اعلم أخي المسلم أن ما يؤدى به القرآن الكريم وفقًا لأحكام التجويد،
كان موجودًا في لغة العرب قبل نزول القرآن الكريم، فقد كانوا يتقنون نطق كلماتهم بشكل صحيح.
ويدل على ذلك حديث : " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها ". رواه الطبراني وغيره، وتكلم بعض أهل العلم في سنده ولكن العمل عليه، وقال عنه ابن كثير فى( فضائل القرآن- رقم : 196 ): طريقه حسنة فى باب الترهيب.
- قال ابن الجزري في المقدمة : ويقرأ القرآن بالتّحقيق معْ حَدْرِ وتدْوير وكلّ متّبعْ. مع حسن صوت بلحون العربِ مرتّلا مجوّدا بالعربي. انتهى.
- وجاء في شرح طيبة النشر للنويري : " قال الداني :
والفتح والإمالة : لغتان مشهورتان على ألسنة العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلغتهم.
والفتح : لغة الحجازيين
والإمالة : لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد، وقيس". انتهى.
- وجاء في كتب اللغة : وكان التميميون، وطيء.. يدغمون بينما كان الحجازيون يفكون الإدغام.. انظر: ( الممتع في التصريف لابن عصفور، وغيره).
** فالقرآن الكريم نزل بلغة العرب، وعلى ذلك؛ فإن أحكام التجويد التي نؤديه بها كانت موجودة في لغتهم،
ومما يدل على ذلك ما ذكره الخليل ابن أحمد فى كتابه كتاب (العين) للخليل (ت 170هـ). وما ذكره سيبويه فى كتاب (الكتاب) لسيبويه (ت 180هـ) .
قال سيبويه فى كتابه المسمى "بالكتاب" :
1- الهمز والتسهيل : عقد سيبويه باباً للهمزة ، ذَكَرَ مذاهب العرب في نطقها (التحقيق ، والتخفيف ، والبدل) ، والهمز والتسهيل ظاهرتان من ظواهر القراءات القرآنية ،
وقد نص سيبويه على أن تسهيل الهمزة من خصائص لغة أهل الحجاز (غربي الجزيرة العربية) ، وأن تحقيق الهمزة من خصائص لغة أهل نجد (شرقي الجزيرة) . ينظر : ( الكتاب ج3 ص 541- 556 ، تحقيق عبد السلام هارون).
2- الإمالة والفتح : الإمالة أن تَنْحُوَ بالفتحة نحو الكسرة ، وبالألف نحو الياء ، والإمالة من خصائص لغة قبائل شرقي الجزيرة العربية (نجد) ،
والفتح من خصائص لغة غربي الجزيرة العربية (الحجاز) ، والفتح والإمالة من ظواهر القراءات القرآنية،
وقد عقد سيبويه في الكتاب باباً لظاهرة الإمالة ، ذكر فيه ما تميله العرب من الكلمات ، وذكر أهل الإمالة ، وأهل الفتح ،
وهو ما يؤكد أن وجود هذه الظاهرة في القراءات القرآنية هو امتداد لوجودها في كلام العرب. ينظر : ( كتاب سيبويه ج4 ص 117- 135).
3- الإدغام : وهو أن تنطق بحرفين متجاورين ، الأول ساكن والثاني متحرك ، نطقاً واحداً ، والإدغام والإظهار من ظواهر القراءات القرآنية ، وعلم التجويد ،
وعقد سيبويه للإدغام باباً طويلاً ختم به الكتاب (ج4 ص 431- 485) ، بَيَّنَ فيه مذاهب العرب في الإظهار والإدغام ، يمكنك مراجعة الباب والوقوف على تفاصليه ،
وملاحظة أن ظواهر الإدغام في كلام العرب وفي القراءات القرآنية والتجويد تَحْكُمُهَا قواعد واحدة ،
ويمكننا من خلال ذلك القول إن قواعد التجويد تنطبق على كلام العرب قبل الإسلام.
4- الإخفاء : وهو أحد أحكام النون الساكنة والتنوين ، وعَرَّفَهُ بعض العلماء بأنه حالة بين الإظهار والإدغام ، خالٍ من التشديد ، مع بقاء الغنة في الحرف الأول ،
وقد ذكره سيبويه في الكتاب في باب الإدغام على نحو واضح في قوله (ج4 ص 454) :
” وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً ، مخرجه من الخياشيم … وذلك قولك : مَنْ كان ، ومَنْ قال ، ومَنْ جاء”.
5- المدود : ذكر سيبويه حروف المد وأحوالها ، لكنه لم يُصَرِّحْ بمواضع المد الزائد ، وقد صَرَّحَ ابن جني بذلك في كتابه الخصائص بقوله في (باب مطل الحروف) :
” والحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة اللينة المصوتة ، وهي الألف والياء والواو.
اعلم أن هذه الحروف أين وقعت وكيف وُجِدَتْ ، بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات ،
ففيها امتداد ولين ، نحو : قام وسِيرَ به وحُوتٍ وكُوز وكتاب وسعيد وعجوز.
إلا أن الأماكن التي يطول فيها صوتها وتتمكن مدتها ثلاثة ، وهي : أن تقع بعدها – وهي سواكن توابع لما هو منهن وهو الحركات من جنسهن – الهمزةُ ، أو الحرفُ المشدد ، أو أن يوقف عليها عند التذكر...”. انتهى (راجع النص بطوله في كتاب الخصائص ج3 ص124-129 ، تحقيق محمد علي النجار).
- قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أحكام التجويد مستحبة وليست واجبة وإذا قرأ الإنسان القرآن بلغة العرب كفى والحمد لله،
لكن يشرع له أن يقرأه على من هو أعلم منه حتى يتقنه جيداً، وإذا قرأه بالتجويد على إنسانٍ يعرف ذلك كان ذلك من باب الكمالات ومن باب الفضل،
ومن باب العناية بإتقان القرآن وأن يقرأه على الوجه المرْضِيِّ، وإلا فليس بشرط وليس بواجب ولا دليل على ذلك.
إذا قرأه بلغة العرب وأقامه على لغة العرب ولو كان ما أدغم أو ما فخم الراء ونحوها أو رقق كذا أو أظهر في محل الإدغام أو أدغم في محل الإظهار لا يضره ذلك. انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
** إذن الأحكام التي يزعم أصحابها أنّها مختصة بالقرآن كالمدود والغنن هي داخلة في النطق الصحيح للحرف العربي وكانت موجوده عند العرب.
وهي التي سجلها علماء اللغة وعلى رأسهم "الخليل بن أحمد" كانت وما تزال هي الأساس لِما عُرف بالتجويد،
وباب الإدغام في نهاية "كتاب سيبويه" يتضمن تلك المعلومات وهو يتحدث عنها باعتبار أنَّها تنطبق على كلام العرب كله.
فيزعمون أنّها ليست من العربية ونزل بها جبريل عليه السلام وكأنهم استغربوا مدّ العرب بالطويل أو الغنن في كلامهم .
** ولا ينبغي التعجب من مثل هذا الأمر فالقرآن نازل بلغة العرب ، فنحوُه نحو العرب وصرفه صرف العرب وبلاغته بلاغة العرب وألفاظه ألفاظ العرب وتركيب الجمل والعبارات على نهج العرب ،
فما المانع أن يكون تجويده على نحو تجويد كلام العرب والمقصود بهذا الكلام الوفاق في الجملة.
ولو تأملت في قراءات القراء والاختلاف الحاصل بينهم تجده في معظمه مبينا على الاختلاف بين لغات العرب من الإمالة والإدغام والتسهيل ونحو ذلك .
فنزول القرآن على سبعة أحرف للتخفيف على العرب ، كما ورد فى بعض روايات الحديث ( فإن أمتى لاتطيق ذلك فلم أزل استزيده ويزيدنى ............... )
كذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( إنى بعثت إلى أمة أمية منهم الغلام والجارية والعجوز والشيخ الفانى قال مرهم فليقرأوا القران على سبعة أحرف ). صحيح ابن حبان.
* فدل هذا وغيره على أن أحكام التجويد كانت معروفة وموجودة عند العرب لأنهم كانوا قد اعتادوا عليها،
فجاءت القراءات حتى يقرأ كل منهم بما اعتاد عليه من إمالة وادغام وتسهيل وغيره حتى لا يشق عليهم ترك ما اعتادوا عليه .
اقرأ أيضا : حكم قراءة القرآن بدون أحكام التجويد؟
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق