قد خاب وخسر من تأول شيئا من صفات الله وحرفها عن معناها كمن يؤول صفة اليد على أنها القدرة ويقول استوى يعني استولى ونحو ذلك فهذا من تحريف الكلم عن موضعه وهو مخطئ فيما تأوله على غير ظاهره مبتدع بقدر ما عنده من المخالفة للسنة والخروج عن طريق أهل السنة والجماعة وفيه من البدعة بقدر ما فيه من المخالفة .
ولكنه ليس بكافر لمجرد هذا التأويل وقد يكون معذورا باجتهاده وتأويله بحسب حاله من العلم والإيمان .
فلم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات فأثبتوا رضي الله عنهم ما أطلقه الله عز وجل على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه ونزهوا من غير تعطيل ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت .
فالتأويل في عرف السلف هو التفسير فينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموماً كله بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل وما دل عليه الدليل يسمي تفسيراً سواء كان الدليل متصلاً بالنص أو منفصلاً عنه.
كما أنه ليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب لأنه سبحانه بينها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، ولم يبين كيفيتها،
فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني وليس التفويض مذهب السلف بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح.
فصفات الله على الحقيقة لا على المجاز
فعن ابنِ عباسٍ في قولِه تعالى : { وسع كرسيُّه السمواتِ والأرضَ } الكرسيُّ موضعُ القدمين ، والعرشُ لا يقدرُ قدرَه إلا اللهُ تعالى . (صحيح موقوف- شرح الطحاوية للالبانى)
فقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : ( وسع كرسيه السموات والأرض ) : " الكرسي موضع القدمين ". يدل دلالة واضحة على أن الاستواء حقيقي وليس مجازيا .
ولهذا قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله : " وهو بنفسه على العرش ، بكماله ، كما وصف ". انتهى من "الرد على الجهمية" (ص/55) .
يقول الإمام الطبري :
إن الصحابة رضوان الله عليهم – كانوا يفهمون معاني القرآن, وتأويله، وتفسيره بما يوافق الطريقة النبوية في الإثبات،
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن . وعنه قال : والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله، إلا أعلم فيما نزلت, وأين نزلت, ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . اه (((تفسير الطبري)) (1/35-36-44) ).
قال ابن كثير رحمه الله :
قوله : يحرفون الكلم عن مواضعه أي : يتأولون على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل؛ قصدا منهم وافتراء.
ويقولون سمعنا وعصينا أي : يقولون : سمعنا ما قلته -يا محمد- ولا نطيعك فيه. هكذا فسره مجاهد، وابن زيد. وهو المراد، وهذا أبلغ في عنادهم وكفرهم، أنهم يتولون عن كتاب الله بعدما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة . ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 323).
قال بن خزيمة رحمه الله :
فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز, وتهامة, واليمن, والعراق, والشام, ومصر مذهبنا : أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه؛ نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، وعز ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدماً كما قاله المبطلون؛
لأنه ما لا صفة له، تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا، الذي وصف الله بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . اه ((كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب))
وقال أيضا رحمه الله :
إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله تعالى، نقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل الصفات لله تعالى والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله تعالى في تنزيله، ونبيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود، وترك التمثيل والتكييف . ينظر: ((ذم التأويل)) لابن قدامة (ص: 18)، ((الأربعين في صفات رب العالمين)) للذهبي (ص: 87).
قال بن عبد البر رحمه الله :
أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة .
وأما أهل البدع, والجهمية, والمعتزلة كلها، والخوارج : فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود،
والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة .اه ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/145).
قال ابن قدامة رحمه الله :
ومذهب السلف رحمة الله عليهم : الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله، أو على لسان رسوله من غير زيادة عليها، ولا نقص منها ولا تجاوز لها، ولا تفسير لها ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها.. .اه ((ذم التأويل)) (ص: 11)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
التأويل له معنيان :
أحدهما : تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره، أو خالفه, فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقارباً، أو مترادفاً وهذا والله أعلم هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله ومحمد بن جرير الطبري عندما يقول في تفسيره، القول في تأويل قوله كذا وكذا, واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير،
والمعنى الثاني في لفظ السلف : هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان طلباً كان تأويله نفس المطلوب وإن كان خبراً كان تأويله نفس الشيء المخبر به .اه ((مجموع الفتاوى)) (13/288-289).
وقال السجزي بعد أن ذكر جملة من أحاديث الصفات :
وقد نطق القرآن بأكثرها، وعند أهل الأثر أنها صفات ذاته، لا يفسر منها إلا ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي، بل نمر هذه الأحاديث على ما جاءت، بعد قبولها والإيمان بها والاعتقاد بما فيها، بلا كيفية . ينظر: ((رسالة السجزي إلى أهل زبيد)) (ص: 268).
وقال ابن هبيرة رحمه الله :
الإجماع انعقد على جواز رواية هذه الأحاديث وإمرارها كما جاءت، مع الإيمان بأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد،
وينبغي لكل مؤمن أن يكون مثبتا لله سبحانه من الصفات ما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونافيا عنه من مشابهة الأجسام ما نفاه القرآن والسنة . ينظر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (4/ 71).
قال أبو عثمان الصابوني رحمه الله :
إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة... يعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت به الأخبار الصحاح، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له (جل جلاله) منها ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم...
ولا يحرفون الكلم عن مواضعه... تحريف المعتزلة والجهمية... وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف, والتكييف, والتشبيه....اه ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص: 3، 4)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
لا يجوز تأويل الصفات ولا صرفها عن ظاهرها اللائق بالله ولا تفويضها بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع.
أما أهل السنة والجماعة فلا يؤولون آيات الصفات وأحاديثها ولا يصرفونها عن ظاهرها ولا يفوضونها بل يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت لله لائق به سبحانه لا يشابه فيه خلقه . انتهى من ("مجموع فتاوى ابن باز" (2 /106-107)) .
وقال أيضا رحمه الله :
ليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب؛ لأنه سبحانه بينها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، ولم يبين كيفيتها،
فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني، وليس التفويض مذهب السلف، بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح.
وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض، وبدعوهم؛ لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه، والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك،
وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته، وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل، وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه، أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/ 55).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
ينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموماً كله بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل وما دل عليه الدليل يسمي تفسيراً سواء كان الدليل متصلاً بالنص أو منفصلاً عنه فصرف الدليل عن ظاهره ليس مذموماً على الإطلاق .
ومثال : التأويل بالدليل المتصل ما جاء في الحديث الثابت في صحيح مسلم في قوله تعالى في الحديث القدسي : ( عبدي جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني ).
فظاهر هذا الحديث أن الله نفسه هو الذي جاع وهو الذي مرض وهذا غير مراد قطعاً، ففسر هذا الحديث بنفس الحديث : ( فقال : أما علمت أن عبدي فلاناً جاع فلم تطعمه، وعبدي فلاناً مرض فلم تعده). فالذي صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى هو الحديث القدسي نفسه فلا يقال : إن صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى الثاني تأويل مذموم.
وقال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } . ظاهر اللفظ أنك إذا بدأت القراءة لم تستعذ لكن قد دل الدليل المنفصل على أن معنى : {إِذَا قَرَأْتَ}. أي إذا أردت أن تقرأ .
لكن عبر عن الإرادة بالفعل ليبين أن المراد بذلك الإرادة المقترنة بالفعل لا الإرادة السابقة، ولو أراد التعبير بالفعل لكان الإنسان إذا أراد في الصباح أن يقرأ في المساء قلنا له : استعذ بالله من الشيطان الرجيم لأنك ستقرأ في آخر الليل، لكن لما عبر بالفعل عن الإرادة دل على أن الإرادة هي الإرادة التي يقترن بها الفعل.
فإذا فهمنا هذا القاعدة وهي أن التأويل الذي قام الدليل عليه ليس مذموماً .اه (كتاب: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)
وسئل أيضا رحمه الله :
هل " الجسم " من صفاته تعالى؟
فأجاب :
مسألة الجسمية لم ترد لا في القرآن ولا في السنَّة إثباتاً ولا نفياً ولكن نقول بالنسبة للفظ : لا ننفي ولا نثبت لا نقول : جسم وغير جسم لكن بالنسبة للمعنى نفصِّل ونستفصل ونقول للقائل : ماذا تعني بالجسم ؟ هل تعني أنه الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به الفاعل بالاختيار القابض الباسط ؟
إن أردت هذا : فهو حق ومعنى صحيح ، فالله تعالى قائم بنفسه فعَّال لما يريد ، متصف بالصفات اللائقة به ، يأخذ ويقبض ويبسط ، يقبض السماوات بيمينه ويهزها ،
وإن أردت بالجسم الشيء الذي يفتقر بعضه إلى بعض ولا يتم إلا بتمام أجزائه : فهذا ممتنع على الله ؛ لأن هذا المعنى يستلزم الحدوث والتركيب ، وهذا شيء ممتنع على الله عز وجل .اه (" شرح العقيدة السفارينية " ( ص 18 ، 19 )) .
أما التأويل الباطل الذي قالت به فرق الإبتداع
فهو صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه، فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه, فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل .اه ((الصفدية)) لابن تيمية (1/291).
قال المقريزي رحمه الله :
مفصلاً مذهب الصحابة والتابعين في الصفات : إنه لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات, نعم،
ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات، أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم, والقدرة, والعظمة، وساقوا الكلام واحداً، وهكذا أثبتوا، رضي الله عنهم ما أطلقه الله عز وجل، على نفسه الكريمة من الوجه واليد، ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه, ونزهوا من غير تعطيل,
ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم شيء من الطرق الكلامية, ولا مسائل الفلسفة, فقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا . اه (((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (2/356)).
وقال ابن القيم رحمه الله :
ردًّا على من حرَّف صفة الاستواء وعطَّلها هذا الذي قالوه باطل من اثنين وأربعين وجهاً :
أحدها : إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله تعالى بلغتهم وأنزل بها كلامه : نوعان : مطلق ومقيد
فالمطلق : ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ). القصص/ 14 وهذا معناه : كمل وتمَّ. يقال : استوى النبات واستوى الطعام .
أما المقيد : فثلاثة أضرب :
أحدها : مقيد بـ " إلى " ، كقوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ). البقرة/ 29 ، وهذا بمعنى العلو والارتفاع ، بإجماع السلف .
الثاني : مقيَّد بـ " على " ، كقوله تعالى : ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ). الزخرف/ 13 ، وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال ، بإجماع أهل اللغة .
الثالث : المقرون بـ " واو " مع التي تعدي الفعل إلى المفعول معه ، نحو : استوى الماء والخشبة ، بمعنى ساواها .
وهذه معاني الإستواء المعقولة في كلامهم ليس فيها معنى " استولى " ألبتة ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتمد قولهم وإنما قاله متأخرو النحاة ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية . اه (" مختصر الصواعق " ( ص 371 ، 372 )) .
وسئل الشيخ الألبانى رحمه الله :
هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول : إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات : نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟
فأجاب رحمه الله :
نحن نعكس السؤال ثم نجيب عن هذا الجواب هل هناك صحابي تأول تآويل الخلف نريد مثالا أو مثالين ؟
السائل :
يذكرون أحيانا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى ؟
الشيخ :
طيب إذا تأوّل ما هو الذي حمله على التأويل ؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين ؟
نحن جوابا على السؤال الأول نقول إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار.
المثال السابق يشبه تماما ما لو قال قائل أعطونا مثالا واحدا أن أحد الصحابة قال هذا فاعل وهذا مفعول به وهذا مفعول للتمييز وهذا للحال إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة وبعد السلف لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل.
لا نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو ووضعوا قواعد الصرف وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه ومنها أصول الحديث إلى آخره .
ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربا أقحاحا فلم يكونوا بحاجة أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.
المهم أن الأصل ليس هو التأويل الأصل هو عدم التأويل وهذا الأصل أمر متفق عند جميع العلماء .
حتى الذين يأولون أي كلام عربي سواء كان متعلقا بآيات الصفات أو أحاديث الصفات أو متعلقا بأي خبر عربي كلهم يتفقون فيقولون مثلا الأصل في كل جملة عربية أن تحمل على الحقيقة وليس على المجاز فإذا تعذرت الحقيقة فحينئذ يقولون نصير إلى المجاز الآن هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف نحن في هذه القاعدة.
فنقول لهم العرب الأوّلون الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص هم ماشون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلا عن السلف .
فإذا حين قال الله عز وجل (( وجاء ربك والملك صفا صفا )) ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة من كلمة جاء الملائكة هل يفهم التأويل المعنى المأوّل أم يفهم المعنى الحقيقي ؟
لا شك أن الجواب سيكون يفهم المعنى الحقيقي سنقول له أعطنا نصا أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي لن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدا لماذا ؟ لأن الأمر واضح لديهم يمشون على قاعدة علمية مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضا فما كان قولهم عن هذ المثال السهل البسيط هو نفس جوابنا على السؤال الذي أوضحته أو وجهته آنفا.
الحقيقة والحق نقول أن هؤلاء المعطلة هم يعني متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرا من أصحابه عن دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع.
فحينما يوردون هذا السؤال معنى ذلك ليس هناك ضابطة لفهم نصوص الشريعة إطلاقا لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم سواء كان سلفيا أو كان خلفيا لا بد له من أن يفسر نصا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفا وهي " الأصل الحقيقة وليس المجاز " .
فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما نقول له ما هو مستندك في هذا التفسير هل عندك نص عن الصحابة عن التابعين عن أتباع التابعين سيضطر أن يعود إلى اللغة .
وحنيئذ نقول هذه حجتنا إليكم لماذا تتأوّلون النصوص التي لا تعجبكم ظاهرها ولا إشكال فيها إنما جاء الإشكال كما هو الأصل من التكييف من التشبيه .
لهذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجؤوا إلى التأويل فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وكذلك وكذلك سورة الصمد (( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا )) لو أنهم وقفوا عند هذا النص ما احتاجوا إلى التأويل لأن مصيرهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.
فإذا قلنا جاء ربك أي كما يليق بجلاله كذلك الملائكة ، الملائكة أيضا خلق من خلق الله لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر بل الجن الذين خلقوا من نار مجيئهم وذهابهم وإيابهم لا يشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن أو المجيء المتلعق بالملائكة أم نقول إن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات .
هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة أي على القاعدة العربية الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز هذا جواب ذلك السؤال.
ثم يخطر في بالي شيء آخر وهو أنه السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة الذين يتظاهرون بالتمسك بعلمهم و بفهمم بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنا إطلاقا مع أن الأئمة هم الذين يعني اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات وتفسير الأحاديث لذلك كان كثيرا من علماء السلف يحذرون عامة الناس أن يجالسوا أهل الأهواء لأنهم أهل شبهات وطرح إشكالات .
ومع الأسف لا يستطيع كثير من أهل العلم أن يجيبوا جوابا مقنعا موافقا للكتاب والسنة من جهة ومتابعا للعقل الصحيح كثير من الناس لا يستطيعون أن يقدموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع لذلك حسموا الباب ونهوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء غيره .اه (سلسلة الهدى والنور-(738))
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق