">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل حقاً قراءة القرآن بأحكام التجويد واجبة؟


قراءة القرآن بأحكام التجويد مستحبة وليست واجبة فهى من باب تحسين قراءة الألفاظ ومن باب الكمالات وهذا غير باب الإلزام .

فإذا قرأت القرآن بدون أن تمد المدود أو تدغم الحرف أو تخفيه أو تغنه أو تفخم الراء ونحوها،

أو ترقق كذا أو تظهر في محل الإدغام أو تدغم في محل الإظهار وما شابه، فلا يضرك ذلك .

أما إنها فرض عين فهو قول ضعيف وكلام يردده البعض بدون دليل عليه.

فلا يجوز أن يحكم بالوجوب في شيء مما يتعبد لله به بغير دليل صريح صحيح تبرأ به الذمة .

 فالواجب من أحكام التجويد هو : ما يقيم الحروف ولا يخل بالمعنى وما فوق ذلك فهو مستحب،

لذا يجب على من أراد قراءة القرآن :

أولا : أن لا يُغير الحرف مكان الحرف ولكن ينطق الحرف بطريقة صحيحة بدون تكلف. أى: لا يقرأ التاء مكان الطاء ونحو ذلك. 

وثانيا : مراعاة القراءة بالتشكيل. أى : لايرفع المجرور ولا ينصب المرفوع.

أما باقي أحكام التجويد (كالادغام والاخفاء والمدود والغنة وأحكام الميم وأحكام النون والسكون ونحو ذلك) فهى مستحبة،

وما كان الأخذ به مستحبًا من هذه الأحكام فلا يجوز إلزام الناس به ولا الإنكار عليهم إذا لم يأتوا به.

فالتكلف في إقامة حروف القرآن يشغل عمّا أُنزل القرآن من أجله وهو تدبره والتفكر فيه ثم العمل بمقتضاه وإقامة حدوده.

وهذا ما ذهب إليه الأكابر كأحمد وابن تيمية وابن القيم وزكريا الأنصاري والملا علي القاري وأبوالفرج ابن الجوزى والإمام ابن باز والعثيمين والفوزان والعباد واللحيدان والراجحى وغيرهم.

والدليل على ذلك :

1- قوله تعالى : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ 

قال مجاهد : يعني هونا قراءته. وقال السدي : يسرنا تلاوته على الألسن. 

وقال الضحاك عن ابن عباس : لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل. انتهى من (" تفسير ابن كثير" (7/ 478)) .

2- عن عائِشَةَ رضي اللّه عنها، عن النبيِّ ﷺ قال : (مثل الذي يقرأُ القرآنَ وهو حافظٌ له مع السَّفَرَة الكرامِ البررةِ، ومثل الذي يقرأُ، وهو يتعاهَدُهُ، وهو عليه شديدٌ، فلَهُ أجرَانِ)، 

وفي رواية : (الماهر بالقرآن مع السّفرةِ الكرام البررَةِ، والَّذي يَقْرَاُ القُرآنَ ويَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَليهِ شاقٌّ؛ لَهُ أجْرَانِ). أخرجه البخاري.

قوله : " يَتَعْتَعُ فِيهِ " أي : تثقل عليه القراءة، ويثقل عليه الحفظ، فيقرأ بصعوبة ومشقة فإن له بذلك أجرين : أجر القراءة نفسها، وأجر المشقة.

دل هذا الحديث على : عدم وجوب أحكام التجويد لأن الرّسول ﷺ سمى من يقرأ القرآن وهو متعتع فيه قارئًا للقرآن وأنّ له أجرين،

ومعلوم أن الذي يُتعتع فيه بسبب ضعف حفظه لا بد أن يقع في اللحن الخفي كما هو مشاهد ومعلوم،

فدلّ ذلك علىٰ أن الخلل لا يخرجه من كونه قارئًا فإذا صحّ أنه قارئ فلا يكون ما وقع فيه مخلاًّ بقراءة القرآن في الجملة.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : يقول ﷺ : الماهِرُ بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البَرَرة، الذي يقرأ القرآن وهو ماهِرٌ فيه، يُجيد قراءَته، ويحفظه جيدًا مع السَّفَرة الكرام البَرَرة، 

يعني : إذا كان يتلوه قولًا وعملًا، لا مجرد التلاوة فقط، يُجيد تلاوته، ويعمل به، فهو قائم به لفظًا ومعنًى، 

والذي يقرأ القرآنَ وهو عليه شاقٌّ ويَتَتَعْتَعُ فيه له أجران، هذا أيضًا من فضل الله ،

فالإنسان الذي يقرأه وقصده الخير ويريد الفائدة ويريد العلم ويتتعتع فيه له أجران : أجر القراءة، وأجر الاجتهاد والتَّعب... انتهى من (كتاب شرح رياض الصالحين - تعليق على قراءة الشيخ محمد إلياس).

3- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال : « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ونحن نقتري، فقال:

الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم؛ يتعجل أجره ولا يتأجله ». صحيح دلائل النبوة للوادعى.

4- عن جابر بن عبد الله ، قال : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن ، وفينا الأعرابي والأعجمي،

فقال : اقرءوا فكل حسن ، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح ، يتعجلونه ولا يتأجلونه ". (صحيح أبي داود رقم: (830 )).

فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكل حسن " مع أن فيهم أعاجم لهو كاف في اثبات المراد ،

إذ يبعد جدا أن يقرأ الأعاجم العربية كالعرب فضلا عن القراءة بأحكام التجويد التي أصلا لم تكن تدرس آنذاك ففي الحديث تَيسيرُ الله تعالى القرآن لعباده.

5- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( أقرأ الناس لهذا القرآن المنافق لا يذر منه ألفاً ولا واواً يلفه بلسانه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها ). رواه عبد الرزاق، ورجاله كلهم ثقات.

6- قال ابن الجزري في المقدمة : " والأخذ بالتجويد حتم لازم .. من لم يُصحّح القُرَان آثم ". ينظر: ( كتاب الدقائق المحكمة : صـ (37)).

- قد ذكر العلامة زكريا الانصارى رحمه الله : أن ابن الجزرى له رواية أخرى صحيحة قال فيها : [ ومن لم يصحح القرآن آثم بدل من ومن لم يجود ].

فقال رحمه الله عند شرحه لقول ابن الجزري في المقدمة : ( من لم يجود ) وفي نسخة : (( يصحح )) القران بأن يقرأه قراءة تخل بالمعنى أو بالإعراب ، فهو ( آثم ) ). انتهى من ( كتاب الدقائق المحكمة : صـ (37)).

فتأملوا قوله في الشرح : بأن يقرأه قراءة تخل بالمعنى أو بالإعراب وتنبيهَه على أن في نسخة (( يصحِّح )) بدل : (( يجود ))،

فذلك دليل بين على أنه وهو من القراء لا يقول بأن التجويد واجب بحيث يأثم من لم يقرأ به .

- وقال بعض أهل العلم في التعليق على عبارة الشارح المتقدمة : يصحح أظهر معنى من رواية (( يجوّد ))،

واستدل بأن ترك نحو الإخفاء والقلقة ليس بإثم فلا بد من تأويله بمعنى العبارة الأخرى كما صنع الشارح. (وهذا التعليق موجود على النسخة التي طبعتها مكتبة الإرشاد باليمن .عام 1411هـ). انتهى.

وقد أشار الملا القاري رحمه الله إلى هذه الرواية عند شرح قول المصنف، فقال:

( من لم يجود القرآن آثم ) ( أي من لم يصحح كما في نسخة صحيحة بأن يقرأ قراءة مخلة بالمعنى والإعراب،

كما صرح به الشيخ زكريا – خلافا لما أخذه بعض الشراح منهم ابن المصنف على وجه العموم الشامل للحن الخفي فإنه لا يصح كما لا يخفى. انتهى من [كتاب المنح الفكرية للقاري].

إليك كلام أهل العلم:

** قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله عن الأحاديث السابقة، في هذه الأحاديث فوائد :

- أنه كان ﷺ يأمر أصحابه أن يقرأ كل منهم بما تيسر عليه وسله على لسانه.

- تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه أن يقرأ كل منهم بما تيسر عليه وسَهُل على لسانه وأنه لم يكن يعلمهم التجويد ومخارج الحروف.

فالصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يعلم من يقرئه التجويد ومخارج الحروف ولو كان خيراً لسبقوا إليه!.

 ومن المعلوم ما فتح الله عليهم من أمصار العجم من فرس وروم وقبط وبربر وغيرهم وكانوا يعلمونهم القرآن بما يسهل على ألسنتهم،

ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يعلمونهم مخارج الحروف ولو كان التجويد لازماً ما أهملوا تعلمه وتعليمه .

كما فيها الرد على من زعم أن قراءة القرآن لا تجوز بغير التجويد، أو أن ترك التجويد يخل بالصلاة، 

وقد أخبرني بعض من أم في المسجد النبوي أن جماعة من المتكلفين أنكره عليه إذ لم يقرأ في الصلاة بالتجويد، 

وما علم أولئك المتكلفون الجاهلون أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الأعرابي والعجمي والأحمر والأبيض والأسود على قراءتهم، وقال لهم : ( كل حسن )، 

وأنه صلى الله عليه وسلم ذم المتكلفين الذين يقيمونه كما يقام القدح والسهم ويثقفونه ويتنطعون في قراءته كما هو الغالب على كثير من أهل التجويد في هذه الأزمان. انتهى من (كتاب إتحاف الجماعة (2|122)).

** قال ابن تيمية رحمه الله حول حكم التجويد من مجموع الفتاوى لابن قاسم رحمه الله : 

ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة في خروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها،

والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك، فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه،

 وكذلك شغل النطق ب ( أأنذرتهم ) وضم الميم من ( عليهم ) ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت ". انتهى من ( الفتاوى ص50 مجلد 16).

** وقال العلامة أبو شامة المقدسي رحمه الله :

 " لم يبق لمعظم من يطلب القرآن العزيز هِمَّة إلَّا في قوة حفظه ، وسرعة سرده ، وتحرير النطق بألفاظه ، والبحث عن مخارج حروفه ، والرغبة في حسن الصوت به ، وكل ذلك وإن كان حسنًا ،

ولكن فوقه ما هو أهم وأتم وأولى وأحرى ، وهو فهم معانيه ، والتفكر فيه ، والعمل بمقتضاه ، والوقوف عند حدوده ، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته ". انتهى من ("المرشد الوجيز" (ص421)).

وإذا رأيت هؤلاء المتنطعين الذين ابتلوا بالوسوسة في القراءة فتراهم يكررون الحروف والكلمات ،

لإخراج كل حرف من مخرجه بأحسن صورة زعمواأو لظنهم بطلان ما نطقوا به أولاً لشدة تكلفهم ومبالغتهم !.

** قال العلامة أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : 

قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة،

وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب.

 قال : ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده والمراد تحقيق الحرف فحسب،

وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوةوكل هذه الوساوس من إبليس. انتهى من ("تلبيس إبليس" (ص126)).

** وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :

قال الفضل بن زياد : إن رجلا قال لأبي عبدالله فما أترك من قراءته قال : الإدغام والكسر. ليس يعرف في لغة من لغات العرب،

وسأله عبدالله ابنه عنها فقال : أكره الكسر الشديد والإضجاع ،

وقال في موضع آخر : إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به،

وسأله الحسن بن محمد بن الحارث : أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة قال : أكرهه أشد كراهة إنما هي قراءة محدثة وكرهها شديدا حتى غضب.

 وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال : أكرهها أشد الكراهة. قيل له ما تكره منها قال : هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد.

وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها : فكرهها وقال كرهها ابن إدريس وأراه قال وعبدالرحمن بن مهدي. وقال : ما أدري إيش هذه القراءة. ثم قال : وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب،

وقال عبدالرحمن بن مهدي : لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة. انتهى من ( إغاثة اللهفان (1\160) ).

** قال الشيخ ابن باز رحمه الله : 

 أحكام التجويد مستحبة وليست واجبة وإذا قرأ الإنسان القرآن بلغة العرب كفى والحمد لله، 

لكن يشرع له أن يقرأه على من هو أعلم منه حتى يتقنه جيداً، وإذا قرأه بالتجويد على إنسانٍ يعرف ذلك كان ذلك من باب الكمالات ومن باب الفضل،

ومن باب العناية بإتقان القرآن وأن يقرأه على الوجه المرْضِيِّ، وإلا فليس بشرط وليس بواجب ولا دليل على ذلك.

 إذا قرأه بلغة العرب وأقامه على لغة العرب ولو كان ما أدغم أو ما فخم الراء ونحوها أو رقق كذا

أو أظهر في محل الإدغام أو أدغم في محل الإظهار لا يضره ذلكانتهى من (فتاوى نور على الدرب).

- بل قال أيضا رحمه الله :

" لا أعلم دليلاً شرعياً يدل على وجوب الالتزام بأحكام التجويد، أما قوله الله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا }:

فهو يدل على شرعية التمهل بالقراءة وعدم العجلة ويؤيده قول الله تعالى : { ورتلناه ترتيلا }. انتهى.
https://books.google.com.eg/books?id=Hh9iDwAAQBAJ&pg=PT2041&lpg=PT2041&dq=%D9%84%D8%A7+

** وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة وباب التحسين غير باب الإلزام .

 وقد ثبت في صحيح البخاري (66) عن أنس بن مالك رضي الله عنهما: أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟

فقال : كانت مدًّا ثم قرأ "بسم الله الرحمن  الرحيم" يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم.

 والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي ،

ولو قيل بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم ،

ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى : طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث وكتب أهل العلم وتعليمك ومواعظك .

وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين. 

وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في جواب له : أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب انتهى من [ كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين رحمه الله].

- وسئل أيضا رحمه الله :

هل يلزم لقارئ القرآن أن يكون ملماً بأحكام التجويد؟

الجواب :

لا يلزم لقارئ القرآن أن يكون ملماً بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد،

بل هو مأجور مثاب على قراءته الحروف على ما هي عليه والحركات على ما هي عليه وإن لم يراع قواعد التجويد ،

لكن التجويد في بعضه تحسين للفظ وتزيين للصوت، ومن المعلوم أنه ينبغي للمرء أن يحسن صوته بكتاب بالله العزيز. انتهى من (فتاوى نور على الدرب/الشريط212/الوجه الأول).

- وسئل أيضا رحمه الله :

هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن دون الانضباط ببعض أحكام التجويد ؟

الجواب :

نعم يجوز ذلك إذا لم يلحن فيه فإن لحن فيه فالواجب عليه تعديل اللحن،

 وأما التجويد فليس بواجب التجويد تحسين للفظ فقط وتحسين اللفظ بالقرآن لا شك أنه خير وأنه أتم في حسن القراءة. 

لكن الوجوب بحيث نقول من لم يقرأ القرآن بالتجويد فهو آثم قول لا دليل عليه بل الدليل على خلافه.

بل إن القرآن نزل على سبعة أحرف حتى كان كل من الناس يقرؤه بلغته إلا أنه بعد أن خيف النزاع والشقاق بين المسلمين ،

وحد المسلمون في القراءة على لغة قريش في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهذا من فضائله ومناقبه وحسن رعايته في خلافته أن جمع الناس على حرف واحد لئلا يحصل النزاع. 

والخلاصة أن القراءة بالتجويد ليست بواجبة،

وإنما الواجب إقامة الحركات والنطق بالحروف على ما هي عليه فلا يبدل الراء لاما مثلا ولا الذال زاياً وما أشبه ذلك هذا هو الممنوع. انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [334]).

وقال الشيخ الراجحي حفظه الله :

 أحكام التجويد ليست واجبة بل مستحبة المهم أن يقرأ قراءة بيِّنة واضحة،

يخرج الحروف ولا يسقط شيئاً منها، وما زاد على ذلك مستحب ليس بواجب.

 أحكام التجويد (المد والغنة وأحكام الميم وأحكام النون والسكون) هذا مستحب .

وأما قول الجزري : والأخـذ بالتجويـد حتم لازم .. مـن لـم يجود القرآن آثمفليس بصحيح، نعم. انتهى.
https://ar.islamway.net/fatwa/14912?ref=search

** وقال الشيخ محمد بازمول حفظه اللّه :

أما تجنب اللحن الخفيّ، وهو ما يتعلّق بمخارج الحروف بالضّبط، ومقدار المدود وما يشبه ذلك مما لا يؤثّر في بُنية الكلمة ومعناها؛ فهذا يُستحبّ .

وهذا وجه تقرير طلب علم التّجويد؛ فإن القراءة باللّحن الجليِّ لم ينزل القرآن بها، وليست بقرآن .

فإن قيل : ما الدّليل على أن تجنّب اللّحن الخفي ليس بواجب؟

فالجواب :

جاء في الحديث عن عائِشَةَ رضي اللّه عنها، عن النبيِّ ﷺ قال : ( مثل الذي يقرأُ القرآنَ وهو حافظٌ له مع السَّفَرَة الكرامِ البررةِ، ومثل الذي يقرأُ، وهو يتعاهَدُهُ، وهو عليه شديدٌ، فلَهُ أجرَانِ)، 

وفي رواية : (الماهر بالقرآن مع السّفرةِ الكرام البررَةِ، والَّذي يَقْرَاُ القُرآنَ ويَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَليهِ شاقٌّ؛ لَهُ أجْرَانِ). أخرجه البخاري في كتاب التفسير.

ووجه الدلالة : أن الرّسول ﷺ سمّىٰ من يقرأ القرآن وهو متعتع فيه قارئًا للقرآن، وأنّ له أجرين،

ومعلوم أن الذي يُتعتع فيه بسبب ضعف حفظه لا بد أن يقع في اللحن الخفي، 

كما هو مشاهد ومعلوم؛ فدلّ ذلك علىٰ أن الخلل لا يخرجه من كونه قارئًا، فإذا صحّ أنه قارئ فلا يكون ما وقع فيه مخلاًّ بقراءة القرآن في الجملة.

فاللّحن الظّاهر الذي يؤثر في المعنىٰ لا يجوز .

أما اللّحن الخفيُّ الذي لا يؤثِّر في المعنىٰ؛ فهذه تعتعةٌ، يقع فيها ولا بدّ القارئ،

في إخلال بالمدود، وعدم ضبط مخارج الحروف، والإخلال بأحكام النون والميم الساكنتين : كالإظهار والإدغام والإخفاء والإقلاب،

ونحو ذلك من الأمور الخفية التي لا تؤثر في المعنىٰ، ولا يختلُّ بها نظم الآية، ولا نظمُ الألفاظ، 

ولكن لم تُعطِ الحرف والكلمة حسنها وجمالها، مثل ما يقولون : إعطاء الكلام حقَّه ومستحقَّه؛

ولذلك فإطلاق القول بوجوب التجويد فيه نظر!. وإطلاق النظر بعدم وجوب التجويد فيه نظر!. وأفحش منه من يقول : علم التجويد ليس له أصل!.

والذي يظهر لا هذا، ولا هذا، ولكن القرآن أُنزل على الصفة التي تسمعونها عند القرّاء المُجوِّدين، والشرع عَذَرَ المتعتع فيه، 

والظّاهر أن بالتعتعة لا يسلم صاحبها من الوقوع في اللّحن الخفيّ، الذي لا يمكن لقارئ القرآن أن يتجنّبه إلا بالسّماع والمِران. انتهى باختصار (شرح كتاب إتمام الدِراية لقرّاءِ النِّقايةِ (الصفحة ٥٢)).

وإليك الرد على القائلين بالوجوب

1- إستدلالهم بقوله سبحانه : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا }. [المزمل:4]. بأنه إلتزام قواعد التجويد .

وأجيب عن ذلك :

بأن معنى الآية يدل على شرعية التمهل بالقراءة وعدم العجلة، ويؤيده قول الله تعالى : { ورتلناه ترتيلا }.

كما أن تفسيرهم هذا مخالف لتفسير أئمة التفسير القدوة : فالترتيل في هذه الآية يعني : التّرسل في التلاوة، كما في قوله تعالى : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }.[الفرقان:32]ينظر: ( تفسير ابن كثير والطبرى والقرطبى والبغوى).

2- ومنها إستدلالهم بقوله سبحانه : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته }فقالوا حق تلاوته هو تجويده.

وأجيب عن ذلك :

 لا دلالة فيه على وجوب التجويد عند تلاوة القرآن؛ لأن المراد بالآية -كما ذكر المفسرون- مدح من آمن من أهل الكتاب،

أو أن المقصود بهم من إذا مرّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرّ بذكر النار تعوّذ بالله من النار. وقيل غير ذلك،

لكن لم يذكر المفسرون أن المراد بالآية القراءة بالتجويد. ينظر: ( تفسير ابن كثير والطبرى والقرطبى).

3- استدلوا على الوجوب بأثر : أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8677 ) من طريق سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني موسى بن يزيد الكندي قال :

كان ابن مسعود يقرئ القرآن رجلا ، فقرأ الرجل : *( إنما الصدقات للفقراء و المساكين )* مرسلة ، فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال : أقرأنيها : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فمددوها.

أُجيب عن ذلك :

هذا الأثر ليس فيه دلالة على الوجوب لأنه ترده الأحاديث الأخرى.
 
- كما أن هذا الأثر ضعيف ومعلولٌ بعلتين:

الأولى : جهالة موسى بن يزيد الكندي ولهذا لم يذكره الحافظ المزي في شيوخ ابن خراش في " التهذيب ". 

وكذا قال محقق سنن سعيد بن منصور :" سنده ضعيف لجهالة أو جهالة حال موسى بن يزيد ".

الثانية : الإنقطاع لأن شهاب بن خراش لا يوجد في شيوخه من أدرك ابن مسعود. ينظر تضعيف الأثر هنا :http://alkulify.blogspot.com/2013/11/blog-post_380.html

4- استدلوا بهذا القول وهو : أنه لما كان القرآن قد نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم مُجَوَّدا ولما كنا مأمورين باتباع النبي فالواجب تلاوة القرآن على النحو الذي رُوي عنه صلى الله عليه وسلم.

أجيب عن ذلك :

أولا : الفعل الذي نقل إلينا إما يفيد الوجوب أو الاستحباب أو مجرد الجواز والآيات والأحاديث التي سبق ذكرها كافية في صرف المسألة إلى الاستحباب أو الجواز .

فليس كل ما نُقل واجب قد يكون واجب في أصله لا في كيفيته كالصلاة والحج مثلا،

فقد نقل إلينا كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم منها ما هو واجب لا تصح إلا به وهي الأركان كالركوع والسجود،

 ومنها ما هو سنة مستحبة لا تفسد الصلاة بتركها كهيئة الركوع وكيفية رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ،

فهل نقول مثلا أن من خفض يديه في تكبيرة الإحرام بعض الشئ أو رفعها عن الحد المنقول أنه يأثم و صلاته غير صحيحة،

لأنها هكذا وصلت إلينا كما قال ابن الجزري في تعليل وجوب التجويد بقوله : "لأنه به الإله أنزل وهكذا منه إلينا وصل"؟

فكم من المسلمين صلاته فيها كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من كيفية فما يقال في الصلاة يقال في القراءة من باب أولى.

ثانيا : إن أحكام التجويد نفسها منها ما هو مختلف فيه فمثلا : البعض يقول بإدغام القاف في الكاف في كلمة " نخلقكم "،

والبعض يمنع من ذلك ويوجب إظهار القاف , البعض يرى تفخيم الراء في كلمة " فِرْق" التي في سورة الشعراء والبعض يرى الترقيق.

ثالثا : لو كان الواجب قراءة القرآن على نفس الهيئة التي نزل بها جبريل بالضبط كما قال ابن الجزري " لأنه به الإله أنزل "،

فلازم هذا القول أنه لا يصح إلا قراءتين هما الموافقتان للعرضة الأخيرة حيث قرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل مرتين.

ولو اعتبرنا صحة ما قبل العرضة الأخيرة فإن الذي صح أن عدد المرات التي عُرض فيها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم،

كان مرة كل عام ومرتين في آخر عام يعني المجموع أربع وعشرين مرة : ثلاث وعشرين هي عدد أعوام البعثة ومرة زيادة في السنة الأخيرة. 

فعن ابن عباس أنه قال : إِنَّ رسول الله كان يُعرَضُ عليه القرآنُ في كل رمضان مرةً إلا العام الذي قُبض فيه فإِنَّه عُرِضَ عليه القرآنُ مرتين فحَضَرَهُ عبدُالله فشهدَ ما نُسِخَ وما بُدِّلَ. وهذا الأثر أخرجه النسائي في السنن الكبرى في فضائل القرآن ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ، وسعيد بن منصور في سننه من طرق عن الأعمش عن أبي ظبيان به ، وقال عنه ابن حجر العسقلاني : (إسناده صحيحٌ).

فلازم هذا القول أنه لا يصح إلا هيئتان أو طرقان للقراءة فقط إذا كان المعتبر هو العرضة الأخيرة أو بالأكثر أربع وعشرين إذا تم اعتبار ما قبل العرضة, 

كيف وإن القراءات المتوترة عشر كل قراءة لها روايتان كل رواية لها طرق متعددة، فرواية حفص وحدها لها طرق كثيرة الشاطبية والطيبة,

فقد ذكر الإمام ابن الجزري (اثنين وخمسين) طريقا لرواية حفص عن عاصم وحدها وفوق (الثمانين) طريق لرواية قالون عن نافع،

فهل قرأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بكل هذه الطرق؟!!.

وهذه الطرق يصححها أئمة القراءات ويجيزون القراءة بأي منهم مع أن أكثر الاختلاف فيها لابد أن يكون من تصرف القراء أو الرواة بما يحافظ على أصل الكلمة ومعناها وهو المراد إثباته ،

لأننا كما قلنا لا يمكن أن تجتمع هيئات هذه القراءات كلها بطريق النقل عن العرضة الأخيرة ولا عن ما قبلها.

والحاصل من هذه النصوص والنقولات أن اللحن الذي ينكر على صاحبه وتبطل قراءته هو : ما يغير الكلمة تغييرا يخل بالمعنى ويقلبه إلى معنى آخر لا يتوافق مع مراد النص.

أما التغيير في أحكام التجويد التي هي من صنف الإدغام والغنة والقلقلة وما إليها فلا يفسد القراءة،

وإن كان القراءة بها أكمل كما هو الحال أيضا في تغيير تشكيل الكلمات من صنف الرفع والجر والنصب والتشديد إن لم ينبني عليه تبديل للمعنى. 

قال الإمام النووي في (المجموع 3/347) : ( وإن لم يخل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ونحو ذلك لم تبطل صلاته ولا قراءته ). انتهى.

الخلاصة

1- أحكام التجويد التي يذكرها أهل التجويد في كتبهم لا يوجد في النصوص الشرعية ما يدل على وجوب الأخذ بجميعها،

ولكن منها ما يلزم الأخذ به وهو ما لا تستقيم القراءة ولا تصح إلا بالإتيان به وهو ما يقيم الحروف ولا يخل بالمعنى وما فوق ذلك فهو مستحب،

كما يجب علي كل مسلم أن يتعلم  الحد الأدنى الذي به يجتنب اللحن الجلي في قراءة فاتحة الكتاب لأنها هي القدر الواجب حفظه وتلاوته تلاوة صحيحة لصحة الصلاة.

ومن الأحكام ما لا يلزم الأخذ به وإنما يستحب وما كان الأخذ به مستحبًا من هذه الأحكام فلا يجوز إلزام الناس به ولا الإنكار عليهم إذا لم يأتوا به.

فأحكام التجويد التي يترتب على تركها فساد المبنى وتغيير المعنى  يلزم القارئ الإتيان بها،

وأما التي لا يترتب على تركها فساد المبنى وتغيير المعنى فلا يلزم الإتيان بها وإنما يستحب .

2- فمن أراد تلاوة كتاب الله فعليه أن يتجنب اللحون المفسدة للمعنى ولعل هذا يتطلب منه أن يقرأ القرءان كاملا على من يضبط له ذلك ولو لمرة واحدة ،

أو يتابع سماع المصحف المرتل مع القراءة بعينيه من المصحف المطبوع لا ليتعلم الأحكام ولكن ليصوب اللحون الجلية المفسدة للمعنى في قراءته إن وجدت .

3- اعلم أخى المسلم أن أهم شيء أثناء قراءتك للقرآن هو التدبر لأن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) لا مجرد التلاوة على عظم أجرها. 

قال الحسن البصري رحمه الله : والله! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول:

قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل ". انتهى من (تفسير ابن كثير، 7/64، ط: طيبة).


والله اعلم


واقرأ أيضا..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات