لمس وضم وتقبيل الزوجة أو المرأة الأجنبية أو مصافحتها أو ما أشبه ذلك هذا لا ينقض الوضوء مطلقًا ولو بشهوة ما لم يَنْزِل من ذكره شيء لأن الأصل صحة الطهارة وسلامتها فلا يجوز أن يقال بفسادها إلا بدليل والحكم يشمل الرجل والمرأة .
وأما إذا خرج من الرجل أو المراة مذي أو مني نتيجة اللمس والتقبيل فقد فسد وضوءه أو وضوءها .
تنبيه : لمس وتقبيل المرأة الأجنبية حرام وعلى من فعل ذلك أن يبادر إلى التوبة إلى الله ويكثر من الأعمال الصالحة فإن الحسنات تمحو السيئات .
ودليل عدم نقض الوضوء :
1- عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يُقَبِّلَ بعضَ أزواجِه ، ثم يصلي ولا يتوضأُ .(هداية الرواة للألباني-صحيح)
دل الحديث على : أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا ولو بشهوة لأن الأصل في تقبيل الزوجة أن يكون بشهوة إلا إن خرج من المتوضئ شيء فدل على عدم لزوم الوضوء من أجل قبلة الرجل امرأته لعدم انتقاضه والحكم يشمل الرجل والمرأة .
2- وقالت أيضا رضي الله عنها : فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ . رواه مسلم (رقم/486).
دل الحديث على : أنه لو كان مس المرأة ناقضا للوضوء لأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لمس يدها بطن قدمه .
3- أن الأصل صحة الطهارة ولا ينتقل عنه إلا بدليل صحيح صريح .
قال ابن نجيم رحمه الله في البحر الرائق :
مس بشرة المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كان بشهوة أو لا .انتهى
قال السرخسي رحمه الله :
" لا يجب الوضوء من القبلة ومس المرأة، بشهوة أو غير شهوة ". انتهى من "المبسوط" (1/121).
وقال العلامة الصَّنعاني رحمه الله :
الحديثُ دليلٌ على أنَّ لَمْسَ المرأةِ وتقبيلَها لا ينقُضُ الوضوءَ، وهذا هو الأصلُ، والحديثُ مُقرِّر للأصل، وعليه الهادويَّة جميعًا، ومِن الصَّحابة عليٌّ عليه السَّلام،
وذهبت الشافعيَّة : إلى أنَّ لَمْس مَن لا يحرُمُ نكاحُها ناقِضٌ للوضوء، مستدلِّين بقولِه تعالى : أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فلَزِمَ الوضوء من اللَّمس.
قالوا : واللَّمسُ حقيقةٌ في اليد، ويؤيِّد بقاءَه على معناه قراءة : أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ؛ فإنَّها ظاهرةٌ في مجرَّد لَمْسِ الرَّجُل من دون أن يكونَ مِن المرأة فِعلٌ، وهذا يحقِّقُ بقاء اللَّفظ على معناه الحقيقي، فقراءة : أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء. كذلك؛ إذ الأصلُ اتِّفاقُ معنى القِراءتين،
وأُجيبَ عن ذلك :
بصرْفِ النَّظر عن معناه الحقيقي للقَرينة، فيُحمَل على المجاز، وهو هنا : حمْلُ الملامسة على الجِماع، واللَّمْسُ كذلك، والقرينةُ حديثُ عائشةَ المذكور، وهو إنْ قُدِحَ فيه بما سمِعْت، فطُرقُه يقوِّي بعضُها بعضًا.
وحديث عائشة في البُخاري : " في أنَّها كانت تعترِض في قِبلتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا قام يُصلِّي غَمزَها فقبَضَت رِجلَيها؛ أي: عند سُجودِه، وإذا قام بسطَتْهما "، فإنَّه يؤيِّدُ حديث الكتابِ المذكور، ويؤيِّدُ بقاءَ الأصل، ويدلُّ على أنَّه ليس اللَّمْسُ بناقضٍ.
وأمَّا اعتذارُ المصنِّف في فتح الباري عن حديثِها هذا : بأنَّه يحتمل أنَّه كان بحائلٍ أو أنَّه خاصٌّ به، فإنَّه بعيدٌ مخالِفٌ للظَّاهر، وقد فسَّر عليٌّ عليه السَّلام الملامسةَ بالجِماع، وفسَّرها حَبْرُ الأمَّة ابن عبَّاس بذلك، وهو المدعوُّ له بأنْ يعلِّمه اللهُ التأويل؛ فأخرج عنه عبدُ بن حُميد أنَّه فسَّر الملامسةَ بعد أنْ وضع أصبعَيه في أذنيه: ألَا وهو النَّيْكُ، وأخرج عنه الطَّستيُّ أنَّه سأله نافع بن الأزرق عن الملامسة، ففسَّرها بالجِماعِ،
مع أنَّ تركيبَ الآية الشريفة وأسلوبَها يقتضي أنَّ المراد بالملامسةِ الجماع؛ فإنَّه تعالى عدَّ من مقتضياتِ التيمُّم المجيءَ من الغائط؛ تنبيهًا على الحدَث الأصغر، وعدَّ الملامسةَ تنبيهًا على الحدَث الأكبر، وهو مقابِلٌ لِقَولِه تعالى في الأمر بالغَسل بالماء : وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا.
ولو حُملت الملامسةُ على اللَّمسِ النَّاقض للوضوء، لفات التنبيهُ على أنَّ الترابَ يقوم مقامَ الماءِ في رفْعِه للحدَث الأكبَر، وخالف صدْرَ الآية . انتهى من ((سبل السلام)) (1/66).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
الحق أن لمس المرأة، وكذا تقبيلها، لا ينقض الوضوء، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ وذلك لعدم قيام دليل صحيح على ذلك ،
بل ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. أخرجه أبو داود وغيره، وله عشرة طرق، بعضها صحيح كما بينته في «صحيح أبي داود» «رقم ١٧٠ - ١٧٣» وتقبيل المرأة إنما يكون مقروناً بالشهوة عادة، والله أعلم . انتهى من ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة)) (2/429).
وقال أيضا رحمه الله :
عندما يأتي في مس العضو « هل هو إلا بضعة منك »؟ « ومن مس ذكره فليتوضأ »، نريد أن نحاول التوفيق بين الحديثين فنقول بهذه الفلسفة : وهو المَسّ بشهوة ينقض، بدون شهوة لا ينقض،
لكن في التقبيل ما في عندنا نص في السنة فضلاً عن القرآن أنه ينقض مطلقاً كما قال : « من مس ذكره فليتوضأ » لكن ماذا نقول؟
نقول : في أثناء التقبيل قد يُمْذي أو يُمْني، هنا يعاد إلى الأمر الناقض نَصّاً سواء كان هناك تقبيل أو لم يكن هناك تقبيل . انتهى من (الهدى والنور / ٧٩٨/ ٣٤: ٢٠: ٠١).
وسئل أيضا رحمه الله :
أسأل يا شيخ حول لمس المرأة والحكم الذي يخص الزوج؟
فأجاب :
اليوم سئلت هذا السؤال، ومن عروس ولا أقول عريس، رجل، عروس جديد متزوج من أسبوع أو أسبوعين، سألني مثل هذا السؤال : هل تقبيل الرجل لزوجته ينقض الوضوء؟
فأجبته بأنه لا ينقض الوضوء، التقبيل لا ينقض الوضوء، إذا كان مجرد تقبيل، أي: لم يشعر المقبل ..
مداخلة : بالشهوة.
الشيخ :
لا، ليس بشهوة، حتى قلت أنا للرجل من باب التوضيح، فأنت بتذكرني بكلمة شهوة، قلت له : معلوم أن الرجل حين يُقَبِّل بنته هو غير حين يُقَبِّل زوجته، فتقبيله لبنته تقبيل رحمة، وتقبيله لزوجته تقبيل شهوة، فلا بد من الشهوة.
هنا عندما نتكلم عن تقبيل الرجل لزوجته، مش بدون شهوة، فالتقبيل بشهوة، لكن بشرط ألا يشعر أنه نزل منه شيء من مذي مثلاً ..
مداخلة : أو مني.
الشيخ :
المني لا بد له من معركة طويلة ... حتى قلت للرجل ليفهم علي جَيِّداً تأكيداً؛ لأن التقبيل هو بشهوة، وأنه لا ينقض الوضوء، إلا إذا شعر أنه خرج منه ذاك الماء، الماء هو المذي وكما قال بعض القُدَامى : وكل فحل يمذي.
هذا أمر طبيعي، فإذا قَبَّلَ, بل قلت له، هكذا أقول تأكيداً للموضوع، ولو عَضَّها مش قَبَّلها فقط، وما أنزل شيئاً فوضوؤه صحيح؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان يُقِّبل عائشة -رضي الله عنها- ثم يخرج إلى المسجد ولا يتوضأ.
في رواية عنها قالت، وهذا من لطفها وحُسْن أسلوبها في روايتها لحديثها، قالت : « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ » فقال لها عروة بن الزبير ..
أنتم تعرفون أن الزبير متزوج أسماء أخت السيدة عائشة، فعروة تكون هي خالته، فيكون له دالَّة عليها، فلما قالت السيدة عائشة : كان يُقَبِّل بعض نسائه .. إلى آخر الحديث. قال لها: ما تكون هذه إلا أنت؟
لماذا يقول هكذا؟ لأنه شعر بأنها تكني كناية لطيفة؛ ولأنه يعلم مسبقاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: « أيُّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال : عائشة » رأساً : أجاب بعائشة. «قالوا : ومن الرجال؟ قال: أبوها».
فإذاً : أحب الناس عائشة، فحينما تقول عائشة : « كان يُقَبِّل بعض نسائه » فذهن عروة سيذهب إليها. فقال : من تكون هذه إلا أنت يا خالتي، كأنه يقول.
ولا يقال هنا كما يقول بعض المتعصبة لبعض المذاهب التي توجب الوضوء لمجرد اللمس، ليس لمجرد التقبيل، الذي قيل -آنفاً- بدون شهوة، وهذا لا يُتصَوّر، لكن يُتَصَوّر أنه يمسها بدون شهوة.
فمثلاً يقول لها : أعطني ذلك الشيء، فلما أعطته مست يده بيدها. فانتقض الوضوء.
لا يقال إن هذا الحكم، أي هذا الحديث أن الرسول كان يقبل ثم ينهض إلى الصلاة ولا يتوضأ، هذا من خصوصياته عليه السلام، من خصائصه التي خَصّ الله بها دون الناس أجمعين. لا يقال هذا، لماذا؟
هنا نقول : يجب دائماً الرجوع إلى القواعد العامة، ثم يُسْتَثْنى منها كما قلنا بالغيبة -آنفاً- بعض المستثنيات، فالآن هل الأصل فيما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أن نفعله نحن أم نترفع ونتنزه عنه، ونقول: هذا خاص بالرسول عليه السلام. أم العكس هو الصواب؟
العكس هو الصواب؛ لأنه يوجد عندنا نص قرآني عام، قاعدة : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .[الأحزاب: ٢١]. فإذاً : هو أُسْوَتنا، وعلى العكس من ذلك لا يوجد عندنا قاعدة تُقَابِلها، تقول : لا تقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في كذا وكذا.
إذاً : نحن نتمسك بالقاعدة ونَطْرُدُها، لكن إذا أتانا نصوص خاصة مثلما ذكرنا بالنسبة للغيبة، نقول هذا مستثنى.
.......ثم ذكر الشيخ الألباني رحمه الله رحمة واسعة أمثلة كثيرة على خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم بالأدلة فلتراجع ... ينظر : (الهدى والنور / ٢٧٨/ ٠٠: ٠٠: ٠١)و(الهدى والنور / ٢٧٩/ ٣٤: ٠٠: ٠٠).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
عن حكم صلاة من مس امرأة أجنبية؟
فأجب :
القول الأرجح قول من قال : إنه لا ينقض مطلقاً؛ لعدم الدليل على النقض، أما قوله جل وعلا : أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ. [النساء:43]. وفي قراءة : أو لمستم النساء . فقد فسر ذلك ابن عباس بأنه الجماع، وهو الصواب، المراد به الجماع، ليس المراد به الجس باليد، المراد به الجماع،
فقوله : أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ. [المائدة:6] هذا إشارة إلى الحدث الأصغر، أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ إشارة إلى الحدث الأكبر وهو الجنابة، فأشار إلى هذا بما يناسبه وهو الملامسة، وأشار إلى الحدث الأصغر : أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ .
فالحاصل أن الصواب في هذه المسألة هو مع من قال : إن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً . نعم.
والنبي ﷺ -مثلما تقدم- قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، اللهم صل عليه وسلم . انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الرجل إذا قبّل زوجته أو مس يدها أو ضمها ولم يُنزل ولم يُحدث فإن وضوءه لا يفسد لا هو ولا هي ،
وذلك أن الأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه ، حتى يقوم دليل على أنه انتقض ، ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء ،
وعلى هذا يكون مس المرأة ولو بدون حائل ولو بشهوة وتقبيلها وضمها ، كل ذلك لا ينقض الوضوء . انتهى من (فتاوى المرأة ، ابن عثيمين ص (20)).
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
إذا مس الرجل المرأة مباشرة ففيه خلاف بين أهل العلم، هل ينتقض وضوءه أم لا.
والأرجح أنه لا ينقض الوضوء سواء كان مسه إياها بشهوة أو بدونها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ولم يتوضأ؛ ولأن هذا مما تعم به البلوى فلو كان ناقضا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله سبحانه في سورة النساء والمائدة : { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ }([النساء:43]). فالمراد به الجماع في أصح قولي العلماء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى من ( اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- الفتوى رقم١٤٠٥ ).
وسئلت اللجنة أيضا :
هل ينتقض الوضوء بملامسة أو (مصافحة) المرأة الأجنبية (مع العلم بأنه حرام) فقد وجدنا في كتب الفقه من الأحاديث ما يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ولم يقيد ذلك. فهل هذا العموم مقيد بما يحل لمسه من النساء أم لا؟
فأجابت :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . وبعد :
الصحيح من أقوال العلماء أن لمس المرأة أو مصافحتها لا ينقض الوضوء مطلقا سواء كانت أجنبية أم زوجة أم محرما؛ لأن الأصل استصحاب الوضوء حتى يثبت من الشرع ما يدل على نقضه ولم يثبت ذلك في حديث صحيح.
وأما الملامسة في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } إلى قوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ }. ([النساء:43]). فالمراد بها الجماع على الصحيح من أقوال العلماء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - الفتوى رقم (٤٦٠٣)).
والله اعلم
اقرأ أيضا ..
تعليقات
إرسال تعليق