لا يجوز القيام بهذه العمليات الإستشهادية أو الإنتحارية ضد مجموعة من اليهود أو أي كافر آخر لأن من يفعل ذلك يقوم بقتل نفسه بيده لا بأيدي اليهود أو أي بأيدي كافر آخر وهذا واضح وتفجير الإنسان نفسه انتحار محرم لقوله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ). النساء/29 ،
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (.. من قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ). رواه البخاري. فلم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لذلك هو عام .
فهذه العمليات الإستشهادية أو الإنتحارية التي يذهب الإنسان إلى مجموعة من اليهود وقد ملئ جسمه من القنابل لتتفجر ويكون هو أول قتيل فيها محرمة والفاعل لها قاتل لنفسه ،
لكن إذا كان هذا الإنسان فعل هذا جاهلاً يظن أن هذا من تمام الجهاد فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ، وأما من علم بذلك فإنه يعتبر قاتلاً لنفسه .
ولا يمكن قياس هذا على قصة حديث غلام الأخدود؛ لأنه لم يقتل نفسه بيده ، وإنما بيد الملك الكافر، ولا على قصة حديث اقتحام البراء رضي الله عنه، ولا حديث الانغماس في العدو حاسرا؛ لذات السبب؛
ولأن هذه الحالات يوجد فيها احتمال النجاة بخلاف تفجير النفس ، بالإضافة لما يؤدي إليه هذا التفجير أحيانا من ذهاب النفس بلا فائدة أو فائدة قليلة أو ذهاب أبرياء أو التسبب في انتقام مضاعف من العدو .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو ، قاتل لنفسه ، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم ، خالدا فيها مخلدا ، كما ثبتت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه في شيء يعذب به في نار جهنم .
وعجبا من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات ، وهم يقرؤون قول الله تعالى : وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. ( النساء : 29 ) ثم يفعلوا ذلك ، هل يحصدون شيئا ؟هل ينهزم العدو ؟
أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات ، كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود ، حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكا بعنجهيتهم... انتهى من ("شرح رياض الصالحين" (١/ ١٦٥ - ١٦٦)).
وقال أيضا رحمه الله :
..... فأما ما يفعله بعض الناس مِن الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ، ثم يفجرها إذا كان بينهم ، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله ، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين ، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ،
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام ، لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين لم ينتفع الإسلام بذلك ، لم يُسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام ، فإن فيها إسلام كثير ، كل الذين حضروا في هذا الصعيد أسلموا .
أما أن يموت عشرة أو عشرون أو مئة أو مئتان من العدو فهذا لا يقتضي أن يسلم الناس ، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد فتكا ، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين ،
فإن أهل فلسطين إذا كان الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر ، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ، ولا انتفاع للذين فُجرت هذه المتفجرات في صفوفهم ،
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس مِن هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق ، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله ، وأن صاحبه ليس بشهيد ،
لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظانًا أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا ، لأنه لم يسلك طريق الشهادة ، لكنه يسلم من الإثم لأنه متأول ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر ، وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث . انتهى من (شرح رياض الصالحين-(05)).
وسئل أيضا رحمه الله :
يا شيخ بعض العمليات الانتحارية التي في فلسطين تنظمها حركة حماس، هناك بعض العلماء أفتوا بجوازها، ما رأيكم؟
فأجاب :
نرى أن العمليات الانتحارية التي يتيقن الإنسان أنه يموت فيها حرام، بل هي من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم، ولم يستثن شيئاً بل هو عام،
ولأن الجهاد في سبيل الله المقصود به حماية الإسلام والمسلمين، وهذا المنتحر يدمر نفسه ويفقد بانتحاره عضواً من أعضاء المسلمين،
ثم إنه يسبب ضرراً على الآخرين، لأن العدو لن يقتصر على قتل واحد، بل يقتل به أمماً إذا أمكن، ولأنه يحصل من التضييق على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي الذي قد يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، يحصل ضرر عظيم، كما هو الواقع الآن بالنسبة للفلسطينيين مع اليهود.
وقول من يقول : إن هذا جائز ليس مبنياً على أصل، إنما هو مبني على رأي فاسد في الواقع، لأن النتيجة السيئة أضعاف أضعاف ما يحصل بهذا،
ولا حجة لهم في قصة البراء بن مالك -رضي الله عنه- في غزوة اليمامة حيث أمر أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم الباب، فإن قصة البراء ليس فيها هلاك (١٠٠%) ولهذا نجا وفتح الباب ودخل الناس، فليس فيها حجة . انتهى من (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 358.))
وقال أيضا رحمه الله :
هذا الذي وضع على نفسه هذا اللباس الذي يقتل أول من يقتل نفس الرجل، لا شك أنه هو الذي تسبب لقتل نفسه،
ولا يجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام، لا لقتل أفراد من الناس لا يمثلون الرؤساء ولا يمثلون القادة لليهود، أما لو كان هناك نفع عظيم للإسلام لكان ذلك جائزاً .
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك، وضرب لهذا مثلاً بقصة الغلام المؤمن الذي كان في أمة يحكمها رجل مشرك كافر، فأراد هذا الحاكم المشرك الكافر أن يقتل الغلام، فحاول عدة مرات، مرة يلقى من أعلى جبل -هذا الغلام- ومرة يلقى في البحر،
ولكنه كلما فعل ما يهلك به هذا الغلام نجا، فتعجب الملك الحاكم، فقال له يوماً من الأيام : أتريد أن تقتلني؟ قال : نعم، وما فعلت هذا إلا لقتلك. قال : اجمع الناس كلهم، ثم خذ سهماً من كنانتي واجعله في القوس ثم ارمني به، ولكن قل : باسم رب هذا الغلام؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يسموا كانوا يسمون باسم هذا الملك،
فجمع الناس ثم أخذ سهماً من كنانته ووضعها في القوس وقال : باسم رب هذا الغلام، وأطلق القوس فضربه فهلك، فصاح الناس كلهم : الرب رب الغلام، الرب رب الغلام.
وأنكروا ربوبية هذا الحاكم المشرك؛ لأنهم قالوا : هذا الرجل المشرك -الحاكم- فعل كل ما يمكن أن يهلك به الغلام ولم يهلك، ولما جاءت كلمة واحدة : باسم رب هذا الغلام هلك، إذاً : مدبر الكون هو هذا الحاكم أم الله؟ الله، فآمن الناس.
يقول شيخ الإسلام : هذا حصل فيه نفع كبير للإسلام، وإلا فإن من المعلوم أن الذي تسبب بقتل نفسه هو هذا الرجل لا شك، لكنه حصل فيه نفع كبير، آمنت أمة كاملة، فإذا حصل مثل هذا فيقول الإنسان : أنا أفدي ديني بنفسي ولا يهمني،
أما مجرد أن يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، ثم ربما تأخذ اليهود بالثأر فتقتل مئات، ولولا ما يحاولون اليوم من عقد الصلح والسلام كما يقولون، لرأيت فعالهم في الانتقام من الفلسطينيين لهذه الفعلة التي فعلها هذا الرجل . انتهى من (اللقاء الشهري>اللقاء الشهري [22]).
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
عمل الغلام صاحب الأخدود الذي قال للملك : خُذْ سهمًا من كنانتي .. فإن فعلتَ ذلك قتلتني، هل هذا نوعٌ من التَّهلكة أو من الجهاد في سبيل الله؟
فأجاب :
هذا شرع مَن قبلنا، جعله الله لهم، ما هو بشرعٍ لنا، شرعنا تحريم القتل، فالإنسان لا يقتل نفسه ولا يأذن في قتل نفسه إلا في الجهاد.
س : قصدي مَن يأخذه في التفجيرات؟
ج : ما يجوز، التفجيرات لا تجوز، كونه يُفجِّر نفسه ما يجوز.
س : هناك مَن يستدل بهذا على جواز التفجير؟
ج : لا ما يجوز، الرسول نهى عنه، الله يقول : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }. [النساء:29]، والرسول يقول : " مَن قتل نفسَه بشيءٍ عُذِّبَ به يوم القيامة ". انتهى من (فتاوى الدروس).
وسئل أيضا رحمه الله :
ما حكم من يلغم نفسه ليقتل بذلك مجموعة من اليهود؟
فأجاب :
الذي أرى وقد نبهنا غير مرة أن هذا لا يصح، لأنه قتل للنفس، والله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم )، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة )، [رواه البخاري ( 5700 ) ومسلم ( 110 )] ، يسعى في حماية نفسه، وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين، فإن قتل فالحمد لله،
أما أنه يقتل نفسه يضع اللغم في نفسه حتى يقتل معهم : غلط لا يجوز، أو يطعن نفسه معهم، ولكن يجاهد إذا شرع الجهاد مع المسلمين.. انتهى من (شريط : "أقوال العلماء في الجهاد" - الناشر: تسجيلات منهاج السنة بالرياض).
سئل الشيخ الألباني رحمه الله :
الحزام الناسف ، ما يعرف بالأحزمة الناسفة هذه في العمليات القتالية إن كان - مثلًا - في جهاد في سبيل الله جهاد إسلامي مثلًا ، هل ينطبق عليه نفس الحكم أنه انتحار ؟
فأجاب :
نحن نقول أيضًا في هذا ، اليوم لا يجوز هذا ، حينما تكون وعسى أن يكون ذلك قريبًا حكم إسلامي ، دولة إسلامية ، تنظم أمورها على الأحكام الشرعية ،
فيرى الحاكم المسلم أو نائبه الذي هو قائد في الجيش المسلم يرى مثل هذا الانتحار الذي عرف في العصر الحاضر أنه يحقق نصرًا للمسلمين ، فهنا يأخذ بالمفسدة الصغرى دون الكبرى ،
أما الواحد يعطي حكم بنفسه لنفسه هذا جرم كبير جدًّا في تهور فظيع جدًّا وهذا يفعله بعض الناس ، جزاك الله خير ... هذا حرام بلا شك لا يجوز ، وبخاصة أن مثل هذا الانتحار ما يحقِّق إلا القهقرى . انتهى من (تسجيلات متفرقة - شريط : (333)).
وسئل أيضا رحمه الله :
هل من الممكن أن أفجر نفسي بالقنابل التي في يدي قبل أن أتعرض للأسر وأنا في أفعانستان ؟
فأجاب :
لا ما يجوز إلا حينما تقوم الدولة المسلمة ويأمرك الحاكم المسلم بما يراه مصلحة المسلمين ، أما أن يتفرد الجندي المسلم برأي له فيفجر نفسه هذا لا يجوز .
السائل : ما أفجر نفسي أنا أفجر نفسي والعسكري .
الشيخ : فاهم فاهم يا أخي ، أنا ما أريد أن أشرح لأني فهمت منك ، تفجر نفسك لتقتل ألف كافر ، ما يجوز هذا . انتهى من (سلسلة الهدى والنور - شريط : (402)).
وقال أيضا رحمه الله :
... أقول : اليوم لا جهاد في الأرض الإسلامية إطلاقا ، هناك قتال ، هناك قتال في كثير من البلاد ،
أما الجهاد يقوم تحت راية إسلامية ، ويقوم على أساس أحكام إسلامية ، ومن هذه الأحكام أن الجندي لا يتصرف برأيه ، لا يتصرف باجتهاد من عنده ،
وإنما هو يأتمر بأمر قائده ، وهذا القائد ليس هو الذي نصب نفسه قائدا ، وإنما هو الذي نصبه خليفة المسلمين ، فأين خليفة المسلمين اليوم ؟! أين الخليفة بل الحاكم الذي رفع راية الإسلام ، ودعا المسلمين أن يلتفوا حوله ، وأن يجاهدوا في سبيل الله - عز وجل - ؟! هذا لا وجود له ،
...... لذلك نحن نقول للشباب المسلم : حافظوا على حياتكم ، بشرط أن تدرسوا دينكم وإسلامكم ، وأن تتعرفوا عليه تعرفا صحيحا ، وأن تعملوا به في حدود استطاعتكم ،
هذا العمل ولو كان بطيئا ولو كان وئيدا فهو الذي سيثمر الثمرة المرجوة التي يطمع فيها كل مسلم اليوم ،
مهما كانت الخلافات الفكرية أو المنهجية قائمة بينهم ، كلهم متفقون على أن الإسلام يجب أن يكون حاكمًا ، لكن يختلفون في الطرق كما ذكرت أوَّلًا ، " وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - " . انتهى من (سلسلة الهدى والنور - شريط : (760)).
حقاً إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فرحم الله سلفنا الصالح ولا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما أخذُوا العلمَ عن أكابرِهم فإذا أخذُوه من أصاغرِهم (أهل البدع والضلال) وشرارِهم هلَكوا، فانتبه أخي المسلم لذلك.
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق