">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع في صلا

تُعدُّ الآية الكريمة في قوله تعالى : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا }. [الإسراء: 74]، 

من الآيات التي تبرز عمق العناية الإلهية بنبيه محمد ، وحمايته من الوقوع في أي نوع من أنواع الميل أو الركون إلى أهل الباطل.
 
** وفي هذا الموضوع، سنوضح معنى هذه الآية وتفسيرها، مع بيان سياقها وأهميتها.

** معنى هذه الآية هو :

ولولا أن ثبتناك يا محمد على الحق وعصمناك من الإنخداع بحيل قومك الكفار، لقاربت أن تميل إليهم شيئا قليلاً، فتفعل بعض الذي سألوك فعله.

** فهذه الآية الكريمة بيَّنت بوضوح تام براءة نبينا محمد ﷺ من مجرد الاقتراب من الركون إلى الكفار، فضلاً عن الركون نفسه،

 وذلك لأن كلمة "لولا" هنا تأتي كأداة امتنان وامتناع لوجود سبب، حيث مُنعت مقاربة الركون بسبب تثبيت الله عز وجل لنبيه الكريم،

ومثل ذلك في المعنى قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. [الأنفال: 68]، إذ امتناع وقوع العذاب في هذه الآية سببه ما سبق في الكتاب.

**  التفسير عند العلماء:

قال الإمام البغوي رحمه الله :

 " لولا " حرف امتناع لوجود أي امتناع تحقيق جوابها لوجود شرطها يعني إذا وجد الشرط امتنع تحقق الجواب فامتنع ركونه ﷺ للمشركين لحصول تثبيت الله له .

فالمعنى : ( ولولا أن ثبتناك ) على الحق بعصمتنا ( لقد كدت تركن ) أي : تميل ( إليهم شيئا قليلا ) أي : قريبا من الفعل .

فإن قيل : كان النبي ﷺ معصوماً فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر؟

قيل: كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزما، وقد غفر الله عز وجل عن حديث النفس.

قال قتادة : كان النبي ﷺ يقول بعد ذلك : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " .

والجواب الصحيح : هو أن الله تعالى قال : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ). وقد ثبته الله ولم يركن 
 
وهذا مثل قوله تعالى : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ". ( النساء - 83 )، وقد تفضل فلم يتبعوا. ينظر: " تفسير البغوى" و((تفسير السمعاني)) (3/265).

- وقال الشيخ المفسر الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

وفي هذه الآية : نفى ركون النبي ﷺ إليهم، وبين أنه غير واقع ولا مقارب الوقوع بأربعة أمور، وهي : 

(لولا) الامتناعية، وفعل المقاربة (كاد) المقتضي أنه ما كان يقع الركون ولكن يقع الاقتراب منه، والتحقير المستفاد من شيئا، والتقليل المستفاد من قليلا. ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/175).  

** ومن فوائد هذه الآية

1 - فيه دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له ألا يزال متملقا لربه أن يثبته على الإيمان، ساعيا في كل سبب موصل إلى ذلك؛

لأن النبي ﷺ وهو أكمل الخلق قال الله له : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. فكيف بغيره ؟.،

فالعبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين، فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما. ينظر : ((تفسير السعدي)) (ص: 464) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/136)

2 - هذه الآية من الأدلة الواضحة على ما خص به النبي ﷺ من الفضائل في شرف جوهره، وزكاء عنصره، ورجحان عقله، وطيب أصله؛ 

لأنها دلت على أنه ﷺ لو وكل إلى نفسه وما خلق الله في طبعه وجبلته من الغرائز الكاملة والأوصاف الفاضلة، ولم يتداركه بما منحه من التثبيت زيادة على ذلك حال النبوة؛ 

لم يركن إليهم - وهم أشد الناس أفكارا، وأصفاهم أفهاما، وأعلمهم بالخداع، مع كثرة عددهم، وعظم صبرهم وجلدهم- ركونا ما أصلا،

وإنما كان قصاراهم أن يقارب الركون شيئا قليلا. ينظر : ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/487)

** خاتمة :

إن الآية الكريمة {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلا} تحمل دروسًا عظيمة للمؤمنين في التمسك بالحق والثبات عليه. 

وقد جاء تثبيت الله للنبي ﷺ دليلاً على عنايته بعباده الصالحين، وتأكيدًا على خطورة الميل ولو بشيء يسير إلى أهل الباطل.


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات