اختلف أهل العلم في حكم قراءة الحديث الشريف بأحكام التجويد على نحو ما يفعل في قراءة القرآن ، على قولين :
القول الأول :
أنه عمل غير مشروع
لأن ترتيل قراءة الحديث النبوي الشريف والأذكار النبوية إيهام أنها من القرآن الكريم، والأصل صيانة كتاب الله عن الاختلاط بغيره من الكلام.
فلا يجوز للإنسان أن يترنم بكلامٍ غير القرآن على صفة ما يقرأ به القرآن، لا سيما عند العامة الذين لا يُفَرِّقون بين القرآن وغيره إلا بالنغمات والتلاوة .
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين والشيخ بكر أبو زيد وبعض العلماء المعاصرين .
القول الثاني :
لا بأس في التغني في قراءة الأحاديث النبوية والمتون العلمية ، وكذلك الأذكار والأدعية الشرعية وتجويدها ، بشرط عدم المبالغة ،
وذكر الذهبي عن مالك رحمه الله في (الموقظة) أنه كان يرتل الحديث ومالك أول السلف بل من أصحاب القرون الخيرية ، وبوب البيهقي في المدخل : باب تبيين الحديث وترتيله ليفهم عنه .
وهو قول بعض الفقهاء المتأخرين ، واختاره غير واحد من علمائنا المعاصرين ، كالشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ صالح الفوزان حفظه الله وغيرهم .
يقول الإمام محمد بن محمد البديري الدمياطي رحمه الله :
" وأما قراءة الحديث مجودة كتجويد القرآن ، من أحكام النون الساكنة ، والتنوين ، والمد ، والقصر ، وغير ذلك ، فهي مندوبة ، كما صرح به بعضهم .
لكن سألت شيخي خاتمة المحققين الشيخ علي الشبراملسي تغمده الله تعالى بالرحمة حالة قراءتي عليه صحيح الإمام البخاري عن ذلك ، فأجابني بالوجوب ، وذكر لي أنه رأى ذلك منقولاً في كتاب يقال له : " الأقوال الشارحة في تفسير الفاتحة "،
وعلل الشيخ حينئذ ذلك بأن التجويد من محاسن الكلام ، ومن لغة العرب ، ومن فصاحة المتكلم ، وهذه المعاني مجموعة فيه صلى الله عليه وسلم ، فمن تكلم بحديثه صلى الله عليه وسلم فعليه مراعاة ما نطق به صلى الله عليه وسلم ". انتهى. نقلا عن " حاشية الأجهوري على شرح الزرقاني على المنظومة البيقونية " (ص/227) .
بل يبدو أنها عادة قديمة لدى العلماء ، فقد جاء في " وفيات الأعيان " (4/282) في ترجمة الحميدي الأندلسي قال : " وكان موصوفا بالنباهة والمعرفة والإتقان والدين والورع ، وكانت له نغمة حسنة في قراءة الحديث ". انتهى.
واستدلوا على ذلك بأدلة عدة منها :
1- ورد النص الصريح في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه على سبيل الرجز ، وذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ : اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ . رواه البخاري (3034) ومسلم (1803)
2- أن أحكام التجويد إنما هي أحكام تجري على عادة العرب في القراءة واللفظ بالكلمات ، وليست فقط متعلقة بالقرآن الكريم ، فمن جوَّد قراءته للحديث الشريف وكلام أهل العلم إنما سار على مقتضى اللغة العربية.
3- ثم إن التغني بالقرآن الكريم معقول المعنى ، وليس أمرا تعبديا محضا ، والمعنى الملاحظ في ذلك هو تزيين القرآن الكريم بالأصوات الجميلة ، والقراءة السليمة ، والإقبال على التلاوة وتحبيب الناس بها ،
وهذه المعاني متحققة أيضا في التغني بالدعاء والحديث الشريف وقراءة كتب أهل العلم في الدروس المتخصصة .
يقول الشيخ صالح الفوزان رحمه الله : " تحسين الصوت ليس بتلحين ، التلحين غناء لا يجوز ، لكن تحسين الصوت بالقرآن ، وتحسين الصوت بالأذكار : هذا طيب ". انتهى.
الراجح
أحكام التجويد من غنة وإخفاء وإدغام ينبغي أن يختص بها كلام الله تعالى دون كلام غيره لكن إذا كان المراد بقراءة الحديث الشريف بأحكام التجويد يعني الترتيل بتحسين الصوت ومده وتوضيحه والتغني فيه من أجل جَلْب المستمع والتأثير فيه لينتبه لما يُقرأ فهذا لا شك أنه جيد وحسن وهو معمول به عند أهل العلم.
قال الحافظ السيوطي -رحمه الله- في ألفيته في الحديث :
ورتل الحديث واعقد مجلساً ** يوماً بأسبوعٍ للملاء إئتسا.
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق