">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع أهم

ما المقصود بالساق في قوله (يوم يكشف عن ساق)؟


لفهم المقصود بـ "الساق" في هذه الآية، يجب الرجوع إلى أقوال العلماء، وتفسير النصوص بالاستناد إلى الكتاب والسنة،

مع مراعاة العقيدة السليمة والضوابط التي وضعها السلف الصالح.

** فالمقصود بالساق فى قوله سبحانه وتعالى : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. [القلم: 42 ]،

هى ساق الله عز وجل كما فسرها النبي  بذلك فى الأحاديث الصحيحة لأن السنة تفسر القرآن وتوضحه،

ولولا وجود الحديث الذي ورد فيه أن الله يكشف عن ساقه -جل وعلا- لما جاز تفسير الساق في الآية بأنها ساق الله،

والسبب في ذلك أن الله تعالى لم يضفها إلى نفسه في الآية، 

وكل أمر لم يضفه الله إلى ذاته في نصوص الوحي لا يجوز للإنسان أن ينسبه إليه من تلقاء نفسه.

* والساق صفةٌ من صفاته الذاتية الثابتة بالكتاب وصريحِ السنة الصحيحة،

 فنثبت هذه الصفة لله تعالى كغيرها من الصفات التي تليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، لقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )[ الشورى: 11].

** ولا نقول أن المقصود بالساق أنها " الشدة " أي شدة الأمر، لأنه مردود بتفسير رسول الله  للآية، كما جاء فى الحديثين الصحيحين الأتيين: 

1- فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت النبي  يقول : يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة،

فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا ). [رواه البخاري].

وأصرح الروايات في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ : "هل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون : نعم الساق، فيكشف عن ساق. ...".

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله  يقول : (... فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا، 

فذلك قول الله تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾، ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد ). (رواه الدارمي (2845)- بإسناد حسن) و(صحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (584)).

* فبناءًا على هذين الحديثين : المقصود بالساق التى فى الآية هى ساق الله وليس المقصود بها الشدة.

** وإليك أقوال أهل العلم:

قال ابن تيمية رحمه الله :

وقد يُقالُ : إنَّ ظاهرَ القُرآنِ يدُلُّ على ذلك مِن جِهةِ أنَّه أخبَرَ أنه يُكشَفُ عن ساقٍ، ويُدْعَون إلى السُّجودِ، 

والسُّجودُ لا يَصلُحُ إلَّا للهِ، فعُلِمَ أنَّه هو الكاشفُ عن ساقِه، 

وأيضًا فحَمْلُ ذلك على الشِّدَّةِ لا يصِحُّ ؛ لأنَّ المستعمَلَ في الشِّدَّةِ أنْ يُقال : كَشَفَ اللهُ الشِّدَّةَ، أي : أزالها، كما قال : فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ. [الزخرف: 50]،

وقال : فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ. [الأعراف 135]، وقال : وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. [المؤمنون 75]، 

وإذا كان المعروفُ مِن ذلك في اللُّغةِ أنَّه يُقال : كشَفَ الشِّدَّةَ، أي :أزالها، فلَفظُ الآيةِ : يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وهذا يُرادُ به الإظهارُ والإبانةُ، كما قال : كَشَفْنَا عَنْهُمُ، 

وأيضًا فهناك تَحدُثُ الشِّدَّةُ ولا يُزيلُها، فلا يَكشِفُ الشِّدَّةَ يومَ القيامةِ،

لكنَّ هذا الظَّاهرَ ليس ظاهرًا مِن مُجرَّدِ لَفظِ «ساقٍ»، بلْ بالتَّركيبِ والسِّياقِ وتَدبُّرِ المعنى المقصودِ. ينظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (5/472 - 474).

- قال ابن القيم رحمه الله :

... ومن حمل الآية على ذلك قال : قوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ). القلم/ 42. مطابق لقوله : ( فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدًا ). وتنكيره للتعظيم والتفخيم،

كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة جلَّت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه .

 قالوا: وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال : كشفت الشدة عن القوم ، لا : كُشِف عنها،

كما قال الله تعالى : ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ). الزخرف/ 50 ،وقال :  ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ). المؤمنون/ 75 .

.فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه

وأيضا: فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تُزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدةينظر: "الصواعق المرسلة " ( 1 / 252 ، 253 ).

- قال العلامة الشوكاني رحمه الله :

 في تفسير هذه الآية : قد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما ‏صح عن رسول الله عليه وسلم، 

وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شيء ". ‏ينظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/331، 332).

قال العلامة ابن باز رحمه الله :

الرسول ﷺ فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه وهي العلامة التي بينه وبينهم ، 

فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه،

 وإن كانت الحرب يقال لها كشفت عن ساق إذا استشرت وهذا معروف لغويا، قاله أئمة اللغة .

 ولكن في الآية الكريمة يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف وهو كشف الرب عن ساقه، 

وهذه من الصفات التي تليق بالله لا يشابهه فيها أحد جل وعلا... ينظر: (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 317).

- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

.. لولا الحديث الذي فيه أن الله يكشف عن ساقه -جل وعلا- لحرُم أن نفسر الساق بأنها ساق الله، لماذا؟ 

لأن الله لم يضفها إلى نفسه، وكل شيء لا يضيفه إلى نفسه لا يجوز أن تضيفه أنت إلى الله، 

لكن ما دامت السنة جاءت بالسياق المطابق للآية، وأن الساق هو ساق الرب -عز وجل- فإننا نرجِّح أن المراد بالساق هنا ساق الله تبارك وتعالى، 

ولكن يجب أن نعلم أنه لا يماثل سوق المخلوقين؛ 

لأن عندنا آية في كتاب الله محكمة واضحة فيها : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }.[الشورى: 11]، هذا خبر، { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ }. [النحل: 74]، هذا نهيينظر: ([دروس الحرم المدني للشيخ ابن عثيمين (1/ 14)]).


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات