">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع فاتتك ر

هل يخلد أهل الكبائر من المسلمين في النار؟


من المسائل التي أثارت تساؤلات واسعة بين المسلمين مسألة مصير مرتكبي الكبائر من أمة محمد  يوم القيامة.
 
* هل يخلدون في النار أم أنهم يُرجى لهم الخروج منها برحمة الله وشفاعته؟

* الجواب على هذا السؤال يتطلب فهمًا لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب، مع الرجوع إلى الكتاب والسنة وكلام أهل العلم.

** نقول : أن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على أن أهل الكبائر من أمة الإسلام الذين ماتوا على التوحيد ولم يشركوا بالله لا يخلدون في نار جهنم،


فمن استحق منهم دخول النار، فإنه سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب، أو تشمله شفاعة الشافعين، أو يتفضل الله عليه بالعفو والمغفرة برحمته الخالصة.


** فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن مرتكب الكبائر من المسلمين إذا مات وهو مُوحِّد، ولكنه لم يتب من ذنوبه،


فإنه تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، قال الله عز وجل : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. (النساء: 48)،


وهذا ما يميز معتقد أهل السنة عن معتقد الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، أو المرجئة الذين يبررون للمرتكب دون عقاب.


** والمقصود بالكبائر : الذنوب العظيمة، وهي كل ذنب أطلق عليه في القرآن أو السنة الصحيحة، أو الإجماع أنه كبيرة، 


أو أنه ذنب عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو كان فيه حد، أو شدد النكير على فاعله، أو ورد فيه لعن فاعله. 


** ومن الأدلة على ذلك :


1- قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }(النساء:116).

* قال العلامة  السعدي رحمه الله : 

فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة؛ كالحسنات الماحية، والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين،

ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد، وهذا بخلاف الشرك؛ فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة. ينظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 181).

2 - قال تعالى في الحديث القدسي : " ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة ". (أخرجه مسلم (2687)).

* قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله -عز وجل- 

فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. ينظر: ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 417).

3 - قال رسول الله ﷺ : شفاعتي لأهلِ الكبائرِ مِن أمتي. (صحيح أبي داود-رقم: (4739 )).

قوله : " لأهل الكبائر من أمتي "، أي : من الذين قالوا : لا إله إلا الله فلا يدخلون بها النار، ومن دخلها فإنه سيخرج بتلك الشفاعة.

* قال ابن أبي العز في ذكر شفاعات النبي  : النوع الثامن : شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار،

فيخرجون منها، وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث... وهذه الشفاعة تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون أيضا. ينظر: ((شرح الطحاوية)) (1/ 290).

4 - قال رسول الله ﷺ : (أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق). أخرجه البخاري (1237)، ومسلم (94) مطولا.

قال الإمام النووي رحمه الله :

أما قوله : (وإن زنى وإن سرق) فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها، وختم لهم بالخلود في الجنة. ينظر: ((شرح مسلم)) (2/97).

حديث : أن النبي  قد جلد رجلا في شرب الخمر، فقال رجل من القوم : اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي : (لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله!  )أخرجه البخاري (6780).

* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : 

وفيه : الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر؛ لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له، 

وفيه : ألا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب؛ لأنه  أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه. ينظر: ((فتح الباري)) (12/78).

** أقوال أهل العلم في مرتكب الكبيرة:

- قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

أجمع تسعون رجلا من التابعين وأئمة المسلمين وأئمة السلف وفقهاء الأمصار، على أن السنة التي توفي عنها رسول الله :... ألا نكفر أحدا من أهل التوحيد وإن عملوا الكبائر. ينظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/130).

- قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله :

كل مرتكب معصية زجر الله عنها، فقد أغواه إبليس، والله عز وجل قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك، وإن لم يتب منها؛

كذاك أعلمنا في محكم تنزيله في قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48]ينظر: ((التوحيد)) (2/ 705).

- قال الإمام الطحاوي رحمه الله :

أهل الكبائر من أمة محمد  في النار، لا يخلدون إذا ماتوا، وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين، 

وهم في مشيئته وحكمه؛ إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. [النساء: 48 و 116]، 

وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنتهينظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 65).

- قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله :

جملة ما عليه أهل الحديث والسنة... ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه؛ كنحو الزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر. ينظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/ 226).

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله : 

إن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، فإن عذبه فبجرمه، وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة، 

وإن تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته وندم واعتقد ألا يعود واستغفر ووجل، كان كمن لم يذنب، 

وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت، وعليه جماعة علماء المسلمين. ينظر: ((التمهيد)) (4/49).

قال الإمام البغوي رحمه الله :

اتفق أهل السنة على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شيء من الكبائر إذا لم يعتقد إباحتها، 

وإذا عمل شيئا منها فمات قبل التوبة لا يخلد في النار، كما جاء به الحديث، بل هو إلى الله؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة برحمته. ينظر: ((شرح السنة)) (1/103).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه  يشفع في أهل الكبائر،

وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد، بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان. ينظر (مجموع الفتاوى (7/ 222).

** أثر هذا الإعتقاد على حياة المسلم :

الإيمان بعدم خلود الموحدين في النار يبعث الطمأنينة في قلب المسلم، لكنه لا يبرر الاستمرار في المعاصي. 

أهل الكبائر معرَّضون للعذاب، وهذا يدعو المسلم إلى التوبة النصوح والعمل الصالح والابتعاد عن الكبائر ما استطاع.


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات