اعلم أخى المسلم أن الأحاديث الصحيحة ليست محصورة فقط فى كتابي البخاري ومسلم رحمهما الله لأنهما لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما انتقوا منه ما يوافق شرط كل واحد منهما .
فإن الصحيح كما أنه موجود فيهما فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبيهقي وغيرها .
فيجب التصديق والعمل بالأحاديث الصحيحة سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما بل إن إنكاره من العناد والمكابرة .
قال الإمام البخاريُّ رحمه الله :
ما أدخلتُ في كتابي " الجامع " إلَّا ما صحَّ، وتركتُ مِن الصَّحيح حتَّى لا يطول . انظر: [هدي السّاري (ص 5)]، وقال أيضا : لم أخرِّج في هذا الكتاب إلَّا صحيحًا، وما تركتُ من الصَّحيح أكثر . انظر: [هدي السّاري (ص 7)].
قال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم :
لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله،
لكنهما إذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه.
فالظاهر من حالها أنهما اطلعا فيه على علة إن كانا روياه ويحتمل أنهما تركاه نسيانا أو إيثارا لترك الإطالة أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده أو لغير ذلك . انتهى.
قال الحافظ العراقي في ألفيته :
في بيان الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ :
وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصُّ صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنِّفٍ يُخَصُّ
بِجَمْعِهِ نَحوَ ابْنِ حِبَّانَ الزَّكِيْ وَابنِ خُزَيْمَةَ وَكَالمُسْتَدْرَكِ
عَلى تَسَاهُلٍ وَقَالَ : مَا انْفَرَدْ بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ بِعِلَّةٍ،
وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا يَليْقُ، والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما.
قال في الشرح :
لما تقدم أن البخاري ومسلمًا لم يستوعبا إخراج الصحيح، فكأنه قيل : فمن أين يعرف الصحيح الزائد على ما فيهما؟
فقال : خذه إذ تنص صحته أي : حيث ينص على صحته إمام معتمد، كأبي داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني، والخطابي، والبيهقي في مصنفاتهم المعتمدة، كذا قيده ابن الصلاح بمصنفاتهم، ولم أقيده بها،
بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوه، ولو في غير مصنفاتهم، أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة، كيحيى بن سعيد القطان، وابن معين، ونحوهما، فالحكم كذلك على الصواب...
ويؤخذ الصحيح أيضًا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط، كصحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي، المسمى بالتقاسيم والأنواع، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم،
وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة، أو تتمة لمحذوف، فهو محكوم بصحته، كما سيأتي في بابه . اهـ.
وقال الإمام السخاوي -رحمه الله :
وَبِالْجُمْلَةِ فَكِتَابَاهُمَا أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ (وَ) لَكِنَّهُمَا (لَمْ يَعُمَّاهُ) أَيْ: لَمْ يَسْتَوْعِبَا [ كُلَّ الصَّحِيحِ فِي كِتَابَيْهِمَا، بَلْ لَوْ قِيلَ : إِنَّهُمَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا مَشْرُوطَهُمَا لَكَانَ مُوَجَّهًا ]
وَقَدْ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَدَمِ الِاسْتِيعَابِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ : ((مَا أَدْخَلْتُ فِي كِتَابِي الْجَامِعِ إِلَّا مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْكِتَابُ)) . وَقَالَ مُسْلِمٌ : (( إِنَّمَا أَخْرَجْتُ هَذَا الْكِتَابَ، وَقُلْتُ: هُوَ صِحَاحٌ، وَلَمْ أَقُلْ: إِنَّ مَا لَمْ أُخَرِّجْهُ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ ضَعِيفٌ )) . انتهى من (كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث).
وقال أيضا رحمه الله :
(وَخُذْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ لَكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَسْتَوْعِبَاهُ (زِيَادَةَ الصَّحِيحِ) الْمُشْتَمِلَ عَلَى شَرْطَيْهِمَا وَغَيْرَهُ مِمَّا حُكِمَ لَهُ بِالصِّحَّةِ (إِذْ) أَيْ حَيْثُ (تُنَصُّ صِحَّتُهُ) مِنْ إِمَامٍ مُعْتَمَدٍ ; كَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْخَطَّابِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الشَّهِيرَةِ فِيهَا، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا، إِذَا صَحَّ الطَّرِيقُ إِلَيْهِمْ.
كَمَا إِذَا وُجِدَ ذَلِكَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَابْنِ مَعِينٍ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِرْ لَهُمْ تَصْنِيفٌ...انتهى من (كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث).
قال المحدث العلامة العباد حفظه الله :
صحيح البخاري وصحيح مسلم اشتملا على قدر كبير من الحديث الصحيح، وهذا القدر الذي اشتملا عليه ليس هو كل شيء في الحديث الصحيح ،
فإن الصحيح كما أنه موجود فيهما فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي
وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبيهقي وغيرها. وهو أمر واضح غاية الوضوح.
فلم ينقل عن البخاري ومسلم أنهما استوعبا الصحيح في صحيحهما أو قصدا استيعابه وإنما جاء عنهما التصريح بخلاف ذلك ،
قال أبو عمرو ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث : " لم يستوعبا يعني البخاري ومسلما الصحيح في صحيحهما ولا التزما ذلك،
فقد روينا عن البخاري أنه قال : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح لحال الطول ".
وروينا عن مسلم أنه قال: " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه"
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري :
" روى الإسماعيلي عنه ـ يعني البخاري ـ قال : " لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيح وما تركت من الصحيح أكثر ".
وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم بعد أن ذكر التزام جماعة لهما إخراج أحاديث على شرطيهما لم يخرجاها في كتابيهما قال:
" وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح ومما يوضح عدم استيعاب البخاري الصحيح وعدم التزامه بذلك أيضا أنه جاء عن البخاري أنه قال : " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي حديث غير صحيح ".
مع أن جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في ذلك الأحاديث المعلقة لا تبلغ عشرة آلاف حديث.
وأيضا استدراك الحاكم على البخاري ومسلم أحاديث على شرطيهما أو شرط واحد منهما لم يخرجاها وهي أحاديث كثيرة جدا.
وأيضا فإن العلماء قسموا الصحيح إلى سبع مراتب مرتبة حسب القوة على النحو التالي :
1- صحيح اتفقا على إخراجه البخاري ومسلم
2- صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم
3- صحيح انفرد به مسلم عن البخاري
4- صحيح على شرطهما معا ولم يخرجاه
5- صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه
6- صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه
7- صحيح لم يخرجاه ولم يكن على شرطهما معا وعلى شرط واحد منهما.
وهذه المراتب السبع للصحيح
ذكرها أبو عمرو ابن الصلاح في علوم الحديث والحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر وغيرهما،
وليس في الصحيحين في هذه المراتب إلا الثلاث الأولى أما الأربعة الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين ولم يزل من دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة - بل والحسنة - الموجودة خارج الصحيحين والعمل بها مطلقا واعتبار ما دلت عليه دون إعراض عنهما أو تعرض للحط من شأنها والتقليل من قيمتها،
فلا يليق بمسلم يحب الخير لنفسه ودفع الضر عنها أن يتوقف أدنى توقف في أن سبيلهم هذا هو الحق وغيره هو الباطل والضلال المبين.{ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }.انتهى من [من كتاب الامام مسلم وصحيحه للعلامة العباد حفظه الله]
وسئل الشيخ العثيمن رحمه الله :
عندنا إمام مسجد لا يستدل إلا بالأحاديث التي رواها الشيخان فقط، فهل هذا صحيح؟
فأجاب :
الصحيح أن كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حجة سواء كان من الصحيحين أو من غيرهما،
والصحيحان لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هناك أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين ولا في أحدهما وقد قبلها الناس وصححوها وعملوا بها واعتقدوا بمقتضاها.
فيقال لهذا الرجل : لماذا كنت تحتج بما رواه الشيخان البخاري ومسلم دون غيرهما؟
إذا قال : لأن كتابيهما أصح الكتب
قلنا : إذا المدار على الصحة فأي كتاب كان فيه حديث صحيح فإنه يجب عليك أن تقبله . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [284]).
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
كتب الحديث : هي التي تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل [صحيح البخاري] و [صحيح مسلم] و [سنن أبي داود] و [سنن النسائي] و [مسند الإمام أحمد] و [موطأ مالك] ونحو ذلك،
ومتن الحديث : هو قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره،
وأصول الحديث : هي ما يبحث فيه عما يتميز به الحديث الصحيح والحسن عن الحديث الضعيف والموضوع ويبين درجاتها، ويسمى أيضا مصطلح الحديث،
ومن كتبه : [مقدمة ابن الصلاح] و [ألفية العراقي] و [التقريب] للنووي و [نخبة الفكر] لابن حجر. . . إلخ. وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءالفتوى رقم (٣٦١٨)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق