الراجح فى هذه المسألة : أنه إذا مسّ الرجل ذكَرَه سواء كان مع وجود حائل أو بدونه :
إن كان المس بشهوة انتقض الوضوء، ووجب عليه الوضوء، وإلا فلا وضوء إن كان لغير شهوة، وهذا أعدل الأقوال.
** ونفس الحكم ينطبق على المرأة، لأن النساء شقائق الرجال فى الأحكام إلا فى بعض الأمور المختصة بالمرأة.
** وبيان ذلك :
أنه قد جاءت فى هذه المسألة حديثين صحيحين ظاهرهما التعارض إلا أنه أمكن الجمع بينهما وهذا هو الأصل :
1 - فالحديث الأول : يدل على أن مس الذكر ينقض الوضوء، وهو : عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول : ( من مس ذكره فليتوضأ ). ((الموطأ)) (2/57) (127).
ولكن الصحيح أن هذا الحديث محمول على المس بشهوة، ويؤكد ذلك حديث طلق بن علي.
2 - والحديث الثاني : يدل على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء؛ لأن النبي شبهه بسائر أعضاء الجسد، وهو : عن طلق بن علي رضي الله عنه قال : ( .. فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟
قال : هل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك؟!). (((صحيح سنن النسائي)) (165)).
* قولهﷺ : (يمس ذكره في الصلاة) يفسرها رواية في ابن حبان (إن أحدنا يكون في الصلاة فيحتك فتصيب يده ذكره)،
وفي رواية في تخريج المسند لشعيب- باسناد حسن: (أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره).
* قوله ﷺ : ((هل هو إلا مضغة منك؟!)) علة لا يمكن أن تزول ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى،
فلا يمكن أن يكون ذكر الإنسان في يوم من الأيام ليس بضعة منه،
وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول، فإن الحكم يكون محكماً، ولا يصح عليه دعوى النسخ. ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/283).
** كما أن التقييد بالحائل وبغير الحائل، لا يستقيم، لأن حديث أبي هريرة الذي في المسند ضعيف،
ولأن حديث طلق (يمس ذكره في الصلاة) لا يدل على ذلك، لما بينته الروايات الأخرى كما سبق في رواية ابن حبان.
** إذن مع ثبوت الحديثين لا مجال لرد أحدهما بدعوى ضعفه، والقول بالنسخ أو الترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والتوفيق،
وإذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب المصير إليه وهو الرأي الراجح فى هذه المسألة،
لأن الجمع فيه إعمال الدليلين وترجيح أحدهما إلغاء للآخر، فيكون الجمع بين الحديثين :
1- إن مس ذكره بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا،
وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة، وحديث طلق بن علي،
ويؤيد ذلك قوله ﷺ : ( إنما هو بضعة منك ). لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء.
2- وإذا مس ذكره لشهوة فإنه ينتقض،
لأن أن هذا المس يفضي إلى خروج شيء ناقض وهو المذي من غير شعور منك، ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء فهو كما لو مس بضعة أخرى،
فهو مسه المس الذي يختص بالذكر وهو الشهوة، ولأن الشهوة مظنة الحدث،
وما كان مظنة للحدث علق الحكم به ك (النوم)؛ ولأن الإنسان قد يمذي بدون أن يشعر بذلك، فألحقت المظنة باليقين.
** وإليك كلام أهل العلم:
- قال الإمام الألباني رحمه الله :
... نفهم من الجمع بينهما أن المسّ الناقض للوضوء هو إذا كان بشهوة،
لأن النبي - ﷺ - في الحديث الثاني أنكر على السائل أنه يجب الوضوء من مس الذكر، إذا ما كان مَسّه إياه كما لو مس قطعة من بدنه.
وقد أوضح هذا المعنى أحد أصحاب النبي - ﷺ - ألا وهو عبد الله ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه -
الذي قال فيه النبي - ﷺ -: « من أحب أن يقرأ القرآن غَضًّا طَرِيًّا كما أُنْزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»،
ابن مسعود هذا سُئل نفس السؤال الذي جاء في حديث طلق بن علي : « الرجل يَمسّ عضوه، هل يتوضأ »، قال : سواءً مَسَستُه أو مَسَستُ أنفي سواء مَسَستُه أو مَسَستُ أنفي »،
كأنه يُشِير أن الرجل حينما يَمَسّ أنفه، أو يمس أي عضو من أعضاء بدنه؛ لا يتصور وجود شهوة في هذا المس،
كذلك إذا كان المَسّ لذاك العضو الذي هو عادةً مكان الشهوة ، إذا كان المَسّ مَساًّ عادياً ليس مقرونا بالشهوة، فلا فرق مسسته أو مسست أي مكان من بدنك كالأنف مثلاً.
... رجل يُصَلِّي ويومئذ كانوا يصلون بالإزار ليس هناك سراويل، فمس مد يده يحك جسده وإذا به يقع اللمس الغير مقصود بذَكَرِه فسأل الرسول،
قال له : « هل هو إلا بضعة منك»، أي هل كان هناك شهوة، الجواب : « بضعة منك »، فأوردت أثر ابن مسعود « سواء مسسته أو مسست أنفي». هذا هو الدليل.
لأننا إن وقفنا عند الحديث الأول : « من مَسّ ذَكره فليتوضأ » لا شك أن إطلاق المس يعني كل مس سواء كان بشهوة أو بغير شهوة،
لكن ماذا نفعل في الحديث الآخر : « هل هو إلا بَضْعَةً منك »،
هل هذا القول يتمشى مع القواعد العلمية الأصولية، هل الأصل الجمع بين الحديثين المتعارضين، أم نسخ أحدهما بالآخر، ما هو الأصل؟
الأصل الجمع، وقد أمكن، وخاصة بفهم أحد السلف الصالح وهو عبد الله ابن مسعود.. ينظر: (الهدى والنور/٧٦٨).
- وقال أيضا رحمه الله :
حديث طلق : فيه إشارة قوية جدًا إلى أن مس العضو بدون شهوة لا ينقض الوضوء؛ لأنه قال : هل هو إلا بضعة منك! .
ولا سيما وفي بعض الروايات أن سائل سئل : أنه يكون في الصلاة فيمد يده تحت الثوب فيحك نفسه فيمس عضوه،
هذا يؤكد أن هذا المس الذي ورد السؤال عنه من طلق بن علي للنبي - ﷺ - هو مس ليس فيه شهوة؛
لأنه أولًا في الصلاة، وهل يتصور مسلم في الصلاة يمس عضوه بشهوة،
ممكن إنسان أن يعبث بنفسه خارج الصلاة كما يفعل الذين يأتون العادة القبيحة التي تحدثنا عنها بالأمس القريب،
ثم جاء الجواب من الرسول عليه السلام مؤكدًا إلى أن هذا المس هو غير مقرون بالشهوة، حينما قال : هل هو إلا بضعة منك؟
ثم تأكد ذلك من بعض الصحابة وهو بالذات عبد الله بن مسعود،
هذا وذاك كله يضطرنا أن نفهم أن حديث طلق هو يتحدث عن المس الذي ليس فيه شهوة،
فلما نرجع إلى حديث من مس ذكره فليتوضأ وبخاصة في رواية أخرى وليس بينه وبين العضو الحاجب الفاصل، حينئذ هذا الحديث لوحده فيه إشعار أن المس بشهوة.. ينظر: (أسئلة وفتاوى الإمارات -٤).
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
.. يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين : أن الإنسان إذا مس ذكره شهوة وجب عليه الوضوء، وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء، ويكون هذا جمعاً بين الحديثين،
ويدل بهذا الجمع أن الرسول ﷺ علل عدم النقض بأنه بضعة؛ يعني : فإذا كان بضعةً منك فإن مسه كمس بقية الأعضاء،
كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس رأسه أو مس أنفه أو مس أي طرفٍ منه، فإنه لا ينتقض وضوءه، كذلك الذكر؛ فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء،
وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء.. ينظر: (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [50]) و(تفسير العثيمين: المائدة - جـ (١)) و(شرح "بلوغ المرام" (1/259)).
اقرأ أيضا : نسخ حديث طلق بن علي : دعوى أم حقيقة؟
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق