المراد بالآية يوم يجيء الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه العظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه وهي العلامة التي بينه وبينهم فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه.
فقوله سبحانه وتعالى:
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ
وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ.
[القلم: 42 ].
هو بيان لبعض ما يكون يوم القيامة وأن الله سبحانه يكشف عن ساقه فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع ذلك المنافقون وفي هذه الآية إثبات لصفة الساق لله سبحانه
كغيرها من الصفات التي تليق بجلاله نؤمن بها لفظاً ومعنىً ونفوض كيفيتها إلى الله سبحانه القائل: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ). [ الشورى: 11]
قال الشوكاني رحمه الله
في تفسير هذه الآية:
" قد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله عليه وسلم وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شيء". انتهى
قال العلامة السعدي رحمه الله:
"إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يُشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذٍ يدعون إلى السجود لله، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعًا واختيارًا، ويذهب الفُجَّار المنافقون ليسجدوا، فلا يقدرون على السجود".
[تفسير السعدي، ص 881].
والسَّاق
صفةٌ من صفات الذات الخبريَّة
ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب
وصريحِ السنة الصحيحة.
فقد جاء فى السنة الصحيحة ما يثبت أن المقصود بالساق التى فى الآية هى ساق الله وليس المقصود بها الشدة كما جاء عن بعض السلف أنه فسر كشف الساق بمعنى شدة الأمر فهو معارض بما ثبت عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة أن ربنا يكشف عن ساقه سبحانه ، بل مردود بتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم للآية.
- فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا). [رواه البخاري (4919) واللفظ له، ومسلم (183)].
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (... فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا، فذلك قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾، يبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد). [رواه الدارمي (2845) بإسناد حسن
قال الإمام الألباني رحمه الله:
"لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات شيء من التشبيه أصلًا، كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات، وهي حق ثابت، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات، وهي أيضًا حقائق ثابتة تتناسب مع جلال الله وعظمته وتنزيهه، فلا محذور من نسبة الساق إلى الله تعالى إذا ثبت ذلك في الشرع، وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية أن لفظ: ((ساق)) أصح من لفظ: ((ساقه))، فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية؛ لأن سياق الحديث يدل على أن المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى... فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول: ((عن ساقه))، ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق".اه
[(سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/ 128)].
قال العلامة ابن باز رحمه الله:
الرسول ﷺ فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه وهي العلامة التي بينه وبينهم ، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه وإن كانت الحرب يقال لها كشفت عن ساق إذا استشرت وهذا معروف لغويا، قاله أئمة اللغة.
ولكن في الآية الكريمة
يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف وهو كشف الرب عن ساقه وهذه من الصفات التي تليق بالله لا يشابهه فيها أحد جل وعلا وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز وفي ما أخبر به عنه النبي ﷺ كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. [الشورى:11]. وقال تعالى:.قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. [الإخلاص:1-4]
وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى، والله ولي التوفيق.اه
فتفسير الكشف عن الساق
في الآية بإزالة الشدة لا يصحُّ.
قال ابن تيمية رحمه الله:
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾. [القلم: 42]، لم يقل: "يوم يكشف الساق"، وهذا يُبيِّن خطأ من قال المراد بهذه كشف الشدة، وأن الشدة تُسمَّى ساقًا، وأنه لو أريد ذلك لقيل: يوم يُكشَف عن الشدة، أو يَكشِف الشدة".اه
(الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية، ص 293)
وقال أيضا رحمه الله:
أن تركيب الكلام وسياقه وتدبُّر المعنى يدلُّ على أن ظاهر الآية فيه دلالة على صفة الساق لله ، ووجه هذا أن "ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه".اه
بيان تلبيس الجهمية5/ 473- 5/ (474)
قال ابن القيم رحمه الله :
والذين أثبتوا ذلك صفةً كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه ( فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجَّدًا ). ومن حمل الآية على ذلك قال: قوله تعالى: ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ). القلم/ 42 . مطابق لقوله: ( فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدًا ). وتنكيره للتعظيم والتفخيم ، كأنه قال : يكشف عن ساق عظيمة جلَّت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه
قالوا :
وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كشفت الشدة عن القوم ، لا : كُشِف عنها كما قال الله تعالى: ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ). الزخرف/ 50 ، وقال : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ). المؤمنون/ 75 .
فالعذاب والشدة هو
المكشوف لا المكشوف عنه
وأيضاً :
فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تُزال إلا بدخول الجنة وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة .اه
" الصواعق المرسلة " ( 1 / 252 ، 253 ) .
أما قول من قال أن
الصحابة قد تنازعوا في تفسير هذه الآية فليس معناه أنَّ الصحابة اختلفوا في إثبات صفة السَّاق لله عزَّ وجلَّ مع ورودها صراحةً في حديث أبي سعيد المتقدم بل أنهم اختلفوا في تفسير الآية هل المراد بها الكشف عن الشِّدَّة أو المراد الكشف عن ساق الله؟.
والله اعلم
وللفائدة..
تفسير قوله: الرحمن على العرش استوى
تعليقات
إرسال تعليق