ولا يرتد عن الدين،

 وما كان منها ثابتاً : تأولناه كما نتأول الأحاديث المرفوعة التي تُرْوَى عن النبي - ﷺ -، والتي يتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر أنه ليس مُسْلِماً.

كالحديث المعروف مثلاً في صحيح مسلم وغيره : « من ترك الصلاة فقد كفر »،

فلا بد حينذاك من تأويل هذا الصحيح من المرفوع كذاك الصحيح من الموقوف، تأويلاً يتفق مع النص الصريح الذي ذكرناه آنفاً، حيث يُخْرَج من النار غير المصلين أيضاً.

هذه كلمة بمناسبة أن الآثار أيضاً ينبغي تحري الصحة فيها في كثير من الأحيان. ينظر: «الهدى والنور /٣٥٠/ ٠٥: ٤٨: ٠٠» و«الهدى والنور /٣٥١/ ٤٥: ٠٠: ٠٠».

▣ الدليل الثالث: أثر عبد الله بن شقيق العقيلي " كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ". (رواه الترمذي).

** الرد على هذا الإستدلال:

1- هذا الأثر إن صح فهو محمول على المستكبر المعاند : الأثر يُفهم على أنه خاص بمن ترك الصلاة استكبارًا وجحودًا، وهو رأي ابن تيمية وابن القيم. ينظر: («التعليق على الترغيب والترهيب-للألباني» «١/ ٢٥٦»).

2- أن عبد الله بن شقيق : ما روى إلا عن عدد قليل جداً من الصحابة مما يبطل دعوى الإجماع ، 

فكيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة وهم يزيد عددهم على مائة ألف؟!.

3- ثبت بسند صحيح : عن عن سوار بن شبيب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إن ها هنا قومًا يشهدون علىّ بالكفر : فقال : ألا تقول : لا إله إلا الله، فتكذبهم. المصدر : الإيمان لابن أبي شيبة.

* فهذا يدل على أن ابن عمر يحكم بالإسلام لمن قال : لا إله إلا اله وإن لم يصلِّ.

فهذا نص صريح فى اسقاط دعوى الاجماع، 
رغم محاولة الفريق الاخر تأويل هذا الأثر فى ردودهم بتأويلات واهية.

* ولذلك يقول ابن دقيق العيد : « دعوى الإجماع دعوى عسيرة الثبوت،

لا سيما عند من يشترط في ذلك التنصيص من كل قائل من أهل الإجماع على الحكم ولا يكتفي بالثبوت، 

وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من ادعى الإجماع فقد كذب ».ينظر: [شرح الإلمام].

4- ضعف هذا الأثر : العلماء الذين استدلوا بأثر عبد الله بن شقيق لم يطلعوا على ما يدل على ضعفه سنداً ومتناً،

ولو اطلعوا على ما يدل على ضعفه لما احتجوا به، 

وهى رواية إسماعيل بن علية ولفظها : " ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ". رواه الخلال في "السنة"(4/144) رقم (137.

فأين ذكر الصحابة وإجماعهم في هذه الرواية الصحيحة؟ وأين تكفيرهم لتارك الصلاة؟!.

5- أن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط ، فإن صحَّ أنه سمع منه قبل الاختلاط، 

فيحتمل أنه سمع هذا الأثر بعد الاختلاط احتمالاً قوياً أو يكون قد وهم فيه، 

ومما يدل على هذا أن إسماعيل بن علية قد رواه بنص يخالف نص رواية بشر.

* فرواية بشر نصها : " لم يكن أصحاب رسول الله  يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". 

ونص رواية إسماعيل بن علية : " ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ". 

والفرق بينهما واضح جداً عند المنصفين، واعتبار رواية إسماعيل بن علية موافقة ومتابعة لرواية بشر من المكابرات .

فرواية بشر بن المفضل: تُسنِد التكفير إلى الصحابة بلفظ يوهم إجماعهم على هذا التكفير.

بينما رواية إسماعيل: لا تُسند هذا التكفير إلى أصحاب النبي  لا من قريب، ولا من بعيد.

وقوله : " قيل " يحتمل أن القائلين غير أصحاب محمد ﷺ-. 

ويحتمل أن القائل واحد من أصحاب النبي ﷺ-، أو من التابعين، فإن عبد الله بن شقيق قد روى عن بعض التابعين. راجع: "تهذيب الكمال" (15/90).

وكذا رواية عبد الأعلى : " ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة " قال : " كانوا يقولون : تركها كفر ". 

فيها مخالفة لرواية بشر بن المفضل ، فلا يجوز الجزم بأن قائليها هم الصحابة، وهي تقوي رواية إسماعيل بن علية، لا رواية بشر بن المفضل. 

والذين صححوا رواية بشر: لو اطلعوا على روايتي إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لكان لهم موقف حازم منها،

وأزيد لو اطلعوا عليهما لأعلّوا بهما رواية بشر على طريقة أئمة الحديث، 

ويحتمل أن بعضهم يعرف ضعف رواية بشر، ولكنه يتساهل في قبولها على طريقة كثير من أهل الحديث في التساهل في روايات الترغيب والترهيب .

* كما أن أحاديث المختلطين تروى إذا وجد لها ما يعضدها فأين ذلك؟!

فأثر عبد الله بن شقيق ....لم يسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه. 

وهو عند الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة -رضي الله عنه. وهذا واحد من الأدلة الدالة على ضعف أثر عبد الله بن شقيق.

فتارة يسند إلى عبد الله بن شقيق وأخرى إلى أبي هريرة.

وتارة يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن ابن شقيق بلفظ.

ويخالفه إسماعيل بن علية فيرويه عن الجريري بلفظ آخر.

ويرويه عبد الأعلى بلفظ مغاير للفظ رواية بشر.

هذا مع احتمال أن بشراً ما روى هذا النص عن الجريري إلا بعد الاختلاط.

* فإذا لم يضعف هذا الأثر بهذه الاختلافات في الإسناد والمتن،

فلا سبيل إلى تضعيف الأحاديث والآثار الضعيفة والباطلة ويغلق باب التضعيف والتعليل.

* فهل سمع بشر من الجريري هذا الأثر قبل الإختلاط أم بعده أو أمره مشكل؟

فلا يقبل إلا بدليل من شاهد أو متابع أو نحوه، كما هو ظاهر صنيع الشيخين البخاري ومسلم فيما رويا عنه غير هذا الأثر، وهذا الأثر لم يروياه. فتنبه. انتهى.

الدليل الثالث: استدلالهم بتعريف كلمة الكفر، في حديث : «بين المرء وبين الكفر...»، على أنه الكفر الأكبر.

** الرد على هذا الإستدلال:

 إذا كان الحديث له دلالة ظاهرة تدل على الكفر الأكبر، لكن إذا قامت قرائن شرعية تمنع من أخذ هذا الظاهر،

وجب تأويله بما يتفق مع النصوص الأخرى.

1- أن الكفر المراد في الحديث ليس الكفر المخرج من الملة، وإنما هو كفر دون كفر، كحديث أبي هريرة: 

((اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت))؛ رواه مسلم، 

وحديث ابن مسعود: ((سِباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر))؛ متفق عليه، 

ونحوهما من الأحاديث التي يقطع بأن المراد بالكفر فيها أنه ليس هو المُخرجَ من ملة الإسلام، وكذلك يقال في حديث الباب.

2- نص الحديث جعل ترك الصلاة مرتبة بين العبد وبين الكفر: أي أنها آخر دركة تبلغ للكفر ؛ فتارك الصلاة هو في آخر مراتب الإيمان،

 فلا يقضي ذلك بكفر تارك الصلاة، بل بكونه على أبواب الكفر والله أعلم.

3- هذا الحديث يحمل على من ترك الصلاة جحوداً لوجوبها، وليس كسلا جمعاً بين الأدلة، كحديث:

 فضل “لا إله إلا الله”، والأحاديث التي تضمّنت أن من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة وأحاديث الشفاعة.

سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

 عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ 

فأجاب :

 أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ 

فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها.

والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان. ينظر: (“الدرر السنية” (1/102)).

 * فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً، وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين،  

والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان، وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ 

إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .

- قال الشيخ الألباني رحمه الله :

 إذا كان الحديث له دلالة ظاهرة ينصرف الذهن إليها، 

ولكن إذا قام مانع شرعي يمنع من أن ينصرف الذهن إلى هذه الدلالة الظاهرة،

 فهنا يأتي ما يسمى بالتأويل والتوفيق بين الأحاديث، يعني : مثلًا قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يدخل الجنة قتات».

ما الذي يتبادر للذهن؟ لا يدخل أبدًا، لكن عندما تأتي للأحاديث التي تفيد عدم خلود المسلم مهما كان عاصيًا في النار، 

ويذكر مثلًا حديث الشفاعة ونحو ذلك : « وأخرجوا من النار من كان في ... » كل هذه الأحاديث لما تجمع مع مثل حديث : «لا يدخل الجنة قتات» أو نمام أو ديوث أو .. إلى آخره،

 يضطر أن يفهم الحديث على غير المتبادر إلى الذهن، 

قد يكون الحديث المشهور هكذا؛ لأنه لا يوجد في الشريعة مطلقًا أن الإنسان يكفر بترك عمل، وهو يؤمن بأن هذا العمل [واجب]. انتهى باختصار من «رحلة النور» «٣٠ ب/٠٠: ١٨: ٢٣».

 الدليل الرابع: استدلالهم بحديث : «لا ما أقاموا فيكم الصلاة»

وجه استدلالهم : أن تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي ﷺ منابذتهم وقتالهم بالسيف،

ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرا مخرجا من الملة .

** الرد على هذا الإستدلال:

1- أن محمل هذا الحديث وما شابهه عند الجمهور: على حكم القتل أو المقاتلة لا على الكفر والحكم بالخروج من الملة!.

2- من المعلوم أن الحكم بالقتل -فضلا عن المقاتلة- لا يلزم منه الحكم بالكفر، فليس كل من يستحق القتل يكون كافرا.

قال ابن رشد في «المقدمات الممهدات» بعد أن ذكر قول من قال بكفر تارك الصلاة :

القول الثاني : هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، أن من ترك الصلاة وأبى من فعلها وهو مقر بفرضها، فليس بكافر، 

ولكنه يقتل على ذنب من الذنوب لا على ‌كفر، ويرثه ورثته من المسلمين.

والحجة لهم: قول أبي بكر الصديق في جماعة من الصحابة في الذين منعوا زكاة أموالهم : " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة "، 

فقاتلهم ولم يسبهم؛ لأنهم لم يكفروا بعد الإيمان، ولا أشركوا بالله، وقالوا لأبي بكر : ما كفرنا بعد إيماننا، ولكننا شححنا على أموالنا

وقول النبي ﷺ : « نهيت عن قتل المصلين »، فدل ذلك على أنه قد أمر بقتل من لم يصل. 

وما روي أنه ﷺ قال : "سيكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع"

قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: "‌لا، ‌ما ‌صلوا الخمس"، فدل ذلك على أن من لم يصل الخمس قوتل. 

وقوله في مالك بن الدخشن : " أليس يصلي؟ " قالوا : بلى، ولا صلاة له، قال : " أولئك الذين نهانا الله عنهم "،

فدل على أنه لو لم يصل لم يكن من الذين نهاه الله عن قتلهم، بل كان يكون ممن أمر الله بقتلهم.

فدلت هذه الآثار كلها على القتل، ولم تدل على الكفر...اهـ.
 
3- إذن دلالة هذا الحديث وما شابهه عند الجمهور إنما هي في مسألة الإمامة وانعقادها، وحكم الخروج على الأئمة، 

ففيهما دليل على مشروعية ذلك إذا ترك الحاكم الصلاة، كما دل حديث عبادة على ذلك في حال طروء الكفر على الحاكم، فهما سببان متغايران.

- ولذلك قال القاضي عياض في «إكمال المعلم» - ونقله عنه النووي في شرح مسلم-: 

لا خلاف بين المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه، وكذلك إذا ‌ترك ‌إقامة ‌الصلوات ‌والدعاء إليها. اهـ. 

وقال الطيبي في "شرح المشكاة" : قوله : (( ما أقاموا فيكم الصلاة )) فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة، وأن ‌تركها ‌موجب ‌لنزع ‌اليد ‌من ‌الطاعة،

 كالكفر على ما سبق في حديث عبادة بن الصامت في قوله : (( إلا أن تروا كفراً بواحاً )). اهـ.

▣ الدليل الخامس: دعوى الإجماع على كفر تارك الصلاة كسلًا.

** الرد على ذلك:

الإجماع المدعى على كفر تارك الصلاة ليس قطعيًا، فقد أورد العلماء نزاعًا حول هذه المسألة.

- قال ابن تيمية رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (19/271) :

... فإن عدم العلم ليس علما بالعدم لا سيما في أقوال علماء أمة محمد ﷺ- التي لا يحصيها إلا رب العالمين ؛

ولهذا قال أحمد وغيره من العلماء : من ادعى الإجماع فقد كذب ؛ هذه دعوى المريسي والأصم . 

ولكن يقول : لا أعلم نزاعا، 

والذين كانوا يذكرون الإجماع كالشافعي وأبي ثور وغيرهما يفسرون مرادهم : بأنا لا نعلم نزاعا، ويقولون هذا هو الإجماع الذي ندعيه ". انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (1/29-30) متحدثاً عن أصول الإمام أحمد –رحمه الله :

... ونصوص رسول الله -- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث

من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص،.انتهى.

ولمزيد من التفاصيل انظر : كتاب : ( حكم تارك الصلاة-للألباني )، 

وكتاب : ( فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار-لعطاء عبد اللطيف).


والله اعلم


اقرأ أيضا:


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات