معتقد أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر من هذه الأمة لا يخلدون في نار جهنم وأن من استحق منهم النار ودخلها سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب أو يشفع فيه أحد الشافعين أو يعفو الله عنه بمحض منه ومغفرته .
ومن الأدلة على ذلك :
1- قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
قال السعدي في تفسيره :
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). (ص181-182): "يخبر تعالى أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك إذا اقتضت حكمته مغفرته. فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ، ويوم القيامة ، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد .
وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا وما لهم يوم القيامة (من شافعين ولا صديق حميم) . ولهذا قال تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أي : افترى جرماً كبيراً وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه ، ثم قال: وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) أي : لمن تاب إليه وأناب".
2- وقال تعالى في الحديث القدسي : " ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة".
ففي تاج العروس (ص: 847 ) :
" وفي الحديث : إِنْ لَقِيتَنِي بِقُرابِ الأَرْضِ خَطِيئةً " أَي : بما يُقَارِبُ مِلأَهَا ".
3- قوله تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
فعن ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حين يشفعون في أصحاب الكبائر ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وقال يوما من الدهر : لا إله إلا الله . كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمضمون ذلك من حديث أنس ، وجابر ، وأبي سعيد وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها . وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة. اه (تفسير ابن كثير)
4- قال رسول الله ﷺ : " فأرفع رأسي ، فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ، ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود الرابعة ، فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ، ووجب عليه الخلود ". قال أبو عبد الله : إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى : خالدين فيها . متفق عليه
ومن أقوال السلف الصالح فى ذلك
1- : قال مقاتل فى تفسيره (1/ 319 ) { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ، فيموت عليه ، يعنى اليهود { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } الشرك { لِمَن يَشَآءُ }. لمن مات موحداً فمشيئته تبارك وتعالى لأهل التوحيد . قال : حدثنا عبيد الله بن ثابت ،قال : حدثنى أبى ، عن الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن رجل ، عن مجاهد : أن الاستثناء لأهل التوحيد .اه
2- جاء فى كتاب الإيمان لأبو عبيد القاسم بن سلام (باب الخروج من الإيمان بالمعاصي) : أما هذا الذي فيه ذكر الذنوب والجرائم فإن الآثار جاءت بالتغليظ على أربعة أنواع : فاثنان منها فيها : نفي الإيمان ، والبراءة من النبي صلى الله عليه وسلم والآخران فيها تسمية الكفر وذكر الشرك ، وكل نوع من هذه الأربعة تجمع أحاديث ذوات عدة .
ثم قال : وإن الذي عندنا في هذا الباب كله : أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيمانا ولا توجب كفرا ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله واشترطه عليهم في مواضع من كتابه.
ثم قال : وأما الآثار المرويات بذكر الكفر والشرك ووجوبهما بالمعاصي فإن معناها عندنا ليست تثبت على أهلها كفرا ولا شركا يزيلان الإيمان عن صاحبه إنما وجوهها : أنها من الأخلاق والسنن التي عليها الكفار والمشركون وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة نحوا مما وجدنا في النوعين الأولين.
ثم قال : وكذلك كل ما كان فيه ذكر كفر أو شرك لأهل القبلة فهو عندنا على هذا ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبه بردة إلا كلمة الكفر خاصة دون غيرها ، وبذلك جاءت الآثار مفسرة .اه
3- قال أبو بكر ابن خزيمة : كذاك نقول في فضائل الأعمال التي ذكرنا أن من عمل من المسلمين بعض تلك الأعمال ثم سدد وقارب ومات على إيمانه دخل الجنة ولم يدخل النار موضع الكفار منها وإن ارتكب بعض المعاصي لذلك لا يجتمع قاتل الكافر إذا مات على إيمانه مع الكافر المقتول في موضع واحد من النار لا أنه لا يدخل النار ولا موضعا منها وإن ارتكب جميع الكبائر خلا الشرك بالله عز وجل إذا لم يشأ الله أن يغفر له ما دون الشرك فقد خبر الله عز و جل أن للنار سبعة أبواب فقال لإبليس إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين إلى قوله تعالى لكل باب منهم جزء مقسوم فأعلمنا ربنا عز و جل أنه قسم تابعي إبليس من الغاوين سبعة أجزاء على عدد أبواب النار فجعل لكل باب منهم جزءا معلوما واستثنى عباده المخلصين من هذا القسم فكل مرتكب معصية زجر الله عنها فقد أغواه إبليس والله عز و جل قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك وإن لم يتب منها لذاك أعلمنا في محكم تنزيله في قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .اه (التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 833 و834 و 835))
4- قال الحافظ ابن حجر : الحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ . فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ . فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ . فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا .ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا . ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ). فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ. والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى .
وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله وجاء بأصل التوحيد ولكنه لم يعمل خيرا قط .
يقول ابن حجر رحمه الله :" وشفاعة أخرى هي : شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ". انتهى. (" فتح الباري " (11/428))
5- ويقول ابن عبد البر رحمه الله : في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله حيث جاء فيها : ( قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ) –
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وهذه اللفظة – يعني ( إلا التوحيد ) إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى ، والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار ، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا ، وهذا ما لا مدفع له ، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة ، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث : ( لم يعمل حسنة قط ) ، أو ( لم يعمل خيرا قط لم يعذبه ) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا ؟ فقال : من خشيتك يا رب ) والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم ، كما قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قالوا : كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده .
ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله : خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا . فلما هلك قال الله : هل عملت خيرا قط ؟ قال لا ، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس ، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا ، قال الله قد تجاوزت عنك ).
قال أبو عمر : فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه ( لعل الله يتجاوز عنا ) : إيمان وإقرار بالرب ومجازاته وكذلك قول الآخر: ( خشيتك يا رب ) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " . انتهى (" التمهيد " (18/40-41) )
6- وقال أيضا ابن عبد البر : الباب الثامن و العشرون ـ في ذكر حال الموحدين في النار و خروجهم منها برحمة أرحم الراحمين و شفاعة الشافعين قد تقدم في الأحاديث الصحيحة أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو و يقع منهم من يقع في النار فإذا دخل أهل الجنة الجنة فقدموا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار فيسألون الله عز وجل إخراجهم منها
و المراد بقوله : [ لم يعملوا خيرا قط ] من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا ومن حديث ابن مسعود موقوفا ويشهد لهذا ما في [ حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله ] خرجاه في الصحيحين. وعند مسلم : [ فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك ]. وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم. والله أعلم (من كتاب : التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار)
7- قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273) : "الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا .
ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر .اه
8- وقال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ)المنتقى - شرح الموطأ (2/ 70) : قوله لم يعمل حسنة قط : ظاهر أن العمل ما تعلق بالجوارح وهو حقيقة العمل وإن جاز أن يطلق على الاعتقاد على سبيل المجاز والاتساع فأخبر صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل أنه لم يعمل شيئا من الحسنات التي تعمل بالجوارح وليس فيه إخبار عن اعتقاد الكفر ، وإنما يحمل هذا الحديث على أنه اعتقد الإيمان ولكنه لم يأت من شرائعه بشيء .اه
9- : قال القاضي عياض قوله : " لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه، وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ إذ تلك أقل المقادير .اه (إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 567))
10- : قال أبُو طالب وأَبُو المجد عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي الأندلسيّ الطّرطوشيّ، ثُمّ المَرّاكُشيّ (المتوفى: 608هـ) : " وفي الحديث أن تلك المقادير المذكورة من مثقال برة وذرة إنما هي مما سوى الإيمان الذي هو قول لا إله إلا الله لكن من سائر الأعمال التي تسمى إيمانا أيضا، لقوله تعالى فيمن قال لا إله إلا الله وليس له غيرها «ليس ذلك لك». وأبانهم عن أهل تلك المقادير لتوحده عز وجل بإخراجهم من النار. وهذا أيضا يبين أن الذي توحد الله عز وجل بإخراجهم من النار فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط إنما هو من قالها مرة واحدة فقط مصدقا ومات على ذلك لأن قول لا إله إلا الله حسنة، فإذا كررها حصلت له حسنة أخرى فهو أزيد خيرا ممن لم يقلها إلا مرة واحدة فقط .اه (تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (1/ 219))
11- قال الإمام النووي : قال القاضي عياض رحمه الله : قيل معنى الخير هنا اليقين. قال : والصحيح أن معناه شئ زائد على مجرد الايمان لأن مجرد الايمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وانما يكون هذا التجزؤ لشئ زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة ويدل عليه قوله في الرواية الاخرى في الكتاب يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا ومثله الرواية الأخرى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي الحديث الآخر لأخرجن من قال لا اله الا الله .اه (شرحه على مسلم (3/ 31) )
12- وهنا مجموعة أقوال لشيخ الإسلام ابن تيمية :
* ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد .اه مجموع الفتاوى (1/ 318)
* وقال : ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان .اه مجموع الفتاوى (7/ 222)
* فصل/ فإن قيل : فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان فيلزم تكفير أهل الذنوب كما تقوله الخوارج أو تخليدهم في النار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما تقوله المعتزلة وكلا هذين القولين شر من قول المرجئة فإن المرجئة منهم جماعة من العلماء والعباد المذكورين عند الأمة بخير وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم .
قيل : أولا ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنة هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار؛ فإن هذا القول من البدع المشهورة وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان ؛ وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان .اه مجموع الفتاوى (7/ 257)
* قلت : وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة أهل السنة بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين معهم شيء من الإيمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين .اه مجموع الفتاوى (10/ 7)
* وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان : فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب والسيئات المقتضية للعقاب حتى يمكن أن يثاب ويعاقب وهذا قول جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون : إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان . اه مجموع الفتاوى (11/ 671)
* وقال : ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدا ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة .اه مجموع الفتاوى (12/ 479)
* وقال : وأما " مسألة الأحكام " وحكمه في الدار الآخرة فالذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان بل يخرج منها من معه مثقال حبة أو مثقال ذرة من إيمان .اه مجموع الفتاوى (12/ 490)
* وقال : قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه . ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم ؛ فغفر الله له } " .
فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم ؛ بعد ما أحرق وذري وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان : " أحدهما " متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير . و" الثاني " متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله .
ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح .
وأيضا : فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان } ". وفي رواية : { مثقال دينار من خير ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان } " . وفي رواية :
" من خير " " { ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير } " وهذا وأمثاله من النصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان والخير وإن كان قليلا وأن الإيمان مما يتبعض ويتجزأ .اه (مجموع الفتاوى)
* وقال : فإن نصوص القرآن تقتضي حبوط العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر و (ق) وغير ذلك، وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصل الإيمان ولا بد أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان .
وأما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يقبل العمل إلا به، كما قال تعالى : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. {مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}. إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه.
وأما «المعتزلة» فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملي، وأنه لا ينعم أبدا، وأن من استحق العقاب لا يستحق ثوابا بحال، ومن استحق الثواب لا يستحق العقاب؛ فالتزموا لذلك أن تحبط جميع الأعمال الصالحة بالفسق، كما تحبط الأعمال بالكفر ثم أكثرهم يفسقون بالكبيرة ومنهم من لا يفسق إلا برجحان السيئات وهي التي تحبط الأعمال وهذا أقرب .اه (إقامة الدليل على إبطال التحليل (4/ 393))
13- قال الطيبى : فإن الشرك لا يغفره الله إلا بتوبة ; كما قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. في موضعين من القرآن وما دون الشرك فهو مع التوبة مغفور وبدون التوبة معلق بالمشيئة . كما قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذبوب جميعا }. فهذا في حق التائبين , ولهذا عمم وأطلق , وختم أنه يغفر الذنوب جميعا. وقال في تلك الآية : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. فخص ما دون الشرك وعلقه بالمشيئة فإذا كان الشرك لا يغفر إلا بتوبة وأما ما دونه فيغفره الله للتائب وقد يغفره بدون التوبة لمن يشاء .اه (شرح المشكاة للطيبي (11/ 3531))
14- قال الملا على القاري : واختلف العلماء في تأويله حسب اختلافهم في أصل الإيمان والتأويل المستقيم هو أن يراد بالأمر المقدر بالشعير والذرة والحبة والخردلة غير الشيء الذي هو حقيقة الإيمان من الخيرات وهو ما يوجد في القلوب من ثمرات الإيمان ولمحات الايقان ولمعان العرفان لأن حقيقة الإيمان الذي هو التصديق الخاص القلبي وكذا الاقرار المقرر اللساني لا يدخلها التجزىء والتبعيض ولا الزيادة ولا النقصان على ما عليه المحققون وحملوا ما قاله غيرهم على الاختلاف اللفظي والنزاع الصوري .اه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 153))
وقال أيضا :
فيخرج أي الله منها أي من النار أو من جهة تلك القبضة قوما لم يعملوا خيرا قط . قال النووي :
هم الذي معهم مجرد الإيمان ولم يؤذن فيهم بالشفاعة وتفرد الله تعالى بعلم ما تكنه القلوب بالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان وفيه دليل على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر له القلب بالرحمة وصحبته نية وعلى زيادة الإيمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة . ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد .
وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد
فإنه لا يقول ابن تيمية ولا غيره أنه يشفع للكفار. اه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 171))
15- قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : وأخرج البخاري في صحيحه بسنده " عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل ـ قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثا - قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما » .
وساق بسند آخر : " حدثنا معتمر قال : سمعت أبي ، قال : سمعت أنسا قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : « من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة . قال : ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، إني أخاف أن يتكلوا » .
قلت : فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلاص .اه (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 59))
وقال أيضا :
ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط يريد بذلك التوحيد المجرد من الأعمال . اهـ ملخصا من شرح سنن ابن ماجه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 66)
16- قال صديق بن حسن القنوجي : وفى هذه الأحاديث فوائد كثيرة منها أن الإيمان يزيد وينقص ومنها أن الأعمال الصالحة من شرائع الإيمان ومنه قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم .
وقيل المراد في هذا الحديث : أعمال القلوب كأنه يقول : اخرجوا من عمل عملا بنية من قلبه لقوله الأعمال بالنيات .
ويجوز أن يكون المراد به رحمة على مسلم رقة على يتيم خوفا من الله تعالى رجاء له توكلا عليه ثقة به مما هي أفعال القلب دون الجوارح وسماها إيمانا لكونها فى محل الإيمان وهذا الذى قواه القرطبى وأيده في التذكرة .اه (يقظة أولي الاعتبار (ص: 233))
17- قال القرطبى : شفاعة رسول الله والملائكة والنبيين والمؤمنين لمن كان له عمل زائد على مجرد التصديق ومن لم يكن معه من الإيمان خير من الدين يتفضل الله عليهم فيخرجوهم من النار فضلا وكرما وعدا منه حقا وكلمته صدقا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فسبحان الرءوف بعبده الوفي بعهده. انتهى (التذكرة: في احوال الموتى وأمور الاخرة)
18- وقال الإمام الألبانى رحمه الله : وفي الحديث (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله... الى اخره). دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان.
ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري : أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط . ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها .اه ( السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3048).
19- وفي حكم تارك الصلاة للألبانى (ص: 33) : قوله :( لم تغش الوجه ) و نحوه الحديث الآتي بعده : ( إلا دارات الوجوه ) : أن من كان مسلما ولكنه كان لا يصلي لا يخرج [ من النار ] إذ لا علامة له. ولذلك تعقبه الحافظ بقوله ( 11 / 457 ) : لكنه يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله : ( لم يعملوا خيرا قط). وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في ( التوحيد ) يعني هذا الحديث وقد فات الحافظ رحمه الله أن في الحديث نفسه تعقبا على ابن أبي جمرة من وجه آخر وهو أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشرا كثيرا لم يكن فيهم مصلون بداهة وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم وهذا ظاهر جدا لا يخفى على أحد إن شاء الله .اه
20- وجاء فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 408) :
الملقي :
إذاً انقطع عني الإشكال، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيراً قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن.
الشيخ :
إيه أيش معنى : لا يدخل الجنة إلا مؤمن كامل؟
مداخلة : لا، لا شك.
الشيخ:
وأنا بقول : تارةً بلى، تارةً لا، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمناً كاملاً، أو على الأقل رجحت سيئاته على، حسناته على سيئاته، أما إذا كان مؤمناً لكن له سوابق، له سيئات إلى آخره، فإذاً إن لم تشمله مشيئة الله بالمغفرة كما قال الله -عز وجل- : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. (النساء:48)، إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ويعذب ما يشاء، حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق : «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها، «إلا بحقها» كما جاء في حديث : «أمرت أن أقاتل الناس» هذا بالنسبة للمؤمنين الكاملين .
أما بالنسبة للمؤمنين العصاة فتنجيهم شهادة أن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان وهذا هو أقل ذرة إيمان، أي لم يكن هنا يعني التزام لحقوق شهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة ترانزيت مع السابقين الأولين، قد يدخلها بعد الحساب، ويكون الحساب نوع من العذاب، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره .اه
21- وجاء أيضا فى موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 413):
مداخلة :
أستاذ، لعل في زيادة في مسند أحمد من حديث ابن مسعود : لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد .
الشيخ : هذا هو
مداخلة : بهذا النص جاءت.
الشيخ : نعم
علي حسن :
الإشكال شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبد الرحمن: «لم يعملوا خيراً قط». أصل من الأصول العظيمة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب على الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان، ولكنها شرط كمال.
الشيخ : كمال الإيمان، نعم
علي حسن :
من شرط كمال الإيمان هذا أحد الأدلة على ذلك.
الشيخ : صحيح . اه
22- وجاء في شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح آل الشيخ : " الله جل وعلا ثبت في الحديث أنه يقول : (شفع الأنبياء وشفعت الملائكة وشفع وشفع وبقي أرحم الراحمين فيأخذ الله جل وعلا بقبضته من النار فيُخرج قوما لم يعملوا خيرا قط فيدخلهم الجنة) .
وهؤلاء الذين لم يعملوا خيرا قط من أهل العلم من استشكل معنى قوله (لم يعملوا خيرا قط) . فيظلون لا عمل لهم يشفع في خروجهم من النار السريع ولا شفيع لهم شفع فالله جل وعلا أرحم بعباده المؤمنين فيأخذ هؤلاء ويخرجهم من النار ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته" .اه
ولا شك أن القول بعدم خلود أهل الكبائر من الموحدين أصل أصيل ثابت بنصوص محكمة وما خالف ظاهره ذلك الأصل فهو من المتشابه الذي يجب رده إلى ذلك الأصل المحكم .
ومن يريد الاستزادة فعليه بهذا الرابط. https://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=37342
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق